الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوامش من انتخابات أوروبا سنة 2022

الطاهر المعز

2022 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


إيطاليا - دور الولايات المتحدة في نشر الفاشية بأوروبا
لم تنتصر الأحزاب الفاشية، في انتخابات 25 أيلول/سبتمبر 2022، فَجْأَةً وبدون مُقدّمات، بل كان انتصارها استمرارًا لمسار بدأ منذ عُقُود، بإشراف أمريكي مُباشر.
لم يُدافع حزب جيورجيا ميلوني ، "فراتيلي ديتاليا"، أبدًا عن الطبقة العاملة والفئات الشعبية، بل طرحَ برنامجًا نيوليبراليًّا يتضَمَّنُ تخفيضات كبيرة في ضرائب الشركات بالإضافة إلى زيادة مساعدة الدولة بالمال العام، وتخفيض تكاليف العمالة، وما إلى ذلك، ويعارض إنشاء حد أدنى للأجور - في بلد به 5,5 مليون عامل فقير، ناهيك عن العمل غير المعلن عنه، وفضلا عن النسبة القياسية لمعدّل البطالة مقارنة بباقي بلدان الإتحاد الأوروبي، وخاصة بطالة النساء والشباب الذين يجبرون على قبول عقود هشّة وبدوام جزئي، ، في بلد انخفضت به الأجور الحقيقية على مدار الثلاثين عامًا الماضية، في حين قدر معدل التضخم في سبتمبر 2022 بأكثر من 10%، واضطرت هذه الظروف أكثر من ستين ألف شاب للهجرة سنويا (طيلة السنوات العَشْر السابقة) للبحث عن عمل في شمال أوروبا.
شهدت إيطاليا أقوى مقاومة ضد الفاشية، قادها الحزب الشيوعي (كما حصل في اليونان أو فرنسا)، وشعرت الولايات المتحدة بذلك فدعمت، منذ العام 1944، الديمقراطية المسيحية لتحكم مع زعماء المافيا الذين جاءت أمريكا ببعضهم من الولايات المتحدة، تحت إشراف الإستخبارات والجيش الأمريكيَّيْن، ونجحت وكالة المخابرات المركزية في تأسيس نظام سياسي يُسهّل زعزعة الاستقرار، لكنه يمنع الحزب الشيوعي من السيطرة على السلطة، وبعد عُقُود اهترأ هذا النظام، وخَلَفَ ستيف بانون (مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب) وكالة المخابرات المركزية في أوروبا، لِدَعْم الحملات الإنتخابية لليمين المتطرف، وأشْرَفَ مكتب الإستشارات الذي أنشأه ستيف بانون على إعداد القادة الجُدُد لليمين المتطرف بأوروبا، من ضمنهم جورجيا ميلوني (وريثة حزب "التحالف الوطني" اليميني المتطرف) للفوز بالإنتخابات والاستيلاء على السلطة، تتويجًا لمرحلة بدأت من فترة حكم برلسكوني، سنة 1994، وتحول اليسار البرلماني، بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، إلى تيار ديمقراطي ليبرالي جديد، تحت سيطرة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وهي سيطرة مستمرة منذ حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أطلقت الولايات المتحدة أجندة مناهضة للشيوعية في أوروبا الغربية (وأماكن أخرى) مكّنتها من تعزيز نفوذها في فترة ما بعد الحرب، وخصوصًا في أوروبا، حيث كانت ألمانيا وإيطاليا مُحتَلّتَيْن من قِبَل الولايات المتحدة التي لا تزال قواعدها العسكرية العملاقة قائمة سنة 2022، وهكذا تمكنت الولايات المتحدة من مَحْو الذّاكرة التاريخية لإيطاليا ومن تهميش مقاومة الشيوعيين ضد الفاشية (بفعل الفيتو الأمريكي على أي شكل من مُشاركتهم في الحكم)، ومن استخدام القواعد العسكرية كموقع أمامي لسياستها العدوانية ضد شعوب إفريقيا وغرب آسيا، وحرصت الحكومات الإيطالية المتعاقبة على حماية مصالح الشركات متعددة الجنسيات، وعلى سيادة المفاهيم الأمريكية والنزعة الاستهلاكية...
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أقامت الولايات المتحدة، لأكثر من ثلاثين عامًا، تحالفًا بين الديمقراطية المسيحية والمافيا، ثم حَصَل تغيير في الشّكل، سنة 1994، مع انتخاب برلسكوني الذي عزز مجال النفوذ الأمريكي، في ظل هيمنة الجناح الأكثرَ يمينيةً في الحزب الشيوعي الإيطالي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
أما برلسكوني فهو رجل أعمال انتهازي ومبتذل، يمتلك شركة مالية عائلية قابضة والعديد من وسائل الإعلام ونادي كرة القدم "ميلان إيه سي"، ولمّا أسس حزبا استلهم إسمه من شعارات ملاعب كرة القدم، واعتبَر الحزب فرعًا من شركاته العديدة، وأشرف على تسييره بشكل غير ديمقراطي، وما جورجيا ميلوني سوى استمرار لهذا الخليط بين الفاشية التقليدية الإيديولوجية، وفاشية رأس المال التي يُجسّدها برلسكوني، وتمكّن حزبها ( Fratelli di Italia ) أو "إخوان إيطاليا" من تهميش وَرَثَة الحزب الفاشي إم إس آي، لكن بقي الحزب الجديد يضم قُطّاع طُرُق، تم إلقاء القبض على العديد من مرشحيه لتورّطهم في فضائح فساد، وهو حزب سياسي وثيق الصلة بالجريمة المنظمة في إيطاليا، ما يُميّزه عن باقي الأحزاب الإيطالية الأخرى التي تدافع عن أرباح صانعي الأسلحة وأرباح منتجي الوقود الأحفوري والطاقة النووية.
لقد فقد اليسار، وخاصة الحزب الشيوعي، أتباعه وأنصارَه بتبنيه لبرنامج ديمقراطي اجتماعي وبالمشاركة في حكومات ائتلافية تطبق سياسة نيوليبرالية أدّت إلى تزايد الإستياء الشعبي بسبب ركود الأجور على الرغم من ارتفاع الأسعار، واستغل اليمين المتطرف الفاشي موجة الغضب الشعبي مستخدما شعارات مبسطة وشعبوية، بدعم أمريكي، فقد صرّحت "هيلاري كلينتون"، على هامش مهرجان البندقية السينمائي، في آب/أغسطس 2022، خلال مقابلة مع صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الإيطالية "إن انتخاب ميلوني سيكون شيئًا إيجابيًا... إن انتخاب امرأة لمنصب هام في السلطة، هي خطوة إلى الأمام بالنسبة للمرأة في كل مكان"، وما هذا التصريح من قِبَل واحدة من أقطاب السلطة الأمريكية، سوى تأكيد لدعم الولايات المتحدة عودة الفاشية إلى أوروبا.
اعتَبَرَ سيلفيو برلسكوني "إن موسوليني هو أحد أعظم رجال الدولة الذين أنجزوا أشياء جيدة وخَدَموا إيطاليا"، وهو ما يتعارض مع الأسس المناهضة للفاشية للجمهورية الإيطالية في فترة ما بعد الحرب، كما ساعد برلسكوني في دمج اليمين المتطرف كشركاء في الائتلاف الحكومي.
تولى ماتيو سالفيني (رابطة الشمال)، بين 2013 و 2017، زمام الأمور من خلال دمج اليمين المتطرف في الحكومة التي حملت شعار "الإيطاليون أولاً"، وهو شعار الحزب الفاشي "كاسا باوند"، ثم من خلال تقديم أيديولوجية اليمين المتطرف منذ العام 2017 على أنها "طبيعية" أو "جزء من الطّيف السياسي الإيطالي الذي يقول بصوت عالٍ ما يهمس به الجميع ولم يجرؤوا على الإجْهار به" فخلق هذا المناخ السياسي الظروف المساعدة لازدهار الفاشيين الجدد، مع الادعاء بأن الفاشية لم تعد موجودة، فيما تتم السّخرية، في وسائل الإعلام، من أولئك الذين يحذرون من عودة الفاشية وتصويرهم على أنهم غير عقلانيين، ويتناسى هؤلاء أن جورجيا ميلوني ترفض الاحتفال بيوم 25 نيسان/أبريل، ذكرى تحرير إيطاليا، رمز المقاومة والانتصار على نظام موسوليني والاحتلال النازي.
حظيت جورجيا ميلوني بمساعدة ستيف بانون لتطوير دعايتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ سالفيني يحذو حذوها لتولي المسؤولية، في إطار تغيير الأشخاص دون تغيير السياسة، وقد يستمر ذلك عدة سنوات إذا لم تتشكل مقاومة قوية وحازمة، تعتمد على العاملين والفُقراء كركيزة أساسية...
السويد - انتخابات 11 أيلول/سبتمبر 2022
ارتفعت نسبة التأييد الشّعبي لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، والتحقت السويد، ثم إيطاليا بالدّول الأوروبية التي ساهم اليمين المتطرف في سلطاتها المحلية أو الوطنية والإتحادية، بين فترة وأخرى، مثل سويسرا والنمسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا، ناهيك عن كرواتيا ودول أوروبا الشرقية كالمجر وبولندا...
أصبح "الحزب الدّيمقراطي" (حزب فاشي) ثاني أكبر حزب في السويد ( التي تقدّمت بطلب للانضمام إلى الحلف الأطلسي)، إثر انتخابات يوم الأحد 11 أيلول/سبتمبر 2022، بنسبة 20,5%، من أصوات الناخبين، وحصلت ائتلاف اليمين على 176 مقعداً، من أصل 349 مقعد في البرلمان
وُلد حزب الديمقراطيين القومي من رحم الحركة النازية الجديدة في ثمانينيات القرن الماضي، "في سياق تراجع التصنيع، وخفض الإنفاق العام، وارتفاع معدلات البطالة، وتدفّق المهاجرين من يوغسلافيا التي تم تفكيكها إلى دُويلات وكيانات ضعيفة، باستثناء صربيا وكرواتيا، وارتبط صعود هذا الحزب الفاشي بانتشار العنصرية والجريمة المنظمة، وبقي هامشيا حتّى سنة 2010، حيث حصل على نسبة 5,7% من الأصوات، ثم ارتفعت النسبة، سنة 2018، إلى 17,5%، وإلى أكثر من 20% سنة 2022، بزيادة 11 نائب عن الدّوْرَة البرلمانية السابقة.
بدأت شعبية الحزب الإجتماعي الديمقراطي، الذي يهيمن على الحياة السياسية بالبلاد، منذ أكثر من ثمانية عُقُود، تتقلّص بشكل ملموس، منذ انتخابات 2010، وتأكّد التّراجع خلال انتخابات 2014 و 2018، بسبب اتّساع الفَجْوة الطّبقية والتنمية غير المتكافئة بين أقاليم البلاد (انخفاض حجم العُمّال في الصناعة بالمناطق الحَضَرِيّة، وإهمال الدّولة للمناطق الريفية)، وانتشار عصابات الإجرام المُنَظّم، بالتوازي مع الزيادات المتتالية للميزانية الحربية والمُشاركة في مجمل الحُرُوب العدوانية الأمريكية منذ أكثر من ثلاثة عُقُود، رغم سياسة "الحياد" المَزْعُوم، وتُشكّل زيادة الميزانية الحربية ودعم المليشيات النّازية قواسم مُشتركة بين كافة الأحزاب البرلمانية السُّوَيْدِيّة، كما في العديد من الدّول الأوروبية.
زادت القيمة الفعلية للميزانية العسكرية السويدية، بين سنتي 2012 و 2020، بنسبة 46,1%، وفقًا لبيانات الميزانية العسكرية السويدية، ما يوافق يتوافق فترة عسكرة أعمال الشرطة في المناطق الحضرية ذات الكثافة العالية من المهاجرين ، وفقًا لدراسة أجرتها جامعة غوتبرغ (2020).
يؤدي النقاش السياسي السطحي إلى نشر أفكار سطحية وإلى فِهْم سطحي للأوضاع من قبل الرأي العام، وتساهم وسائل الإعلام في نَشْر الأفكار التبسيطية والسطحية، أما اليمين المتطرف فلا يتردد في نشر أكاذيب تساهم في تسميم المناخ السياسي الوطني، ولكنه نجح في اجتذاب الشباب، إذْ تظهر استطلاعات الرأي التي أجراها التلفزيون السويدي انقسامًا بين جزء كبير من الناخبين الأصغر سنًا وأحزاب اليسار، لصالح اليمين المتطرف الذي أسسه النازيون،
هيمن موضوع الهجرة على الجدل الذي دار خلال الحملة الإنتخابية، ويُمثّل المهاجرون، ومعظمهم من الشباب، نسبة مرتفعة من سُكّان السويد، أو حوالي 20% من العدد الإجمالي للسكان المُقدّر بأحد عشر مليون نسمة، معظمهم من المُتقدّمين في السّن، ومع تراجع مستوى العيش وزيادة حدة البطالة، انتشرت العُنصرية في المجتمع السّويدي ومؤسساته، وإن بنسبة أَقَلّ من الدّنمارك أو هولندا أو ألمانيا وفرنسا، ما أثار احتجاجات المهاجرين في آذار/مارس 2022، ضدّ الإقصاء والتّهميش في المجتمع ومؤسسات العَمل، وحتى داخل الأحزاب والنقابات، واستفادت أحزاب اليمين واليمين المتطرف في السويد من هذا التّهميش ومن تحميل المهاجرين مشاكل المجتمع السّويدي، وتُشكّل تيارات اليمين المتطرف في السّويد جزءًا من عودة الفاشية في معظم بلدان أوروبا، من شمالها إلى جنوبها
ألمانيا- حزب "الخُضْر" أو الوَجْه "الْوَدِيع" للرأسمالية
يساهم تدمير البيئة وتغير المناخ في نقص الغذاء وزيادة عدد ضحايا الجوع والمرض، لذلك استبشر العديد من مواطني العالم الرأسمالي بميلاد أحزاب "الخُضْر" التي نشأت في أوروبا، قبل حوالي ثلاثة عُقُود، دفاعًا عن التّوازن البيئي وسلامة البيئة ومُحيط عيش الإنسان والكائنات الحَيّة، قبل أن يستولي رأسماليون مثل جورج سوروس وبيل غيتس على هذا التّيّار وعلى شعاراته، من أجل تعظيم الأرباح.
في ألمانيا، يُشكّل حزب الخُضْر أحد أطراف السّلطة الإتحادية بخمس وزارات، منها الخارجية والإقتصاد، وأظْهَر زعماء هذا الحزب تفانيًا مُنقَطِعَ النّظير في خدمة الإقتصاد النيوليبرالي، والدّفاع عن السياسات العدوانية لحلف شمال الأطلسي، من خلال دعم الحروب، ومن خلال المُقاطعة الإقتصادية لروسيا، رغم خسائر الإقتصاد الألماني الناجمة عن ذلك، ومع ذلك يتم تقديم الخضر، في أجزاء كثيرة من العالم ، وخاصة في أوروبا، على أنهم منقذون للبيئة والإنسانية، رغم تمويل برنامجهم البيئي من قِبَلِ مؤسسة بيل غيتس وصندوق سوروس وروكفلر وروتشيلد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا