الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العنصريون يفسرون الإرهاب بالترهيب!

منذر علي

2022 / 10 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الإرهاب هو الاستخدام غير القانوني للعنف والترهيب، ولاسيما ضد المدنيين، سعيًا وراء أهداف سياسية، بصرف النظر عن مضمونها. وبهذا المعنى فالإرهاب يمكن أن يحدث في أي مكان وفي أي زمان، ولأهداف متعددة، وممكن أن يتلبس أردية دينية وأيدلوجية مختلفة، وممكن أن يصدر من جماعة صغيرة ضد جماعة أخرى صغيرة أو كبيرة، ومن عرقٍ معينٍ ضد آخر، ومن حزب سياسي ضد آخر، ومن فريق سياسي في الحزب الواحد ضد فريق آخر في ذات الحزب، ومن طائفة دينية ضد أخرى، ومن قبيلة ضد أخرى، ومن دولة ضد أخرى. والإرهاب قد يمارس ضد إرهاب الآخر، في حرب عادلة ضد حرب غير عادلة، كما جرى في فيتنام ضد الغزو الخارجي، والإرهاب قد يتذرع بغايات عادلة، حتى لو كان ظالمًا، وهنا تُفرض سردية القوة على الضعفاء لتشويش الوعي الإنساني، وكثير ما يتداخل الفعل العسكري مع المدني، ويختلط الحق بالباطل وتعدد التفسيرات.
***
المُتحضرون يحققون في الجريمة الناتجة عن الإرهاب ويتعقبون الجاني ويعاقبون المجرم، كما يحدث في الصين وكوبا الاشتراكيتين، وكما حدث في نيوزيلندا، مثلا، سنة 2019. والمتخلفون يسارعون في إطلاق التهم جزافًا، ويُبَرِّئُونَ أنفسهم من المسؤولية، ولا يكتفون بلوم الجاني، بل يلومون أفراد أسرة الجاني، زوجته وأطفاله وإخوانه و أقاربه، ويلومون عشيرة الجاني وقبيلته، وسكان منطقته، وجهته الجغرافية، وأمته وأتباع طائفته، وأتباع دينه، وهم بذلك لا يعلمون أنهم بهذا التفسير الأخرق يمارسون الترهيب والإرهاب، في البَدْء بشكله المعنوي، وفي وقتٍ لاحق، بشكله العنيف الأشد هولا. هكذا كان الإرهاب عبر التاريخ، وسيبقى كذلك إلى آجال غير معلومة حتى يتغير الوعي الإنساني، ويرتقي الإنسان ويتعاطى مع الجرائم بأسلوب حضاري، أو ينحدر إلى الدرك الأسفل من التخلف؛ إلى الماضي السحيق، عندما كان الإنسان يأكل الإنسان، وهو ما قد يفضي في آخر المطاف إلى فَنَاء الجنس البشري، ولا سيّما مع تطور أدوات القتل، وتقهقر أدوات العقل وتلوث وفساد البيئة الطبيعية للحياة. وعندئذ سيتوقف، بالضرورة، الرصد والتوثيق التاريخين للسلوك البشري لأنه لن يكون ثمة إنسان في العالم يرصد ما يجري.
العنصريون يوظفون الإرهاب بشكل إرهابي. وبذلك يُمارسَ الإرهاب مرتين: في المرة الأولى عندما يقع الإرهاب وينجم عنه ضحايا، وفي المرة الثانية عندما تُستغل الجريمة ويتم تفسيرها بشكل عنصري وإجرامي بأن تُنسب الجريمة ليس إلى الجاني فحسب، وإنما إلى قبيلة الجاني وإلى سكان منطقة الجاني، و إلى سكان جهته الجغرافية بكاملها، و إلى أتباع طائفته و إلى أتباع دينه، وبذلك فأن هذا التفسير الإرهابي الغبي، يُعزز الكراهيَة ويسوِّغ لجريمة إرهابية أخرى أكثر فتكًا من سابقتها... وهكذا دواليك.

***
ولتقريب الصورة للقارئ الكريم، سأضرب لكم بعض الأمثلة:

المثال الأول: في الغرب الرأسمالي، ولا سيما في البلدان التي ترسخت فيها النزعات الشعبوبية اليمينية، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والمجر وبولندا، وهولندا، وأوكرانيا. ففي هذه البلدان عندما يقع حادث إرهابي، تخفت أصوات العقلانيين خوفًا من الترهيب، وبالمقابل، تعلو أصوات المتطرفين اليمينين، وتتسابق وسائل الأعلام الغربية، وتصور الحدث بشكل درامي مثير للغاية، وتنسب الجريمة، حتى قبل التحقق منها، إلى الإرهاب الإسلامي. وعلى هذا تُحرِّض السكان غير المسلمين، وبشكل خاص المتطرفين اليهود، والمتطرفين من المسيحيين، المؤمنين بتفوق الجنس الأبيض، على المواطنين المسلمين في البلدان الغربية، وبذلك يعززون العنصرية والرفض للمسلمين، ويجد المسلمون أنفسهم في مواقف دفاعية، عن أنفسهم وهويتهم، فيلجؤون إلى العنف لمواجهة الترهيب والعنف المُوجه ضدهم. وهكذا تستمر دائرة العنف الآثمة ضد المواطنين العاديين الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري، سواء كانوا مسيحيين، أو يهود، أو مسلمين، أو غيرهم، وحينها يجلس العنصريون، الذين حرضوا على العنف والكراهية، خلف الستار لكي يستمتعوا بمشاهد الموت.
والمثال الثاني، في العالم العربي، وهو كثير الحدوث، ولنفترض، بناء على الأحداث التاريخية، أنَّ متطرفًا شيعيًا أغتال مواطنًا سنيًا، أو أنَّ متطرفًا سنيًا اغتال مواطنًا شيعيًا في العراق أو في لبنان، ماذا سيحدث يا تُرَى؟ سيصمت المثقفون العقلانيون خوفًا من القتل ولا سيما إذا كانوا في الداخل، وسينبري المثقفون العنصريون على الفور وسيتهمون الطائفة الشيعية أو السنية بالإرهاب، وسيحثون، بشكل مباشر وغير مباشر، الطائفة التي ينتمي إليها الضحية، على الانتقام من هذه الطائفة التي ينتمي إليها الجاني. والأمر ذاته إذا أغتال متطرفًا إسلاميًا مواطنًا قبطيًا في مصر، سينبري المتطرفون الأقباط باتهام المسلمين بالإرهاب، وسيشاركهم في الحماس الليبراليون المتطرفون لتصفية حساباتهم مع المسلمين دون اعتبار للمنطق ودون مراعاة لاعتبارات الوحدة الوطنية. وإذا حدث العكس فسينبري المتطرفون الإسلاميون وسيعلنون الجهاد على المسيحين وسيلومون عمرو بن العاص على تقصيره ومحاباته للمسيحيين عند فتحه مصر سنة 640م.
***

والمثال الثالث من السودان، فإذا أنفجر صراع في جَنُوب السودان بين الرئيس سلفا كير وقبيلته، والنائب رشا مشار وقبيلته، فالسلطة في الجَنُوب ستبري نفسها من جرائم القتل، وستتهم الشعب في شمال السودان، وإذا أنفجر الصراع في شمال السودان بين قبائل دار فور فالسلطة في الشمال ستُبَرِّئُ نفسها من الجرائم وستوجه الاتهام لجنوب السودان. وإذا لم يجدوا من يلصقون به التهمة فـأنهم سيتهمون الشيطان. هذه هي سرديات المتخلفين عبر التاريخ.
والمثال الرابع والأخير، هو أنَّ ما يصح في الغرب وبعض البلدان العربية، يصح كذلك في اليمن، ولكن بشكل أكثر تخلفًا وبؤسًا. ففي 11 أكتوبر 1977 قام المقدم أحمد الغشمي، وزير الدفاع في صنعاء، وبإشراف سعودي مباشر، بتصفية الرئيس إبراهيم الحمدي قبيل زيارته المرتقبة لعدن في اليوم التالي. وفي 24 يونيو 1978 اُغتيل قاتل الحمدي، أحمد الغشمي في مكتبه في صنعاء، وتوجهت أصابع الاتهام نحو الرئيس سالم ربيع علي في عدن. وبسبب ذلك العمل الفردي والثأري، ولأسباب أخرى، متصلة بالصراع الداخلي في الجبهة القومية، أُعدِمَ، مع الأسف، سالم ربيع علي من قبلِ السلطة في عدن في 26 يونيو 1978. وحينها انطلقت وسائل الأعلام المسعورة في صنعاء وهاجمت، بشكل انتقائي، بعض العناصر التي تنتمي جغرافيًا إلى منطقة إلى الضالع وإلى منطقة الحجرية، بهدف صناعة الفتنة وخلق تشققات في إطار سلطة الجبهة القومية في عدن توطئة لتقويض المشروع التقدمي. كما أنَّ السلطة في صنعاء لم تكتفِ باتهام النظام في الجَنُوب، بل توسعت دائرة الاتهام وعدّت الجنوبيين هم مصدر الإرهاب، ولكن النظام في الجَنُوب حينها كان يتبنى خطابًا سياسيًا ووطنيًا وعقلانيًا، ولم ينحدر إلى مستوى النظام في صنعاء، ولم يكن على نفس الدرجة من الغباء، لينعت الشماليين بأنهم مصدر الإرهاب، ولكنه عدّ السلطة الرجعية الحاكمة في صنعاء بأنها مصدر الإرهاب. ولقد أسفرتِ التوترات التي أعقبت تلك الأحداث إلى حربٍ دامية بين النظامين سنة 1979، وأنكسر حينها نظام صنعاء الرجعي أمام النظام الوطني في الجَنُوب الذي كان يقوده يمنيون وطنيون تقدميون، ويجسد في مجمل توجهاته، مصالح الجماهير اليمنية، ويحظى بقاعدة شعبية واسعة على امتداد الوطن اليمني.

***

وقبل أيام كان هناك حادث إرهابي مستجد في عدن أُستهدفَ فيه العميد صالح السيِّد، وبمجرد وقوع الحادث أنبرى العنصريون لتبرئة أنفسهم وتفسير ما جرى بأساليب تحريضية غبية، كسلطة صنعاء في السبعينيات من القرن المنصرم، بنسب الجريمة إلى الشماليين الذين يبيتون الحقد ضد الجنوبيين منذ 1962 حتى اليوم، وتناسى هؤلاء أن يلوموا الحكومة السُّعُودية التي استأجرت قيادات فاعلة في الحكومة اليمنية الشِّمالية الرجعية بكل مكوناتها بين 1967- 1994، واستأجرت قطاع كبير من الجنوبين الرجعيين المناهضين لليمن الديمقراطي بين 1967- 1994ودربتهم في خميس مشيط، لممارسة الإرهاب ضد النظام التقدمي في عدن وضد الحزب الاشتراكي. كما تناسى هؤلاء أن يذكروا دور السُّعُودية في تجنيد عشرات الآلاف من اليمنيين والعرب للجهاد في أفغانستان، وعقب خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان، وصعود جماعة طالبان إلى السلطة في كابول، استخدمتهم السُّعُودية في تناغم مع عملائها في صنعاء، في اغتيال اليساريين والوطنيين اليمنيين، دون أن تفرق بين اليمني الشمالي واليمني الجنوبي.
وهناك من خففوا من تهورهم وأعفوا أنفسهم من المسؤولية، ونسبوا الحادث الإرهابي إلى الطائفة الزيدية في الشمال لاستثارة حميِّة أهل السنة في الجَنُوب للقضاء على الشيعة الزيدية. وبعضهم نسبوا الحادث الإرهابي، بشكل ماكر، إلى بعض عناصر من الضالع، تخشى صعود نجم العميد صالح السيِّد، ثَمّ إدانة كل أبناء الضالع. وبعضهم نسبها إلى عناصر من شبوة، بسبب الدور البارز للعميد السيِّد في الأحداث الدموية المؤسفة في عدن وأبين وشبوة بين 2018 - 2021، ثم إدانة كل أبناء عدن وأبين وشبوة، وبعضهم نسبها إلى تعز، بسبب ما نسب إلى العميد صالح السيِّد من أحداث، تتصل بعدم تأمين العميد السيِّد للطريق الرابطة بين محافظة لحج والصبيحة، ثَمّ إدانة كل سكان تعز.
***
ما هذا الجنون؟
هل ينبغي الانشغال بكل هذه المحافظات وإلصاق تهمة الإرهاب بكل سكان تلك المناطق، ومن ثم مراقبتهم وتقييد حركة دخولهم إلى مدينة عدن وتحريض أبناء يافع، الذي ينتسب إليها صالح السيِّد، ضد بقية اليمنيين في المحافظات الأخرى والتمهيد لحرب أهلية؟ وهل إذا كان الضحية من شمال الوطن، مثل عبد الملك السنباني أو غيره، والجاني من الجَنُوب، فهل يجوز إلصاق تهمة الإرهاب بالجنوبيين وتحريض الشماليين للانتقام من الجنوبيين أو العكس.
هذا مواقف غير عقلانية وغير سياسية، وغير إنسانية، فضلًا عن أنها غبية ونتائجها وخيمة.
إنَّ الموقفَ السَّوِيّ إزاء الإرهاب، هو التحقق من الجريمة ونسبها إلى الجاني الحقيقي ومحاسبته، وفقًا للقانون، بصرف النظر عن لونه، أو عرقه، أو جنسه، أو دينه، أو ثقافته، أو مكان ولادته، أو مكان إقامته الدائمة في الوطن أو خارج الوطن. ومن ثم، وهذا هو الأهم، تغيير الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية التي أفرزت الإرهاب والترهيب في المجتمع، بتجريم العنصرية بكل صورها، وتثبيت سلطة القانون والعقل والعدل وصيانة الحياة واحترام الكرامة البشرية، والخروج من هذه المزبلة التاريخية عِوَض الترويج للعنف وإثارة الكراهيَة والبغضاء بين أبناء الشعب اليمني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي