الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكام العرب والمتاجرة بـ(قضية مسيحيي القدس و المشرق)

سليمان يوسف يوسف

2022 / 10 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الحكام العرب والمتاجرة بـ(قضية مسيحيي القدس و المشرق)

المحافل والمنابر الدولية والأممية باتت مناسبة للحكام العرب المسلمين للتباكي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس واتهام إسرائيل بالتعدي على هذه المقدسات ومصادرة الحريات الدينية للمسيحيين كما للمسلمين. أنهم يقدمون أنفسهم للعالم على أنهم حريصون على الوجود المسيحي في فلسطين وعموم المشرق وعلى الهوية التاريخية للمسيحيين المشرقيين، باعتبارها جزء أساسي وأصيل من الهوية التاريخية للمنطقة . ضمن هذه (البروباغندا) العربية الإسلامية، يندرج ما قاله ملك الأردن (عبدالله الثاني) في سياق كلمته في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك 20 أيلول/سبتمبر 2022 : " كقائد مسلم، دعوني أؤكد لكم بوضوح أننا ملتزمون بالدفاع عن الحقوق والتراث الأصيل والهوية التاريخية للمسيحيين في منطقتنا، وخاصة في القدس. اليوم، المسيحية في المدينة المقدسة معرضة للخطر، وحقوق الكنائس في القدس مهددة، وهذا لا يمكن أن يستمر، فالمسيحية جزء لا يتجزأ من ماضي منطقتنا والأراضي المقدسة وحاضرها، ويجب أن تبقى جزءا أساسيا من مستقبلنا."..
أقل ما يقال عن كلام الملك (عبدالله الثاني) أنه مثير للسخرية . جلالته يتباكى على الهوية المسيحية لمدينة القدس وعلى حقوق ومقدسات المسيحيين المقدسيين وكنائسهم الخاضعة لسلطة دولة إسرائيل، فيما ( 17 دولة عربية) بينها (الأردن ، العراق، مصر )، ضمن الدول الأكثر قمعا للمسيحيين على مستوى العالم خلال عام 2018 بحسب تقرير أصدرته منظمة "الأبواب المفتوحة" المتخصصة في رصد القمع الذي يتعرض له المسيحيون حول العالم… الروائي الجزائري واسيني الأعرج ("القدس العربي"، 25 تموز) يقول:" إن مسيحيي العالم العربي كانوا دائماً أمام خيارين: الحقيبة أو النعش".. نعم أنها خيارات مرة فُرضت علي (مسيحيي المشرق) حين أصبحوا مهددين بـ (أحزمة إسلامية) ناسفة و (شريعة إسلامية) نابذة …
جلالته ومعه جميع الحكام والملوك والرؤساء والأمراء والمشايخ وأئمة ( العرب والمسلمين) يتجاهلون محنة مسيحيي المشرق والأسباب الحقيقية لهجرتهم من أوطانهم الأم. إذ لم يحصل أنهم أدرجوا قضيتهم ، رغم أهميتها وحساسيتها، على جدول أعمال قممهم ومؤتمراتهم ومجالسهم (العربية والإسلامية). هذا التجاهل المعيب يؤكد على أن لا (رغبة إسلامية) حقيقية ببقاء مسيحيي المشرق في أوطانهم الأم وبأن الحكومات العربية والإسلامية غير جادة وغير صادقة بمسألة (الحفاظ على الهوية المسيحية المشرقية)الأصيلة… كيف يمكن لحكومات، أن تحافظ على الهوية المسيحية المشرقية وهي تتمسك بـ(دساتير طائفية عنصرية) تشرعن ( التمييز الديني)،تكرس قاعدة "اللامساواة الدينية – تفضيل المسلم على غير المسلم" التي جاء بها الإسلام ، تُحرم المسيحيين من حقوق المواطنة الكاملة ، تنتقص من مكانتهم الوطنية ؟؟؟…
على المستوى الشعبي: كيف يمكن للمسيحية المشرقية أن تبقى وتتعايش مع شعوب مسلمة، غالبيتها الساحقة لا تقرأ غير القرآن ولا تجادل سوى بالقرآن ولا مرجعية لها غير القرآن ولا تنظر للإنسان وللكون إلا من خلال القرآن ،لا دستور ولا قانون ولا شرع لها سوى القرآن ؟؟. الحفاظ على الهوية المسيحية المشرقية وتعزيز الوجود المسيحي في هذا المشرق، قضايا مهمة لا تتحقق بالمزايدة على الآخرين والمتاجرة بها في المحافل الدولية. تحقيقها يتطلب مبادرات وقرارات جريئة وخطوات عملية سريعة وقبل فوات الأوان . الخطوة الأولى تبدأ بتخلي الحكومات العربية والإسلامية عن (عقلية الغازي المحتل) في تعاطيها مع قضايا وحقوق المسيحيين المشرقيين، التي تقوم على إنكار تام لوجود شعوب أصيلة والعمل بطرق وأشكال مختلفة على محو وجودها وطمس هويتها ولغتها. المطلوب ، دساتير وطنية علمانية ، تُحييد (الدين) عن السياسة وعن الدولة . دساتير تعترف بـ(الهويات والثقافات واللغات) الخاصة للشعوب المسيحية المشرقية، مثل الأقباط والآشوريين والأرمن والآراميين ، وغيرهم . وسن قوانين تسمح وتتيح لهذه الشعوب تعليم وتعلم لغاتها الوطنية وتطوير ثقافتها وتراثها .
الحكومات والشعوب (العربية والإسلامية ) تتهم اسرائيل بـ"العنصرية" . لكن وفق العديد من المصادر المحايدة , منها مصادر مسيحية من داخل اسرائيل، يعيش في دولة اسرائيل أكثر من 150 الف مسيحي يتمتعون بكامل حرياتهم الدينية ، تعدادهم في تزايد مستمر. حسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي إنّ 182 ألف مسيحي يعيشون في البلاد، بزيادة 1,4% عن العام الماضي. بالمقابل تعداد المسيحيين في جميع الدول العربية والإسلامية في تناقص مستمر ، وجودهم دخل مرحلة (الخطر الوجودي)في غالبية دول المنطقة. هذا يعني أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة في المشرق يتزايد فيها تعداد المسيحيين، وهي دولة ديمقراطية يتمتع فيها المسيحيون وأتباع باقي الديانات بالحريات الدينية والاجتماعية، إلى جانب الحريات السياسية والثقافية واللغوية . إسرائيل هي الدولة المشرقية الوحيدة التي اعترفت بـ(القومية الآرامية) إلى جانب القوميات الأخرى في المجتمع الإسرائيلي. الآراميون ،أقدم شعوب سوريا التاريخية (الكبرى) المعروفة اليوم بـ"بلاد الشام". اعتراف اسرائيل بالآراميين كقومية متميزة ، أعادتهم من جديد الى التاريخ ، بعد قرون طويلة من تغيبهم القسري وطمس هويتهم وتاريخهم من قبل الغزاة (العرب المسلمين).
أخيراً: بقي أن نذكر بأن غالبية دول المشرق المسماة "دولة عربية" تحمل أسماء غير عربية( سوريا . لبنان. الأردن. فلسطين. مصر . العراق. ليبيا).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي