الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يَخون المُثقّف..؟!

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2022 / 10 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المَقصود بالخيانة هنا، الخيانة المعرفية ، وليس الخيانة الوطنية.
تقع بلا شك على عاتق المثقف قول الحقيقة، وفضح الأكاذيب الفكرية، ومُحاربة الدّجل، ونقض الخرافات السائدة.
و المُثقف - في تقديري - يخون ذاتَه المعرفية أولاً ، و أبناءَ مُجتمعه ثانياً ،
عندما لا يَجرؤ على البوحِ بالحقيقة الواجب قولها من أجل تنوير عقول العامة. وعندما يتهرّب من المساهمة اللازمة في تشجيع إعمال العقل، وتحسين شروط الحياة الفكرية الراهنة، وعدم العمل على تغيير حال المجتمع الذي يعيش وسطه إلى حالٍِ أفضل ، و عند الكفّ عن تقديم المساعدة لنقله من واقع متخلف مُذري إلى واقع أخر متقدم .
لكن لماذا لا يَجرؤ المُثقف عندنا على قولِ الحقيقة ؟
هل بسببِ عجزه وجُبنه.؟ بمعنى أن " العقلاء جبناء" كما يُقال ، أم بسبب قصور إدراكه عن قراءة حقيقة المشهد الاجتماعي من حوله .؟
أم يا ترى بسبب شكّه المنهجي المُستمر، وقلقه الفكري الدائم ، فيما يعتقد ويزعم أنه حقيقة مؤقتة؟ .
أو ربّما ، بسبب الخوف الذي يعتريه، لمُجرد تصوره لقوة وحجم ردة فعل الجماهير من حوله، على ما سيقول أو يَدحض أو يُنكر و يُبرهنْ.
بخاصة، إذا ما عَلم مُسبقاً، ذهن هذا الكائن المُتسائل، أنه قد يهزّ بأسئلته الصميمية، وعلوم معارفه الجديدة ، عروش يقينات راسخة منذ قرون خلت، اعتاد الناس على وجودها الراسخ بينهم، واصطلحوا على أنّها حقُ مُبين.
أمْ لَعلّه الخوف على حياته وسلامته الشخصية، منْ بطش السُّلطات الحاكمة و الغاشمة، التي بيدها ملكوت الأفكار و استقامة الأفهام .. و التي يَحقُ لها فقط ، أنْ تَهب لكلِّ ذي لبٍ مكانة ومقام .؟
هناكَ منْ المثقفين منْ يرى أنْ ليس هناك من طريقةٍ مُهذبةٍ، لإخبار شخص ما ، أنه كرّس حياته لحماقة فكرية أو خرافة اعتقادية..
ولهذا هو يؤيّد أسلوب قتل العامة بالصدمة، و بالإفصاح المباشر عن كل الحقيقة دفعةًَ واحدة..
لإعتقاده أنّ الترقيع الفكري، لنْ يُؤدي الى أيّة فائدة جادة أو مَرجوة، وبالتالي هو يرى أنّ الاستمرار في تدوير أطراف ظلمات الجهل، أو تحسين قبح الخرافة، لنْ يؤدي مطلقاً إلى التنوير الحق.
بل على العكس، قد يؤدي ذلك ، إلى استشراس العتمة على ضياء العقل ، وتغوّل سلطة الجهل، على مرابض النور ، وبالتالي هزيمة ضوء الحقيقة تماماً.
وهناك منْ المُثقفين منْ يرى ضرورة إلجام العَوام، وإبْعادَهم تماماً عنْ مَرام الفهم وعميق الفكر و حكمة الكلام ..
ولهذا يُنادي بوجوب عدم التصريح تماماً ، حين تقديم بعض الحقيقة للناس، لأنّ ترياق الحقيقة -في رأيه - فيه سمٌ زعاف ، انْ أكثرت قتلت بدلاً منْ أن تَشفي.,, خاصةً، أذا ما كانتْ أكثريّة المُجتمع المعيش، منْ أسافل الغوغاء وأجاهل المرضى .
و يرجو دائماً في مقاله، عدم الإصطدام مع أفهام العامة، فيتوخى الحذر الشديد في عباراته وكلماته وردود أجوبته، و تراهُ غالباً ما يميل إلى جميل اللغو والبيان ، و استعمال زخرف القول في تصدير أحكامه ، وتشويش مرامه عنْ الغوغاء ورعاع المُتعلمين.
لكن في المناسبة، منْ قال أنّ هذا المُثقف - من كلا الرأيين - هو - حقاً - مثقف ذو ذهن صادق في دعواه ، و روعٌ مخلص في أفكاره وتساؤلاته .؟
أليس من المُحتمل أن يكون هذا المثقف مجرّد إمعة منابر ، شكلته الظروف والصدف، ودفعه الإدقاع المعرفي والشظف، إلى صدارة المشهد الثقافي في المجتمع ..
و ربّما لا يشغله شاغل، سوى بناء ذاته، وتحصيل مصالحه، و أن كل مايقوله أو يكتبه ، ليس إخلاصاً للحقيقة ، إنّما يهدف من ورائه الشهرة والحضور ، أو تأكيد الذات وحب النشور وحسب .؟
ثم من ناحية أخرى . أليس من الطبيعي أنْ يثور الناس على من يعتقدون أنه يتجرأ على قدس أقداسهم .؟ دون أية كياسة أو حنكة أو أدب.؟
و كيف لهم أن يسكتوا أو يستكينوا أمام تفنيد خرافاتهم المعهودة، بخاصةً، تلك التي تتسربل بوشاح المُقدّس، التي نعلم جيداً ، ما لها منْ أثر وسطوة، وتوجيه وتحكّم ، في إتجاهات ومشاعر وعواطف الإنسان وأنماط تفكيره .
و أخصّ بالذكر ، تلك الخرافات والأضاليل الدينية، التي وعى الناس عليها، وألفوها منذ نعومة أظافرهم، بل و تكاد تكون مُتماهية تماماً مع وجود وعيهم الحي؟
ألا يعني هذا، أنّه من الواجب على المُثقّف الحصيف، البحث دائماً، عن الوسيلة المثلى، التي تُساعده على الإقتراب الأسلم والأنجع من أفهام الجماهير ومعتقداتها ؟
والبحث عن أساليب تنوير وتوجيه ذكية، كالتدرّج و التلميح والإيجاز مثلاً، عند الاقتراب الذكي من ظلال الحقائق، بدلاً من التصريح بها .. وبالتالي تجنب الاصطدام المباشر مع أفهام العامة الضيقة.
أخيراًً :
دعونا أصدقاء العقل والفكر التنويري ، نُفكر معاً في مضمون تلك الأسئلة أعلاه ، ونكتب آراءنا الخاصة حولها بأريحية ، ونسطّر أجوبتنا الشخصية بكل استقلال ذهن وحريّة،
دون سك قيد الشُهرة على الأفهام القارئة، فيما قال المُفكر الفلاني، أو ترديد رهبة العبارات الحرفية للكاتب العلّاني ،
وليتنا نتجنّب قدر المستطاع ، تكرار سرد نظرية هذا الفيلسوف أو ذاك ....ونكون نحن .. نحن فقط ..
فالحريّة الذهنية الحقة، تقتضي منا أنْ نفكر نحن، مستقلين بذواتنا المعرفية ، وأن نحاول أن نتحدث معاً بصوت صافٍ مكتوب، وذهن منفتح ، لا يؤطره شيئ ،سوى آداب العقل الحر ، والفهم الذاتي الصادق للفرد. بعيداً عن ضباب المديح الممجوج أو غشاوة التقريظ المُضل ..

zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح