الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كما اللون الأبيض انعدام للون فإن فعل الشر انعدام لفعل الخير الحلقة الأولى ) 1/2

حسن خليل غريب

2022 / 10 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فكرة الله، احترام للذات البشرية:
بين من يعتقد بوجود إله خلق الكون وسيبقى الكون خالداً بإرادة هذا الإله، ومن يعتقدون أن الكون خلق من عدم، ومصيره العدم. يبقى الاعتقادان نظرية غيبية مجرَّدة قائمة على الافتراض والاستقراء والاستنتاج. وهنا يتساوى الاعتقادان بإمكانية الإصابة والإخفاق. ولذلك لا يستطيع أي منهما أن يدحض بيقين أسباب الآخر باعتقاده طالما استند الاثنان إلى القواعد الغيبية في تفسير ما توصلوا إليه. ولهذا ليس هناك كافر ومؤمن. فكل منهما كافر من وجهة نظر الآخر. والأمر كذلك، فليؤمن من يشاء، وليكفر من يشاء.
أما نحن فنرى التمييز بين الاعتقادين، بأننا ننحاز إلى جانب المقولة المنطقية التي تقول: (لا معلول من دون علة).
منطلقاً من هذا الاعتقاد، ومستنداً إليه، وإن كان مبنياً على نرجسية بشرية، أقول: بأنه لن يتساوى مصير الحجر والشجر والحيوان مع مصير الإنسان. وإذا كان العدم مصير كل من هذه الموجودات فهذا ليس مصير الإنسان لأنه يُعتبر سيدها على الكرة الأرضية، والدلائل والبراهين العيانية على ما نقول به، أكثر من أن تحصى. ويكفي الإنسان أنه يستطيع أن يُسخِّرها جميعها لخدمته.
وأما لماذا الإنسان يتميَّز بما ذكرنا، فلأنه يمتلك مقدرة عاقلة، تدل تجارب التاريخ وتطور الحضارة البشرية على تلك المقدرة. فمسار الحضارة والتطور البشري يتصاعد بشكل يثير الدهشة والإعجاب. وهي تصل إلى مستوى التطور التصاعدي الهائل.
إن المقدرة العاقلة عند الإنسان جزء من ذات الله الذي خلقها على غاية من التعقيد مما يعجز أحياناً عقل الإنسان على إدراكها. ووهبها المقدرة على التطور التصاعدي. وهذا ما يفسِّر النقلات النوعية فيها على شتى الصعد.
وإذا كانت الحضارة المادية قد تصاعدت بهذا الشكل الهائل، والتي فيها تسود النزعة المادية على ما عداها من النزعات النفسية والروحية، فهذا يفسِّر لنا مدى خطورة الافتراق بين التطورين، ومدى خطورة غياب التوازن بينهما، الذي إذا ما اختلَّ فسوف تعاني البشرية من آثارها البشعة على مستقبلها الأقرب فالأبعد.
لقد حاولت الأديان أن تردم الهوة بين التطورين، ولكنها فشلت وضلَّت الطريق لأنها استخدمت مقاييس البشر المادية في تهذيب النفس والروح، وحصرت وسائلها بالعبادات دون غيرها من العناية بتربية النفس والروح تساوقاً مع سموها وتعقيدها. ولعلَّ أخطر تلك الوسائل عند الأديان، هي الزلفى إلى الله لأنها تعتبره الأقوى؛ وتعتقد بذلك، كما لو كان الله إنساناً نرجسياً ترضيه الأدعية والصلوت والعبادات، والله أبعد ما يكون عن ذلك.
ولعلَّ أهم تلك المعضلات، كانت مسألة خلق الأفعال، إذ أخطأ الذين ينسبونها إلى الله، والاعتراف بقدر الله ومشيئته، ونكران مقدرته على أن يهب الإنسان حرية اختيار أفعاله. فإذا حصل خير من الأفعال فهي بفضل من الله، وإذا حصل شر فبقدر مكتوب منه. وعلى الرغم من ذلك تقوم بتحميل الإنسان وزر ما يحصل، على فرضية أن الله سيحاسب البشر على نتائج تلك الأفعال؛ فالعقاب لمن يخطئ، والثواب لمن يصيب.

إشكالية العلاقة بين الخير والشر:
ليس الشر كما هو معروف عنه أنه متلازم لثنائية (الخير والشر)، وهو ليس نزعة قائمة بذاتها، بل هو انعدام لوجود شيء آخر، وهو انعدام الخير.
الله الذي نؤمن به، كما نعتقد، لم يخلق في الإنسان نزعتين، نزعة الخير ونزعة الشر، بل هو خلق نزعة الخير فقط، ومن لم يمارس تلك النزعة فكأنه يعمل شراً. فعمل الخير، إذن، هو الفطرة التي خلق الله الإنسان عليها. أي حضَّ الله البشر على القيام بأفعال الخير من أجل سعادتهم، فمن فعل خيراً فلنفسه ومن أجل سعادته، ومن خالف هذه النزعة فكأنه يمتنع عن فعل ما يصب في توفير تلك السعادة، وهذا ما تمَّ الاصطلاح عليه بـ(فعل الشر).
تلك فرضية اقتضى قولنا بها أسباب ووقائع ونتائج استنباطية زوَّدتنا ببراهين للدفاع عنها. وهذا ما سوف ندرسه في هذه المقالة.
أولاً، وقبل أي شيء آخر، نرى أن ما نبحث عنه، هو من المقولات الغيبية الماورائية. ففكرة الله استنتاجية واستنباطية تعود أصولها إلى البحث عن وجود قوة تفوق قوة البشر، لا بل تقهرها. والبحث عن فرضية وجود خالق للكون. وتراوحت الفرضيات بين وجود الله أم عدم وجوده. ولأن فكرة الله ما ورائية، فهي لا تتساوى مع مستوى الواقع العياني الملموس أو المنظور أو المحسوس، بل ترقى إلى مستوى المنطق النظري البرهاني المجرد. ولهذا نعتبر أن المسألة المطروحة مسألة قديمة تعود أصولها إلى أول محاولة للعقل البشري انكبت على البحث في فكرة الله، وتعود جذورها إلى متلازمة (العلة والمعلول)، أي أنه لا بد لأي موجود مصنوع من وجود صانع له. فالكون الواسع بكل تفريعاته وتعقيداته لا يمكن أن يُخلق من عدم، ولا بُدَّ من وجود صانع له. فكانت فكرة وجود (العلة الأولى) التي اصطلح على تسميتها باسم (الله).
واستتبع وجود هذا البرهان العقلي، البحث في وجود الإنسان ومصيره قبل الموت كواقع عياني، ومصيره بعد الموت كافتراض ما ورائي غير منظور أو ملموس. ولهذا ابتكر الإنسان وجود (فكرة الله)، واعتبر أنه مخلوق من مخلوقاته. ولأن الإنسان يمثل الوجود العاقل على هذه الأرض، فهو يشكل محور هذا الكون المنظور (الكرة الأرضية). ولأن ظاهرة الموت استدعت وجود أسئلة عن مصير الإنسان بعد الموت، اكتنز تاريخ العقل البشري الكثير من الأسئلة المعقَّدة التي وجد أن البحث عن أجوبة لها مهمة عسيرة وأكثر تعقيداً ولكنه لم يستسلم بل ظل مستمراً في البحث عنها على الرغم من أنه لم يجد حتى الآن براهين عيانية تقنع الأكثر تفكيراً عقلانياً، وكذلك الأكثر سطحية. فالبراهين العيانية جامع مشترك بين المستويين.
ومن بين أهم تلك الإشكاليات، أمام من يبحث عن مصيره بعد الموت، كانت إشكالية الحساب بعد الموت. وقد ساد حتى الآن عند من يعتقدون بوجود إله، ووجود حساب بعد الموت، أن من فعل خيراً سوى يلقى حساباً يؤدي إلى خلاص نفسه ودخولها إلى الجنة. وإن من فعل شراً سوف يلقى حساباً يؤدي إلى دخول نفسه إلى النار.
تلك الإشكالية قادت إلى إشكالية أخرى تتلازم معها، هي السؤال عمن خلق تلك الأفعال التي يتم محاسبة الأنفس عنها. هل هي من خلق الله، أم هي من خلق الإنسان. وتلك، بلا شك، كانت من أهم المعضلات التي واجهت الفكر الديني في شتى مراحل ظواهره. وما زالت تشكل حتى الآن المعضلة الأهم، والأكثر جذباً لحركة العقل البشري. والتي منها انبثقت ما تُسمى بـ(ثنائية الخير والشر).

ترابط خلق الأفعال بفكرة الخضوع والسيطرة:
تعود أصول خلق الأفعال إلى بداية العلاقة بين القوي والضعيف. القوي الذي يمتلك المواد الأولية التي لا يمكن للحياة أن تستمر بدونها. فالطفل الوليد بحاجة إلى قوة الأب الذي يوفر الغذاء، وقوة الأم التي تحضن الأطفال. والأب بحاجة إلى مساعدة توفرها قوى أكثر مقدرة منه. وهكذا تتكامل الحياة البشرية بوجود من يملك، ووجود من لا يملك. فالذي يملك هو الأقوى، والذي لا يملك هو الأضعف. وبدلاً من وجود حالة التكامل والتبادل بالخدمات فقد سادت فكرة الخضوع والسيطرة. وهذه الفكرة عزَّزت نزعة الخاضع إلى كسب رضى الأقوى، ونزعة الأقوى للسيطرة على من هم بحاجة إليه. وكانت النزعتان مرتبطتين بمسألة خلق الأفعال. فكانت البدايات المعرفية تقوم على أن الأقوى هو من يخلق الأفعال، وهو الذي يحاسب الآخرين ليستحوذ على إرادتهم ويضمن خضوعهم له، وطلب رضاه. فطاعته خير، والتمرد عليه شر.
واستناداً إلى هذه البدايات المعرفية، نسبت بعض الدعوات، وخاصة الدينية منها، خلق الأفعال إلى الله، وكأنها تعيد المقولة المعرفية بأن الله هو الذي خلق الأفعال بالبشر ويحاسبهم عليها تماماً كما كانت خاضعة لمقولة العلاقة بين الإنسان المسيطر والإنسان الخاضع؛ فالمسيطر له الحق في كل ما يفعله لأنه لم تكن سيطرته خاضعة إلى أي قيد من القيود، يتصرف تجاه الضعيف كمالك له مثله كمثل أية مادة أخرى يستطيع امتلاكها. ولا ضير أن يحاسبهم على أفعال لم يصنعوها، وذلك ترابطاً مع نزعة السيطرة التي يتميز بها الأقوى بين البشر. فهو من يملك قوة فعل كل شيء، وفي ما يفعله الخير كله، وفي ما يرفضه الشر كله.
استناداً إلى التجربة الإنسانية العيانية المعاشة، ابتدأ تكوين المعرفة الدينية، فاعتبرت أن الله القادر الوحيد والأقوى، شبيهاً بالإنسان القوي القادر، وأضفت عليه صفات إنسانية يمارسها القادر من بين البشر، ولنسمه (الحاكم، أو المالك). وتلك مواقع بشرية يستخدم فيها سلطته للهيمنة والسيطرة على غيره من البشر ممن هم بحاجة إليه. يهب الطعام لمن يشكر، ويحجبه عمن يتمرد على الأوامر. ويمارس الضعفاء دور المسكين المحتاج لأعطيات الأقوى، ولا ضير من أن يقدموا إليه فروض الطاعة والخضوع لنيل الرضى والمغفرة. بينما الله خالق الكون، كما نعتقد به، خلق الإنسان ليس ليكون عبداً، بل خلقه ليكون حراً مسؤولاً عن أفعاله. هذا هو الله، الذي لا يحتاج إلى عبودية ولا شكر، بل هو يمثل دور قيم الأبوة والأمومة. وبحيث كانت تلك القيم من قيم الله، فكما أن الأب والأم لا يحتاجا إلى شكر من أولادهما، ويمتنعان عن عقابهم مهما كانت الأسباب، فكذلك هو الله الذي خلق تلك القيم. وأما عن السؤال عما إذا كان المخطئ والمصيب يتساويان في الحساب، فلنترك هذا الأمر لأننا لن نصل منه إلى أية نتيجة طالما ظلَّت تخضع لأسباب غيبية. وبدلاً من ذلك، لنتفرَّغ إلى استكناه ما نعتبره أهم غاية خلق فيها الله الإنسان، وهو هدف أن يكون الإنسان سعيداً يتمتع بحياة سعيدة وذلك بسلوك الطرق السليمة للوصول إليها، وهو ما نرمز إليه بوسائل تطبيق أفعال الخير التي تعني الإنسان ضمن مجتمع، سواءٌ أكان المجتمع صغيراً أم كان كبيراً، تبدأ من علاقة الأبوين بطفلهما، وتنتهي عند حدود المجتمع العالمي الأوسع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل