الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسات العامة بوصفها شبكات حماية للمجتمع

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2022 / 10 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


.

في أزمنة الاضطرابات والفوضى تزداد الحاجة إلى الحلم والحكمة إذ تسود حالة من الهرج والمرج في المجتمعات الهش لاسيما تلك التي لا تمتلك خبرة تاريخية بالمؤسسة الجامعة والنظام العام حيث تنهار البنى المؤسسية العامة بوصفها أهم الشبكات الاجتماعية التي تحفظ المجتمعات من الانهيار إذ أن حياة الناس الناس بدون مؤسسة عامة وكيانات أجتماعية رسمية وأهلية ومدنية منظمة وفعالة أشبه بذرات في مهب العاصف. فالمؤسسة من أسمها هي أُس، جذر، ساس أساس، اساسات، بمعنى قواعد البناء ومداميكه، والتسويس يعني البدء بالأسس الأولى للبناء أو النظام ، والمؤسسة هي صفة كل كيان أو نظام أو إطار أو هيئة مبنية على أسس بديهية بوصفها الجذور والمسلمات في الرياضات وفِي كل الأشياء التي لها نظام ما، وكما هو حال الأسس أو الجذور في الرياضيات بوصفها بديهيات أو مسلمات ضرورية مسبقة لكل عملية رياضية ممكنة وكما في بناء المنشاءات بمختلف الأشكال والأنواع تعد الأساسات الشرط الضروري بوصفها قواعد بديهية وقبلية لكل شيء يمكن بناءه. وكما هو الحال في النظم والهيئات والكيانات الاجتماعية والسياسية والمدنية التي تتشكل وفق نظاما سياسيا محددا. فكذا لا تكون ولا تدوم ولا تستقر الحياة الاجتماعية للناس بدون مؤسسات بغض النظر عن نوعها صغيرة أو كبيرة تقليدية أو حديثة قديمة أو جديدة. حتى الحيوانات ذاتها تنتظم حياتها في أنواع وأجناس مؤسسية بيولوجية بالغريزة الفطرية في علاقاتها مع بعضها والعالم. فالنحل مؤسسة والنمل مؤسسة والطيور مؤسسة والسلمون مؤسسة، والقرود جماعة مؤسسية ولولا ذلك التأسيس لما تعددت وتنوعت وتمايزت واستمرت حياة الكائنات في أشكال وهيئات وأسماء وصفات.
وفي الحالة الإنسانية تطورت عبر التاريخ سلسلة من المؤسسات الاجتماعية منذ بنية القرابة الأولى العائلة مرورا بالعشيرة والقبيلة والدولة والقوم والأمة والأممية بوصفها صيغا واشكالا مؤسسة للائتلاف الاجتماعي عبر الأعراف والعادات والتقاليد والقانون والنظام العام وكما أن الناس يبنون بيتهم بأيديهم كي تحميهم من الشمس والريح والحر والبرد والمطر والتشرد فكذلك يبنون مؤسساتهم كي تحميهم من الفوضى والاضطراب والهلاك. وقد أثبتت الخبرة التاريخية أن الناس بدون مؤسسات عامة تضبط وتنظم حياتهم الاجتماعية المشتركة في مواطنهم هم أشد فوضى وانحطاطا من الحيونات. إذ أن الكائن الإنساني أنانيا بطبعه فاذا أحيل بينه وبين نفسه تصور نفسه مركز الكون كله. والمؤسسات وحدها هي من تجعل منه كائنا اجتماعيا مدنيا مندمجا في بيئته المجتمعية. إذ تقوم حياة الناس الاجتماعية وتتشكل الجماعات والمجتمعات البشرية وتنمو وتستمر وتستقر وتزدهر في سياق اجتماعي تاريخي ثقافي علائقي تفاعلي يتكون من أربعة انساق أساسية؛ فاعل، فعل، علاقة ، بنية، ) وما ينجم عنها من مظاهر وظواهر وأشكال ورموز وقيم وتمثلات يعاد صياغتها وبناؤها باستمرار في خضم عملية ممارسة الفاعلون الاجتماعيون لحياتهم المتعينة ماديا ومعنويا واقعيا وافتراضيا بمختلف صيغ وصور وأنماط تمظهراتها العلائقية ؛ بين أنا _ أنت ، ذات _ أخر _ نحن _ هم وغير ذلك من اشكال العلاقات الاجتماعية المتغيرة باستمرار والتي لا تدوم على حال من الأحوال وتجلياتها المختلفة والتي بدونها يصعب الحديث عن الظاهرة الاجتماعية بوصفها ظاهرة قابلة للرؤية والدراسة والفهم. والإنسان يشترك مع غيره من الناس في كثير من الأفعال. ويشترك معهم بكل شيء ويختلف عنه بكثير من الأشياء. الحالة الأولى هي موضوع العلوم الاجتماعية والثقافية والحالة الثانية هي موضوع علم الأحياء والعلوم المتاخمة والحالة الثالثة هو موضوع علم النفس والعلوم النفسية وكل فعل يتضمن فاعلين اجتماعية، ويسمى الفعل اجتماعيًا حينما يحدث بين فاعلين أو أكثر هي: ميكروسوسيولوجية وماكروسوسيولوجية صغيرة وكبيرة. وكل فعل اجتماعي يتضمن علاقة اجتماعية، وحينما تتكرر تلك العلاقة تتشكل في بنية أو أطار أو مؤسسية. وحينما تزاوج آدام وحواء لأول مرة تكونت الأسرة النووية وبتكرار التزاوج بين الفاعلين والفاعلات الاجتماعيات عبر الألف السنين واستمرارها تكونت البنى الاجتماعية؛ بنية الأسرة والقرابة والعشيرة والقبيلة والقومية والأمة والإنسانية الأممية اليوم. والتعليم فعل تحول إلى علاقة ببن الطالب والمعلم وبتكرار تلك العلاقة تحولت إلى مؤسسة؛ الروضة والمدرسة والجامعة وكل مؤسسات التعليم والتربية التي لا يمكن لها أن تستمر وتدوم إلا باستمرار الفاعلين والعلاقة. والدين مؤسسة تكونت عبر فعل العبادة بكل اشكالها وأنماطها. خذ أي ظاهرة أجتماعية وانظر اليه من زاوية نظر منهجية تكاملية ستجدها لا تخرج عن ذلك السياق العام. وبما أن المجتمع حالة متغيرة ومتحولة من حال إلى حال ولا تدوم في نقطة متجمدة ففي الحالة الإنسانية لا توجد هويات قبلية فطرية كما هو الحال في المملكة الحيونية، إلا الهويات الاصلية هوية النوع والجنس البيولوجية التين تنتمي اليها الكائنات كلها بوصفها جمادات أو حيونات والإنسان نوع من انوعها يتميز بالعقل واللغة ؛حتى تلك الهوية البشرية الجامعة للكائنات الإنسانية هي هوية علائقية وليست فطرية كفطرية الهوية الحيونية التي يستحيل الفكاك منها. فحيثما يوجد بشر يتكلمون ولديهم عقول تتكون الهويات الاجتماعية في سياق علائقي تفاعلي تبادلي اجتماعي رمزي فقد ميز علماء الاجتماع وأولهم أوغست كونت بين حالتين للظاهرة الاجتماعية؛ الحالة الديناميكية الحركية والحالة الاستاتيكية الثابتة نسبيًا. وقد ميز عالم الاجتماع الفرنسي دور كايم بين نمطين من المؤسسات التقليدية والحديثة؛ الأولى ميكانيكية والثانية عضوية ووظيفة المؤسسات هي تضامنية بالأساس ولا وجود لأي مجتمع بدون قيم تضامنية من أي نوع من الأنواع، وليس هناك أي فرق في حقيقته الحاجة التضامنية الفعلية سوى كان ذلك في مملكة الحيوان أو عالم الانسان؛ فقط الفروق تكون بنوعية التضامن؛ أما أن يكون تضامنا فطريا غريزيا كما هو الحال في مملكة النحل والنمل والقرود والغربان ما شابهها وأما يكون تضامنا تقليديا ميكانيكيا بداعي العصبية والحمية وروابط الدم والقرابة والعشيرة والقبيلة والمذهب والطائفة والحزبية وما شابها في من صيغ التضامن التقليدية في حياة الجماعات البدائية التي يكون الانتماء اليها بلا إرادة حرة ولا اختيار وهذا هو نمط التضامن الميكانيكي العمودي حسب دور كهايم ، وأما يكون تضامنا مدنيا عضويا كما هو حال تضامن المجتمعات الحديثية المؤطرة في كيانات وهيئات مؤسسية رسمية ومدنية قانونية، إذ يكون التضامن فيها ذات طبيعة أفقية يعتمد على الحرية الفردية والاختيار الفردي النابع من الذات لا على المرجعيات والهويات السابقة لها ، وباختصار يظل التضامن ضرورة حياتية وصيغة ممكنة لديمومة الحياة المشتركة للكائنات الحية والناس في كل زمان ومكان وهكذا ظل النمل مجتمعا تضامنيا بينما الصراصير لا تتضامن لان كل صرصور يعيش وحده ، هذا هو رأي عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم وليس أضغاث أحلام.
والسلوك قبل الوعي، فإذا تغيرت الشروط المادية لحياة الناس وتحسنت فرص عيشهم بما يشبع حاجاتهم الاساسية فربما تتغير افكارهم وأفعالهم وتفاعلاتهم وأنماط علاقاتهم الاجتماعية وقيمهم وسلوكهم إذ أن أفكار الناس تنبع من واقع علاقاتهم الاجماعية في عالم الممارسة اليومية والسؤال هو: لا ماذا يفعل الناس؟ ويعتقدون ويقولون؟ بل لماذا يفعلون ما يفعلونه ويقولون ما يقولونه ؟! والأيديولوجيا تعني أن الناس يفكرون من اقدامهم ! والثقافة بالمعنى الانثروبولوجي؛ هي ما يبقى بعد نسيان كل شيء! بمعنى أن الوعي إذا لم يترسخ في السلوك ويكتسب صفة العادة لا يصمد كثيرا في مواجهة تحديات الحياة الواقعية ، وحينما يتكرر الفعل والسلوك مرات كثيرة يصير عادة وحينما تترسخ العادة تصير ثقافة. والوعي لوحده لا يغير حياة البشر وحاجة الناس الى مثُل عليا للسلوك اكثر من حاجتهم الى المواعظ والتعاليم والنصائح. والجماعة السياسية إلى ترغب في قيادة الناس لا تكلمهم عن ذاتها ونواياه فيما سوف تفعله من أجلهم بل عليها فعل ذلك بصمت وبلا ضجيج عبر المؤسسات وليس عبر الأشخاص. ومهما كانت عبقرية الأشخاص وكفاءتهم وإخلاصهم ونواياهم فإنهم بدون وجود مؤسسات عامة فاعلة وكفوءة ، كأنما يحرثون البحر! الأشخاص يأتون ويذهبون أما المؤسسات فهي وحدها التي يمكنها أن تستمر وتدوم إذا وجدت من يتعهدها ويصون ! وهكذا بقت الدول التي تحكمها المؤسسات البروقراطية الحديثة مزدهرة منذ مئات السنين في العالم الحديث بينما كل النظم التي تمحورت حول الأشخاص منذورة بالخراب والزوال بزوالهم الحتمي ! أنا أحترم الأشخاص ولكن لا أثق بقدرتهم على فعل إي شي جدير بالقيمة والاعتبار إذا كانوا لا يمتلكون مؤسسات مبنية على أسس قانونية عقلانية سليمة ! وفِي الثورات قل لي ما شعارك أقول لك من أنت وفِي السياسة قل لي ما هي مؤسستك أقول لك من أنت! والشعوب حالة ثورية عائمة وعلى النخب الفاعلة تقع مسؤولية تحويلها إلى حالة مؤسسية مستقرة ونحن الذي نقوم بشكّل مؤسساتنا باتباع جملة من القيم والاجراءات ثم تقوم هي بتشكلنا.الأشخاص يأتون ويذهبون أما المؤسسات فهي وحدها التي يمكن أن تدوم إذا وجدت من يتعهدها بالحفظ والحماية والصون.فكيف ما كانت مؤسساتنا نكون! وفِي عدم وجودها لا معنى للكلام واللف والدوارن ودمتم بخير وسلام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار