الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تباين الثروات في العراق الجديد

محمد رضا عباس

2022 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


شيء غريب يحدث في العراق ولابد للذين يتحاربون من اجل السلطة والامتيازات معالجته قبل ان يخرج الوضع عن سيطرتهم ويعودن الى حياة الغربة والبؤس ان كانوا محظوظين, انه ازدياد تفاوت الثروات . ففي العراق وفي بغداد خصوصا وصل سعر المتر الواحد من الارض ما بين 2000و 5000 دولار وفي بعض مناطقها وصل سعر المتر الواحد اكثر من 10,000 دولار وهو سعر يفوق سعر المتر الواحد في مدينة لندن وباريس و واشنطن .هذا مع العلم ان اكثر من نصف الشعب العراقي لا يملك انج واحد من الارض و لا يمكنهم من شرائها.
في العراق وصل عدد السيارات الخاصة الى اكثر من 7 مليون سيارة عام 2020 , اي بواقع 175 سيارة لكل 1000 نسمة او سيارة واحده لكل 5 اشخاص. هذا مع العلم ان نصف هذا العدد هي سيارات للأجرة وانها تشكل الدخل اليومي لأصحابها.
عدد من غادر العراق لغرض السياحة والاستجمام كان 100 الف مواطن خلال الايام الاولى من شهر ذي الحجة , قبل عيد الاضحى, فيما وصلت مصاريفهم التقديرية 100 مليون دولار , اي بواقع 1000 دولار للفرد الواحد. هذا مع العلم ان مئات الالاف من العراقيين لا يتجاوز راتبهم الشهري 500 دولار و لا يستطيعوا توفير ما تحتاجه عوائلهم .
فجوة ثروات بين الفقراء و الاغنياء موجودة في كل دول العالم , الغنية والفقيرة على حدا سواء , ولكن سعة الفجوة في العراق يمكن ملاحظتها بالعين المجردة وانت تسير في جميع مدن العراق واسواقها. عدد البسطات والاكشاك على جوانب شوارع المدن العراقية المهمة اصبحت ظاهرات لا تتفوق عليها الا مدن الهند و باكستان الفقيرة . عدد سيارات الاجرة في شوارع المدن اصبحت تزعج المارة من كثرة اصوات المنبهات . مطاعم تتفاوت اسعار وجبة الفاصولية اليابسة مع التمن من 3500 دينار الى 35,000 دينار . انها موجودة بكثافة في كل شارع تقريبا , حتى بين الدور السكنية.
كثرة عدد سيارات الاجرة , عدد المطاعم , وعدد المولات لا يعني ان العراق اصبح بريطانيا او فرنسا او المانيا , وانما يعني ان فرص عمل حقيقية قادرة على توفر مستوى معاشي لائق للعراقيين غير متوفرة , وان المواطن العراقي التجا الى هذه الاعمال من اجل توفير لقمة العيش لأفراد عائلته. هؤلاء الناس ليس لهم المال الكافي لصرفه على السياحة في استنبول او طهران او بيروت , واغلبهم لا يملكون متر واحد من الارض , و لا يستطيعون ارسال اولادهم الى المدارس الخاصة من كل الانواع والأصناف . لقد اصبح المجتمع العراقي منقسم بين فقير وغني , وهي ظاهرة تعمل جميع الحكومات على اصلاحها نظرا للمخاطر المجتمعية التي تصاحب هذه الظاهرة.
كيف حصلت هذه الفجوة في العراق؟ الفجوة كانت موجودة ولكنها اتسعت رقعتها بعد التغيير . قادة البلاد الجدد لم يستطيعوا اعادة الحياة الى المشاريع الصناعية والزراعية القائمة ولم يستطيعوا اضافة اخرى , مما اضطر ابناء المحافظات الهجرة الى مراكز المدن الكبيرة من اجل فرصة عمل تصون كرمتهم , الا ان هذه المدن بالآصل تعاني من نقص فرص العمل والخدمات . وهكذا تقلصت فرص العمل في هذه الاماكن اكثر في ظل المنافسة من قبل المهاجرين , واضطروا باستثمار ثروتهم البسيطة في اعمال لا تدر عليهم المال الكثير , مثل الجنابر والاكشاك , حيث ان استثمار خمسون دولار في احد الاعمال لا ينتج عنه دخل يسمح لمالكه الزواج او بناء البيت .
و بمقابل فشل الحكومات المتعاقبة بتوفير عمل مناسب في قطاع الزراعة والصناعة , قامت هذه الحكومات بالتوسع في التوظيف و توفير الرعاية الاجتماعية , حتى اصبح عدد موظفي الدولة العراقية اكثر من 6 مليون موظف وعدد المنتفعين من الرواتب التقاعدية والرعاية الاجتماعية ما يقارب 4 مليون مواطن , واصبح تخصيصات الرواتب والاعانات في ميزانية الدولة ما يقارب 70% . لقد اصبحت ميزانية الدولة المحرك الحقيقي للاقتصاد الوطني بدلا من القطاع الخاص . بكلام اخر اصبحت وظيفة ميزانية الدولة تشغيلية (توزيع رواتب) وليست استثمارية . واصبح العراق يفتقر الى شوارع حديثه , جسور, سدود , مطارات حديثة, ابنية حكومية تليق بتاريخ العراق , مدارس و مستشفيات .
وامام فشل اداء القطاع الزراعي والصناعي والاستثمار , انتعش قطاع التجارة الخارجية من اجل سد ما يحتاجه العراقيون من سلع وخدمات . وكما هو معروف هو ان التجارة والسياسة صديقان لا يفترقان , فان التجارة اصبحت تغذي السياسة والسياسة تغذي التجارة , وازدهر الاثنان معا في العراق .في هذا المعنى كتب رستم محمود في الحرة وهو يصف ابناء المسؤولين الكبار في العراق " فلكل حزب وتيار سياسي مجموعة من (القادة الاقتصاديين ), وهم بشكل حصري من ابناء وعوائل( قادة )هذا الحزب , من الذين ينفذون يملكون مهارتين متراكبتين : تحويل الرأسمال السياسي والسلطوي الذي للآباء الى رأسمال وثروة مالية للأبناء والعائلات , وتحويلها بأغلبيتها للخارج . كذلك يجهدون لتشكيل مجموعة من المؤسسات الاقتصادية الاحتكارية ,بالذات في القطاعات ذات الربحية العالية والمؤمنة, لخلق موارد دائمة التدفق".
ومع مخاطر ايداع الودائع المالية الكبيرة في بنوك الدول الخارجية والتشدد العالمي ضد تهريب الاموال اصبح لا خيار لأغنياء العراق (القطط السمان) الا ابقاء اموالهم داخل العراق ولكن ليس في مشاريع الصناعة والزراعة وانما في العقار , فكانت احد نتائجه هو ارتفاع اسعار العقارات بشكل غير معقول , حتى اصبح من المستحيل على طبيب اختصاص جراحة عامة (يخاف الله) من التقرب لشراء دار سكن متواضع له ولأفراد عائلته .
وكما هو معروف في العراق , الخير يخير والفقر يغير , وطالما لا يوجد استثمار للعوائل الغنية في العراق على طريقة المسلسل التركي (تفاح الحرام) او المسلسل اللبناني (عروس بيروت) , فان اموال من "وفقهم الله" اخذت تذهب الى شراء الاراضي والعقارات بشكل رهيب , حتى اصبح كما يقول احد اصدقائي اذا عرضت دارا في العصر سيكون له مشترى في صباح اليوم التالي .
لماذا بدأت اصدق بهذا السناريو ؟ لان من غير المعقول ان يستطع موظف حكومي مهما بلغ من درجة وظيفية عالية شراء بيت متواضع , خاصة اذا كان هذا الموظف لديه عائلة من ثلاث ابناء . البيت المتواضع في بغداد اصبح يكلف ما يقارب النصف مليون دولار , اي سيحتاج موظفنا الشريف الى خمسين سنة لشرائه على فرض انه يستطع توفير 10,000 دولار في السنة , وهذا مستحيل. هذا الحديث ينطبق على رواد المطاعم الراقية , السفر لغرض السياحة ومحاربة حر الصيف , واقتناء السيارات الحديثة الالمانية واليابانية . و هكذا اصبح الغني في العراق يأكل وجبة عشاءه في مطعم ضيف حلب والفقير في مطعم مضيف الجوادين , والغني يركب سيارة (Acura) , والفقير سيارة سابا , والغني يقضي صيفه في ماليزيا , والفقير ينتظر زيارة اربعينية الحسين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة