الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا الحديثة 2 كيف كان حكم آنا وإليزابيث

محمد زكريا توفيق

2022 / 10 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثاني

كيف كان حكم آنا وإليزابيث

بعد موت بيتر العظيم، حدثت مواجهة بين أنصار بيتر، المنادون بالإصلاح والحداثة، وبين البويار الرجعيين وأنصار القديم. لكن نسور بيتر، في مجلس النواب والجيش، كانوا كلهم أقوياء.

قاموا بتنصيب كاثرين إمبراطورة على البلاد. وهي بطلة موقعة "بروث"، التي أنقذت بيتر أثناءها، برأيها السديد وعقلها الراجح ونصائحها القيمة، عندما كان بيتر محاصرا بالجيش التركي، فائق العدة والعتاد.

كانت سنتا حكمها، 1725-1727، مشغولتين بشكل رئيسي بإكمال مشاريع بيتر الإصلاحية، التي أقرها سابقا. فقد أسست أكاديمية العلوم، وأرسلت بعثات استكشافية جديدة، وعززت العاصمة بطرسبرج والأسطول.

عند وفاة كاثرين، تولى المجلس الأعلى الحكم (1727-1730)، نيابة عن بيتر الثاني، ابن سيء الحظ، أليكسيس، الذي مات في السجن من التعذيب، وابن بيتر العظيم.

كما كان الأمر في العهود السابقة، كان الأمير مينشيكوف في البداية، هو القيادة الرائدة. لكن فرط غطرسته، أدت إلى سقوطه. بعد ذلك، وضع أعضاء المجلس المحافظون، الإمبراطور الشاب تحت نفوذهم. وبدأوا في التراجع عن إصلاحات بيتر العظيم السابقة.

أعادوا الحكومة والبلاط إلى موسكو. وقادوا بيتر الصغير إلى جميع أنواع الخمول والحماقات. واهتمت الحاشية فقط بمصالحها الخاصة:

"إنهم لا يطيعونني أبدا"، قال بيتر وهو يبكي لعمته إليزابيث، "وسف أكسر قيودي". لكن، الموت هو الذي كسر أغلاله. فمات مثل جده. أصيب بالتهاب رئوي، ثم توفي فجأة في عامه الخامس عشر. وكانت كلماته الأخيرة: " أعدوا الزلاجة! أريد الذهاب إلى أختي".

في ذلك الوقت، عام 1730، كان هناك خمسة مرشحين للعرش الشاغر:
إليزابيث، ابنة بيتر العظيم.
بيتر من هولستين، حفيده. (أحفاد كثيرون يسمون بيتر)
زوجته المطلقة.
ابنت أخته، كاثرين، دوقة مكلنبورج.
ابنت أخته، آنا، دوقة كورلو.

أخذ كبار النبلاء على عاتقهم تقديم التاج إلى الدوقة آنا، التي حكمت عشر سنوات (1730-1740). ووقعت اتفاقا، بمقتضاه: يجب عليها التشاور مع المجلس الأعلى في كافة الشؤون الحكومية، وألا يكون قرارها بالنسبة للحرب أو السلم دون موافقة المجلس. كذلك، ليس من حقها فرض ضرائب جديدة، أو معاقبة أي نبيل بدون محاكمة، أو اختيار من يخلفها في العرش.

جاءت آنا إلى موسكو، ولكن وسرعان ما وجدت أن "الاتفاق" الذي وافقت على العمل به، لم يكن يعبر عن إرادة الأمة بأسرها.

"دعوها لكي تكون مستبدة مثل أسلافها"، كانت هي الصرخة الشعبية المدوية. ثم استولت آنا على السلطة، وقمعت المجلس الأعلى بعنف.

لقد وضعت الألمان في كل الوظائف الرئيسية. ولم يكن لديها شفقة على رعاياها. كانت تجمع الضرائب بدون رحمة. وكان الفلاحون يدفعون كل ما يملكون من ماشية وآلات، تسديدا للضرائب المستحقة عليهم للحكومة.

البوليس السري كان في كل مكان. مجرد تلميح بالقول، كان كافيا لوضع النبيل الروسي تحت الاشتباه. آلاف من الطبقة العليا كانوا يعذبون ويعدمون بقطع الرأس.

بيرين، عشيق آنا ذو الأصل الوضيع، جعلته دوق كورلاند. كان قاسيا مكروها بشدة. مما جعل يحظى بالسخط عليه وعلى آنا والحكومة في كل أنحاء روسيا.

"المدن التي تحكمها النساء، لا تدوم، والأسوار التي تبنيها النساء، لا تعلو"، هذا ما يقوله المثل الروسي. لقد كان الروس يتوقون إلى عصا بيتر وحزمه، حتى يستطيعوا عقاب "بيرين"، الألماني الملعون.

"لدواعي أمنية، انتقلت الحكومة والبلاط إلى سان بطرسبرج عام 1732، فلا أحد هنا يجرؤ على التذمر أو الاعتراض على إرادة الإمبراطورة المطلقة". كتب ليفورت، "وأبعد الأشرار عن الطريق. أي روسي يشتم منه عدم الولاء أو شيء من العداء للإمبراطورة، كان لا يعثر له على أثر"

اهتمت آنا بالسياسة الخارجية وانتقال السلطة في بولندا. عشرون ألف روسي، دخلوا بولندا لكي ينصبوا أوغسطس الثالث ملكا على عرش البلاد، في تحد واضح للنبلاء الذين قاموا بانتخاب مرشح فرنسا.

واجه الجيش الفرنسي، الجيش الروسي لأول مرة، وتعرض للهزيمة بالقرب من دانزيج. ثم انتقلت الحرب إلى نهر الراين وإيطاليا. جاءت روسيا لمساعدة النمسا، ولأول مرة يرى الألمان جيشا روسيا على حدودهم.

لكي تنتقم فرنسا من روسيا، أقنعت تركيا بإعلان الحرب عليها. فبادرت آنا بالهجوم، وأرسلت حملة كبيرة عبر سهول الجنوب. اخترقت حدود بيريكوب عام 1736، الواقعة جنوب أوكرانيا، ودمرت عاصمة خان القرم، وخربت غرب شبه جزيرة القرم. ثم استولت على مدينة آزوف مرة أخرى. واستمرت الفتوحات إلى العام التالي.

في عام 1739، عبر الروس نهر بروث، ودخلوا عاصمة مولدافيا، الواقعة بين أوكرانيا ورومانيا. مما أثار مخاوف النمسا، وجعلها تضغط لصنع سلام مع روسيا. وبذلك تكون تضحية مائة ألف جندي روسي، قد تمخضت عن مكافأة صغيرة، تنحصر في قلعة آزوف ولسان صغير من الأرض بالقرب من نهر دنيبير.

تكلفة الحملة الرهيبة من الرجال والأموال، زادت من استياء الناس. واكتشفت الشرطة السرية أن عائلة دالجوروكي، كانت تدبر مؤامرة في الخفاء، للإطاحة بالإمبراطورة، والتخلص من نفوذ بيرين والألمان، وتنصيب إليزابيث على العرش.

في عام 1738، كان انتقام آنا كاملا: توفي المارشال دالجوروكي في السجن، وقطع رأس باسيل واثنين آخرين. وكسرت عظام إيفان على آلة التعذيب. وقصة زوجته الجميلة، ناتاليا، التي أصرت على مشاركة مصيره بشجاعة، باتت تقرأ كرواية رومانسية.

كان وراء حث آنا بشكل رئيسي على هذه الشدة، هو وزيرها فولينسكي، الذي كان هو نفسه يخطط لخيانتها.

"لقد تميز بشدة المكر والسلوك الذي لا يطاق. نفسية مضطربة، فخور يزهو بنفسه، دائم الوعظ وإهداء النصائح. وقح لأنداده، ومستعد لفعل أي شيء يلحق الضرر والظلم بالفقراء. شخصيته وسلوكه، جعلاه يكتسب كره الجميع."

تآمر الوزير، لإجبار آنا على الزواج منه، ورفعه إلى العرش. لكنه أساء إلى بيرين، الذي قال لآنا، "يجب أن يرحل أحدنا". وقد كان. فقد تم قتله، بعد أن قطع لسانه. ونفي أطفاله في سيبيريا. وآلت أمواله وممتلكاته إلى بيرين.

بعد إخماد هذه المؤامرات، تفرغت آنا مرة أخرى للهو والمجون.

أصبح بلاطها مشهورا في أوروبا كلها، بسبب روعته البربرية. "كان بيرين يحب الألوان الزاهية، لذلك تم حظر المعاطف السوداء في البلاط والحفلات العامة.

كل واحد كان يظهر بملابس زاهية. لا شيء سوى أزرق فاتح وأخضر باهت وأصفر ووردي. الرجال، كبار السن، كانوا يأتون إلى قصرها، "بيترهوف"، بالقرب من العاصمة، وهم يلبسون ملابس رقيقة بألوان وردية. "

كانت تشعر آنا بسعادة كبيرة، وهي تشاهد حمقى البلاط. وكانت توظف أمراء من عائلات نبيلة في هذه المهنة. وتأمر بضربهم، إذا رفضوا تسليتها. وفي أحد المرات، أجبرت أميرتين روسيتين على ابتلاع كرات من العجين، وأمرتهما أن تخوضا في حوض ماء، وتكاكيا مثل الدجاج.

عندما توفت زوجة الأمير جاليتسين، أجبرته آنا على الزواج عام 1739، من امرأة مغولية عجوز قبيحة الشكل، كانت تلقب ب "الخنزير المخلل". وكان الاحتفال بالزواج هائلا، لا يتناسب مع أصل العروس.

أقيم الاحتفال بأبهة كبيرة. دعي إليه ممثلين من كل أمة وقبيلة من الإمبراطورية. جاءوا لكي يشاركوا في كرنفال الأزياء الزاهية، مع فرقهم وآلاتهم الموسيقية المختلفة.

ركب البعض على الجمال، والبعض على الغزلان، والبعض الآخر كان يسحب على عربات أو زلاجات بواسطة الثيران أو الكلاب أو الخنازير. وحمل العروسان في هودج على ظهر فيل.

كان لدى آنا قصر مبني بالكامل من الجليد لاستقبالهم. مزين بأعمدة وتماثيل من الجليد، ومضاء بألواح من الجليد الرقيق. الأبواب وأعمدة النوافذ كانت مطلية لتمثل الرخام الأخضر. الصور مشغولة على الكتان داخل براويز من الجليد. جميع الأثاث والكراسي والمرايا، حتى أريكة الزفاف، كانت من الجليد.

بواسطة استخدام عبقري للنفط، تمت إضاءة ثريات الجليد. الكتل الجليدية التي تشبه جذوع الأشجار عند البوابات، كانت تحمل أسماك الدلفين التي تسكب اللهب من أفواهها في أربع نوافير. المزهريات مليئة بالزهور المجمدة. الأشجار بفروعها وأوراقها، تقف عليها الطيور.

تمثال من الثلج لفارس فارسي يركب فيلا، يزين الفناء. كل شيء كان من الجليد. كانت مدافع الجليد وقذائف الهاون تحرس الأبواب، وتطلق النار تحية للزوار. وكان على العروسين قضاء ليلة الزفاف في قصرهما الجليدي.

في العام التالي لهذه الاحتفالية وهذا السفه، توفيت آنا بسبب أمراض الكلية عام 1740، تاركة العرش إلى إيفان السادس، من برونزويك، حفيد شقيقتها الكبرى، إيكاترينا، البالغ من العمر ثلاثة أشهر فقط.

في الوقت نفسه، تم تعيين دوق كورلاند المكروه، وصيا على العرش. الوصاية استمرت ثلاثة أسابيع فقط. لم يستطع والدا إيفان تحمل الوصي. فحيكت مؤامرة للتخلص منه. بينما هو نائم في سريره، قام ثمانون جندي باعتقاله فجأة، وأرسل مع زوجته وأطفاله إلى المنفى في سيبيريا.

تولت أم إيفان الطفل الوصاية (1740-1741). لكن سلوكها كان فاضحا. كانت في مرات عديدة، تمضي أياما وهي عارية من ملابسها تماما، جالسة على أريكتها، تتحدث مع أصدقائها. ولم تكن لديها رغبة أو طاقة لتوقيع أهم الأوراق اللازمة للدولة.

مثل هذا الوضع لم يكن ليدوم. بالمال الفرنسي والنفوذ السويدي، قامت إليزابيث، ابنة بيتر العظيم، برشوة الحراس. خاطبتهم قائلة:

"أولادي، أنتم تعرفون من أنا، وابنة من".

أجابوا وهم يبكون: "نحن نعرف، ومستعدين".

فسألتم إليزابيث: "هل تقسمون أن تموتوا من أجلي؟"

فأدى الجميع قسم الولاء، وقاموا في الحال بالقبض على والدي الطفل إيفان، وألمان آخرين، وتم نفيهم جميعا في سيبيريا. أما الإمبراطور الرضيع، فوضع في زنزانة كئيبة مدى الحياة، ونشأ المسكين، أو هكذا أنشأوه، جاهلا عبيطا، لا يشكل أي خطر على من بيدهم الأمر.

تم الترحيب بإليزابيث عام 1742، باعتبارها منقذ الشعب. هي الآن في منزلة "موسى الذي حرر العبرانيين من العبودية، أو نوح الذي أنقذ الإنسان والمخلوقات من الطوفان"

كانت إليزابيث، مثالا للمواطنة الروسية الحقيقية. فقد كرست حياتها لخدمة الكنيسة الأرثوذكسية. وكانت خاضعة، وتحت تأثير الكهنة، الذين خططوا لقمع الكنائس والمعابد الأخرى في شارع نيفسكي في سانت بطرسبرج.

أغلقت مساجد التتار في الشرق والجنوب، وطردت خمسة وثلاثين ألف يهودي، لأنهم "كانوا أعداء المسيح، وفعلوا الكثير من الشر لرعاياها".

ثم حولت انتباهها إلى نشر الأخلاق الحميد وتعليم رجال الدين. وأمرت الفلاحين بتنظيف الأيقونات القذرة. وقامت بتوزيع التعاليم المسيحية في الكنائس. وأمرت بطبع نسخ منقحة من الكتاب المقدس، ليتم بيعها في الأسواق. في أكاديمية الكنيسة في موسكو، كان الطلبة يناقشون "نور المجد في الحياة القادمة"

اعتنت إليزابيث أيضا بالاقتصاد والمصالح المادية لروسيا. أسست البنوك، وأرسلت أبناء التجار لدراسة التجارة ومسك الدفاتر في هولندا. وشجعت العمل بالمناجم واستعمار سيبيريا وسهوب الجنوب.

في نفس الوقت، الذي ألغت فيه عقوبة الإعدام، استخدمت تدابير أكثر صرامة للأمن ولوضع حد للسرقة، ومعاقبة المجرمين. الذين نجوا من الجلد والضرب بالسياط، كانوا يشوهون ويرسلون للأشغال العامة.

وزيرها وعشيقها، الكونت إيفان شوفالوف، أسس جامعة موسكو، وبنى المدارس على الحدود. وكان يرعى الأدب والمسرح.

بثقافته الفرنسية، بدأ يؤثر في الطباع والعادات الروسية. بدأت إليزابيث ترتدي ملابس حسب موضة باريس. ويقال إنها تركت في دواليب ملابسها، خمسة عشر ألف فستان باهظ الثمن. وعدة آلاف من أزواج الأحذية والنعال. وصندوقين كبيرين مليئين بجوارب حرير.

كان المسرح الفرنسي في سان بطرسبرج، يتكالب عليه المشاهدون. المسرحيات الفرنسية، كانت تترجم إلى الروسية. المتعلمون الفرنسيون، كانوا يعملون في أكاديمية العلوم، التي بني لها قصر رائع كمقر.

لم تكن سياسة إليزابيث الخارجية أقل جدارة من والدها بيتر العظيم. حاولت السويد استعادة الأراضي التي فقدتها، فأجبرتها جيوش إليزابيث على إبرام معاهدة أبو، التي ضمنت جنوب فنلندا لروسيا، وانضمام السويد إلى حليفها أدولف من هولشتاين.

كما تدخلت في صراع الخلافة النمساوية عام 1748، وساعد جيشها المكون من ثلاثين ألف جندي، على تحقيق معاهدة "إيكس لا شابيل". إلا أنه تم إقناعها بأن فريدريك الثاني، ملك بروسيا، هو أخطر الجيران.

فاتحدت عام 1757، مع "ماريا تيريزا"، إمبراطورة النمسا والمجر، وكذلك مع لويس الخامس عشر، ملك فرنسا، ضد بروسيا وإنجلترا، فيما عرف بحرب السنوات السبع.

في حرب السنوات السبع، غزا فريدريك الأكبر، ملك بروسيا، ساكسونيا. فقام ثمانون ألف جندي روسي باحتلال بروسيا الشرقية. (بروسيا، جزء من ألمانيا حاليا). واستولوا على "ميميل"، وهزموا جيش الجنرال البروسي "ليوالد".

بعد ذلك بعامين، تم سحق فريدريك الأكبر. الذي كتب من ميدان المعركة:

"لم يبق لدي سوى ثلاثة آلاف جندي، من جيش كان قوامه واحد وخمسين ألفا. لقد فر الجميع، يا لها من هزيمة قاسية."

بعد ذلك، دخل الروس برلين وبوميرانيا. وتم إنقاذ الجنرال ليوالد، من هزيمة مؤكدة، فقط بسبب وفاة الإمبراطورة إليزابيث عام 1762، التي خلفها بيتر ابن أخيها، وحفيد بيتر العظيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك