الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انهم يقتلون أطفال العراق

سعد الشديدي

2006 / 10 / 1
الارهاب, الحرب والسلام


آخر الأخبار تقول ان مجموعة مسلحة, أكدت بعض المصادر انها تابعة لحزب البعث المنحلّ, اغتالت زوج شقيقة قاضي محكمة الجنايات العليا التي تنظر في قضيةالأنفال, القاضي محمد العريبي, وابن شقيقته البالغ من العمر سبع سنوات.
الخبر لا يحتاج الى تعليق. ولكنه يحتاج الى ادانة. ليس لأن عملية الأغتيال تلك تصفية حسابات سياسية يدفع ثمنها مواطنون ابرياء لا علاقة لهم بما يجري. بل لأنها غريبة على الروح العراقية.
فمنذ متى يأخذ العراقيون الصغير بجريرة الكبير؟
ثمة طفل لم يتجاوز عامه السابع قتله مجهول بصلية رشاش من سيارة مسرعة. طفلٌ وُلد في مدينة عراقية. اول ما سقاه والداه كان ماء دجلة والفرات. طبعت خطواته الأولى أثر قدميه الصغيرتين على تراب هذا الوطن. تعلّم لهجة الأكو – ماكو. وحفظ سورة الفاتحة وقل هو الله أحد. تناول الحامض حلو والمسقول. رسم في كراسة الرسم صورةً لنخلةٍ او شجرة توت ارادها ان تكون خضراء. وقف امام محل الألعاب وبعينيه رجاء وأمل ان يشتري له ابوه احدى تلك اللعب المضيئة في واجهة المحل. ركب المرجوحة في العيد وربما سقط منها وركض الى امه باكياً.
هذا الطفل لم يعد موجوداً. مات كغيره من ضحايا ما يسمى بالعنف السياسي والطائفي في العراق. لم يفعل شيئاً يستحق من اجله ان يُقتل. لم يشتُم أو يهدد أحداً ولم يعتدِ على احد. كان جالساً في سيارة ينظر من خلال زجاجها الى الشارع وأعمدة الكهرباء تمّر مسرعة امام عينيه. فجأة سمع صوت صليات رشاش. شعر اولاً بالفزع ثم احسّ بألم في احشائه. وبعد ثواني. مات.
هكذا ببساطة انتهت حياة عراقي صغير لم يمهله اعداء قاضي محكمة الجنايات كي يفهم لماذا يقتل ابناء بلاده بعضهم البعض. لا اعرف هذا القاضي ولا اقف معه أو ضده. لكن علينا ان نقف ضدّ كل جرائم القتل فهي غريبة علينا ولا تمت لنا بصلة. لذلك لابدّ ان نصرخ بأننا ندينها وان بُحتْ اصواتنا. كل السيارات المفخخة واجساد الأنتحاريين النتنة التي تتفجر في سوق شعبي او مسطر للعمال الفقراء او في شارع يكتظّ بالمارة الأبرياء غريبة على ما تعلمناه من امهاتنا وآبائنا, من معلمينا وأصدقائنا, ومن القصائد التي حفظناها عن ظهر قلب والأغاني التي سمعناها والكتب التي جمعنا ثمنها بشق الأنفس لنكتشفها ونكتشف أنفسنا فيها.
لذلك ندين جرائم القتل تلك. لأنها تنتمي الى عالم اسود, شديد القتامة, نرفض ان ندخله ولو مرغمين.
وفي هذا العراق الذي ظهر لنا فجأةً وكأنه قادم من اعماق الأرض الصدئة يصبح قتل البشر مبرراً, بل مباحاً. فمنذ متى احترفنا نحن العراقيين ذبح بعضنا البعض؟ ومنذ متى اصبح حلالاً علينا قتل اطفالنا لأنهم ابناء خصومنا السياسيين والطائفيين؟
آلاف من اطفال العراق تختطفهم عصابات محترفة. بعضهم يعود سالماً والآخرون يأخذهم درب الصد ما ردّ. اطفال آخرون يموتون بطلقة في الرأس او عند انفجار سيارة مفخخة. هكذا اصبح مصير اطفالنا.
لماذا؟ هل انتهى عراقنا الذي نعرف؟ هل اصبحنا أمة تأكل اطفالها؟
لا اريد أن اصدّق بأن عراقي الذي ارضعتني اياه امي قد مات مع ذلك الطفل ذي الأعوام السبعة.
لست متفائلاً ولا متشائماً ولكنني اعرف جيداً ان وطني قادم من درب الآلام الذي نسير عليه. من حشرجة الرؤوس المقطوعة والملقاة في برك الماء الآسن. من بقايا الأجساد المتناثرة على شوارع لم يبق بها من اسفلت. ومن الثقوب التي يحفرها الرصاص المنطلق بحقد وضغينة الى صدور اطفالنا ورؤسهم الصغيرة.
انه قادمٌ رغم كلّ هذا الدم المُراق من جسده الممددّ مابين الحياة والموت.
واذا لم يأتِ فسأخلقه كما خلقت الآلهة بلاد سومر وزقوراتها. فما الحياة دون وطن؟ وما العالم دون عراق يتوسط الخارطة بنهريه اللذين ينبعان من جنات عدن, واطفاله
الذين يتسلقون اشجار التوت والنخيل ويريدونها ان تكون خضراء.. خضراء؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار