الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول السياسة التعليمية وفضاء الحرية

فهد المضحكي

2022 / 10 / 1
التربية والتعليم والبحث العلمي


يبدو الخطاب حول التعليم والحرية، يدور في دائرة خطابات الغموض والتعميمات المرسلة، خطاب شعاري، يمثل جزءًا من خطاب دعوي لا يكاد أن يختلف كثيرًا من عن خطابات الدعوة والتبشير السياسي، والديني، كلها تدور في دوائر مجانية، وبنية لغوية خشبية، تفسر كل شيء، وتجد حلولاً لكل المشكلات، ولكنها لا تفسر شيئًا ولا تملك حلولاً لأزمة أو مشكلة من المشكلات. هذا الكلام للكاتب والباحث نبيل عبدالفتاح، الذي يرى إن أي خطاب تعليمي، أو تربوي حول الحرية يجب ان يتسم ببنية متماسكة ووضوح لغوي، ومؤسس على بنيات بحثية ومعلومات دقيقة، من حيث درس الواقع التعليمي في أي مرحلة من مراحله، ولهياكله، والعلاقة بين المدرس، والطلاب، وبينه وبين الإدارة التعليمية، وبين هؤلاء، وبين السياسة التعليمية، ومناهجها المقررة. التعليم والحرية، هو جزء من منظومة الحريات العامة والحقوق الأساسية الفردية والجماعية والدستورية، ومن ثم جزء من الحداثة السياسية، والدستورية، تضع الدساتير الحريات العامة والحقوق في صدر نصوصها، ولكنها تخضع لطبيعة النظام السياسي والاجتماعي، من حيث مدى الحريات، واحترام السلطات العامة لها، أو فرض الضوابط، والقيود عليها من خلال القوانين المنظمة لهذه الحريات.

غالبًا ما خضعت الحريات العامة والفردية للضوابط القانونية والإدارية التي قد تصادر جوهر هذه الحريات، وتحد من ممارستها في الواقع الموضوعي. لاشك أن المنظومة الدستورية والقانونية تشكل محددًا أساسيًا للسياسات العامة، وعلى رأسها السياسات الاجتماعية، منها السياسة التعليمية، التي هي جزء رئيس من سياسة الحكومات أيًا كانت تشكيلانها، وطبيعتها، من حيث التسلطية أو الديمقراطية. من هنا تستطيع القول أن السياسة التعليمية، ومناهجها المقررة هى أكثر السياسات الاجتماعية تأثرًا، وتاثيرًا بمدى تطبيق وفعالية الحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطنين. من ناحية هى الأقرب إلى حريات الرأي والتعبير، والبحث العلمي، وحرية الضمير، والتدين، والاعتقاد، وأيضا التعدد السياسي وتنظيمات في المجتمع، والحق في التنظيم السياسي والنقابي، لأي جماعة من الجماعات السياسية والاجتماعية. ثمة محدد آخر يتسم بالاهمية في فعالية التمتع بالحقوق والحريات العامة والفردية يتمثل في الضمانات القضائية، في ظل استقلال القضاء، الذي يحمي هذه الحقوق، ويذود عنها. ومن هنا لا تطرح مسألة التعليم والحرية في المطلق، وبعيدًا عن المحددات السياسية، والدستورية، والقانونية، والقضائية، وأيضًا أنماط الثقافة السياسية السائدة، من حيث القبول والتعددية على اختلافها، والإيمان بالخصوصية والفردية، وإنتاج الفرد كفاعل اجتماعي ذي مشيئة وإرادة حرة. من هنا غياب الفرد والفردانية، يشكل عائق إزاء التعليم والحرية. تشكل مفاهيم الإجماع الدينية أو السلطوية السائدة عربياً عائقاً بنيوياً إزاء الحريات الفردية، والسياسية. أيضا وأيضا تشكل هيمنة السلطوية الدينية في خطاب وثقافة المؤسسات الدينية، وأجهزة الدولة العائق الأكبر في هذا المضمار، لأن هذه السلطات توظف هذا التصور السلطوي للهندسة الدينية، وتاويلاتها الوضعية البشرية التاريخية، كأداة للضبط الاجتماعي، والهيمنة السياسية والدينية على المواطنين.

مخاطر هذا النمط من الثقافة الدينية الوضعية السائدة تتمثل في الدور الذي تلعبه الجماعات الدينية بكل تلاوينها،في فرض رقابتها على ضمائر وأرواح وعقول الجمهور، للسيطرة الرمزية عليهم. هذه الإعاقات السوسيو- قانونيا، والسوسيو- سياسة، والسوسيو- ثقافة، تفرض قيوداً ثقيلة على السياسة والعمليات التعليمية كلها، ومن ثم على مدى وموقع الحرية في التعليم. حريات الفكر والتعبير والبحث العلمي والتدين والاعتقاد هى حوارات حرية التعليم، من حيث اختيار نوعية التعليم، ومن حيث مدى تعبير السياسة التعليمية ومناهجها عن هذه الحريات الأساسية. التعليم الحر، هو الذي يكرس ويدعم العقل النقدي لدى الطلاب والطالبات، وقدرتهم على ممارسة التفكير النقدي الحر،والقدرة على تفكيك الظواهر وتحليلها، وإبداء التفسيرات حولها. هو تعليم يكرس ثقافة السؤال أساسا، ويعلم الطلاب على الشك طريقاً للوصول الى الحقائق العلمية، وهو تفكير حر لأنه لا يخلط بين الإيمان الديني الفردي، وبين النظريات العلمية القابلة للدحض. ولايخلط بين الفكر والعقائد الدينية، وبين التطورات العلمية، لأنها متغيرة ومتحولة. التعليم الحر يعتمد أيضا على خطاب المدرس الذي يثير الأسئلة، ويفكك الظواهر الاجتماعية والسياسية، ويحللها، أي عقل المدرس الحر، وليس المدرس الداعية الدينى، الذي يخلط بين الدين- أيا كان- والعلم ونظرياته، على نحو ما حدث ولا يزال في التعليم في الدول العربية، وأدى إلى تمدد ثقافة الحفظ والاستذكار، والاسئلة والإجابات الجاهزة، والملخصات والدروس الخصوصية. المدرس يشكل الضلع الأساس في تحويل المناهج إلى فعل تعليمي خلاق. الضلع المهم في عملية إنتاج العقل الحر، والفكر الحر النقدي، هو خطاب الطالب الفعال كطرف في العملية التعليمية، وليس محض مستهلك سلبي للمقررات. مشاركته في الحوار، وتبادل الآراء مع المعلم، والأهم رأيه النقدي في المدرس والمقرر، والإدارة التعليمية في المدرسة. التعليم والحرية، يعني المزاوجة بين سياسة الإدارة التعليمية، وانضباطها، وبين الحوار مع جماعة المدرسين، وجماعة الطلاب، لتطوير الإدارة التعليمية، وإدارة العملية التعليمية. أدت الثورة الرقمية إلى اتساع مجالات الحرية الرقمية للطلاب والمدرسين، وهو ما سيحدث نقلة نوعية في الحريات بعيدا عن نظام التعليم في العالم العربي، ودون سد الفجوة بين واقع الحريات الرقمية وانفجاراتها وآثارها، وبين واقع التخلف التعليمي، وقيوده، والعقل المغلق الذى يسهم في إنتاجه وإعادة إنتاجه. أي خطاب حول الحرية والتعليم العقل النقدي، ينطلق من دراسات علمية حول واقع الطلاب الاجتماعي، في ظل تعدد في الأنظمة التعليمية الذي يؤدي إلى إضعاف الاندماج الوطني، ويعيد التمايز الاجتماعي /‏ الطبقي في مجتمعاتنا العربية.

وحين تناول د. أحمد محمود عبدالباقي موضوع استقلال المعلم وحرية التدريس أشار إلى أهمية تطوير سياسات التعليم واستراتيجياته؛ لتكون أكثر انسجاما مع مبدأ استقلالية المعلم، وذلك بوضع معايير تنافسية لاختيار اكفاء الأطر (الكوادر) البشرية للالتحاق بمهنة التعليم، ومن ثم تمكين المعلم من الحصول على التدريب وفرص التطوير المهني عالية الجودة، واتخاذ تدابير ملموسة لتوفير الأجور والحوافز الملائمة، والمسارات الوظيفية التي تكفل الترقي الوظيفي العادل، مع وضع الٱليات التي تضمن مشاركة المعلمين في وضع السياسات وصناعة القرارات التي تتعلق بإعداد المناهج وأنظمة التقويم التربوي، فضلاً عن التمتع بالاستقلال المهني في اختيار استراتيجيات التدريس وأساليب التقويم، على أن تعزز سياسات التعليم كل ما من شأنه أن يضمن توفير بيئة عمل أمنه وجاذبة تحقق الأمان الوظيفي للمعلم. وبشأن حرية التدريس فإن تعقيدات التعليم والتعلٌم تجعل من الصعب وصف حلول تصلح لكل المواقف التدريسية؛ الأمر الذي يقتضي مزيدا من استقلالية المعلم للتكيٌف مع المواقف المختلفة والتصرف بابتكار بدائل تساعد على تعليم الطلبة. لذا يرى بعض التربويين أن حرية التدريس تقتضي أن يتحكم المعلمون بقدر كاف في المحتوى التعليمي، ووسائل التعليم، وطرائق تقييم الطلبة وأساليب ضبط سلوكياتهم ؛ إلا أن دراسة استقصائية أجريت حديثًا أفادت بأن «واحدًا من كل أربعة معلمين لا يتحكم مطلقًا - أو يتحكم قليل - في الكتب التي يستخدمها، والمحتوى الذي يدرسه، ووسائل التعليم التي يستخدمها، وطريقة تقييم الطلاب ومساعدتهم على الانضباط، فضلاً عن كمية الواجب المنزلي الذي يطلبه منهم».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال