الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الحادية عشرة) ما هو الردع ؟!

ثامر عباس

2022 / 10 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(الحلقة الحادية عشرة) ما هو الردع ؟!


ليس من شك في إن ظهور هذا المفهوم كان قد ترافق وتزامن مع تصاعد حمى الحرب البادرة التي كانت قائمة بين القوتين العظميين ؛ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق ، والذي كان تعبيرا"سياسات (الاحتواء) التي كان يمارسها كل منهما ضد الآخر على الصعيدين الإقليمي والعالمي . لذلك فقد كتب كل من الباحثين (جورج) و(سموك) يقولان (( ظهر الردع بمفهومه الحديث عندما أصبح التهديد بإلحاق ضرر وألم هائلين في الوقت الذي تظل فيه القوات العسكرية المتواجهة سليمة ))(1) .
والجدير بالذكر إن مفهوم (الردع) وان كان وليد تعقيدات ظاهرة الحرب وتطور القدرات العسكرية للدول ، فضلا"عما أحرزته تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل من تقدم في مجالات الفتك والإبادة ، إلاّ انه بني على افتراض أساسي مضمونه ؛ إيقاع الهزيمة بالخصم في الميدان (النفسي) قبل النيل منه في الميدان (العسكري) ، بحيث إن حالة الردع تفضي بالطرف المستهدف إلى شلّ إرادة قيادته وتقويض معنويات جيوشه . ولهذا فقد اعتبر المحلل (روبرت جرفس) إن مفهوم (( الردع عبارة عن علاقة سيكولوجية (تتوقف على التصورات) ، وان كيفية تصور الخصم للعالم وليس للوضع الذي هو عليه بشكل موضوعي هي التي تقرر النجاح ))(2) . في حين تتمحور رؤية الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي (جان بودريار) لمفهوم الردع باعتباره (( يستبعد الحرب – العنف البدائي لأنظمة تتوسع . والردع بذاته هو العنف المحايد والمنبجس لأنظمة انبثاثية أو في حالة انغماد ، فليس للدرع أبدا"موضوع وخصم وإستراتيجية – انه بنية كونية للقضاء على الرهانات ))(3) .
وبصرف النظر عن الطبيعة النوعية لعمليات (الردع) ، لاسيما اقتصار اللجوء إليه في مضامير الحروب والاستراتيجيات العسكرية ، إلاّ أن ذلك لم يمنع استخدامه والاستعانة به من قبل الأنظمة السياسية في مختلف دول العالم ، وبالخصوص مجتمعات العالم الثالث انتهجت نهجا"استبداديا"في الحكم ، وذلك لإرهاب معارضيها من الأحزاب السياسية والتيارات الإيديولوجية وإسكات أصواتهم وتحجيم نفوذهم ، ومن ثم الحيلولة دون خروجهم عن الحدود التي رسمتها لهم ، والتجاوز على القيود التي وضعتها أمامهم . لا بل إن هذه الممارسة وجدت طريقها حتى داخل المجال الاجتماعي العام ، حيث العلاقات والتواضعات والتراتبيات بين الأفراد والجماعات قائمة ؛ ليس على أساس التفاعل والتواصل ، بل على أساس التفاصل والتفاضل ، وليس على أساس التوافق والانسجام ، وإنما على أساق التفارق والتصادم . بحيث يسعى كل فرد أو تسعى كل جماعة تمتلك مقومات القوة المادية وعناصر التفوق البشري ، إلى فرض إرادتها وتسييد سلطتها على من هو أدنى منها في المرتبة ، وذلك عن طريق استعراض تلك الإمكانيات (الرادعة) أو التهديد بها في حال استشعرت أن خصمها بات يشكل خطرا"عليها .
ولعل من الملفت القول إن سياسات وإجراءات وممارسات (الردع) في المجتمعات المتشظية ، تبدو أكثر فاعلية مما هي عليه في المجتمعات الأخرى المحكومة بسلطة الدولة وهيبة القانون ، نظرا"لكونها تعتمد ليس فقط على عامل (القوة) المجردة في فرض إرادتها وبسط سيطرتها عبر التهديد باستخدام (السلاح) فحسب ، وإنما – وهنا يكمن الفارق - على ترسانة من التأثيرات الاجتماعية والسيكولوجية والقيمية والرمزية التقليدية ، التي تشكل في بعض الأحيان قوة (رادعة) ربما تضارع في التأثير والفاعلية عامل (العنف) المباشر المفضل لدى هذا النمط من الجماعات المتذررة .

الهوامش
1. ديفيد جارنم ؛ مستلزمات الردع : مفاتيح التحكم بسلوك الخصم ، سلسلة دراسات إستراتيجية (2) ، ( أبو ظبي / الإمارات ، مركز أبو ظبي للدراسات الإستراتيجية ، 1998 ) ، ص22 وص23 . هذا وقد عبر الباحث (برودي) عن ذات الاتجاه بالقول (( حتى الآن كان الهدف الرئيسي لمؤسستنا العسكرية تحقيق النصر في الحروب . أما من الآن فصاعدا"، فبجب أن يكون هدفها العسكري تفادي وقوعها . ولا يمكن تقريبا"أن يكون لها أي غرض آخر مفيد )) ، المصدر ذاته ، ص23 .
2. المصدر ذاته ؛ ص39 . هذا وقد أضاف (المؤلف) بعبارة مختصرة قائلا"(( تحقق الدول الردع عندما تثني دولا"أخرى عن التصرف بطريقة تؤذي مصالحها )) ، ص7 .
3. جان بودريار ؛ المصطنع والاصطناع ، ترجمة الدكتور جوزيف عبد الله ، ( بيروت ، المنظمة العربية للترجمة ، 2008 ) ، ص89 . موضحا"ضمن نفس المصدر والصفحة إن (( الردع ليس إستراتيجية ، بل يتداول ويتبادل بين أوائل مستحوذي النووي ، تماما"كتداول الرساميل العالمية في هذه المنطقة المدارية للمضاربة المالية التي يكفي دفقها للتحكم بجميع التبادلات العالمية )) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية