الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أليسَتْ شريعة الغاب هي من حكمت العلاقات عبر التاريخ؟.

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2022 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


ما يحصل في عالم اليوم ليس سوى امتدادٌ لعالم الأمس.. فقبل أن تكون هناك إمبراطوريات وممالِك ودول، كانت هناك مجتمعات تقوم على مفهوم الأسرة والعائلة، ومع توسُّع العائلة باتت هناك عشائر وتوسعت إلى قبائل، وقامت بينها الحروب، وكان هناك شيخ العشيرة أو شيخ القبيلة.. وهناك دول اليوم تلعب فيها التوازنات القبلية والعشائرية الدور الأساس لتقاسُم السلطة..
كانت الناس تعيشُ على الفِطرة أو الطبيعة، قبل أن تنتقل إلى حالة المجتمع الذي يخضع لسلطةٍ سياسيةٍ ماْ، تُسمّى الدولة..
والدولة عبارة عن شعب داخل حدود مُعيّنة ويخضعُ لِسُلطةٍ سياسيةٍ واحدة (أي شعب، أرض، سُلطة).. وقد تعددت النظريات في كيفية نشأة الدولة.. منها نظرية "النشأة المُقدّسة" أي الله هو من خلق الدولة، وهنا يَجمع الحاكم بين السُلطة السياسية والسُلطة الروحية.. كما في الدول الدينية..
ونظرية القوة، أي إخضاع الضعيف للقوي عبر الحروب.. والنظرية التاريخية، أي أن الدولة نشأت فيما قبل التاريخ ثم تطورت.. وهناك نظرية العَقد الاجتماعي، وهذه من أكثر النظريات جدلا عبر التاريخ.. وتقوم على أساس أن العلاقة بين المجتمع والدولة تقوم على عقد اجتماعي..
وهناك النظرية الماركسية التي اعتبرت أن قيام الدولة نتج عن تطور تاريخي للصراع الطبقي..
**
بكلِّ الأحوال يمكن القول أنّ تاريخ الصراع لم ينقطع، على كل المستويات، سواء بين العشائر والقبائل، أو الإمبراطوريات والممالِك والدول.. وكان منطق القوة دوما هو المنطق السائد حتى ونحن في القرن الحادي والعشرين، ولم تنفع كافة المواثيق التي طورها المجتمع الدولي، من اتفاقيات ومعاهدات وقانون دولي، وقانون دولي إنساني، وصكوك حقوق إنسان، وميثاق أمم متّحدة، ومنظمات دولية، ومنظمات إقليمية، واتفاقات علاقات دبلوماسية، وقنصلية...الخ، من انتزاع نزعة القوة من العقل البشري، سواء في العصور القديمة، أو المتوسطة، أو المتقدمة، أو الحديثة..
وبالتوازي مع تطور كل تلك الأدبيات المذكورة، فقد تطورت كافة أنواع الأسلحة، بِما فيه أسلحة الدمار الشامل التي تشكِّل خطرا على البشرية جمعاء..
وحتى بعد ظهور مفهوم "الدولة" مع بدايات القرن الخامس عشر، لم يتغيّر الوضع، واستمرَ مفهوم القوة هو السائد في العلاقات بين الدول..
وحتى في عصر الدولة الحديثة تبقى القوة هي العنوان الأبرز لكافة التوسعات والهيمنة والاحتلالات..
**
لقد عَرِف التاريخ إمبراطوريات كثيرة جدا.. وتُحدِّثنا الكُتُب أن أقدم الإمبراطوريات كانت (الأكّادية) (4300) قبل الميلاد. والسومرية (3000) قبل الميلاد.. والإمبراطورية الحيثية 1600 قبل الميلاد، في بلاد الأناضول.. والآشورية 912 قبل الميلاد، والإخمينية (الدولة الفارسية الأولى) 550 قبل الميلاد.. الخ..
ــ وفي العصور الوسطى، إمبراطورية المغول، والإمبراطورية الساسانية (الدولة الفارسية الثانية)
والإمبراطورية الرومانية المقدسة، والإمبراطورية البيزنطية.. الخ..
والدولة الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية.. الخ..
كلها نشأت وتوسعت بالقوة، بشكلٍ أو بآخر..
**
فحتى الولايات المتحدة التي هي أقوى دولة بالعالم في زمننا الحالي قامت على أشلاء ودماء عشرات الملايين من الهنود الحُمر، أصحاب الأرض الأصليين.. وعلى أكتاف عشرات ملايين السُود، من أفريقيا الذين كانوا يأتون بهم كرقيق، ووصلت أول سفينة منهم عام 1619، وسخّروهم في حفر أنفاق القطارات وبناء سكك الحديد، وبناء الجسور وإنشاء كل البنية التحتية في الولايات المتحدة.. وحراثةِ وزراعة الأراضي وجني المحاصيل.. الخ.. ومات منهم الملايين نتيجة تلك الأعمال الشاقّة..
وخلال عملي في الأمم المتحدة في نيويورك، زرتُ مقر الهنود الحُمر هناك، وأجريتُ عنهم دراسة، وتمَّ تعميمها في حينهِ على كافة إدارات وبعثات وزارة الخارجية..
أمريكا اكتُشِفت عام 1492، أي قبل خمسمائة وحوالي ثلاثون عاما.. والولايات المتحدة استقلّت عام 1776 أي قبل 246 سنة.. ولكن تاريخها حافلٌ بالحروب والغزو، تحت ذرائع عديدة ومتنوعة.. وهذا حولهُ مُجلّدات من الكُتُب.. بالمقابل فقد طوّرت نظام ديمقراطي رئاسي برلماني، أوصلَ مواطِن اسود إلى سدّة الرئاسة.. وأوصل مُسلمات إلى عضوية الكونغرس..
ولكن هل كان منطق القوة هو شأن الولايات المتحدة بمُفردها، أم شأنُ كافة الدول والإمبراطوريات والقيصيريات القوية عبر التاريخ؟.
**
لا أعتقدُ أن دولة قوية عبر التاريخ يمكنها أن تدّعي العفّة، وتُزايد على غيرها في هذا المضمار.. فكلُّهُ من بعض.. كلها توسعت بالقوة أو الهيمنة أو العدوان المُباشر أو الحرب..
وروسيا القيصرية ليست بمعزلٍ عن ذلك، وتاريخها حافلٌ أيضا بالحروب.. لا سيما في مناطق شمال وجنوب القوقاز، وفي آسيا الوسطى، وفي شمال أوروبا بمنطقة بحر البلطيق.. ومع الفُرس والأتراك.. أي في كل محيطها الجُغرافي.. ونحن نتحدّث هنا تاريخ..
كافة مناطق شمال القوقاز تمّ ضمها بالقوة إلى روسيا.. والحرب مع (الشركس) حافلة بها كتُب التاريخ..
والشركس هُم مجموعة شعوب موطنهم شمال القوقاز، وأبرزها (الأديغا) وهو الاسم الأصلي، وكلمة شركس هي لقب أُطلِق عليهم.. وتتعدّد الروايات حول ذلك.. فهناك من يقول أن اليونان هُم من أطلقوا عليهم هذا الاسم، وهناك من يقول أن الأيوبيين هُم من أطلقوا هذا الاسم على أولئك المقاتلون الذين كانوا يأتون بهم من تلك المناطق ليحاربوا إلى جانبهم..
المُهم أن هذه الحرب كانت دموية جدا، واستمرت أكثر من مائة عام، ونجم عنها مقتل الكثير منهم، وهجرة الكثير إلى أراضي السلطنة العثمانية.. ويُحيي الشركس كل عام في الحادي والعشرين من أيار، يوم الحُزن أو (الحِداد الشركسي) وهو ذكرى يوم انتهاء الحرب عام 1864 بعد انتصار روسيا القيصرية عليهم في وادي "كبادا" قرب مدينة سوتشي الساحلية على البحر الأسود.. وبعد تهجير مليون ونصف شركسي إلى مناطق السلطنة العثمانية..
وتذكر وكالة أنباء الأناضول التركية، أنهُ قضى خلال عمليات التهجير القسري ما بين 400 و 500 ألف شركسي بسبب الأوبئة والجُوع..
وكذلك كانت حروب طاحنة لِروسيا القيصرية مع السويد ومع فنلندة..
في زمن الاتحاد السوفييتي، تمّ استخدام القوة لإخضاع المجَر، وتشيكوسلوفاكيا، وغزو أفغانستان..
**
خلال كل حروب التاريخ كانت الحدود تتغيّر وتتعدّل، في كل مكان ومنها في أوروبا.. ومن هنا يبرز السؤال، إن كانت أوروبا ستقوم بتعديل الحدود، فيجب الاتفاق أولا من أين يجب أن تكون نقطة البدء؟.
هل من بعد الحرب العالمية الثانية، أم من بعد الحرب العالمية الأولى، أم من أيام حروب نابليون، أم من بعد اتفاقية ويستفاليا، أم قبل ذلك؟.
**
ما ينطبق في أوروبا ينطبق في كل مكان، لا سيما في أفريقيا حيث الحدود رسمها الاستعمار وتداخلَت الأقوام والقبائل، وتوزّعت واحدتها بين عدة دول، وهذا ما تسبب بحروب قبلية عديدة في أفريقيا..
وذات الأمر في آسيا حيث الخلاف على الحدود بين الصين والهند، وبين الهند والباكستان.. وفي آسيا الوسطى حيث دارت حربا بين قرغيزيستان وبين طاجيكتسان على الحدود.. وكذلك الخلاف بين أذربيجان وبين إيران.. وبين أذربيجان وبين أرمينيا..
هذه مسألة شائكة جدا في كل أنحاء العالم.. وحتى في البُلدان العربية، حيث الخلافات على الحدود، بين مصر والسودان، والجزائر والمغرب، وفي منطقة الخليج العربي..
ولا ننسى أن هناك أربعة أقضية سورية ضمّها المستعمر الفرنسي للبنان عام 1920 وهي بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا.. والحدود بين سورية ولبنان حتى اليوم ليست مٌرسّمة بشكل نهائي..
بل إسرائيل اغتصبت الجولان السوري وضمّته إلى باقي الأراضي التي تحتلها..
ومن هنا كانت الحدود المرسومة بعد الحرب العالمية الثانية، هي المُعترَف بها دوليا، وتأسّست منظمة الأمم المتحدة، وميثاقها، كي تؤسِّس لعالمٍ جديدٍ، تضع حدا لكل حروب وويلات الماضي وتُحَلُّ فيه كافة الخلافات بالطرق السلمية، ويُمنع فيه استخدام القوة، أو التهديد بها.. ولكن هيهات..
**
لستُ بواردِ انتقادِ أو مديحِ، أو الاعتراف أو عدم الاعتراف بضمِّ موسكو لأربع مناطق في شرق أوكرانيا (فمن أنا لأقوم بذلك) فهذا من شأن الدولة وسياستها.. ولكن سأتحدّثُ من زاوية الخشية من تأثير ذلك على الحالة السورية..
اليوم سورية مُحتلّة أراضيها من طرف إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا.. وإن ما استمروا في احتلالهم عبر القوة وشريعة الغاب، فأليس هناك خشية من أن تُنظِّم تركيا استفتاء في مناطق احتلالها في الشمال، ثم تقول أن أهالي تلك المناطق صوّتوا بالغالبية لصالح انضمامهم إلى تركيا؟. مُجرّد تساؤل..
بل ألَم يستعملوا هذا السيناريو حين ضم (اغتصاب) لواء اسكندرون عام 1939؟.
وأليسَ هناك خشية أن تُحرِّض الولايات المتحدة قوات "قسد" في شمال شرق سورية، من أن تُعلن عن انفصال مناطقها وإقامة كيان مُستقِل، ثم تعترف به الولايات المتحدة وغيرها؟.
وأليسَ هناك خشية، من أن تقوم التنظيمات المُسيطرة على إدلب من إجراء استفتاء، بتعليمات تركية، وتُعلن أن المواطنين صوّتوا لصالح الانضمام لتركيا؟.
جميعنا يُدرِك كيف احتلّت إسرائيل الجولان بالقوة، ثمّ ضمّتهُ بالقوة، مُدّعية زورا وبهانا أنه جزءا من أرض إسرائيل التاريخية..
بل يعتبرون الضفّة الغربية جزءا من أرض إسرائيل التاريخية، ويطلقون علها اسم "سدوم وعَمُورة" حسبما وردت في الكتاب المُقدّس، وأنّ من حقهم ضمّها.. وإسرائيل تدّعي دوما أن إيران خطر عليها وأن حزب الله خطرا عليها، وأنّ سورية خطرا عليها، وتُبرِّر لنفسها أي عدوان تحت هذه الذريعة..
نحن في عالمٍ تسودهُ شريعة الغاب، ولا غرابة أن يفعل القوي أي شيء ضدّ جارهِ الضعيف..
**
هناك من يُصنِّفون الدول إلى دولٍ مُعاصِرةٍ ودولٍ عصريةٍ..
الدول المُعاصِرة هي التي تعيش في هذا العصر وتستفيد من مزاياه واختراعاته، لكنها لا تزال تكمُن في نمط بنيوي ماضوي قديم..
والدول العصرية هي تلك التي تتّسِم بُنيويا وأنظمةً بِسِماتِ هذا العصر السياسية..
ولكن للأسف أمام المصالح يصبح الجميع مُعاصِرون لا عصريون..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هو بنك الأهداف الإيرانية التي قد تستهدفها إسرائيل في ردها


.. السيول تجتاح مطار دبي الدولي




.. قائد القوات البرية الإيرانية: نحن في ذروة الاستعداد وقد فرضن


.. قبل قضية حبيبة الشماع.. تفاصيل تعرض إعلامية مصرية للاختطاف ع




.. -العربية- ترصد شهادات عائلات تحاول التأقلم في ظل النزوح القس