الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة المرأة الايرانية : الجزء الثاني

اسماعيل شاكر الرفاعي

2022 / 10 / 3
المجتمع المدني


ثورة المرأة الايرانية
الجزء الثاني
1 -
كل الثورات الاوربية قادها رجال
، وكانت نسبة مشاركة النساء فيها ضعيفة او لا تذكر ، ولكنها جاءت بحقوق متساوية للجنسين . وأقرب ثورات اوربا الينا في المضمون وفي الشعار هي ثورات 1848 التي انتشرت في اكثر من خمسين دولة . قال المؤرخون عنها : بانها لم تحقق أشياء كبيرة في السياسة ، ولكنها حققت انقلاباً تاريخياً في الافكار وفي الثقافة ، كانت بدايته منح المرأة الحق في التصويت ، وهي الخطوة الاولى في طريق مساواتها بالرجل . فمن ننائج ثورات اوربا في منتصف القرن التاسع عشر : انها جذرّت في القلوب وفي العقول : عصر العقلانية السياسي : - آلية الانتخابات ، تحكيم صندوق الاقتراع ، التداول السلمي للسلطة - والتوافق على منح المرأة حقوقها في المشاركة السياسية ، عبر التصويت والترشيح لدوائر صنع القرار ...
2 -
تشير شواهد تاريخية كثيرة الى ان الرجل الاوربي هو الذي دعم شعار المساواة بين الجنسين ، وهو الذي ساند وشجع الحركات النسوية ، وربما ساهم بكتابة مسودات مضامينها الثورية الاولى . كان الرجل في شعارات الثورات الاوربية 1848 ضد استبداد الرجل ووحشيته ، ويسعى من اجل تحريره من أوهامه الذكورية ، وتهذيبه بتحرير المرأة من سطوته ...
3 -
لقد تبيّن للأوربيين الترابط القوي ببن بناء دولة مؤسسات ديمقراطية وبين تحقيق السيادة . انتهت الحروب الطائفية التي استمرت ثلاثين عاماً بصلح وستفاليا 1648 . ولكي يقطعوا الطريق على عودة الحروب الاهلية مجدداً تضمن الصلح مفهوم : السيادة . وفيه اصبحت الدولة اكبر من كل ما تضمه من رموز دينية كنسية وملوكية وإقطاعية ، وانه لا شريك لها في احتكار حيازة السلاح ، وفي احتكار استعماله في حالات الدفاع الوطني ، ومنع تكوين ميليشيات خاصة تحت اي عذر كان ، وتزويدها بالسلاح ...
4 -
سبقت ايران بلدان الشرق الاوسط بثورات ذات طابع وطني : كثورة التنباك 1890 ، وذات طابع ديمقراطي كثورة الدستورية ( المشروطة ) 1911 ، وقد شكلت هاتان الثورتان ذاكرة ثورية ، وخلفية وطنية استلهمها رئيس الوزراء : محمد مصدق في إجراءاته الاجتماعية المتقدمة ، وفي قرار تأميم النفط 1951 . قاد الثورتين اعلاه فقهاء الشيعة باستقلال تام عن فكرة المساواة بين الجنسين او اية افكار اخرى من تلك الافكار المتعلقة بالحريات وحقوق الانسان التي جاء بها الأوربيون . فدخلت الثورتان في باب : حرية الأوطان وليس في باب حرية الشعوب . لقد اثبت الفقيه الاسلامي قوة حرصه على الدفاع عن " بيضة " الاسلام ، فخاض الجهاد في الجزائر وفي ليبيا وفي العراق وفي فلسطين ، وسواها من البلدان العربية والاسلامية ، ولكنه رفض فكرة الربط بين حرية الأوطان وبين حرية شعوبها : مؤيداً الاولى ومفسقاً الاخرى التي تؤيد حرية الشعوب : لان مفهوم الحريات الذي ظهر الى الوجود كمحور أساسي لجملة من مفاهيم عصر الأنوار الاوربي : يعني بالنسبة لفقهاء الدين الاسلامي : التحلل الديني والفسق والفجور والضلالة ، والتمرد التام على قوانين الشريعة الاسلامية التي تطالب المسلمين : بطاعة اولي الامر وبتطبيق اوامر الشرع واحترام الحدود . فكيف يقوم الفقيه بالإيحاء الى الجماهير اثناء احتجاجاتهم المطلبية بتطويرها الى التمرد على سلطته ، وبالتالي التمرد على شريعة الله التي تقع الطاعة في القلب من تعليماتها ...
5 -
في القرون الثلاثة الماضية ، اختلف مسار الاحداث السياسية في الشرق عن مسارها في التاريخ الاوربي بشكل جذري . هنالك دخلت الشعوب الاوربية بصراع تاريخي مع ماضيها الاستبدادي ، الممثل بالملك والإقطاع والكنيسة ، وباشرت بالتأسيس لنظام سياسي جديد هو النظام النيابي بشكليه : الرئاسي والنيابي . وبدأَ السياسيون بالتعاون مع فقهاء القانون ، ولأول مرة في التاريخ الانساني ، بكتابة قوانين ادارة شؤونهم الخاصة والعامة ، بعد ان كان التشريع لحياتهم من اختصاص الملك والكنيسة والإقطاع . ومن هذه الفترة ، فترة ولوج الانسان مرحلة التشريع لحياته : بدأَ عصر بطولة البشر الحقيقية ، وليس قبل ذلك . لكن الشعوب الاسلامية رفضت ، على لسان فقهاء دينها : الدخول بعصر البطولة الحقيقي : والسماح لممثلي شعوبها بوضع التشريعات لحياة الناس الذين يمثلونهم . وقد تبيّن لاحقاً ان رفض الفقهاء لمبدأ الحريات ( كل النواب الذاهبين لعضوية البرلمان : سيلقي بهم البرلمان في اقرب مزبلة - وما أكثر المزابل في بغداد - ان تجرأَ احدهم ، وتحدث عن ضرورة ان يكون الشعب حراً في اختيار القوانين والتشريعات التي يراها مناسبة لحياته ، ورفض كل الوصايات ) وعدم تقبل فكرة التلازم الضروري بين حرية الأوطان وحرية شعوبها : كانت السبب وراء سقوط جميع شعوب الشرق الاوسط ومن ضمنها شعوب ايران تحت وصاية الاستعمار : وفقدان السيطرة على واقعها ، وبالتالي عن رؤية مستقبلها : اذ لا مستقبل لها من غير رؤية الترابط الضروري بين حرية الأوطان وحرية الشعوب ...
6 -
سقطت شعوب الشرق الاوسط في تابعية للاستعمار ، اثر رفض فقهائها لمبدأ الحريات ، وفقدت - بهذا السقوط - السيطرة على واقعها والتخطيط لمستقبلها . تشبه المجتمعات مياه القيعان الضحلة : اذا ركدت اسنت ، وفاحت رائحتها العفنة . وفعلاً ركدت هذه المجتمعات ، ولم تبادر الى ايجاد البديل لإنتاجها الحرفي الذي اقتلعه طوفان السلع والمنتجات الاستعمارية . لقد ربّى الفقهاء هذه الشعوب لقرون طويلة على الخوف من المجهول ( الغيب ) ، وتقديسه وانتظار توجيهاته ، وطاعة ما تصدح به حكمته ، فالطاعة سر نجاتها في الدنيا والآخرة . وهكذا اصبحت " الاتباعية " هي منهجها الحياتي في النظر الى الامور وتصريف شؤونها : لقد دجن الفقهاء هذه الشعوب ودربوها تدريباً عالياً على تعلم فن الخوف من تهمتي : " الابتداع " و" التكفير " ، وتلافي تأثيرهما ، بالادمان على اجترار موروثها ، واحباط محاولات الخروج على ثقافة الفقه الاتباعية . فأصيبت هذه المجتمعات بنوع من العوق التاريخي ، منعها من القيام بمشاريع انتاجية وبمبادرات اقتصادية تجلب لخزانة الدولة مردوداً مالياً كبيراً على شكل ضرائب ، يجبرها على الموافقة على مقترحات القوانين والتشريعات التي جاءت بها ، وحشدت الجماهير من اجلها ، كما فعلت البرجوازية الاوربية . وفي مجتمعات الوفرة المالية ذات الاقتصادات الريعية في الخليج وفي العراق ، ما زالت الدولة هي الرأسمالي الكبير الذي يبادر الى الاستثمار الذي ترتزق منه وتعيش على استثماراته بعض الفئات " الزنگينة " التي لا يمكن تسميتها برجوازية : لان البرجزة ارتبطت تاريخياً بالتنوير وصناعة حضارة جديدة هي الحضارة الصناعية ، فيما " زناگين " العراق والخليج ارتبطوا تاريخياً بالحركات الدينية المحافظة ، وبدعم نسبة عالية منهم للمنظمات الإرهابية . وهذا ما يفسر لنا صمت المجتمعات الخليجية والانطواء على نفسها بعيداً عن المخاض الجبار لمحيطها العربي في الدول كثيفة السكان في مصر والعراق والشام وشمال افريقياً ، فلم ينبس الرجل فيها بجملة واضحة حول حق المرأة في قيادة السيارة مثلاً ، قبل ان تبادر الدولة بشخص ولي العهد السعودي الى الترخيص لها لاسباب دعائية : بعد تمزيق جسد الصحافي المعارض جمال خاشقجي ...
7 -
حقيقة مجتمعات الشرق الاوسط اليوم سواء ادعت انها في الطريق الى امتلاك السلاح النووي ، او انها تخطط لان تتحول برمتها الى مجتمعات حداثة ومدن ذكية في حد أقصى هو سنة 2030 ، فانها في معظمها : مجتمعات تابعة الى الخارج : تبيع على الأرصفة وفي الاسواق سلع الخارج وبضائعه وافكاره، ويقوم الخارج بتمويل عملية اعادة انتاج مكونات الجماعات العرقية والعشائرية والطائفية ( وليس اعادة انتاج مجتمع حديث ) بما يحققه تجار المفرد والجملة من أرباح ، وبما يدفعه لزعماء امتداداته الطائفية والعرقية من اموال : فيما تقوم احزاب السلطة السياسية بسرقة المردود المالي الناتج عن بيع : الثروات الطبيعية . عوق مجتمعات الشرق الاوسط الحضاري عالمياً يتمثل بانخفاض نسبة التصدير الى الاستيراد في ميزانها التجاري ، واذا لم يبلغ التصدير نسبة تتجاوز الواردات ، لا يمكن للحريات ان تكون الطاقة الدافعة للنشاط السياسي . بل تكون الطاقة الدافعة للنشاط السياسي هي الافكار الاستبدادية والعنصرية والعشائرية . وستقل الى حد كبير امكانية بناء قاعدة مادية للنظام النيابي الذي ستظل آلياته الانتخابية في دول الشرق الاوسط شكلية الى حد بعيد ، كما بحدث في العراق وايران مع كل دورة انتخابية ...
8 -
ان بقاء مفهوم الحرية في النظريات السياسية الشرق اوسطية : مقترناً بالحديث عن حرية الأوطان ، تعكسه بشكل واضح دساتير هذه الأوطان ، اذ تضمنت البنود الاولى من هذه الدساتير فقرات تقول : بان دين الدولة هو الاسلام ، ، وبان الشريعة هي مصدر التشريع الاساسي ، وبانه : لا يجوز ان تتضمن التشريعات نصاً يناقض مباديء الشريعة والأسلام . وهذا يشبه ما قاله فرانز فانون عن الاستعمار : بانه حين بتم طرده من الباب يعود الى الداخل من الشباك . وجود هذه الفقرات في اي دستور كفيل بان يجعل البلاد عرضة لتدخل الفقهاء المستمر في شؤون الدولة ، وتحويل المحكمة الاتحادية الى وكر للتأويل والتفسير . تجربة الفصل بين حرية الأوطان وحرية شعوبها ، وتقديم حرية الأوطان على حرية الشعوب ، وهي الفكرة المركزية التي انطلقت منها سياسات القوميين ومن تلاهم من الاسلاميين . اثبتت الاحداث فشلها اذ انها قادت الى : خسارة الأوطان التي لم تنل سيادتها ذات يوم ، وهي مستمرة في بيع ما تضمه اراضيها ( وليس بيع ما تنتجه عقولها وسواعدها ) من ثروات بشروط السوق الرأسمالي ، وخسرت شعوبها لانه لا يمكن لاي شعب اليوم حماية ذاته من توحش الرأسمالية من غير حرية بلا حدود : تتمرن الشعوب في أجوائها على كيفية مقاومة الاستعمار الاقتصادي : إنتاجياً . ان ما تنتجه الشعوب هو عماد قوتها في الأوان الذي نعيش ، وهو عماد حريتها . اذ تنتهي معارك حرية الأوطان ، لكن لا تنتهي ابداً معركة حرية الشعوب من الاستعمار الاقتصادي الّا باستمرار الشعوب في تطوير إنتاجيتها : علمياً وتكنولوجياً . فالإنتاجية هي سلاح حرية الشعوب ، والبندقية هي سلاح حرية الأوطان . لكن نتيجة التطور اللامتكافيء ( سمير أمين ) في الاحداث التي جرت في التاريخ الاوربي واختلافها الجذري عن احداث تاريخ الشرق الاوسط : جعل فقهاء الدين والمتنفذين من ساسة الشرق الاوسط يحبذون الفصل بين الاثنين : بين حرية الأوطان وحرية الشعوب ، وذلك واضح من رفع شعارات المقاومة والممانعة التي تعني التركيز على مسألة الخارج ومعالجتها بمعزل عن مسائل الداخل ، فقاد هذا المسار الى افقار شعوب المشرق وتدمير اقتصادهم والحط من كرامتهم ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان


.. فيتو أمريكي في مجلس الأمن يطيح بآمال فلسطين بالحصول على عضوي




.. جوزيب بوريل يدعو إلى منح الفلسطينيين حقوقهم وفقا لقرارات الأ


.. تونس.. ناشطون يدعون إلى محاكمة المعتقلين السياسيين وهم طلقاء




.. كلمة مندوب دولة الإمارات في الأمم المتحدة |#عاجل