الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحاجة إلى تعليم ذكوري

زكرياء مزواري

2022 / 9 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قد يبدو العنوان للقارئ مُستفزاً من الوهلة الأولى، وقد يدفعه فضوله إلى قراءة ما سيسطر من أفكار في هذا النص، كما قد يسارع إلى استدعاء أحكام جاهزة يحجر بها كاتب الأسطر، رامياً إيّاه بالرجعية تارة، وبترسيخ النزعة الذكورية تارة أخرى؛ لكن، وإن كان له الحقّ في التّصنيف كما يتّفق ورؤيته للعالم، فليتسع صدره قليلاً إلى سماع رنّات وتقاسيم أخرى باتت تعتمل في المنظومة التعليمية، ولها من التأثير المستقبلي على مستوى هوية المتعلّم، ما قد يدفعه إلى إعادة النظر في المعايير التي يقرأ بها ذاته ومحيطه.
دأبت المقاربة التقنوية للمسألة التعليمية على التركيز الدائم على البعد الكمي لا الكيفي في ما يخص ارتفاع نسبة تمدرس الفتيات وتفوقهن الدراسي مقارنة بالذكور، معزية ذلك إلى حرصهن الشّديد على التعلّم والرغبة في إثبات الذات، وقدرتهن على المنافسة والتحصيل دون أدنى عُقد نقص، بل هناك من الجهات من يستغل هذه المعطيات لخوض حرب جُنوسَةٍ ضد اتجاهات وقوى مجتمعية معينة؛ لكن، ما نغفل عنه كثيراً ونحن نفتخر بهذا الزحف الأنثوي الكاسح في المجال التعليمي هو الطرف الآخر من المتعلمين وهو الذكر. فما هو موقعه في المنظومة؟ وكيف يتمثلها؟
يجرنا هذا السؤال إلى الوقوف مليّاً عند المدرسة، والنّظر في الأدوار غير المصرّح بها، والتي غالباً ما تتوارى لتفسح المجال للمنظورات الأخلاقوية الرّخوة التي تسبغ عليها هالة من القدسية والبراءة والملائكية والحياد. المدرسة كمؤسسة لا ينفصل نشاطها عن نشاط الدولة، بل هي الناطق الإيديدلوجي الرسمي بلسانها، حيث تمارس عبرها كل أشكال الضبط المعرفي والترويض الجسدي، حتى تخلق متعلماً/مواطناً "صالحاً" حسب مقاسها. لندقق الكلام أكثر، حتى لا يذهب عقل القارئ بعيداً في التأويل، وننظر في عملية الترويض الجسدي التي تمارسها المدرسة/ الثكنة على المتعلمين؛ سنجد سلطتها بادية في فرض ملابس محددة يتوفر فيها شرط "الحشمة"، وقصات شعر معينة، وانضباط في طريقة المشي والجلوس داخل القسم/الزنزانة، وعدم ممارسة أي فعل من شأنه أن يخل بالسير التربوي العام للمدرسة. ثم تستتبع هذه الخطوة، عملية ترويضية أخرى للوعي، يكون بموجبها المتعلم "صالحاً" أو"متفوقاً" إن هو انضبط للعقد البيداغوجي، أو حرص على إنجاز تمارينه، أو حفظ مذكراته، أو لزم الخنوع حد الانبطاح لمدرسه، أو أي شيء من هذا القبيل. هذه القيم، إن تأملنا فيها، سنجدها قيماً بالأساس أنثوية، حيث استبطنتها الأنثى منذ الصغر عبر عملية التنشئة الاجتماعية مادامت تحيى داخل ثقافة ذكورية، وصارت جزءاً من شخصيتها، عكس الذكر الذي لا تتلاءم قيم المدرسة مع ما نشأ عليه، وتكون النتيجة المترتبة عن ذلك، نفوره من المدرسة والابتعاد عن تعاليمها، وحصوله على علامات متدنية.
هذه النعومة التي تغذيها المدرسة في شخصية المتعلّم، باتت تطرح مشاكل حقيقية بالنسبة للذكور، حيث ما نلبث سماع شكوى الكثير من المراهقين من عدم ملاءمة هذا الفضاء مع طبيعتهم الميّالة إلى التمرد ورفض الطاعة والانضباط، وعدم وجود معنى من عملية إثبات الذات في الدراسة، فضلاَ عن نزوعهم نحو العنف داخل أسوارها.
مقاربتنا الكمية الاحصائية للمسألة التعليمية تخفي عنا القنبلة التي نؤجل انفجارها، فالمدرسة في المدى المتوسط والبعيد إن هي استمرت بهذه المقاييس، فلا محالة ستفرز لنا المزيد من الأعطاب، وهذه المرة ستكون وخيمة لأنها مرتبطة بأزمة جنوسة؛ ولنكن صرحاء أكثر، ونتأمل وضعية متعلم ذكر، وفي ظل السياسة المتبعة من طرف الدولة في تأنيث قطاع التعليم، وفسح نسب كبيرة للجنس الأنثوي (وصلت مؤخراً إلى أكثر من 80٪)، سنجد أن "الناجح" أو حتى "المتفوق" هو من يمتلك هوية جنوسية قريبة من هوية الأنثى، فجسده مروض بنسبة عالية، وليونته بادية في جميع تصرفاته، لدرجة صار في بعض الأحيان مثار سخرية وتنمر من طرف أقرانه، بل أكثر من ذلك قد تجده ميّالاً في حديثه وجلوسه مع جنس الإناث أكثر من الذكور، نظراً لتقارب بنيته النفسية معهن.
في الأخير، نحن مدعوين إلى إعادة النظر الجذري في مقاييس المدرسة ونظامها التقويمي، وفي طبيعة السياسة التعليمية الهادفة إلى تأنيث القطاع، والتي ربما تكون رهاناتها قصيرة المدى ومختزلة في جوانب اقتصادية (الأنثى ككائن استهلاكي) وهواجس أمنية (قلة/عدم الاحتجاج)، لكن أضرارها ستكون بليغة في المنظور البعيد، ما دامت تشيح بوجهها عن الفروق النفسية والذهنية والبيولوجية بين الجنسين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان