الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تضاريس المسافة بين النظرية والممارسة: ثانيا – إعتبارات تاريخية وتعريفية

محمد رؤوف حامد

2022 / 9 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تمهيد:
ترجع إشكالية العلاقة بين النظرية Theory والممارسة Practice الى زمن بعيد، حيث قد تعرضت لها رؤى وفلسفات عديدة منذ آلاف السنين. ليس معنى استمرارية تواجد هذه الإشكالية، برغم مرور الزمن، أن لم تكن هناك مقاربات برؤى وحلول لها، حيث الرؤى عديدة، وعميقة، وتتطور باستمرار. إنما يرجع السبب - فى تقديرنا - الى تواصلية تطور كل من "النظرية" من جانب، والممارسة من جانب آخر، من خلال مسارات وإيقاعات، تكون فى أحيان كثيرة، منفصلة (أو متباعدة) عن بعضها. لقد إنعكس ذلك سلبيا على تطور العلاقة بينهما، النظرية والممارسة، خاصة عندما تتطور الممارسة بأسرع من (أو بعيدا عن) تطور النظرية.

وهكذا، طول زمن استمرار تواجد هذه الإشكالية، وتفاقم ما ينجم عنها من سلبيات وإهدارات (كما جرت الإشارة فى المقال الأسبق: "أولا -هذا التناول ..لماذا؟")، يدفعان الى التعامل، فيما يستجد من سلسلة تناولات الجزء الأول من الطرح الحالى، مع مسألة العلاقة بين النظرية والممارسة من خلال:
- التعرف على بعض الخلفيات التاريخية والتعريفية للعلاقة بين النظرية والممارسة، مما تعتبر ذات صلة بتطورات الإشكالية.
- تناول الإجتهادات الفكرية المعاصرة بخصوص العلاقة بين النظرية والممارسة.

وأما عن الجزء الثانى من هذه الدراسة، والذى سيأتى، ان شاء الله، بعد إتمام عرض سلسلة تناولات الجزء الأول، فسيختص باستكشافات وإطلالات تطبيقية بشأن العلاقة بين النظرية والممارسة فى مجالات حياتية متنوعة، فضلا عن تناول للمستقبليات.

وهكذا، باعتبار أن الفجوة بين النظرية والممارسة تسهم بقدر كبير فى تضخم الإشكاليات وتصاعد المشكلات، فإن هذه الدراسة تقصد، بجزئيها معا، الى المساهمة فى التوصل الى أحسن مايمكن من مسارات لدعم إستيعاب النظرية والممارسة لبعضهما، ولتكاملهما، مما يساعد فى دفع المسارات الحياتية، على مختلف مستوياتها (محليا ودوليا)، الى ماهو أكثر نضجا ورشادة.

من تناولات المُعلمين الأوائل:
منذ زمن مبكر، حوالى 2500 عام ( )، بدأ التمييز بوضوح بين نوعين رئيسيين من المعرفة، تلك القائمة على الخبرة العملية (أو الواقعية) Phronesis ، والأخرى القائمة على النظرية (أو المعرفة العلمية) Episteme.

كان أفلاطون Plato (وُلد فى 427/428 وتوفى فى 347/348 ق.م.) أكثر ميلا الى أهمية الخبرة الواقعية فى صناعة المعرفة، بينما كان أرسطو (ولد فى 384 وتوفى فى 322 ق.م.) أكثر تحمسا للمعرفة العلمية القائمة على النظريات (وعلى الفهم النظرى للمشكلة). ذلك بينما كل منهما، أفلاطون وأرسطو، كان يدرك التمايزات بين تصنيفات أخرى من المعارف ذات الصلة، وتحديدا المعرفة القائمة على الحدث Intuitive reason، وتلك القائمة على الحكمة الفلسفية Philosophic wisdom، وكذلك المعرفة القائمة على التناولات المهارية اليدوية Craft knowledge ( ).
بمرور الزمن بزغ مصطلح Praxis والذى يتعلق بتناولات خاصة بالممارسة، فضلا عن المعنى البسيط للممارسة Practice باعتبارها أداء شىء ما.

والآن، قبل الإنتقال الى جوهر تضاريس العلاقة بين النظرية والممارسة، يستحق الأمر الإطلال على بعض التفاصيل بشأن التعريفات الخاصة بالنظرية (والفهم النظرى) وبأهم أشكال الممارسة.
1) النظرية:
أصل مصطلح نظرية Theoty هو Theoria فى الإغريقية، وتعنى Speculation أى التأمل والتفكر. ذلك يعنى أن النظرية هى فى الأساس إطار فكرى مرن يأخذ فى الإعتبار عديدا من الملاحظات والوقائع التجريبية والفروض والقوانين، وفى نفس الوقت يقدم إجابات لمشكلات قائمة. إنها، أى النظرية، تقوم على منظومة عقلية جامعة (أو مؤَطِرة) لمعرفة مقبولة تخضع للمناقشة وللحجيات Debetable .
وهنا، من المهم التفرقة بين "النظرية" بالشكل الوارد فى التعريف أعلاه، وما دُرج على التحدث به بين عموم الناس، فى حواراتهم العادية، على غرار القول: " نظريا" ... ، أو "من الناحية النظرية" ... (أى In theory أو Just in theory أو Theoretically). الإستناد - التقليدى (أو العفوى) - للنظرية (كمصطلح) فى هكذا وضع يعنى، من جانب المتحدث، القول بأشياء بناء على الظن أو وجهة النظر، وذلك كإقتراح برؤية أو بحل، عند مناقشة موضوع ما.
هذا، وتجدر الإشارة الى أن مصطلح "نظرية" لايختص فقط بالعلوم الطبيعية (كالكيمياء والبيولوجيا) أو التجريدية (مثل الرياضيات)، وإنما بمختلف مجالات المعرفة المنهجية، حيث تأتى النظرية من خلال رؤى وخبرات بحثية، كما الوضع -على سبيل المثال- فى كل من: السياسة – القانون – الأنثروبولوجى (علم الإنسان) – الإقتصاد – التعليم – الإدارة العامة – الجماليات – علم الإجتماع ...الخ.

2) الحكمة العملية (أو Phrenosis ):
مايطلق عليه Phronesis ، أو الحكمة العملية Practical wisdom ، هو نوع خاص من الممارسة المتمثلة فى )أو القائمة على) مواقف أو إتجاهات. لهذا المصطلح أصل إغريقى/ رومانى، حيث يأتى مشتقا من مصطلح Phrenologie أو Phrenology ، أى علم الجماجم، والذى يعنى نوع من المعرفة يختص بدراسة شكل رأس الإنسان، حيث يرى البعض أن هكذا دراسات تساعد فى الإستدلال على خصائص الشخص صاحب الرأس ( ).
يصف البعض هذا النوع من السلوك، والذى يقوم على مواقف أو إتجاهات، بأنه ممارسة للحكمة فى إختيار النهايات (أو الأهداف) والوسائل التى تقود لها، وكذلك القدرة على الموازنة (الحكيمة) بين الأهداف (أو التوجهات) المتناقضة. بمعنى آخر تأتى هذه الممارسة كنتاج لقدرة منطقية على حسن التعامل مع الواقع، وبالتالى تكون نتاجا لمسار التعلُم عند شخص ما، وليس فى إطار تعليمها له.
وهكذا، ما يشار إليه بالحكمة العملية Phronesis يختلف تماما عن "النظرية". إنها، شىء يحمله شخص، وهى أمر خاص به. وعليه، تتباين الحكمة العملية بين الأشخاص طبقا لتباين مسارات (وخلفيات) تولدها عندهم، أو زرعها فيهم، أو ممارساتهم لها. ومن المعروف أنها تنبع من خليط من التعلُم والخبرة والتنوع المعرفى.
وبينما قد يُرى أن الحكمة العملية يمكن أن تؤدى الى تفكير إختراقى، والى إبداع، والى زيادة قدرة الفرد على إصدار أحكام جيدة بخصوص ما يُستوجب فعله فى وضع (أو ظرف) ما، فإنها من الممكن أيضا أن تؤدى الى العكس، الأمر الذى يكون على الشخص الممارس لهذا النوع من التوجهات أن ينتبه إليه، وأن يتحمله.

3) الممارسة (أوالممارسات) النمطية Praxis
فى الأساس، هذا النوع من الممارسة (أو الطريقة فى الأداء) Praxis (والذى يرجع صكه الى الإغريقية القديمة) هو أقرب الى الأداءات (الحياتية/النمطية) فيما يتعلق بالناس (أفعال – أنشطة .. الخ)، مثل الأداءات فى دور العبادة (فى مختلف الأديان)، ومثل أداءات تلاميذ المدارس فى طابور الصباح، أو أداءات المساجين (والسجانين) فترة تنفيذ الأحكام. أيضا، ينطبق هذا النوع من التعريف على الأداءات فى ممارسات المهن (والمهام) المختلفة، مثل أداء الأطقم الصحية فى المستشفيات، ومثل الإستهلالات فى ترافعات المحامين أمام القضاء، تماما كما ينطبق على الممارسات النوعية للمجرمين. ويمكن إدراك قدر الإختلاف بين هكذا نوع من الممارسات من جانب، والنظرية من جانب آخر، بالإشارة الى الإجرام كممارسات Praxis، مقارنة بالإجرام كعلم Crimanology ( ).
هذا، ونظن أن بعض الأفكار والتوجهات، خاصة فى المجالات السياسية والإجتماعية، يمكن أن تساهم فى نشأة ممارسات قريبة من النمطية. ربما هنا يمكن الإشارة -كأمثلة- الى خصوصيات فى الإستجابات والتحيات عسكرية الطابع (على غرارمايحدث فى المناسبات الخاصة بوضع الورود على قبر الجندى المجهول، أو فى سلوكيات الإستجابة للأوامر مثل "هاى هتلر" عند النازى). أيضا، فى هكذا سياق يمكن الإشارة الى نموذج هتافات "بالروح بالدم ..."، والتى كان لها انتشارا -مصريا وعربيا- فى بعض الأوقات.

4) الصنعة أو الحرفة اليدوية Craft :
هنا تكون "الممارسة" مهارية بالأيدى، كنشاط يدوى، وتوجد فى مجالات تتعلق -مثلا- بالنسيج، أو الأوانى، أو الزجاجيات ..الخ. أيضا، قد تتعلق الممارسة المهارية بشأن سلبى، مثل بعض ممارسات غش (وسرقة) الآخرين.

5) الممارسة Practice :
تماما، كما ذُكر أعلاه، يأتى المعنى الأصلى والبسيط لمصطلح "الممارسة" Practice، باعتباره أداء (أو فعل) أو وصف لشىء ما. هذا المعنى تشرحه التناولات القاموسية بشكل مباشر ( ) على غرار مايلى:
- إتجاه المدرس الى تحويل فكرة فى ذهنه لتكون "ممارسة" فعلية فى الفصل الدراسى.
- "ممارسة" للتدرب على شىء ما، مثل العزف على آلة موسيقية، أو تسديد ضربات الجزاء فى كرة القدم.
- وصف لخبرة "ممارساتية" ما Practical experience ، أو لفعل ما بأنه غير عملى Impractical .
- وصف لمعايير تختص بالممارسة Guidelines for Good Practice.

6) ملاحظات بشأن التنوعات الخاصة بعموم أنواع الممارسة:
وهكذا، مع تعدد الأشكال ال"تطبيقية" للممارسة، بدءا من الممارسة Practice كفعل، أو أداء بسيط، أو وصف للفعل أو للأداء ، ومرورا بالممارسة كنمط حياتى ممارساتى(مُرَكب الى حد كبير) Praxis ، أوكمهارة فى صناعة يدوية Craft ، ووصولا الى الحكمة العملية Phrenosis ، تبرز الحاجة للأخذ فى الإعتبار للملاحظات التالية:
- الممارسة البسيطة كأداء Practice تكون دوما فى حاجة الى التجويد والتطوير.
- تعتبر الممارسة المركبة، بكونها نمط حياتى (فى طريقة عمل الأشياء) Praxis ، مسألة مجتمعية. ذلك يجعلها دوما فى حاجة الى الفهم وتطوير الفهم، وإلى التحسين. لذا نشأت فى هذا الخصوص نظريات متعددة يطلق عليها مجتمعة social practices Theory of(أو: Praxeology) ، وفى كل منها تنقيبات، واجتهادات، وشروحات، وتفسيرات، ورؤى، وهو أمر سيأتى التعامل معه بالتفصيل فيمابعد.
- الى حد كبير، يُنظر الى مسألة الحكمة العملية Practical wisdom (أو Phrenosis) باعتبارها مسألة شخصية، ونظنها تحتاج الى إبحارات تحليلية (تنقيبية وتقييمية) متعددة المجالات، تقوم على مقاربات من علوم النفس والإجتماع والإدارة، مثلا.
من جانب آخر، يكون الفرد صاحب الحكمة العملية هو -فى الأساس- المستفيد الرئيسى (أو الوحيد) من حسناتها (أو مخرجاتها). لذا، إذا تصادف أن ممارسة لحكمة عملية ما قد أدت الى خسارة، فمن الطبيعى أن يخضع صاحبها (وليس آخرين) لتحمل النتيجة. وعليه، تكون ممارسة الحكمة العملية مقصورة على ما يتعلق بالشأن الخاص بصاحبها، بمعنى إلتزاماته وأعماله الخاصة (منشأة تجارية - تربية الأولاد - العلاقة بالجيران أو الأصدقاء ...الخ). وعلى العكس من ذلك يكون الوضع بخصوص مجالات الشأن العام، حيث لايمكن الإعتماد فى إدارة شركة عامة، أو جامعة، أو وزارة، أو منظمة مجتمعية أو دولية، على منظور الحكمة العملية للمدير أو للرئيس أو للقائد. وهكذا، فى إدارة الشأن العام للكيانات العامة ووحدات العمل لاتكون المرجعية للحكمة العملية Phrenosis وإنما لفنون فى الإدارة والقيادة. فنون تعتمد على نظريات، وقواعد، وتمحيصات لها خلفيات معرفية.

7) نموذج "إفتراضى" لمآسى قيادة الشأن العام باستخدام الحكمة العملية:
عموما، فى عديد من بلدان الجنوب، ومن بينها بلداننا العربية، نجد نموذج لقيادة (فى موقع مدير أو وزير أو حاكم ..الخ) يدير مسؤلياته بتوجيهات ورؤى تكاد لا تكون لها علاقة بنظريات وقواعد وفنون الإدارة. إنها تصدر أساسا مما يعتقده هو صوابا، فقط من منظور ثقته بخبراته الشخصية، أى من منطلق الحكمة العملية الفردية الخاصة به، والمسماه ال Phrenosis . المؤسف عندها أن يحدث إنصياع من مساعديه أو مستشاريه الى هكذا توجيهات، دون تدخل تصحيحى منهم، تحرجا أو تخوفا أو نفاقا، وبرغم درايتهم، المعرفية العلمية، بخطأ مايجرى. المؤسف أكثر من ذلك، إذا حدث وبادر القائد بالتساؤل عما ينبغى إتخاذه من مسار فى موضوع ما، أن يحرص المساعدين أو المستشارين على التطوع بتقديم رؤاهم من منظور مايعتقدون أنه سيتوافق مع الرغبات الشخصية للقائد. وقد تبلغ الإشكالية أبعادا كوميدية فجة (وهزلية) إذا مااتجه المساعد أو المستشار الى سؤال القائد: فى أى اتجاه تودون فخامتكم أن تكون الإجابة (أو يكون المسار)؟
وهكذا، يحدث أن تتلف أحوال وتضاريس الشأن العام تدريجيا، سواء على مستوى إدارة أو وزارة أو دولة، إذا ماجرى استفحال الإبتعاد عن التحليلات النظرية والقواعد المعرفية نتيجة تفضيل المساعدين أو المستشارين للإنصياع للحكمة العملية Practical wisdom (أو ال Phrenosis) للرئيس، قائد الإدارة أو الوزارة أو الدولة، ممايعود بالضرر على منظومات العمل وكياناته، ويؤدى الى إنهيارها.

8) نظرة عامة مقارنة:
ربما يجدر الآن عمل إطلالة موجزة على ما يوجد من تباين بين خصائص النظرية (أو الفهم النظرى) من جانب، ومجمل أنواع الممارسة، والقائمة على الواقع، من جانب آخر. فى هذا الصدد يمكن الإشارة الى مايلى ( ):

أ) المعرفة المعتمدة أساسا على ممارسات الواقع تأخذ فى الإعتبار (وترتبط ب) أشياء وسياقات خاصة ومحددة Particulars، بينما المعرفة المعتمدة على الفهم النظرى تكون معرفة عامة Universal.
بمعنى آخر، المعرفة الممارساتية تتنوع فى طبيعتها طبقا لواقع وظروف الممارسة، بينما المعرفة النظرية تكون أقرب الى المعرفة العلمية، حيث لها ذاتيتها واتساقاتها وقوانينها فى أى مكان وزمان، مالم يثبت غير ذلك.

ب) يبزغ اليقين فى المعرفة الممارساتية من الجوانب (أو الملامح) الجزئية، و/أو التفصيلية، للحالة التى تتناولها هذه المعرفة. ذلك يجعل هذا النوع من المعرفة - فى بعض الأحيان - متسلطا (أو مهيمنا) على المبادىء النظرية التى قد تمت بصلة بالجزئيات والتفاصيل. وفى المقابل، فإن جوهر المعرفة النظرية يكمن فيما تقوم عليه من مفاهيم ومبادىء.
هذا الإختلاف، بين هذين النوعين من المعرفة، قد استند إليه أرسطو فى تفسير ظاهرة وجود تميز (وتأثير) عملى لمن لايملكون معارف وأفكار عامةUniversal (بمعنى معارف نظرية). فى هذا الخصوص توجد، فى مختلف المجتمعات، أمثلة لبعض رجال الأعمال والحرفيين، ممن يكونون أكثر تأثيرا وقيادية فى الإنجاز، وفى توجيه الأمور.

ج) مما سبق ذكره، تقوم المعرفة الممارساتية -أساسا- على الحس، أو الخبرة، بخصوص استيعاب جزئية (أو جزئيات) معينة. ذلك بينما، فى المقابل، تكون المعرفة النظرية قائمة على منظور مفاهيمى له تطبيقات عامة Universal. إنها معرفة تمت للعلم Science .

د) أيضا، فى المعرفة المعتمدة على (أو النابعة من) الممارسة لاتوجد قائمة من قوانين مجردة للتطبيق على مسائل محددة، الأمر الذى يرجع الى كثرة الخصوصيات والتفاصيل، وما قد يكون غريبا غير متوقعا. هكذا اعتبارات تجعل المعرفة الممارساتية أضيق -نسبيا- من أن يجمعها (أو أن تخضع ل) قانون عام.
فى نفس الوقت، إذا ما بزغت مشكلة (أو مسألة) ما، أثناء الممارسة العملية، فإن التعامل معها (أو مع ماتفضى إليه المشكلة أو المسألة) يعتمد على قدر ونوع المعرفة عند مستكشف المشكلة، أو صاحب السؤال، سواء هى معرفة نابعة من الممارسة بشكل محض، أو معرفة تتضمن بعض الجوانب النظرية.

وبوجه عام يقع العبء الأكبر بشأن تجسير الفجوة بين نوعى المعرفة، الممارساتية والنظرية، على المعرفة المفاهيمية (أو النظرية).
فى هذا الخصوص، يعتبر بناء جسر بين النظرية والممارسة عملا إبداعيا أشبه عند البعض ببناء ثقب فى الفراغ ( ). أما من يكون على دراية بالمعرفتين، النظرية والعملية معا، فيُعتبر قوة دافعة، أو مُضاعف للقوة Force multiplier ( ).

مؤقتا، و بإيجاز، فيما يتعلق بالعلاقة بين كل من النظرية من جانب، والممارسة من جانب آخر، يمكن القول بأن هذه العلاقة ترتكز على أن "النظرية" تعنى وجود نسق واضح لمعارف مقبولة، ووجود "فرض" يمكن الإستناد اليه فى الرؤية والتفسير والتقييم. وبالتالى فإن النظرية تقدم ما يشبه "الإعتقاد" قى مجال معرفى ما، ويكون من شأن هذا الإعتقاد (أو النظرية) ترشيد التصرف (أو السلوك) بشأن الرؤية والتحليل واتخاذ القرارات ...الخ.

ومن الناحية العملية يمكن للنظرية أن تساهم فى رفع القدرات المستقبلية للممارسة، أو فى التدقيق والتحسين فى بعض نواحيها، أو فى جزئياتها وعناصرها. هذا، وتستمر مسألة الرجوع الى نظرية معينة (بخصوص العمل فى مجال ما) مالم تظهر نظرية أخرى أحدث، تضيف الى الأولى أو تعالج أوجه قصور فيها.
عند هذا الحد من هذه الدراسة نكون بصدد الولوج الى " الإجتهادات الفكرية المعاصرة بشأن النظرية والمدارسة"، فى التناول القادم بإذن الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟