الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حَسَاءٌ أَبَدِيّ

عبد الله خطوري

2022 / 10 / 1
الادب والفن


من نُطفةٍ مُبهمة في بَدَن هائم إلى رَحِمٍ بلا ضياء إلى جبروت أقدار عاقرة إلى أزقة ضيقة مُتْرَبَة مُحَجَّرة إلى طرقات مديدة معوجة مسدودة وغير مستوية إلى حدائقَ فيحاء مترعة بقطافات محرمة إلى أقبية وسراديب لا نهاية لمتاهاتها إلى مهاو سحيقة مُسْرِعَة مُشْرَعَة على آحتمالات شتى على قَصْفٍ بلا معنى على ترنحات سُكارى آخر ليل تقذف أقدامُهمُ المُترنحةُ أكياسَ قمامات ذفرة، فتنطلق للتو مُوَاءاتُ هررة سائبة تغطس ترتع في بقايا البقايا..لا بقايَا لي..كل شيء يُقْتاتُ يُزْدَرَدُ..العمر الأول العمر الألْفُ..من تكتكة لجَلْجَلَةٍ لحيعلة لِ..لَا أكفُّ عن اللهاث..المدرسة.المنزل. الشارع العام.الأزقة الضيقة المتربة وغير المتربة.الطريق المديد.جوطية الفقراء. الحديقة العمومية. المقاهي المنتشرة طيلة المسار.العَدْوُ الجَرْيُ المَشْيُ قُدُما إِلى أمام الأمام، ورغم ذلك، فالحَصيلةُ غيرُ مُرْضِيَةٍ.الكُتُبُ التي قُرِئتْ في آللحظات آلفائتة قليلة بالمُقارنة بما رُسِمَ وخُطِّطَ...الكتبُ البذخة تُصيبني في مقتل، تحبطني، متى آستطاع هؤلاء كِتابة دسم هات آلكلمات، يقولها لساني متأففا وأنا أتصفح بالكاد تلك الصفحات الأولى أتثاءبُ أثناءها ثم أنام..شيء ما يخزني أنْتَبِهُ أستيقظُ..يجب أن أسرعَ، فاللحظات تسرطُ اللحظات،تبتلُعها دون أوبة الى الوراء.ليس لَدَيَّ الا هاتيْن العينيْن أعدُو بهما الى المَكتبات ومجامع المُجلدات والكتب الصغيرة والكبيرة للتزود بأكبر عدد من السطور والفقرات والنصوص.نصوصٌ كثيرةٌ كنتُ أحلمُ بمُراقصَة حُروفها ومازلتُ.غير أن أثمنتَها كانتْ دائما غالية لا تستطيعُ آلالمامَ بثقلها وكَمّها المُتصاعد قُدراتي المادية المُنهارة.الكثير من العَناوين كانتْ مَعدومة في الأسواق. فقط هي عناوين أسمعُها هنا هناك، ولا شيء أكثر.لاَ حَقَّ لَكَ في المزيد.اِكْتَفِ بآلمُتاح وآلمُباح، فلا شيء في هذه الدنيا مُتاح.وحتى المُمكن بعيد آلمنال..يظلُّ لُهاثي مُستغرقا في تعب في نصب في إقبال في ذهاب في إِياب كفُرصة وحيدة لمُعانقة أكبر عَدد مُمكن من إِمكانيات الولوج إِلى ظلال حروف مستباحة...يجبُ أنْ أسرع، أنْ أَعْدُوَ..مِنْ حَيٍّ لِحَيٍّ..عَلَى آلْقَدَمَيْنِ..أجْري أطْوِي المَسافات أتجرع غصص صفحات دسمة كانت أو خفيفة، مُصَوَّرَة ومُتْرَعَة بسواد..النهارات تقفو النهارات..العام الأول العام الثاني والعاشر و..أتسابَقُ مع نزق أوقات لا تقف.لا راحةَ لمُحارب أو مسالم أو مشاكس أو معاند..السرعةُ دائما وأبدا..المَسافاتُ تَطُولُ أحيانا تقصر حسب مستجدات المزاج وصحة النفوس والأبدان..الحَيُّ الأول الدَّرْبُ الثاني ثم العاشر والحظ العاثر الذي لا تَستقيمُ مقاييسُهُ إِلا لِتَعْوَجَّ وتحيدَ عن الطريق مُعَرْقِلَةً شَغَفَ آلْمَسير.دُروب أخرى تعن في أفق لا ينتهي..الصفحة الأولى، الثانية، الكِتاب الأول، الكِتاب الثاني.الإِعياء.القَرَحُ.التعب.الصبرُ القَميئُ.الصعود.الهبوطُ.حَافلاتٌ تسكن أرجلنا.تدورُ بدورانها رؤوسُنا، فَنَرَى عربة اللُّهَاثِ تَجُرُّها أحصنةٌ ثقيلةٌ مُدَرَّبَةٌ على أجواء صقيع سيبيريا يَمتطيها أُنَاسٌ تشغلُ سُحناتهم صفحاتُ كُتُبٍ قرأتُها وأخرى تنتظرُ في تَحَدٍّ مُسْتفِزٍ..دُونْ كِيشُوتُ يلعب الورق كَشَوَّافٍ يَحْلُمُ بنجوم غير موجودة إِلا في ذهنه هو..(نيكولايفيتش ميشكين)آحْدَوْدَبَ ظهره كحدوة حصان أعجف يحاول آستخلاصَ آلمُمْكِنِ من آلمستحيلِ.يُسافر من قَبو لقَبو بَحثا عن آمرأة مشبوهة الأخلاق يُعاقرُها على طريقته الخرقاء تائقا إِلى تخليص الخلائق من الخطايا والهوام والرزايا..وتلك النوباتُ المشحونةُ بالقلق والأرق تجعل قُواه الحقيقية تستعر حيوية، فيتضاعف إِحساسُه بالحياة..لحظة تشبه وميض البروق..إِنَّ الفكرَ والقلب يشرقان عندئد بضياء ساطع، فإِذا باضطرابه وشكوكه وسقمه وتبرمه من الوجود والمَوْجُودين كأنما تهدأ على الفور وتَسْكُنُ..مسكين(ميشكين)، لازال كذلك حتى أودى به لُهاثه المُسْتَثَارُ إِلى..إِلى ماذا؟؟إِلى آعتباره مُهرجا وكفى..وهل هذا يهم..؟؟..عليكَ أن تتعلمَ آلتحديقَ مَليا في آلمرايا، فلن تجدَ إِلا ذاتا مقلوبةً، مُعَلَّقًةً في فراغ لا يضبط عقالها إِلا مزيد لهاث يصر على آلْمُضِي قُدُما نحو آلمَهاوي السحيقة حيث تُلاَكُ الأنفسُ تُداسُ الأعمارُ في حمأة حساء أبدي لا قعر لقراره..فآنتبهْ..عليك نفسك..لا تأبه للآخرين..لا يهم قول القائلين ولا صمت الصامتين ولا حكم الحاكمين..إِلْهثْ.اعْدُ.أَسْرِعْ خطاكَ، فالوجود إِلى زوال..العربة بطيئة رغم الأحصنة المُدرَّبَة..المسافات تطول رغم تواتر الخُطى التي تجاهد التعبَ.إِنها تتحرك دائما.تمشي.وجسمي بدأ يَعْيَى.أصابع القدميْن تقرحتْ.يجب عَلَيَّ أنْ أرتاحَ قليلا.اِجْرِ، فالوقت يضيق ولا مجال لتضييعه أكثر.. اُركضْ..الدروبُ تقيء الدروبَ..السطور تتماوجُ كزبد بحر معجن يأبى آلانصياعَ لزعيق آلموج تُكَسِّرُهُ صخورُ ناتئةٌ في شُطآن مهجورة..السِّفْرُ الأول..السِفْر الثاني..الأحصنةُ الجامحة تُحمحم تضبح من شدة آلاجهاد..الأرعنُ(رسكولنيكوف)يكرُّ على نواصيها آلمعقود فيها الخير، كل الخير، يقتلها بساطور أو بشيء آخر، لا يهم ثم يقطع لحمها يُعَبئه في أكياس من لدائن يلقي بها في كهوف في خلاء في فراغ..هل وقع ذلك حقا؟؟لستُ أدري، فالصفحات تختلط في ذهني، في بصيرتي، والدُّوارُ يشلحني بمهامهَ كسعار حانق في الرأس وفي القلب..المهم قَتَلَ العَجُوزَ أخذ المُجوهرات، فاقتلْ أنتَ العجزَ والانهيارَ الساكن فيكَ ليلَ نهار، أزِحْ مَفازاتكَ عن دَرَنِ تفكير لا يُجدي، لا تَستكنْ..!!..إِصْدَعْ بحقيقتكَ التالفة فيكَ انطلقْ يا هذا..!!..لا تبال بالأيام بالليالي بالغِيلان بالسَّعَالي!!انتفضْ!!رُحْ كما رَاحَ بها بعيدا لا يلوي على شيء..كُنْ كما تريدُ لا كَمَا يُرَادُ لكَ أَنْ تكونَ!!حَقِّقْ مَشيئتَكَ آصخبْ في حياتك بحيواتهم التي طارتْ استطارتْ وحلقتْ في سماوات آلغياب تعلن ميلادَها الذي لا ينتهي إِلا ليتجددَ ببدايات الانعتاق..فهل انعتقَ راسكولينكوف من سَوْرَة الاحتجاج؟؟هل استراح؟؟لو أنه فقط يقتني بعض العناوين..!!..لو فعلَ لَكَانَ قد غرق في آلمجلدات وآلكنانيش وآلأسفار ولَدُفِنَ تحت أنقاضها كما وقع لِوَرَّاقِنَا آلعتيد..لا يهم..صاحب المُقَل القميئة عَرَفَ قَبْلَهُ المصيرَ نفسَه ولم يأبهْ.لَمْ يَلتفتْ إِلا لِمَدارج آلنُّكوص يُلملمُ شعثها، ولدياجير اللَّوْثَات يرتق عُجْمها..نِعْمَ آلعشيرُ نِعْمَ آلذخر والعقدة..لا يهم..اعْدُ اجْرِ الهثْ..اسْعَ على آلقدميْن في الصباح في المساء وفي الأوقات كلها..والشمس صفراء باهتة مريضة.. والتراب أصفر والوجه والدروب والجدران والصفحات والكُتب التي قُرِئتْ والتي في جَبروتٍ مُعْجِزٍ تنتظرُ..وتلك التي مَسَحَتْها مُوقُنا وأودتْ ما بقي من ضياء في بآبئنا، والعربة التي في الدماء تُلَوِّثُ تَتَلوَّثُ كتماسيح المستنقعات يجب أن تَثِبَ، أن تقفزَ، أنْ تفض بكارةَ آصفرار آلأسفار وعقر العدم، وقد فضته منذ زمن، لكن هذا لا يكفي..إِنه إدمان نداهة داهية من غيد حِسَانِ مُجربة ضَروسٌ تعضُّ حالبَها..لا يهم سأحلب كلَّ الأفعال والأسماء، أشتقُّ منها مُعجما جديدا للوعة للفراق وللمُقل آلْحَوْرَاء..نصوصٌ كثيرةٌ في آلممرات، في آلسبل آلمُشْرَعَة على الفراغ..نص يلي نصا..وأنا أتيه بين سواد وبياض كخِرَاشٍ تكاثرتْ عليه الضباءُ فما يدري ما يلقف أو يصيدُ..أتلفُ بين الوريقات العتيقة والحديثة، السميكة والشفافة..يلعب بي آلأهوكُ (كوازيمودو)، يُكَوِّرُنِي يحشوني في نتوء ظهره آلمعقوف وحدبتَه المشوهة.. أتلمسها..صلبةً ناتئةً كانت مثل حياته الشقية..أبحثُ عن عينيْ الرشيقة(إيزميرالدا)، تلك الغجرية التي تَعَلَّقَ بها القلبُ الرجيفُ، فألفاها في شراك وسيم جذاب وجميل، بعيدةً في سحاب شاهق تحلم بفارس أشقر يشبه أنوار الشموس، يشبه بدور التمام.. وأضيعُ أنا في الصفرة القاتمة، في البياض المُكَدَّرِ بشهقات آلاغتيال في زمن بائد لا تقفُ تكتكاتُه عن حز أعناق هروب اللحظات...ألهثُ مرة أخرى وأخرى..أعْدُو أجري.. أصْرُخُ أنادي..يا ثواني يا دقائق يا ساعات يا ليالي يا هُوووهُ..كُفِّي عن الصخب.. يُعَنفني(كُونتن)وقد أُسِرَ بين السابعة والثامنة..إِنها لعبة قديمة تافهة مَحشوة بالصلف..اِلْعَبْ غيرها..وانْ لم تصدقني، فهذا المعتوه يخطركَ بمصير اللاهثين وراء عبث الأوقات..تمهل لا تستعجل..فكل مآسينا قد أنارتْ للحمقى المساكين الطريقَ الى الموت الى التراب،إِلى مسالك نسيان وعذابات غياب..من السابعة الى الثامنة لا أكفُّ عن الشهيق..العام الأول الثاني العاشر، العنوان الأول العنوان الألْفُ..ووو..ما زلتُ أعدو أقِفُ أواصلُ أَتَلَقَّفُ.قد أترنحُ أسقطُ، لكني دائما أعْدُو أعْدو أعدو ألهثُ أعْــ دُ و...


_إضاءة:(حساء أبدي)مقاربة لما كان يمور في نفسية قارئ للكتب قبل حلول عوالم النيت...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما