الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا بعد إحياء الذكرى الثالثة لإنتفاضة تشرين؟

كمال جبار

2022 / 9 / 27
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


بعد أيام قليلة سنحيي الذكرى الثالثة لإنتفاضة تشرين الباسلة, إنتفاضة شباب واعي خرج في 1 تشرين الثاني 2019 الى الساحات بسلمية كحق يضمنه الدستور مطالباً بفرص عمل وخدمات وحرية وعيش كريم, ليجابه بعنف وقسوة مفرطة ولتتحول رؤوسهم الى أهداف لقناصين مأجورين مهنتهم المبتذلة قتل أكبرعدد من الشباب الثائر قبل أن تنتقل عدوى شجاعتهم وتمردهم وأحلامهم لعراق جميل وأمن ومزدهرالى رؤوس شباب أخرين.

إحياء الإنتفاضة هذا العام وما سنعيش من قادم الأعوام, هو أقل إلتزام إخلاقي نقدمه إحتراماً وعرفاناً وإجلالاً لدماء شهدائنا الزكية وللتضحيات والمعاناة اليومية لجرحانا ولعوائلهم الكريمة. في العامين الماضيين وفي 1-10-2022 وماسيليها من أعوام خرجنا وسنبقى نخرج الى الساحات وسنرفع إعلام وصور شهداء الانتفاضة وسنردد أشعارهم وسنهتف من جديد ضد الفساد والظلم والبرلمان والحكومة والقضاء و"إيران بره بره" و"أمريكا بره بره" و"بإسم الدين باكونا الحرامية" وسنطالب بتقديم قتلة شبابنا الى القضاء وسنلقي الخطابات والكلمات الحماسية ونكرروعيدنا بالتغييرالجذري لبرلمان وحكومة الفساد والعهر السياسي الملطخة إياديها بدماء شهدائنا وبسرقة ثروات وطننا وقوت شعبنا ومستقبل أجيالنا. ثم ماذا؟

اليوم وبألم شديد أقول, كل تظاهراتنا لإحياء ذكرى انتفاضة تشرين الباسلة ما هي إلا "من أضعف الإيمان", وسيكتب التاريخ عن فشلنا في تحويل الانتفاضة, مثلما أراد الشهداء, الى ثورة شعبية عارمة تحقق أحلامهم وأحلامنا في عراق أجمل. بحرقة أقول اننا سنخذل شهدائنا إذا ما واصلنا العمل وفق أليات بليدة وغريبة عن ألف باء العمل السياسي. أليات أصرعدد من شباب تشرين بدون قصد على إعتمادها تدعوا الى نبذ ومقاطعة وتخوين أي تنظيم وعمل حزبي تشريني وغير تشريني ضمن كيان سياسي, وتنشر بغير وعي ثقافة "احنه ثوار مو سياسيين" و "احنه حركات إحتجاجية مو سياسية ".

للأسف, نجحت الطبقة السياسية الفاسدة القابضة على مقاليد الحكم أن تمررهذه الاليات المسمومة الى أذهان بعض الناشطين التشرينيين ومن خلالهم وعبر برامج الفضائيات الى عدد غير قليل من الشباب التشريني الغيورالثائر المخلص لذكرى شهدائنا والصادق على تحقيق أحلامهم, لكن الغير قادرعلى تحقيقها بسبب تبنيه بحسن نية وقلة خبرة لتلك الأليات والأفكار الخطأ التي صورت له السياسة كنوع من التابوهات والموبقات التي ستحول الثوارالى فاسدين, لذلك عليهم أن يتجنبوها. وبهذا الدهاء إستطاعت أحزاب السلطة تأخير ثوار تشرين المخلصين من تحويل الانتفاضة الى ثورة شعبية منظمة تنهي سلطتهم الفاسدة.

قراءة سريعة لنضال الشعوب ضد فساد وغدر ولاعدالة حكوماتها تبين أن إنتفاضات تلك الشعوب لم تتحول إلى ثورات رغم تضحياتها الجسام إلا بعد أن أسسوا أحزاب وحركات سياسية ذات قواعد شعبية واسعة وصلوا من خلالها للسلطة وحققوا مطالب جماهيرهم وفق برامج حكومية وضعها وقادها الثوار. وهذا ما لم نؤسس له في العراق رغم انتفاضاتنا المتكررة في2011, 2015, 2018, 2019 ضد الأحزاب الفاسدة. وهذا ما لم يؤسس له الشباب الايراني والسوري واللبناني والتركي الذي لا يزال يواصل انتفاضاته ضد الاحزاب الحاكمة. لذلك سيبقون وسنبقى نتظاهر ونعتصم وننتفض في الساحات ونقتل فيها إذا لم نقبل خوض العمل السياسي لأيصال شبابنا الى سدة الحكم. ان سياسات الحكومة العراقية والحكومات المذكورة هي سياسات محكومة ومرتبطة بمصالح أقليمية ودولية, لذلك حكومات تلك الدول دافعت وستبقى تدافع عن بقاء حكوماتنا الفاسدة مهما قدمت إنتفاضاتنا من شهداء وجرحى. وفق المواثيق الدولية, حكومات بلداننا منتخبة من قبل شعوبها مهما قلت نسبة الناخبين, وما إنتفاضاتنا إلا شأن داخلي وسيبقى القاتل عراقي والشهيد عراقي وتكتفي الامم المتحدة وحكومات العالم بإصدار مذكرات القلق والاستنكار حين تقتلنا الاجهزة القمعية لحكوماتنا اللاشريفة. لتغيير هذه المعادلة المؤلمة, علينا كتشرينيين إكمال وطرح مشروعنا للدولة المدنية للشارع العراقي والاقليمي والدولي لكي يطمئنوا اننا رجالات دولة ولكي نكسبهم كداعمين ومستفيدين وفق مصالحنا المشتركة.

أخيراً, في الوقت الذي أسجل فيه شكري وتقديري للشباب التشريني الثائرالمدافع بإخلاص وشجاعة من خلال لقاءاتهم في البرامج التلفزيونية عن رقي انتفاضة تشرين وأهدافها وتضحيات شهدائنا, في نفس الوقت وبحكم تجربتي المريرة في مقارعة نظام صدام والنظام الحالي أنبههم الى إستفادة أحزاب السلطة من عزوف التشرينيين عن العمل السياسي الحزبي, وأرجوهم التوقف عن إخافة وأحياناً تخوين التشرينيين من تأسيس أحزاب سياسية أو الانظمام اليها. كذلك أرجو أن يتوقفوا عن المشاركة في برامج ضيوفها من المعروفين من أبواق المسؤولين الفاسدين وقيادات الميليشيات قتلة شبابنا. أن السجال مع هذه الابواق عبر الشاشات لن يغني إنتفاضتنا بشيء وان انتفاضات الشعوب لم ولن تتحول الى ثورات عبر لقاءات تلفزيونية.

في الختام, اليوم وبعد مرور 3 أعوام على بدء الانتفاضة, إن كنا جادين على تحقيق أحلام شهدائنا, يقيناً لن نحققها فقط عبر احياء ذكرى الانتفاضة والمقابلات التلفزيونية والتظاهرات المطلبية, بل نحققها بالتحلي بالشجاعة والاعتراف بالضررالكبير الذي ألحقناه بالانتفاضة حين قبلنا بالعزوف عن العمل السياسي. لذلك علينا أن نباشر فوراً في تنظيم أنفسنا في حركات وأحزاب سياسية تشرينية تنصهر مستقبلاً بحكم مصالح الشعب في حزب تشريني كبير أوعلى الأقل في إئتلاف تشريني فاعل يوصل شبابنا الواعي عبرالمعارك الانتخابية الى مقاعد البرلمان ومراكز صنع القرار في السلطة التنفيذية. لقد تأخرت تشرين كثيراً عن تبني وطرح بصمتها وهويتها السياسية الواضحة المعالم وبرنامجها السياسي للوصول الى السلطة, "الصعوبة ليست في الوصول الى السلطة, بل في المحافظة عليها". أن الأوان أن نتبنى كل هذا ونبدأ العمل وفق التنظيم الحزبي الناجع والصارم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا


.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس




.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم