الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنازة أسطورية وأزمة رأسمالية

رضي السماك

2022 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


الآن وقد هدأت الضجة الإعلامية العالمية التي شغلت العالم على مدار الساعة طوال 11 يوماً حول مراسم جنازة ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية، منذ إعلان وفاتها في الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري، وما تخلل عشرة أيام الحداد الرسمي من مراسم منظمة رتيبة لمواكب ومسيرات تشييع ووداع، حتى اليوم الكبير الطويل بإقامة الجنازة الرسمية الكبرى في 19 من الشهر نفسه، والتي حضرها مئات من قادة العالم من مايقرب مئتي دولة، والعشرات من الشخصيات الأجنبية، حيث ساروا خلف موكب من 4000 عسكري بلغ طوله أميالاً إلى قلعة وندسور حيث مثواها الأخير -وفق مراسم خاصة- في كنيسة الملك جورج السادس، ووصفت "فايننشال تايمز" الحدث بأنه أكبر تجمع لقادة العالم وكبار الشخصيات منذ عقود، فيما وصفه السير ايفور روبرتس بأنه "أعظم انتصار دبلوماسي في التاريخ الحديث"،بينما نعتته مذيعة عربية في برنامج تريندينغ في بي بي سي ب" اللحظة التي توقف فيها التاريخ"! والمفارقة أنه بمعنى آخر كان "التاريخ" خلال أحدى عشر يوماً مغيباً في وسائل الإعلام البريطانية بالفعل، ما خلا ذلك "الحدث العظيم" وحده لاينازعه فيه حدث آخر، وكأنه حدث "يوم القيامة"، إذ أختفت تماماً أخبار الحروب، وأخطرها الروسية الأوكرانية التي كانت قِبلاً شغلها الشاغل، كما أختفت أنباء المجاعات والكوارث،وأخطرها كارثة فيضانات باكستان، هذا بخلاف الأوبئة ومظاهر تغير المناخ اليومية، ليقتصر الأمر فقط على تغطية حدث الجنازة الأسطورية. فهل كانت بريطانيا كواحدة من أعرق الديمقراطيات العلمانية الغربية بحاجة إلى كل تلك البهرجة الإعلامية الضخمة لتشييع ملكتها والتي أنفقت عليها أموالاً طائلة؟وماذا أختلفت في ذلك عن إعلام حكام مستعمراتها ومشيخاتها السابقة بظهورها في ذلك المظهر الإعلامي المقزز بالتورط في تفاصيل التفاصيل الرتيبة المملة لمراسم الجنازة؟ أو ليس ذلك يُعد شكلاً من أشكال ثقافة عبادة الفرد وتقديسه التي تشتهر بها الأنظمة الشمولية والدكتاتورية؟
وإذ صرحت وزيرة الثقافة ميشيل دونيلان لشبكة "سكاي نيوز" أن ما تم أنفاقه جرى بصورة جيدة وأن "مملكتنا تستحق هذا الوداع"! فإن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية قدّرت ما اُنفق على مراسم الجنازة ب 6 ملايين جنيه استرليني، مضيفةً بأن المشكلة الكبرى التي سيواجهها الجمهور البريطاني تتمثل في غياب الشفافية عن الشؤون المالية الخاصة بالعائلة المالكة، سيما وأن الجنازات الرسمية ممولة من المال العام، حيث تمنح وزارة الخزانة للعائلة "منحة سيادية" كان آخرها قبل وفاة الملكة قُدرت ب 100 مليون جنيه، كمخصصات مالية لتأدية واجبات ملكية رسمية، مثل الزيارات والرواتب والتدبير المنزلي، هذا بخلاف تغطية تكاليف الأمن وهي من البنود السرية، وفق الصحيفة الأمريكية نفسها، في حين تبلغ ثروة العائلة المالكة حسب مجلة فوربس الأمريكية 88 مليار دولار، وتُقدر ثروة الملكة الراحلة ب 350 مليون دولار. هذا في الذي قفزت فيه أسعار المواد الغذائية؛ جراء التضحم وأزمة الطاقة، بمعدلات تفوق مما قبل أربعة عقود.
ليس غريباً والحال كذلك أن تستبشر بلدان برحيلها بالانفصال عن التاج البريطاني والتحول إلى النظام الجمهوري الديمقراطي كاستراليا، فلم تتوان عضوة مجلس الشيوخ الاسترالي مهرين فاروقي عن اتهام بريطانيا بالامبراطورية العنصرية التي قامت على سرقة الشعوب وقتل الأبرياء، وأنها" غير حزينة" على رحيل ملكتها. أما ما جنته الأمبراطورية من نهب ثروات عشرات البلدان التي أستعمرتها، ومن بينها بلدان عربية، فحدث ولا حرج، وهي كما فرنسا، لا يُنتظر منها الأعتراف بآثامها التاريخية ،ولابحقوقها في التعويضات المالية التي لاتسقط بالتقادم. والحال أن ما جرى في لندن خلال تلك الجنازة الأسطورية، لا يكشف وجهاً من وجوه أزمة الرأسمالية البريطانية الحاكمة المحتدمة فقط، بل وبقدرتها على التلاعب بوعي الملايين، من أبناء شعبها المتضررين من تلك الأزمة ذاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في