الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صفت بانها بلاد الكوارث / ما الذي يجري في باكستان؟

رشيد غويلب

2022 / 9 / 30
العولمة وتطورات العالم المعاصر


و

اعداد

في الأسبوع الأخير من آب غطت مياه الامطار والفيضانات ثلث مساحة باكستان. ودمرت السيول جسورًا وطرقًا وقصبات بأكملها. والبلاد التي كانت تنتظر موسم الامطار بأمل، بعد ربيع حار وجاف، فوجئت بأمطار لم ترَ مثلها خلال الثلاثين سنة الاخيرة. حيث لم يفقد الملايين من الناس منازلهم فقط، بل فقدوا أيضًا محاصيلهم، وبالتالي مستقبلهم. وأصبح منظر الشاحنات الطويلة والدراجات النارية ومجموعات لا حصر لها من الأفراد، الذين يفرون سيرًا على الأقدام عبر الشوارع المغمورة بالمياه، مألوفا في البلاد.

باكستان ليست فقط البلد الأكثر تضرراً بين بلدان العالم من أزمة المناخ ، بل كانت منذ فترة طويلة على شفا الإفلاس الوطني وانهيار الاقتصاد، فضلاً عن انهيار نظامها السياسي، الذي ظل لعقود محفوفًا بالمخاطر. ومع ذلك، فإن كارثة الرياح الموسمية الحالية ليست مجرد كارثة وطنية، إنها كارثة قارية وفي النهاية كارثة عالمية. وعلى الرغم من المسؤولية التي تتحملها النخبة الحاكمة الباكستانية عن الكارثة، فإن الانهيار المتوقع ليس “محلي الصنع” فحسب: فالشعب الباكستاني يدفع أيضًا ثمن خطأ يسود جميع أنحاء العالم. وهذا ينطبق أولاً على المناخ، لكنه ينطبق أيضًا على الاقتصاد، وبدرجة ليست أقل على السياسة. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، هناك حوالي 70 دولة في جنوب الكرة الأرضية مثقلة حاليًا بالديون وعلى حافة الانهيار، وباكستان تقف على رأس القائمة.
أزمة باكستان لا يمكن حلها “على الفور” بالقدرات الوطنية، كما هو الحال في الجارتين المباشرتين أفغانستان وسريلانكا. ففي العاصمة إسلام أباد، لا يمكن حتى التخفيف من حدة الأزمة. والوضع العالمي ليس في حالة يمكن للبلاد فيها أن تأمل بالحصول على مساعدات عالمية منتظمة. وسيتعين على باكستان أن تأخذ ما تحصل عليه، على امل أن تظل في دائرة الضوء العالمية لفترة أطول، وحتى وان جاء ذلك بفعل هطول الأمطار مرة أخرى.

بداية النسيان
اختفت باكستان من عناوين وسائل الإعلام الغربية. في وقت تعيش فيه البلاد الواقعة في جنوب آسيا كوارث متداخلة. دمرت العاصفة منازل 33 مليون مواطن، وأودت بحياة 1500 منهم. ونفق قرابة مليون رأس من الماشية ودمرت 15 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية، وثلث البلاد غارقة في المياه. كارثة إنسانية في بلد يعيش إلى حد كبير من الزراعة. تقدر الخسائر المالية في البلاد حتى بداية أيلول بنحو 30 مليار دولار أمريكي. وتجتاح البلاد موجة إصابات ناجمة عن تلوث مياه الشرب ونقص المرافق الصحية. منظمة الصحة العالمية تحذر من “كارثة ثانية”.
ومن المفيد الإشارة إلى ان الزراعة وتربية المواشي هما المصدران الوحيدان للدخل في جميع أنحاء البلاد، وتخاطر ملايين العائلات بالاعتماد على المساعدات الإنسانية وحدها مع تقلص الناتج الإجمالي المحلي.
لقد حذرت منظمة الإغاثة الدولية، لجنة الإنقاذ الدولية، من الخسائر الاقتصادية المتوقعة، والتي من المحتمل أن تؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي وزيادة العنف ضد المرأة. تتعرض النساء والفتيات، بشكل خاص، اثناء الأزمات لخطر متزايد من العنف والاستغلال وسوء المعاملة، خاصة وأن الأسر تواجه ضغوطًا متزايدة لتوليد الدخل والحصول على الغذاء والسلع المنزلية الأساسية. سجلت لجنة الإنقاذ الدولية والمنظمات الشريكة عددًا متزايدًا من التقارير عن التحرش والاعتداءات الجنسية في عدد من مقاطعات البلاد.
أعلن السياسيون الباكستانيون أنهم سيطالبون بتعويضات عن الأضرار التي سببتها الفيضانات. تعد باكستان من بين البلدان الأكثر تضررًا من أزمة المناخ، على الرغم من أنها تساهم بالكاد في الانبعاثات العالمية.

واقع مزرٍ
الشعب الباكستاني عارف بالكوارث على تنوع اشكالها: الزلازل الكارثية، ويمكن هنا الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى زلازل أعوام 2005 و2013 و2015، والفيضانات المروعة في عام 2010. لكن الدولة الخامسة في العالم من حيث عدد السكان، وعلى الرغم مما تقدم، ليس لديها ما يمكن الإشارة اليه من الاحتياطات.
خيبة الأمل من الحكومات في تنام. قال تيمور الرحمن، الأمين العام لحزب مازدور كيسان (حزب العمال والفلاحين)، تعود جذوره للتنظيمات الشيوعية الباكستانية، لأحدى الصحف المحلية، بعد فيضانات عام 2010، “كان هناك غضب كبير لأن الحكومة لم تفعل شيئًا لضمان السيطرة على الفيضانات في حال حدوثها”. إلى جانب ظهور أدلة على سرقة المساعدات من قبل السياسيين والنخب الفاسدة، في السنوات التي أعقبت فيضان 2010. وهذه الاحداث لاتزال حاضرة في الذاكرة. ويعلم الناس، ان دورات الفساد تتسارع، في حال حدوث كوارث.

القوة القاهرة!
للوهلة الأولى، يبدو أن السبب الرئيسي للفيضانات هو هطول الأمطار الغزيرة الإضافية في نهاية رياح موسمية أو موسم ممطر. قال وزير التغير المناخي السابق مالك أمين أسلم، إن صيفًا شديد الحرارة، بدرجات حرارة تجاوزت 40 درجة مئوية في معظم أيام نيسان وايار، جعل باكستان “أكثر الأماكن سخونة على وجه الأرض”. وتسببت درجات الحرارة العالية في ذوبان غير طبيعي للأنهار الجليدية في شمال البلاد، حيث التقت مياهها بأمطار غزيرة سببتها ثلاث سنوات متتالية من تبريد ظاهرة النينيا، أي انخفاض درجات الحرارة في سطح المحيط الهادئ الاستوائي. بالإضافة إلى ذلك، أدى تغير المناخ الكارثي، مدفوعًا بنمط انتاج الرأسمالية العالمية، أيضًا إلى ذوبان الجليد وهطول الأمطار.
إن طبيعة الفيضانات لا تعود فقط إلى الظروف الجوية المضطربة. ان أحد العوامل المهمة هو الفعل البشري المتمثل في إزالة الغابات بلا رحمة وتدهور البنية التحتية مثل السدود والقنوات ومرافق تخزين المياه الأخرى. في عام 2019، قال البنك الدولي إن باكستان تواجه “حالة طوارئ خضراء” حيث تم إزالة قرابة 27 ألف هكتار من الغابات الطبيعية سنويا، مما يجعل من الصعب امتصاص وتسريب مياه الأمطار.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الافتقار إلى الاستثمار الحكومي في السدود والقنوات (التي أصبحت الآن رخوة وذات طبيعة طينية شديدة) إلى زيادة صعوبة تنظيم كميات كبيرة من المياه. ومن أهم هذه الهياكل سد سوكور، وهو أكبر نظام ري في العالم من نوعه، والذي يحول مسار المياه في اندوس جنوب نهر السند، وخزاني مانجلا وتاربيلا، اللذين يحولان مسار المياه من العاصمة الباكستانية إسلام أباد. وكذلك يؤدي البناء غير القانوني للمساكن في المناطق التي غمرتها الفيضانات إلى تفاقم احتمال وقوع مأساة إنسانية.
وعليه فان اية قوة قاهرة ليس له علاقة بهذه الفيضانات ولا تتحمل مسؤوليتها. لقد أدى تفاقم أزمة كارثة المناخ الأساسية التي سببها نمط الإنتاج الرأسمالي وإهمال إدارة المياه والأراضي والغابات في باكستان إلى تعمق المأساة.

أزمات متعددة
كشفت الفيضانات عن سلسلة من المشاكل المتراكمة والمستمرة التي تشل الحياة في باكستان. بينت استطلاعات الرأي التي أجريت في أيار الذي سبق الفيضانات أن 54 في المائة من السكان، يرون إن التضخم هو المشكلة الرئيسية. وفي آب، أفاد مكتب الإحصاء الباكستاني أن مؤشر أسعار الجملة، الذي يحدد التقلبات في متوسط أسعار السلع، ارتفع بنسبة 41,2 في المائة، بينما بلغ معدل التضخم السنوي 27 في المائة. وعلى الرغم من ارتفاع التضخم العالمي ومعرفة أن التكاليف المترتبة على الفيضانات ستتجاوز 10 مليارات دولار، تعهد صندوق النقد الدولي ب تقديم 1,1 مليار دولار فقط، مشروطة تدابير تقشف مثل “السياسة النقدية الحذرة”.
قيام صندوق النقد الدولي بفرض تدابير تقشف شديدة، يمثل فعلا اجراميا، بينما البنية التحتية الزراعية في البلاد مدمرة تمامًا (اجراء يذكر بالسياسة الاستعمارية البريطانية، التي استمرت في تصدير القمح من الهند خلال مجاعة البنغال عام 1943). في مؤشر الجوع العالمي لعام 2021، احتلت باكستان المرتبة 92 من أصل 116 دولة لأن أزمة الجوع كانت خطيرة، حتى قبل الفيضانات. ومع عدم اخذ الأحزاب البرجوازية المتنفذة في البلاد هذه النتائج على محمل الجد، فإن الأزمة الاقتصادية ستزداد عمقا بلا شك، وليس من المرجح حدوث انتعاش يذكر.
هذا يقودنا إلى الأزمة السياسية الحادة. منذ حصولها على الاستقلال عن بريطانيا عام 1947، قبل 75 عامًا، تشكلت في باكستان 31 وزراء. في نيسان 2022، أطيح برئيس الوزراء عمران خان، الذي يحمل التسلسل 30، وتم تنصيب رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف.
يزعم رئيس الوزراء المعزول عمران خان، الذي يواجه اتهامات بالإرهاب وعدم احترام القضاء، أن حكومته أزيلت بأمر من واشنطن بسبب علاقاتها الوثيقة مع روسيا. فشل حركة انصاف” بزعامة عمران خان في الفوز بأغلبية في انتخابات 2018، وواجه ائتلافه خطر مغادرة حفنة من النواب لصفوفه. وهذا بالضبط ما فعلته المعارضة، حيث قفزت إلى السلطة بواسطة مناورات برلمانية دون الحصول على تفويض جديد من الأكثرية. ومنذ الإطاحة به، ارتفعت مكانة عمران خان وحزبه: لقد فازوا في 15 من الانتخابات الفرعية في 20 تموز في كراتشي والبنجاب قبل حدوث كارثة الفيضانات. والآن، ومع تصاعد الغضب على حكومة شريف لتخلفها عن مساعدة ضحايا الفيضانات، ستزداد الأزمة السياسية عمقًا. إلى الأمام، إلى الأمام، إلى الأمام


مهام ملحة
يؤكد الخبراء أن الباكستان تعاني من “الفصل العنصري المناخي”. هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 220 مليون نسمة يساهم بالكاد بنسبة واحد في المائة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، ولكنه البلد الثامن في العالم من حيث المخاطر المناخية.
إن عدم اعتراف الدول الرأسمالية الغربية بتدميرها لمناخ العالم يعني أن دولًا مثل باكستان، التي لديها انبعاثات منخفضة، تعاني بالفعل بشكل غير متناسب من التغير المناخي المتسارع. ولذلك يجب على الدول الرأسمالية الغربية، على الأقل، تقديم الدعم الكامل لأجندة مواجهة كارثة المناخ العالمي.
نظمت القوى اليسارية والتقدمية - مثل حزب العمال والفلاحين، ومنظمات المجتمع المدني الأخرى حملة للإغاثة من الفيضانات في جميع مقاطعات باكستان الأربع. وقبل هذا وذاك، تقدم هذه القوى مساعدات غذائية لمحاربة المجاعة في المناطق الريفية التي يصعب الوصول إليها. يطالب اليسار الباكستاني الحكومة بوقف حزمة إجراءات التقشف والتضخم التي من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
في صيف عام 1970، تسببت الفيضانات المفاجئة في منطقة بلوشستان الجبلية في أضرار جسيمة. بعد بضعة أشهر، فاز الشاعر غول خان ناصر من حزب عوامي الوطني بمقعد في مجلس مقاطعة بلوشستان في الانتخابات البرلمانية، ليصبح وزيرًا للتعليم والصحة والإعلام والرعاية الاجتماعية والسياحة. وضع غول خان ناصر قناعاته الماركسية في خدمة بناء القدرة الاجتماعية للبلوشيين (بما في ذلك تأسيس كلية الطب الوحيدة في “كويتا” عاصمة المقاطعة). تم طرد ناصر وسجنه بشكل تعسفي، علما ان السجن هو المكان الذي أصبح مألوفًا عنده في السنوات السابقة. وهناك كَتبَ نشيده “ديما قدم” (التقدم إلى امام). وفي مقطع من ذلك النشيد يبدو كمن يصف أحوال وطنه اليوم، بعد 50 عامًا من كتابته:
عندما تغدو السماء التي تغطي رؤوسهم
مليئة بالغيظ والغضب
بالرعود والامطار والبروق والرياح
يصبح الليل شديد السواد
تصبح البسيطة نارا
وتزداد الأوقات جموحا
لكن الهدف كان وما زال: الى امام الى امام الى امام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ