الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آلهة وبشر في علاقة تبادلية

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


اختلفت مع زميل اللعب حول من يسبق الآخر في القدسية والأهمية للبشر، الله أم النبي. هو يقول "الله" وأنا "النبي". لأننا نذكره أكثر، نحكي عنه أكثر، نصلي عليه أكثر، نحبه- أو نؤمر بأن نحبه- أكثر...الخ، ظننت أنه الأجدر بمكانة الرئيس لا المرؤوس. لكن بعد احتكامنا لطرف ثالث أكثر رشداً، تبين لي أنني كنت مخطئاً: الله هو الإله الذي يُعبد بينما النبي ليس سوى بشر من خلق الله مثلنا مُرسل من طرف الأول عن طريق الوحي ليهدينا إلى السراط المستقيم. لكن الجواب لم يطفئ فضولي: كيف بالله يكون مجرد بشر مثلنا؟!

نحن، في الإسلام، نعيب على المسيحية ادعائها كون عيسى بن مريم ابن الله. نحن ننزه الإله عن أن يلد أو يولد، أو يتخذ له ولداً أو زوجة. لكننا، في الوقت نفسه، ننفي أن يكون لعيسى بن مريم أب من البشر، بل نفخ الإله من روحه في أحشاء أمه لتحمل به وهي عذراء لم يمسسها بشر. وهذا، في الإسلام، هو معتقدنا الصحيح. لكن رغم اقرارنا بكون عيسى هو نفخة من روح الله، لكننا ننفي بشدة أن يكون ’ابناً‘ لله كما تدعي المسيحية أو بعض من مذاهبها على الأقل. وهل هناك فارق حقاً بين ابن النفخة وابن المني؟!

نحن، في الإسلام، نكره بشدة أن تعلق بالإله صفة بشرية. ومن أكثر صفات البشر التي تثير الحساسية الدينية والأخلاقية فينا ممارسة الجنس، أو الجماع، أو العلاقة الحميمة. لذلك حين نقر بكون عيسى ابن مريم ابناً لله، فهذا إقرار ضمني من جانباً بممارسة الإله الجنس مع مريم العذراء حتى تحمل منه ابناً. معاذ الله! هذا تدنيس للذات الإلهية يستحيل أن تتحمله أو تتهاون معه عقليتنا الذكورية. من جهة أخرى، ماذا لو قلنا إن عيسى بن مريم هو ابن الله بالروح وليس بالمني؟ عندئذ ستبقى معضلة الخزي الأخلاقي عالقة في كلمة ’ابن‘ التي لابد أن تحمل دلالة ما من الاتصال الجسدي بين الإله ومريم. وهكذا لا يكون أمامنا مفر سوى أن نقطع علاقة البنوة البيولوجية كليتاً سواء بين الله وعيسى، أو بين الله وأي بشر آخر مهما كان.

رغم ذلك، لا يستفزنا أبداً القول مجازاً بكوننا جميعاً أبناء الله- لكن بمغزى خلق الله وعبيده لا أبناءه البيولوجيين. بهذا المعنى، جميع من في الأرض من البشر وسائر الكائنات خلق الله وعبيده، وبهذا المغزى أبناءه الذين يتوسلون رحمته وعطفه وغفرانه.

يبقى هناك بُعد آخر للمسألة لم نلتفت له بعد. حتى لو كان الله هو الإله وعيسى ومحمد مجرد بشرين، الأول ليس بابنه والثاني لا يسبقه في التقديس والاهتمام، ماذا عن ارتباطهما به وارتباطه بهما؟ ألم يحدث ذلك الارتباط الحتمي امتزاجاً أو تداخلاً ما بين ألوهية الله وبشرية عيسى ومحمد؟ في قول آخر، هذا الارتباط الحاصل ما بين الإلهي والبشري ألم يأخذ من الأول إلى الثاني، ومن الثاني إلى الأول؟ بصراحة أكثر، ألم يؤدي الارتباط بين الإله والبشر إلى ’بشرنة‘ الإله و’تأليه‘ البشر؟

حتى يعرف البشر بالآلهة كان لابد من أفراد بشر منهم يعرفونهم بها. هؤلاء في دينينا نسميهم الرسل والأنبياء ولهم أسماء أخرى في الأديان الأخرى. وحتى يقربوا صور الآلهة إلى مخيلة الناس البشرية المحدودة كان لابد من إلباس الآلهة صفات بشرية، لكن في نطاق المطلق. هذا هو ما أسميه ’بشرنة‘ الآلهة. كذلك، كان لابد أن يؤدي ارتباط هؤلاء الوسطاء البشريين بعالم الآلهة إلى أن يأخذوا هم بدورهم بالضرورة بعضاً من قدسية الآلهة وصفاتهم المطلقة. ومن ثم أصبحوا بشراً ’مؤلهين‘ أو معصومين. بالتالي تصبح العلاقة، أو هكذا أتصورها، بين الإله ورسوله ليست كتلك بين الابن وأبيه البيولوجي، بقدر ما هي كتلك بين وجهي العملة الواحدة، بحيث لا يصح أحدهما من دون الآخر. والاثنان هما نفس الشيء والشيء نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست