الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تعني ’التعبئة الجزئية‘ الروسية؟ 2

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


القوات الروسية ليست بالضخامة المتوقعة
من الأهمية بمكان التذكير بمدى تواضع حجم القوات الروسية حالياً مقارنة بما كانت عليه أثناء الحرب الباردة حين كان الاتحاد السوفيتي يحتفظ بجيش قوامه نحو 3.5 مليون فرد. لقد ولى زمان ذلك الجيش الجرار منذ عقود. أما اليوم، تحتفظ روسيا بجيش من نحو 900.000 فرد، منهم 280.000 جندي في الخدمة النشطة. حتى نضع حجم القوة الروسية في سياق، سنجد أن لدى الولايات المتحدة قوة خدمة نشطة من 1.3 مليون واحتياطيات منظمة ومدربة من 800.000. بذلك تملك الولايات المتحدة الأمريكية حوالي ضعف ما تملكه روسيا من الأفراد العسكريين المدربين والمتوفرين بسهولة. ولمزيد من وضع القوة الروسية في سياق، سنجد أن الولايات المتحدة أرسلت حوالي 540.000 جندي إلى المملكة العربية السعودية عام 1991 لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. وبلغ إجمالي حجم قوات التحالف نحو 750.000. في المقابل، دخلت روسيا هذا الغزو على أطراف أصابعها.

روسيا تفتقر لقوة احتياط قوية
لقد حاولت روسيا إنشاء قوات احتياط مثل الموجودة لدى حلف الناتو، الذي يدرب قواته بانتظام، لكن هذه الجهود لم تكلل بنجاح كبير. وعوضاً عن ذلك تحتفظ روسيا بكشوف الجنود السابقين ممن يمكن استدعائهم إلى الخدمة، وهو أمر شائع في نظام عسكري يستخدم التجنيد الإلزامي لأن هذا النظام ينتج أعداداً ضخمة نسبياً من الأفراد. في الحقيقة يتمتع هؤلاء المجندون المسرحين حديثاً من الخدمة النشطة ببعض المهارات المفيدة، بيد أن نفس تلك المهارات سرعان ما تضمحل وتُنسى. هذا النظام أقل كلفة بكثير، لكنه يتطلب وقتاً وتدريباً بعد التعبئة.

تحتفظ الولايات المتحدة بنظام مماثل يسمى الاحتياطي الفردي الجاهز (IRR) يتألف من الأفراد العسكريين الذين أكملوا التزام خدمتهم النشطة لكنهم لم يكملوا الشرط العسكري بقضاء ثمانية سنوات كاملة في الخدمة. (يقع جميع أفراد القوات المسلحة تحت التزام عسكري لقضاء ثمانية أعوام، وتُكتب عقود التجنيد لتلك المدة الزمنية.) يظل هؤلاء الأفراد على كشوف الجيش تحسباً لتعبئة محتملة. مع ذلك، هذه القوة هي مجرد دعم إضافي لوحدات الاحتياطي النظامية التي تتدرب بانتظام والتي تعتبر هي قوات الاحتياط الحقيقية في نظر معظم الناس. لقد استدعت الولايات المتحدة بعضاً من الاحتياطي الفردي الجاهز للخدمة في أوج الحرب العراقية، لكن هذا الأمر أثار لغطاً كبيراً ومن ثم خُفضت أعدادهم. في الحقيقة، روسيا تستدعي نسختها الخاصة من الاحتياطي الفردي الجاهز.

التدريب لن يكون بالأمر الهين
تحدث بوتين وشويغو عن إعطاء الاحتياطيين تدريب إضافي، أسبوعين على الأرجح. بالمعايير الأمريكية، هذه الفترة لا تكفي. فالولايات المتحدة أعطت الوحدات المعبأة شهوراً من التدريب قبل إرسالهم إلى العراق أو أفغانستان، رغم حصول الأفراد المعبأين كأشخاص على تدريب أقل. أكثر من ذلك، البيروقراطية العسكرية الروسية غير مستعدة لاستقبال هذا العدد الضخم من القوات. فعلى غير المثل من الولايات المتحدة، لا يتوفر لدى الروس مراكز للتدريب الأساسي ويجري معظم التدريب داخل الوحدات القتالية، بينما قد تم إرسال أغلب ذلك الكادر التدريبي إلى أوكرانيا أو أصبح في عداد الضحايا.

على الجانب المقابل، لا يحظى الأوكرانيون بالتدريب الجيد كذلك. في بداية الحرب أنشأت أوكرانيا العديد من الوحدات الجديدة ضمن جيشها المدني ولم تزودهم سوى بالمهارات العسكرية الأساسية فقط. وقد اكتسبت هذه القوات بعض المهارات من ستة أشهر قضتها في القتال، غير أن تلك المهارات منصبة بشكل رئيسي على القدرة على البقاء. جدير بالذكر أن الناتو يدرب الآلاف من القوات الأوكرانية، مع تلقي البعض تدريباً أساسياً في المملكة المتحدة وتلقي أخرون تدريباً متخصصاً داخل قواعد منتشرة عبر أوروبا، لكن كل تلك القوات تظل لا تتخطى حاجز نسبة الأقلية. ولا يزال متوسط مستوى التدريب الأوكراني متدني للغاية. على سبيل المقارنة، سنجد أن سلاح مشاة البحرية الأمريكي يعطي المجندين الجدد 22 أسبوعاً من التدريب قبل إرسالهم للقتال. لكنه لدى كلا الجانبين الروسي والأوكراني دون ذلك المستوى بمسافة بعيدة. هكذا سيكون التدريب الروسي غير ملائم ولا يلبي المعايير الأمريكية، لكن الروس يحاربون قوات أوكرانية أسوأ تدريباً رغم معنوياتهم العالية، ولا يحاربون قوات أمريكية.

المعدات قد لا تشكل تحدياً يُذكر
رغم أن الروس سيواجهون حتماً بعض المشاكل في المعدات، فلا يرجح أن يمثل ذلك مشقة تذكر. بل إن مشكلة القوات الروسية حتى تاريخه تكمن في كثرة المعدات وليس في قلتها. وكما وثق الأكاديميان الروسيان مايكل كوفمان وروب لي، فقد وفر الروس لوحداتهم ترسانة كاملة من المعدات لكن برديف هزيل فقط من الأفراد. وكان ذلك أحد أسباب الخسائر المرتفعة- عدم وجود ما يكفي من قوات المشاة لحماية كل المركبات. فالروس، مثل السوفييت قبلهم، لا يرمون شيء أبداً، ولهذا لديهم الكثير من المعدات المكدسة في المخازن. هذه المعدات قد لا تكون الأحدث من نوعها، لكنهم يواجهون قوات أوكرانية لا تزال مسلحة بشكل أساسي بمعدات من الحقبة السوفيتية. كذلك، إذا ما تمكن أفراد التعبئة من ملء الثغرات داخل الوحدات القائمة، عندئذ ستهون مشاكل المعدات. فهؤلاء الأفراد سينزلون على معدات متوفرة بالفعل لدى تلك الوحدات.

من البداية كانت الإمدادات مشكلة، لكن حدتها قد خفت على ما يبدو. كان الدعم اللوجستي بالغ السوء منذ اليوم الأول، الأمر الذي تسبب في زحف القوات الروسية جوعي وترك مركباتهم مهجورة. فعلى شاكلة جيوش كثيرة، لم يكن الروس مستعدون لسد متطلبات الحرب اللوجستية، التي تختلف كثيراً عما يجري أثناء التمارين وقت السلم. لكن اليوم القوات الروسية كما يبدو لا تمضي جوعى، وتشير حقيقة أن الروس يطلقون آلاف طلقات المدفعية كل يوم إلى نظام لوجستي يعمل بالشكل الملائم.

الغرض من التعبئة سياسي في نهاية المطاف أكثر منه نصر في ميدان المعركة
من غير المرجح أن يصدق الجنرالات الروس أن هذه التعبئة ستقلب زمام المبادرة وتسمح للروس بشن هجمات كبرى. فالقوات الأوكرانية تزداد في القوة بفضل المعدات والتدريبات الأجنبية. بل المرجح أن تتجه الاستراتيجية نحو تثبيت ما قد استولت عليه روسيا بالفعل والدفع بالحرب حتى فصل الشتاء. إذ يهدف بوتين لوضع الشعوب الأوروبية تحت ضغط كاف من البرد والتضخم وأسعار الطاقة المرتفعة لدفعهم إلى المطالبة بوضع حد للحرب. تشير بيانات استقصائية إلى مساندة الشعوب الأوروبية لأوكرانيا في حربها من أجل الديمقراطية لكنهم مترددون حيال تزويدها بالأسلحة وتوريط أنفسهم. (باستثناء دول البلطيق وبولندا لأنهم على الخط الأمامي وهم الأكثر قلقاً حيال النوايا الروسية.) هكذا قد يرغم الأوروبيون حكوماتهم للدفع باتجاه وقف لإطلاق النار وبدء التفاوض.

المعارضة السياسية هي الورقة الرابحة
لاحت المعارضة الداخلية عند بداية الحرب، عبر تظاهرات مناهضة للحرب في عدة مدن. لكن الأجهزة الأمنية الروسية نجحت في قمع تلك التظاهرات. وبسطت وسائل الإعلام المملوكة للحكومة هيمنتها على الفضاء المعلوماتي، وأقنعت أغلب الروس بكون الحرب دفاعية وتستهدف قمع نظام النازيين الجدد في أوكرانيا. إجمالاً، تحظى الحرب على ما يبدو بشعبية لدى المواطن الروسي العادي. في المقابل، تنطوي التعبئة على توريط المزيد من الأسر الروسية في الحرب وأثارت الخوف وسط رجال كثر من إمكانية استدعائهم. هناك على ما يبدو معارضة واسعة الانتشار. لكن سنرى إذا ما كان لتلك المعارضة تأثير ملموس على الحرب أم أنها ستنزوي كما انزوت من قبل الجهود الأولى في مناهضة الحرب.

ما يُرتقب
هناك عدة مؤشرات جديرة بالمراقبة لنرى ما الذي ستسفر عنه هذه التعبئة. أولاً، هل تستطيع المعارضة الداخلية تعطيل جهود التعبئة؟ من وجهة نظر عسكرية، يتمحور السؤال الأساسي حول ما إذا كانت هذه المعارضة تستطيع الانتقاص بشكل ملموس من عديد الأفراد المتوفرين للتعبئة. هل تستطيع القوات الروسية في الميدان الصمود لحين بدء وصول الأفراد المعبأين؟ صحيح أن الخطوط الأمامية تبدو مستقرة حالياً، لكن الوضع الروسي يبقى هشاً وقد يتصدع خلال الأسابيع السابقة فوراً لوصول الأفراد المعبأين. هل تستطيع روسيا تدريب وتجهيز تلك القوات؟ فرغم عدم الحاجة لرفع المعايير لمستوى التوقعات الأمريكية، لكنها بحاجة إلى الحد الأدنى حتى تضمن الفاعلية لهؤلاء الأفراد الجدد. وفي النهاية، هل تصمد المعنويات الروسية عند الحدود الدنيا على الأقل؟ منذ البداية والمعنويات الروسية لم تكن مرتفعة، لكن الروس يواصلون القتال. ويشير ألف سنة من التاريخ إلى أن الروس يستطيعون مواصلة القتال في ظروف قد لا تتحملها أمم أخرى.
__________________
ترجمة: عبد المجيد الشهاوي
رابط المقال الأصلي:
What Does Russia’s ‘Partial Mobilization’ Mean? | Center for Strategic and International Studies (csis.org)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجيش
بارباروسا آكيم ( 2022 / 10 / 1 - 14:41 )
سيدي الكريم
لقد فعلت 8 راجمات هايمارس فعلها بالجيش الروسي في خاركيف بشكل فوق المتوقع
و للأمانة ليس الهايمارس بالضبط من رجحت كفة الأوكران بل الدعم الإستخباري الممثل بالإستطلاع الفضائي و الجوي
الجيش سيدي ليس فقط سلاح
الجيش هو سلاح + تدريب + إستخبارات و إستطلاع + دعم لوجستي : عتاد ، مؤونة، كسوة
و ترتيبات خاصة بالنقل و الحركات
و وسائل إتصالات .. الخ الخ وكل واحدة من هذه فن قائم بذاته
وهذه كلها لا يزال يعاني منها الجيش الروسي
فالإتصالات مع القيادة مخترقة و الحركات مكشوفة و الدعم اللوجستي لازال يعاني
فالمسألة ليست كيف تلقي جندي مدرب و مدجج بالسلاح في ساحة المعركة فقط
بل ايضا كيف تدعمه بالمعلومات و المواد اللازمة لإبقائه على قيد الحياة

اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك