الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صبري حافظ واقفا بـــ-الكلمة-

إبراهيم مشارة

2022 / 10 / 1
الصحافة والاعلام


في مقالته الافتتاحية لعدد الكلمة رقم 182 لشهر حزيران 2022 ومن لندن حملت المقالة لصبري حافظ عنوانا لافتا هو " ليس وداعا وإنما تغير" مما يومئ بأن مجلة الكلمة الشهرية الجادة والعميقة والمحتفية بكل جديد في عالم الفكر والأدب والفن في الشرق والغرب لن تكون مستقبلا كما تعود عليها القارئ العربي ،أي صادرة في غرة كل شهر ميلادي ،لقد قرر صبري حافظ وطاقمه المتعاون معه تحويل المجلة من شهرية إلى فصلية ،وفي مقالة طويلة نسبيا شرح رئيس التحرير حيثيات هذا القرار وأسبابه بكل موضوعية حتى لا يعتقد القارئ أنه الكلل أو الاستسلام لمثبطات الحياة أو ربما اليأس وأولها تراجع ما هو عميق ومفيد لصالح ما هو سطحي ومثير ، أي تراجع الكلمة لحساب الصورة ، بحيث غدت الثقافة الجادة والملتزمة فعلا ثانويا في عالم عربي انخرط كغيره في الاستسلام للدعة والكسل والاستمتاع بمغريات الصورة وثقافة اليوتوب والقنوات الرياضية وكليبات الغناء ووسائل التواصل الاجتماعي التي سطحت كل شيء تماشيا مع ثقافة الصدمة والدعاية والفضيحة.
"الكلمة" التي رأس تحريرها الناقد المصري صبري حافظ صاحب "أفق الخطاب النقدي العربي" و"الأدب والثورة" من لندن منذ تاريخ صدورها عام 2006مستفيدة بإيجابية من التقنيات الرقمية الحديثة وتطور الأنترنت ونجحت في الانتشار عربيا وغدت مجلة تجمع بين الأكاديمية والاحترافية وقد ضمت أشتاتا من الكتاب والأكاديميين في العالم العربي وفي الغرب ذاته ونخبة من القصاصين والشعراء والنقاد وعبر 180 عددا موضوعة حاليا على أرشيفها لتمكين الباحث والقارئ من الاستفادة من هذه الثروة العلمية والأدبية في كل مكان.
وكما يقول صبري حافظ في مقالته تلك وقد أشرف على الثمانين- مد الله في عمره ومتعه بالصحة- فقد واصل على الخط الذي تربى عليه في الكاتب المصري التي رأس تحريرها عميد الأدب العربي طه حسين ثم المجلة التي رأس تحريرها يحي حقي صاحب "قنديل أم هاشم" وشاء لها عنوانا محيلا على جدوى الكتابة ومغزى الكلمة في مواجهة الصورة وفي البدء كانت الكلمة ، وغني عن البيان أن الكلمة لا تحتوي على صور بين صفحات أعدادها التي ناهزت 180 عددا وقد كان يومها أي في تاريخ صدور العدد الأول عدد مستعملي الأنترنت في العالم العربي ستة ملايين كما يقول ،وغم تعرض المجلة لمحاولة الإغلاق ثم السطو على ميراثها العلمي والأدبي من إحدى المجلات الخليجية ثم احتجابها أربعة أشهر عام 2010 بفعل تلك المؤامرة إلا أنها عادت للصدور بفعل الإرادة والرغبة في إغناء الفعل الثقافي في المحيط العربي ومجابهة كل الصعاب وعدم الاستسلام لها متبعة نفس الخط ومتميزة عن كل مجلة ثقافية وأدبية ومعتمدة بالكلية على ثقافة الفعل التطوعي من نخبة من المتعاونين مع رئيس التحرير منهم الأكاديمي والمثقف والكاتب ومهندس الإعلام الآلي وعلى نخبة من أحسن الكتاب والأكاديميين والشعراء والنقاد في العالم العربي والغربي نفسه يثرون المجلة بمقالاتهم وقصصهم وأشعارهم ودراساتهم النقدية والأدبية دون التنازل عن ثقافة المقاومة مع الرفض للتمييع والتطبيع والتصالح مع الرداءة أينما كانت و دون التنازل عن المبدأ.
نافحت الكلمة عن القضية الفلسطينية التي حملت على كاهلها عبء الدفاع عن الحق الفلسطيني المشروع وشجب كل محاولات التطبيع على حساب النضال الفلسطيني الباهر وعذابات الفرد الفلسطيني ورغبة البعض من المهرولين مصادرة تلك الآلام ثمنا للدخول إلى ساحة الأنوار الجديدة المعولمة .
وقد واكبت المجلة التطورات المذهلة في عالم الاتصال فبعد التطور في وسائل الاتصال وتقنيات التواصل وشبكات التواصل الاجتماعي وارتفاع عدد مستخدمي الأنترنت في العالم العربي من ستة ملايين مستخدما في عام 2006 إلى أكثر من مائتي مليون اليوم ودخول الأجهزة اللوحية والتلفونات الذكية وانتشار استخدامها بشكل واسع في المدن والقرى والأرياف العربية تكيفت المجلة مع هذا التطور وطورت المجلة موقعها وصفحتها على الفيسبوك ليسهل على القارئ المتابع استخدام المواد المنشورة بشكل أفصل.
وعلى الرغم من أنها ليست لها طبعة ورقية ولا تعتمد على الصورة بتاتا كما أنها ارتأت خطا يركز على المضمون والجوهري ألا وهو الكلمة وقيمتها وجديتها وعمقها فقد ابتعدت عن كافة أشكال الرسميات والشكليات التي ميزت ثقافتنا المعاصرة كالألقاب والتشريفات وشكليات الطقوس الأكاديمية مركزة على الفعل الثقافي في حد ذاته والإسهامات التي يقدمها الكتاب لا مجرد ألقابهم العلمية وهذا في حد ذاته إنجاز في زمن تراجع فيه المضمون لحساب الشكل والجوهر لحساب العرضي .
تحول الكلمة من مجلة شهرية إلى فصلية هو القرار الذي توصل إليه رئيس التحرير بمعية طاقمه المساعد عوض الانسحاب النهائي من الساحة الثقافية العربية اللهم إلا الأرشيف المفتوح للقراء على موقع المجلة ولعل من تلك العوامل التقدم في السن وعبء العمل التطوعي أما الاستفزازات والمكابرات والمضايقات وأعمال القرصنة فلم تكن لتثني المجلة ولا صبري حافظ وطاقمه على الاستسلام لتلك المثبطات.
تبدو مقالة رئيس التحرير متشائمة من الواقع الثقافي العربي المتردي فقد حمل على المثقفين الذين تخلوا عن المجلات الأدبية والدوريات العلمية والأكاديمية لصالح شبكات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر مسلمين أقلامهم إلى أشياء ثانوية لا قيمة لها مثل الإعجاب والاستهجان وعدد المشاركات وكم التعليقات وهو الاهتمام بالجانب الفردي على حساب الجوانب الجمعية والقيمية فقد تحول كثير منهم إلى أقنان في آلة المعلوماتية الضخمة كما يقول التي كرست هيمنة النيوليبرالية المتوحشة وتصدر الولايات المتحدة صدارة العالم قيميا حتى في الفعل الثقافي وصناعته محولة إياه إلى مجال للربح المادي فقط.
وعن هذه الظاهرة التقنية الرهيبة وتمكنها من الجميع كتب من قبل أدونيس في موسيقى الحوت الأزرق(هذه الظاهرة سوف تزداد تعقدا في المستقبل وذلك بسبب من عودة أو إعادة المجتمع إلى نوع من الأمية المعرفية تؤسس لها عفوا أو قصدا وسائل الإعلام وبخاصة التلفزيون وترسخها الصناعة الثقافية الفنية الرياضية في شتى أنواعها وأشكالها والمجلات المصورة فضلا عن التقنيات الأخرى المنبثقة عن الكشوفات العلمية وتطبيقاتها تؤسس بها قبل هذا كله التقاليد الراسخة دينيا واجتماعيا والمدارس والجامعات ومناهج التعليم).
ومنذ مدة كتب الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو(إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى ممن يثرثرون في الحانات فقط دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع وكان يتم إسكاتهم فورا أما الآن فلهم الحق بالكلام مثل من يحمل جائزة نوبل ،إنه غزو الحمقى)
وتطرح هذه المقولة إشكالية التمييع والتسطيح والاستسهال الذي تغزو به جحافل من الحمقى كما يسميهم إيكو وسائل التواصل الاجتماعي معتقدة أنها تمارس كتابة جادة وتؤثر في الرأي العام عبر كم الإعجابات والمشاركات مقابل تراجع الكتابة الجادة والعميقة والإنتاج الجاد كذلك والحفر المعرفي والنقد الهدام البناء معا الذي يحتاج إلى وقت طويل وتفكير أطول وتأمل ودراسة أعمق وعدم المساومة في الموقف والوقوف مع الحق ومع الإنسان وهذه عواقب التسطيح والسرعة والتمييع والشعبوية ومن قديم اهتم بعض الكتاب المسلمين أو العرب بعواقب اقتحام العامة لفضاءات الفكر أو الأدب أو الدين ولعل أهم كتاب صادم من عنوانه هو "مساوئ العوام وأخبار السفلة الأغتام" والتحذير من عدم تناول العامة لعلم الكلام ككتاب "إلجام العوام عن علم الكلام" ولاشك أن عنواني الكتابين لا يعجبان المتمركسين والمتشبعين بالأيديولوجيا الشعبوية فهم يرون فيهما نخبوية زائدة وتعال وأبراج عاجية لكن مشكلة العالم العربي اليوم هو اختلاط الحابل بالنابل وتصدر الجميع للفتيا والافتئات والتحليل السياسي والوعظ والإرشاد والنقد حتى غاب أو يكاد الصوت العلمي والخبرة والنظرة الجادة الرزينة وقد استفادت الأنظمة التوليتارية والمستبدة وحتى الديمقراطية في الغرب من هذه الوسائل والتقنيات الإعلامية المتطورة مكرسة عصر الصورة والفرجة والدعاية والفضائحية ولا تغيب عنا نظرية بول نيومان والمعروفة بنظرية دوامة الصمت حيث توهم الأغلبية الصامتة أن هذا هو الرأي من خلال امتلاك الأقلية لوسائل الإعلام وهاهو أدونبس يعبر عن ذلك أحسن تعبير فيما يتعلق بالجانب الثقافي(نحن في مرحلة تاريخية ننتقل فيها من كتابة الثقافة إلى صياغتها، بالتقنية الإلكترونية تصنع الثقافة اليوم، المفارقة أن هذه التقنية العالية تنتج بعامة ثقافة متدنية وأيضا تتشابه في بعض صورها مع الشفوية فالثقافة اليوم تصنع لأشخاص يكتفون باستخدام آذانهم وعيونهم ذلك أنها شريط صور وأصوات).
كل الحيثيات التي قدمها صبري حافظ مفهومة وموضوعية وكل التشاؤم الذي اتسمت به المقالة من خلال فحص ومتابعة ومراقبة الفعل الثقافي في العالم العربي الراهن إما من بعض أنصاف المثقفين الذين احتوتهم السلط السياسية وقدمتهم إلى الواجهة آو من جملة من الانتهازيين والمتنفعين وطلاب الريع أومن السلبيات الكثيرة التي شاهت واقعنا الثقافي العربي فزادت السطحية والرداءة فغدا الكثير - إلا من رحم ربي- أقنانا لهذه الوسائل في مملكة النيوليبرالية المتوحشة.
يختم الكاتب مقاله بشيء من التفاؤل وهو الذي قرر تحويل مجلته إلى فصلية عوض التوقف النهائي ودعوة لكل غيور على الفعل الثقافي إلى المواصلة بالكتابة المنتظمة في المجلة سواء أتعلق الأمر بقصيدة آم قصة أم دراسة فكرية كما يوجه دعوة لكل من يرغب في المساهمة في تحرير المجلة أو الإشراف عليها أن يتقدم بطلبه أي حمل المشعل دفاعا عن الاستمرارية والبقاء فما أحوج ساحتنا العربية إلى الصمود والمقاومة والجدية والعمق من أجل عالم يكرس ما دعا إليه إدوار سعيد الحق في مواجهة القوة.

.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف