الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبر عاجل: تشكيل حكومة مدنية وعودة الجيش للثكنات !!

فيصل الدابي

2022 / 9 / 28
كتابات ساخرة



الفلس عند السودانيين، بالبلدي كده، هو انعدام أو قلة الفلوس، وللسودانيين عدة أسماء في العامية السودانية القديمة يطلقونها على الزول الفلسان العدمان الحيران منها، المفلس، المقشط، القاعد كنب، القاعد على الحديدة، الحالتو شلش، الاباطو والنجم، المقطع، الحفيان وكل عبارة من هذه العبارات المترادفة تعني الانسان المفلس، نرجع للعامية السودانية القديمة تاني، يعني الزول المفلس هو الزول الما عندو نفاخة النار أو الما عندو التكتحو أو الما عندو سجم رمادو!! أو العندو شوية قريشات لكن ما بيجبن مريسة التامزينا!! ابحثوا عن معنى مريسة التامزينا في قاموس ابليس إذا لم تعرفوا معناها !! المهم أو غير المهم هو أن الزول المفلس غير مرغوب فيه أصلاً، فإذا كان عزابي يزوغ منه أصحابه وتزوغ منه حبيباته (إن وُجدن) ويعيش متطفلاً على موائد العمات والخالات والأخوان والأخوات وحتى ناس حلتو ما بدورو شوفتو لو ظهر، وما بجيبو سيرتو لو غاب، ويعتبره أهل الجزيرة عضيرة، وإذا كان متزوجاً لا تحترمه زوجته ولا أولاده ولا نسابته، وإذا كان مطلقاً تطارده إعلانات المحاكم بأوامر سداد النفقة وربما يدخل السجن حبيساً ثم يخرج إلى الدنيا تعيساً على الطريقة الترابية!! ولعل أبلغ ابيات شعرية قديمة تصور حال المفلس الفقير هي الأبيات الآتية
يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس تغلـق دونه الأبوابا
فهذا يهينــه وذاك يؤنبـه يـرى الـعداوة ولا يــرى أســبابا
حتـى الكــلاب إذا رأتـه عـابراً نبحت عليـه وكشرت انيابا
وإذا رأت يـــــومـاً غــــنيــاً خــضـعت له وحــركت أذنـابا
يعني بالواضح الما فاضح حتى الكلاب ذاتا بجميع انواعها بتحب الأغنياء والمريشين فالقرش في ايد سيدو والناس والكلاب تريدو!! وكل الكلاب بلا استثناء تكره المفلسين وتمارس عنصرية كلبية ضدهم فما أن تراهم حتى تكشر وجوهها الطويلة وتنبح فيهم وتحاول تعضيهم كمان!! والسبب شنو: الفلس بس
أهل الدين، ناس القوالات والعنعنات، يقولون الفلس والغنى أخطر امتحانين قررهما الله سبحانه وتعالى على كل البشر في الدنيا فالفقير غير الصابر والغني غير الشاكر كلاهما ساقط في الامتحان والايمان كلو عبارة عن شكر وصبر وإذا لم ينجح الممتحن في الملحق فقد يُرفد ولا يحصل حتى على تعليق (اعد، قابلني!!) ويقولون إن الفلس الأخطر ليس هو الفلس المالي إنما هو الفلس الديني وأن المفلس الحقيقي هو الذي توزع حساناته يوم القيامة على من ظلمهم في الدنيا ثم يُحشر في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا!! ما فهمنا حاجة من الشيوخ ديل، هم قاصدين شنو؟!! يعني فلس هنا وفلس هناك الحكاية شنو يعني؟!! بعدين الامتحانات لزوما شنو والله سبحانه وتعالى هو علام الغيوب، أما أهل القانون، ناس الكلام الكتير، فيفرقون بين الفلس والاعسار المالي والافلاس، فالفلس حالة عدمية وراثية تنتقل ترانزيت من الفقير للفقير، والاعسار المالي حالة صعوبة مالية ناشئة عن قلة الفلوس وكثرة المتطلبات، أما الافلاس فهو حالة عارضة تصيب الغني فتجعله فقيراً وتسلط الدائنين على ما تبقى من فلوسه فتقسمها المحكمة بينهم بالعدل والقسطاس!! يعني كلو عند العرب صابون، يعني كلو على بعضو ومافيش فايدة في كل الأحوال
كشف الحساب الدولي يقول إن السودان ، حكومة وشعباً ، دولة مفلسة ومعسرة مالياً فهو مدين بأكثر من ستين مليار دولار للدول الغنية وهو يسعى ليل نهار لإسقاط ديونه الخارجية التي ضاع معظمها في حروب أهلية ومشاريع فاشلة داخل السودان ولكن الدائنين الدوليون يرفضون إسقاط الديون ويرفضون تقديم مساعدات تنموية للسودان لأسباب سياسية وهي مطالبة العالم بتشكيل حكومة سودانية مدنية وعودة العسكر إلى الثكنات ولأسباب قانونية تتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بمحاكمة الرئيس السوداني وعدد من كبار معاونيه بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور لكن هؤلاء المطلوبين يحتمون بالجيش المتشبث بالسلطة حتى لا يتم اعتقالهم وترحيلهم ومحاكمتهم في لاهاي بينما لا يحرك الشعب السوداني ساكناً وكأنه ألف التعايش مع حالات الفلس والافلاس والتعثر المالي !! المنطق الحسابي الحار جاف صيفاً وشتاءً يقول إن كل مواطن سوداني داخل وخارج السودان وكل جنين سوداني في بطن أي ام سودانية هو مفلس ومدين للدول الأجنبية وأنه لن يستطيع حل هذا الدين العالمي المهول ولو بعد مليون سنة ضوئية ما دام الوضع الراهن في السودان مستمراً بشكله الحالي والبلد بدون حكومة ومافيش اتفاق بين حزب اتحاد هاجوج وحزب أمة ماجوج، وتحالف انعدام الحرية والتفكير أ وتحالف انعدام الحرية والتفكير ب!! وموجود اتفاق بين البرهان وحميدتي!! وهذا يعني بالبلدي كده أن الفلس هو حالة سودانية عامة ومستمرة ولا حل لها في نظر بعض الاقتصاديين إلا بتغيير سياسي كبير في السودان ينجم عن حوار سلمي وتنازلات متبادلة ويؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية بنسبة مائة في المائة وعودة العسكر إلى الثكنات بنسبة مليون في المائة، ويقول هؤلاء إن بنك السودان يطبع الآن فلوس ورق ساكت يعني لا غطاء ذهبي لها ولا انتاج حقيقي مقابلها والنتيجة العملية الخطيرة هي تضخم اقتصادي رهيب وارتفاع جنوني في الأسعار في كل الأسواق السودانية واتساع أفقي ورأسي في دائرة الفلس والمفلسين في السودان، وهذا يعني أيضاً أن أغنياء السودان ، على قلتهم، هم مفلسون بمفهوم الثراء في العالم الأول وكل أموال السودانيين الذين يعتبرهم السودانيون أغنياء إذا جُمعت ومُنحت لزول سوداني واحد فإنه لن يستطيع الدخول في قائمة أغنى مائة شخص في العالم، لهذا يقول البعض إن الشعب السوداني هو أمة من المفلسين رغم كل ما يُشاع حول وجود بحيرات نفط هائلة يسبح فوقها السودان وجبال ذهب ضخمة تختفي تحت أرض السودان
من المفارقات الكبرى أن المغتربين السودانيين الذين يعملون لسنوات طويلة في مختلف دول العالم يُعتبرون في عداد المفلسين قياساً بمدخولات مواطني تلك الدول وقياساً بمدخولات الأوربيين العاملين فيها، فراتب السوداني المغترب أو المهاجر يتم تقييمه من قبل أصحاب العمل في الدول الأجنبية بالجنيه السوداني وبالتالي فإن معظم دخله يذهب لسداد الإيجارات ومصاريف الدراسة ونفقات المعيشة المرتفعة في تلك الدول بالإضافة إلى واجب إرسال مصاريف للأهل في السودان فيضطر في النهاية للاستدانة من بنوك تلك الدول فيقع في دوامة سداد أصول الديون والفوائد القاتلة والتي تزداد كلما سدد جزءً منها ، وبالتالي يصير مديون داخل وخارج السودان ويصبح حاله كحال السودانيين التعساء الذين قالوا : (مشينا لى مكة تغنينا، قلعت طواقينا!!) من المؤكد أن معظم المغتربين السودانيين، يعانون من سداد القروض في بلاد الاغتراب ويحلمون بالعودة إلى السودان فور نجاحهم في سداد ديونهم ولكن لا أحد يرغب في عودتهم للسودان فالمغترب بالنسبة لأهله مفروض ما يرجع السودان نهائي وهو يصبح في نظرهم مجرد صراف آلي بشري ومفروض يرسل مصاريف شهرية حتى توافيه المنية!! ولعل أعجب ما سمعه الشيطان مؤخراً هو أن الحكومة السودانية، التي تحاول اجتذاب مداخيل المغتربين والمهاجرين السودانيين إلى خزانتها بأي وسيلة، قد هددت معارضيها من المغتربين والمهاجرين بعدم دفنهم في السودان بعد موتهم!! وهذا لعمري تفكير ظلامي لم يخطر حتى ببال قراقوش أكبر ملوك الظلم في كل العصور القديمة!! فمتى، متى يقرأ العالم ويشاهد على جميع شاشات التلفزيونات الخبر السوداني العاجل الذي يقول: تشكيل حكومة مدنية وعودة العسكر إلى الثكنات
من الملاحظ يا بشر أن المفلسين يعانون من الفلس باستمرار ولا يستطيعون التخلص منه بأي حال من الأحوال فحتى إذا أصبحوا من الأغنياء أو المريشين أو المرطبين أو المنغنغين أو المغندلين لأي سبب من الأسباب، فإن كوابيس الفلس القديم تستمر في مطاردتهم في أحلامهم وتنعكس على تصرفاتهم في يقظتهم وصحوهم ولهذا يكره الناس مستجد النعمة (المفلس سابقاً والمرطب حالياً) فهو أشتر في كلامه ومتعنطز في سلوكه ، يعني أرعن ومتكبر، ولا يفهم أصول التعامل الراقي الخالي من المساومات والملاججات والمحاججات كما يقول الأغنياء العريقون في الغنى الموروث أباً عن جد تركي وأماً عن حبوبة مصرية، ولهذا السبب بالذات يُقال إن بعض المحلات التجارية الراقية في أوربا تعلق لافتات تقول بصراحة جارحة: (نحن لا نتعامل مع مستجد النعمة)
في الختام لا يملك الزول السوداني المقطوع الرأس أو المقطوع مالياً أو المقطوع من شجرة إلا أن يرفع يديه ورأسه إلى السماء ويصيح بخشوع ويمثل دور الكورس كمان: اللهم اهدي كل السودانيين إلى صراطك المستقيم في كل حين، ومكنهم من تكوين حكومة مدنيين، واعد إلى الثكنات كل العسكريين، وأشطب كل ديون السودانيين ونجهم من كيد الدائنين، واجعل رؤساء أحزابهم وزعماء قبائلهم في عداد العاقلين، وامنعهم من اشعال الحروب وتقتيل الناس العاديين، واجعل كل همهم في الزراعة ودعم المزارعين، واجعل كل المفلسين السودانيين مريشين ومرطبين ومرتاحين وشبعانين، آمين يا رب العالمين
فيصل علي الدابي/المحامي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق