الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 10 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تثير قضية الأموال مجهولة المالك الكثير من الجدل الفقهي بين فقهاء المسلمين ليس فقط في سندها التشريعي والأختلاف في التفسير والتبرير لها أو ضدها أجتهاديا، بل بما تتركه من أثر مادي على المجتمع الإسلامي والنظم الأقتصادية التي تحكمه، إضافة لما يترتب عليها من أثار تتعلق بميدأ الحلية والحرمة في التصرف بهذا المال، لم يكن الأمر يثير الكثير من الإشكالات في الفترات الماضية التي سبقت إكتشاف النفط والثروات المعدنية التي تشكل اليوم محورا هاما من هذا الجدال الدائر بين البعض حول نظرية لم تجد أتفاقا لا مجمعا عليه ولا حتى إمكانية الأتفاق على مبادئ أساسية للتأسيس لمفهوم عاما أصلا لنظرية مجهول المالك، فعند غالب فقهاء الشيعة هناك مبدأ أساسي يقوم على أن أي مال لا يدع أحدا بإثبات ملكيته بالدليل الشرعي الثابت قهو من حصة الإمام المعصوم أو نائبه المعتبر يتصرف به بحسب ولايته على الناس، ولا يحق لأحد أن يتصرف بهذا المال لأنه يعد أنتهاكا لمال محروز تحول بفعل القاعدة إلى مال معلوم المالك.
ولدراسة موضوع مجهول المالك وفقا لنظرية غالب فقهاء الشيعة علينا أن نعرف أولا معنى مجهول المال أو المالك الذي يجهل مالكه على وجه اليقين، أولا ليس كل مال لا يعرف صاحبه مجهول المالك حسب ما يرد في الفقه الجعفري، المال الضائع المعروف بـ "اللقطة" ليس مالا مجهول المالك وله أحكام خاصة به، ثانيا "الركاز" وهي الكنوز والدفائن القديمة والأثرية ليس لها صفة مجهولة المالك وعليها الخمس الشرعي والباقي لمن عثر عليها أو أستخرجها، وهناك أيضا ما يعرف بـ "مرد المظالم" وهي تلك الأموال التي يعبر عنها فقهيا (عما تشتغل به الذمة من حقوق ناس مجهولين)، هذه الأموال والقياس عليها لا تعد مجهولة المالك وفقا للمصطلح الفقهي وما يترتب عليها من أحكام تختلف عما يترتب على أحكام مجهولية المالك، فكل مال لا يعرف صاحبه بعد الفحص والسؤال وعدم العثور على أي دلالة أو علامة تفيد بالمالك أو تدل عليه مع اليأس من وجود أمل في العثور على مالك، يعتبر مالا مجهول المالك حكما، ولا يجوز التصرف به تملكا أو إنفاقا إلا بعد مراجعة الحاكم الشرعي الذي وحده من حقه أن يصدر الأذن بالتصرف أجتهادا بالتصدق بنصفه على الفقراء وخاصة المؤمنين حسب ما يقتضيه الأحتياط الوجوبي في المسألة، ولكل حالة خاصة وضع خاص.
وللتعمق أكثر في الموضوع نعود أصلا لمفهوم الملكية في الإسلام كدين، المعنى والمسمى إصطلاحا ولغة فالمالك أسم فاعل من فعل ملك بملك فهو مالك والمصدر ملكية، مصدر صناعي من المِلك قال في القاموس "مَلَكَه يملِكه مُلكاً أي أحتواه قادراً على الأستبداد به والتصرف فيه"، أما إصطلاحاً فهو "إختصاص بالشيء يمُكن صاحبه من التصرف به إبتداءً مالم يوجد مانع من التصرف"، فليس لما يملكه الإنسان من حدود تحده وتقدره في الشريعة الإسلامية، فللفرد المعنوي أو الشخصي أو المجموعة متفقة أو بالأفتراض واقعا أو حقيقة أن يملك أو يملكوا من المال ما يستطيع أن يتملكه بوسائل ملكه المشروعة دون حد مقدر في ذلك، وله ولهم الخيره فيه إن شاء تمتع بذلك السلطان أو تصرف به وإن شاء تركه وذلك دون مساءلة عليه إلا في موردين محددين، الأول أن لا يكون ذلك أحتكارا فيه ضد الناس وأستغلالا للظرف وإضرارا بهم وبمصالحهم، وأن لا تسخر الملكية في تهديد حياة وأمن وسلامة المجتمع الإسلامي، فالملكية سلطان للمالك على ما يملك على أن يتصرف به وفقا للأستعمال الطبيعي والمتعارف عليه بين الناس على قاعدة " لا ضرر ولا ضرار"، وعلى السلطة الأجتماعية ووفقا للمبدأ الديني أن تحمي الإنسان وحيلته وماله وعرضه من الأنتهاك، كما منحت الشريعة الحق الفردي والجمعي للدفاع عن الملكية كحق أساسي لا خلاف عليه، ولا يجوز في الشريعة الإسلامية أنتزاع الملكية أو أنتزاعها غصبا إلا بالرضا أو التعويض العادل على أن يكون هناك سبب أكثر وجاهة وحجية من مبدأ الحماية ذاته.
كل ذلك في الملكية الخاصة أو الفردية، وهناك فرق بين الملكية الخاصة التي تعني ملكية تحت عنوان واحد سواء كان العنوان متصل أو مشترك لكنه ليس فردا واحدا، فملكية العوائل والأسر والعشيرة وحتى الطائفة من الناس الذين ينتمون لمشترك رابط تسمى ملكية خاصة ومنها الشركات والمؤسسات الخاصة، أما الملكية الفردية فهي ما عادت لفرد واحد لا يشاركه فيه أحد، والملكية العامة تعرف بأنها إذن الشارع للجماعة في الانتفاع بالعين رقبة أو حق تصرف عيني أصلي أو تبعي، وهذه الأعيان تتحقق في ثلاثة أنواع هي الأعيان التي تعتبر من مرافق الجماعة بحيث إذا لم تتوفر للجماعة تفرقوا في طلبها كالماء والمرعى، والأشياء التي في طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها مثل ما ورد في الحديث الشائع "الناس شركاء في ثلاث الماء والهواء والكلأ "، وهذه ملك عام الأفراد بلا عنوان وموقوفة عليهم، والثالثة الأعيان والمواد التي إذا لم تتوفر في مرافق الجماعة يتفرق الناس في طلبها لأنها تتعلق بحياتهم العامة وأستمراريتهم فيها، وهي تشمل المعادن التي لا تنقطع كما تشمل الأشياء التي تكون طبيعة تكوينها تمنع أفراد الناس من حيازتها، سواء أكانت تلك المعادن ظاهرة يمكن الانتفاع بها دون تكلفة كبيرة، أم غير ظاهرة مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس، أم سائلة كالنفط وتعرف جميعا بأنها من الملكية العامة في جميع مجالاتها ومصادرها.
إذا نحن أمام ثلاث حالات من حالات شكلية الملكية حسب طبيعة مالكها وهي، الملكية الفردية ثم الخاصة ثم الملكية العامة والتي تعتمد أساسا ليس على طبيعتها فقط كالملكية العامة بل أيضا على طبيعة المالك كما في الصورتين الأولى والثانية، ففيهما من الراجح بشكل عام أن تكون صفة المجهولية متى ما فقد الوصف في المالك أو الأستدلال عليه لسبب أو لأخر، ولكن لا يمكن أن تكون في الوصف الثالث مجهولية للمالك مهما تم التبرير أو التفسير لأن طبيعتها الخاصة أنها لا تملك لفرد أو مجموعة، فهي ملك عام لا يمكن أن يخصص أو يختص به أحد، حتى في الفقه الجعفري مثلا نجد هذا الفهم منها ووفقا لهذا المعنى ما جاء بأستفتار للسيد السيستاني بهذا الخصوص ردا على أستفسار، وهنا أنقل النصين معا لتدليل على ماهية المال العام (اذا كان للمسلم المالك لقطعة ارض خاصة به في الحق ان يمتلك ما فيها من نفط او منجم للذهب او شابهه من الثروات والتي تعتبر من الاملاك العامة التي يتقاسم فيها الجميع؟)، كان الجواب واضحا وصريحا غير قابل للتأويل والتفسير والتوظيف لخلاف ما هو أصل (المعادن الباطنة لا تتبع الارض ولا تملك باحياءها)، الجواب لا ملكية خاصة لما هو مملوك على العموم أمل بطبيعته العامة أو لضروريته العامة.
البعض يفرق تبعا لأهداف خاصة بين الملكية العامة وبين الملكية الرسمية أو ملكية الدولة أو ما يعرف بالمال الحكومي أو مال الدولة، على أعتبار أن الدولة الغير شرعية أو الحكومة الغير شرعية وفقا للمعتقد الديني ملكيتها مشوبة بالحرمة ويقع عليها ما يقع من أحكام في المال المشبوه، وبالتالي فملكيتها ليست ملكية عامة محترمة وفقا للشريعة حسب تفسير وتخريج يعض الفقهاء، ويفرقون في هذه المسألة أيضا بين حالتين، الأولى عندما يتعلق المال في بلاد غير المسلمين فتعتبر عند البعض من باب الغنائم التي يجوز تملكها للمسلم دون حرمة للمال العام ويسقطون عنها صفة الملكية العامة، والحالة الثانية أن تكون الأموال والحكومة في بلاد المسلمين فيحلون البعض أخذها بأعتبارها أموال مغتصبة من المال العام ويجب توزيعها أو التصدق بها للفقراء، أو تسليمها للحاكم الشرعي المختص لتزكيتها أو الأذن بصرفها وفقا للقواعد المعمول بها وفقا للمذهب المتبع، هذا التخريج غير حقيقي وباطل وفقا لقاعدة "تغير اليد المتصرفة بالمال العام لا يغير من طبيعته لأن الأصل في الوصف وليس بالتصرف"، وهذا أيضا نجده في فتاوي السيد السيستاني أيضا " لا نأذن بالتصرف في اموال الحكومة في الدول الاسلامية بغير الطرق القانونية باي نحو من الانحاء".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سقوط قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على سيارتين في منطقة الشها


.. نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: الوضع بغزة صعب للغاية




.. وصول وفد أردني إلى غزة


.. قراءة عسكرية.. رشقات صاروخية من غزة باتجاه مستوطنات الغلاف




.. لصحتك.. أعط ظهرك وامش للخلف!