الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الختان (2)

وديع بكيطة
كاتب وباحث

(Bekkita Ouadie)

2022 / 10 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تمسكُ بعض الشعوب بالختان لا يجعل منه بالضرورة أمرا صحيا أو طبيا، لأنه ينبني لدى أغلب المجتمعات التي تمارسه على أسس ثقافية؛ ملحمية، أسطورية، ميثولوجية، دينية ... الخ. وليس على أسس علمية، لذا نجد لدى كل مجتمع من هذه المجتمعات التي تمارسه سردا أو حَكْياً مقدسا، بناء عليه تقوم بهذا الفعل.
مثلا، لكي تكون حجة الختان مقبولة في المجتمع المصري قديما وبقية إفريقيا السوداء، تعين أن تتواجد الخنثوية الإلهية في الإله آمون، الرب الأكبر وإله كل افريقيا: فـ"آمون هو نقطة انطلاق وموحد كافة الجواهر الإلهية، وبما أن أباه آمون ـ رع، الكائن الأعظم والأول، الذي وصف بأنه زوج والدته (موت)، فإنه يتكون من اتحاد قسمين، قسم أنثوي موجود في جوهره الذاتي، وقسم ذكوري في الآن ذاته". وقد كان النيل يصور أيضا في هيئة شخصية خنثوية. (شيخ أنتا ديوب. الأصول الزنجية للحضارة المصرية، ص 157-159).
يفيدنا المؤرخ الكبير سترابون بدليل آخر، حول اهتمام المصريين القدماء بختان أولادهم، إذ يقول: "يتمسك المصريون بالأخص بالعناية بتربية أولادهم وختان الصبيان بل والبنات أيضا، وهو تقليد يشاركون فيه اليهود، وهم شعب ينتمي أصلا إلى مصر، كما قلنا ذلك من قبل في المكان الذي تناولنا فيه ذلك" (الجغرافيا، الكتاب السابع عشر، الفصل الأول، الفقرة 29).
وقد جعل شعب اللآوُبي الذي بالسنغال من "الساوُتا" أداة الختان، فيحلفون ويقولون: "فليجعلني الله أهرب أمام الساوُتا"، وهي الأداة نفسها التي يستخدمونها في تفريع جذوع الأشجار بعد قطعها بالبلطة. (الأصول الزنجية، ص 260).
نظرا للتمازج والتداخل الذي يعرفه المكون الإنساني سواء على مستوى التزاوج أو التثاقف، فإن العادات والتقاليد والملاحم والأساطير والنصوص المقدسة ... تتغير وتتحول إلى النقيض، إذ يمكن القول إن لكل ظاهرة من ظواهر الإنسان، بدايات متنوعة ومختلفة ومتناقضة، يصعب فيها تحديد البداية أو الوصول إلى نهاية، لأن المكون الإنساني نفسه هو في سيرورة دائمة.
بعيدا عن الملاحم والأساطير، نقلت بعض هذه الشعوب، التي انتقلت إلى المرحلة الدينية، هذا المكون "الختان" إلى نصوصها المقدسة عبر السير والحكايات الدينية، مما جعل من الختان وسما من خلاله نفصل جماعة دينية عن أخرى، وبه نحدد الأنا عن الآخر وعن الغريب، الأمر الذي جعل منه تمركزا لسلطة رمزية خفية وظاهرة في الآن نفسه، خفية عن المؤمن، لأنه مطبع معها، وظاهرة عند المؤول، لأنه مفكك للتطبيع، ومُدرك لطبيعة الفواعل العاملة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة