الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشديد سياسة الصين تجاه تايوان

عاصم البرقان
(Asem Al-burgan)

2022 / 10 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


تعاملت الصين مع زيارة رئيسة مجلس النواب الامريكي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان في بداية شهر آب من هذا العام كتعبير عن جهود الولايات المتحدة لتغيير الوضع الراهن في المنطقة. وجاء رد فعل السلطات الصينية محسوباً بدقة بالتصعيد المنظم للتوترات في مضيق تايوان، ولكن دون المخاطرة بمواجهة عسكرية مباشرة. وأكد الخطاب الحاد والمناورات العسكرية قبالة تايوان والحوار المحدود مع الولايات المتحدة بأن الصين تعتزم ضم الجزيرة في السنوات المقبلة. وهذا ما قاد الولايات المتحدة إلى تكثيف الدعم لتايوان، بما في ذلك الدعم العسكري وتطوير الاتصالات السياسية والاقتصادية.
أكدت الصين ومنذ الكشف عن خطط زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، أن هذه الخطوة تعني خرق واضح للاتفاقيات السابقة حول الجزيرة، بما في ذلك البيان الصيني الأمريكي المشترك بشأن إقامة علاقات دبلوماسية في عام 1978. وذكرت السلطات الصينية بأنها لن تبقي هذه الخطوة بدون رد، حتى لو تطلب الامر استخدام القوة العسكرية. وجاء الموقف الصيني لمنع زيارة بيلوسي، ومن خلال تصعيد الخطاب تجاه تايوان والولايات المتحدة، ليؤكد تصميم السلطات الصينية الدفاع عن مصالحها. وكانت الزيارة أيضا موضوع محادثات جرت بين الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الأمريكي جو بايدن في 28 حزيران من هذا العام، أعلن خلالها الرئيس الصيني عن إمكانية استخدام القوة رداً على الزيارة أذا ما تمت.
وردت الصين على الزيارة بحملة دعائية، متهمة الولايات المتحدة بانتهاك سياسة "الصين الواحدة" والتدخل في شؤونها الداخلية، وهدفت من ذلك خلق انطباع بأن الولايات المتحدة تؤجج الصراع في المنطقة من خلال السعي لتغيير الوضع القائم في تايوان. وعملت الصين على أثارة مخاوف دول المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك الدول أعضاء الآسيان، اضافة إلى أثارة مخاوف المواطنين التايوانيين. وجرى تعزيز هذه المخاوف من خلال مقاطع فيديو وصور تم التلاعب بها لتُظهر استعدادات القوات المسلحة الصينية، تم نشرها على سبيل المثال على وسائل التواصل الاجتماعي. وتم نسخ هذه المحتويات التي اعدتها وزارة الخارجية الصينية، من قبل الدبلوماسيين الصينيين والذين أشاروا إلى الموقف الداعم من قبل أكثر من 170 دولة ومنظمة دولية لمبدأ الصين الواحدة. وهذا ما تم التأكيد عليه فيما يسمى بالكتاب الأبيض الصادر عن السلطات الصينية حول الوحدة مع تايوان، والذي أكدت فيه على المواقف الصينية، بما في ذلك انتماء تايوان منذ قرون إلى الصين، والحاجة إلى إعادة دمج الجزيرة ولو بالقوة على أساس مبدأ "دولة واحدة ونظامان"، والذي من وجهة نظر الصين سيضمن الحفاظ على الحريات الديمقراطية للتايوانيين. كما قررت الصين إلغاء بعض الحوارات القطاعية مع الولايات المتحدة إلى أجل غير مسمى وتعليق البعض الآخر، بما في ذلك حول المناخ والاتصالات العسكرية، مما قلل من التواصل الضئيل بالفعل بين البلدين، ومع ذلك استمر تبادل المعلومات على المستويات الأدنى.
وأوقفت الصين حتى قبل زيارة بيلوسي الاستيراد من 35 شركة للصناعات الغذائية التايوانية، من خلال تمديد القيود المفروضة في عام 2021 بسبب جائحة كورونا، وحظرت بالإضافة إلى ذلك استيراد بعض الفواكه والأسماك. وتم تعليق شحن الرمال إلى تايوان، وهي مادة خام ضرورية لإنتاج أشباه الموصلات. وتعتبر القيود التي فرضتها الصين ذات أهمية سياسية أكثر منها اقتصادية، حيث كانت تهدف إلى خلق مشاكل في بعض الصناعات، مما يقلل من دعم التايوانيين للحكومة. ولا يمكن لهذه الإجراءات أن تتسبب في أزمة للاقتصاد التايواني، حيث ان الغذاء يمثل فقط 0.6٪ من صادرات تايوان إلى الصين، والتي تشمل قطاعات رئيسية كصناعة الإلكترونيات والآلات. وتشير تقديرات وزارة المالية التايوانية بأن قيمة جميع صادرات تايوان سترتفع في آب بنسبة 8-12٪ مقارنة بشهر تموز، والاقتصاد مهدد بالظروف الاقتصادية الدولية الضعيفة أكثر من العقوبات التي فرضتها الصين.
وتمثل رد الصين الأكثر راديكالية بالنشاط العسكري حتى قبل زيارة بيلوسي، حيث قامت الصين باختبارات للطائرات بدون طيار فوق الجزر التايوانية في أرخبيل ماتسو، واخترقت الطائرات الصينية منطقة الدفاع الجوي التايوانية. وفي المجموع تم تسجيل ما يقرب من 300 انتهاك من هذا القبيل في الفترة من 2 إلى 17 آب. وفي الفترة من 4 إلى 8 آب أجرت الصين تدريبات عسكرية باستخدام الذخيرة الحية في سبع مناطق بحرية حول تايوان، بالإضافة إلى مشاركة حاملة الطائرات لياونينغ والغواصة النووية والطيران، واطلقت الصين 11 صاروخاً باليستياً بما في ذلك صواريخ DF-15B قصيرة المدى، وسقط 5 منها في المنطقة الاقتصادية اليابانية الخالصة. وخلال المناورات لم تنتهك القوات المسلحة الصينية المجال الجوي فوق الجزيرة والمياه الإقليمية لتايوان. وعبرت طائرات الجيش الصيني خط الوسط الذي تعتبره تايوان الحدود في مضيق تايوان أكثر من 200 مرة. وأشارت التصريحات الصادرة عن الصين بعد الانتهاء الرسمي للعمليات العسكرية في 10 آب إلى أن عبور "الخط الأوسط" والعمليات حول تايوان سيصبحان قاعدة لنشاط الجيش الصيني.
ورداً على الزيارة تم شن هجمات الإلكترونية ضد المؤسسات السياسية والعسكرية التايوانية، اتهمت بتنفيذها مجموعات قراصنة مرتبطة بسلطات الصينية بمشاركة مجموعة الهاكرAPT-27. وشملت هذه الاختراقات مواقع رئيس تايوان ووزارة الدفاع والشؤون الخارجية، اضافة إلى خرق شاشات متاجر 7-Eleven والسيطرة عليها وعرضها شعارات معادية لأمريكا. ومقارنة بالوضع في نهاية عام 2021 ومطلع عام 2022، عندما تم هجوم إلكتروني سابقاً نتج عنه تعليق بعض المعاملات من قبل المؤسسات المالية، هذه المرة لم تؤدي الهجمات إلى أضرار جسيمة.
جاءت تصرفات الصين بعد زيارة نانسي بيلوسي لتايوان استعراضية بشكل أساسي، مؤكدة من جهة على رفضها ومن جهة اخرى مؤكدة وبوضوح على أهدافها الأساسية في سياستها تجاه تايوان. لم ترغب الصين في تفاقم الوضع بشكل مفرط تخوفاً من خطر نشوب صراع مسلح ليست مستعدة بعد لبدئه سياسياً وعسكرياً.
ولا تشير إجراءات السلطات الصينية إلى تحول في خططها الخاصة بتايوان، والتي لا تزال قائمة على حتمية ضم الجزيرة إلى الصين كما أكد على ذلك الكتاب الأبيض. وتشير النبرة التصالحية إلى حد ما للوثيقة فيما يتعلق بالتايوانيين إلى محاولة أخرى لإقناعهم بقبول خطط إعادة الدمج. ومع ذلك، أظهرت الدراسات الاستقصائية التي أجريت في تايوان في أب من هذا العام بأن أكثر من 80٪ من المواطنين لا يوافقون على مبدأ "الصين الواحدة"، أي فرضية أن تايوان تنتمي إلى الصين، وفي الوقت نفسه، أيد أكثر من نصف التايوانيين 52٪ زيارة بيلوسي بينما عارضها 24٪.
إن مواقف الصين المتشددة اتجاه وحدة الاراضي الصينية والدعم الروسي للانضمام المحتمل لتايوان، واحتمال بدء الصين "عملية عسكرية خاصة" يؤكد رغبتها على المدى الطويل في تغيير الوضع القائم في المنطقة. إلا أنه وبسبب المعارضة التايوانية للانضمام إلى الصين قد يقود ذلك إلى عمل عسكري في مضيق تايوان على المدى الطويل، اما على المدى القصير وحتى عقد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني ستحافظ الصين على مستوى عالٍ من التصعيد، ولكن هذا لا يعني عدم اندلاع صراع بسبب خطاء ما في المدى القصير. وتؤكد زيارة بيلوسي والتصريحات الدعمة التي أدلى بها الرئيس بايدن، إدراك الولايات المتحدة لسعي الصين لتغيير الوضع الراهن لتايوان والحاجة إلى مواجهته. حيث ترى الولايات المتحدة بإن احتمال حدوث تصعيد في السنوات القادمة يتطلب منها توطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية مع تايوان. وإن تعزيز قدرات تايوان بما فيها العسكرية من شأنه أن يساعد في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، مما يعيق أنشطة الصين، كما أنه سيزيد من النفوذ السياسي للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وهذا لا يعني لعبها دور الوسيط بل أنه يتماشى مع مصالحها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف