الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حدود الديمقراطية البرجوازية - نموذج الولايات المتحدة وألمانيا
الطاهر المعز
2022 / 10 / 7مواضيع وابحاث سياسية
لا يزال انتقاد الحكومة الصهيونية ومعاملتها للفلسطينيين من المحرمات في أمريكا الشمالية وأوروبا، وسدّدت الصحفية كاتي هالبر ثمنًا مُرتفعًا لتعليق لها ضمن البرنامج السياسي الصّباحي الذي تشترك في رئاسة تحريره على قناة "هيل"، فتم تعليق محتوى البرنامج، في مرحلة أولى، "لمُراجعة محتواه"، ثم تم إلغاؤه، وفَصْلُ الصحافية من العمل لأنها وصفت "دولة إسرائيل" كدولة مَيْز وفصل عنصري"، وفقًا للمعلومات التي أوردتها "ذي إنترسبت" في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2022.
ادّعت إدارة االمحطّة الإعلامية "هيل" أنها مهتمة بالسياسة الداخلية الأمريكية وليست معنية بما يحدث في الخارج، ما يُعْتَبَرُ كذبًا وتزييفًا للوقائع، حيث بَثّت خلال الأسبوع الأخير من شهر أيلول/سبتمبر 2022، عبر نفس البرنامج "رايزنغ" تعليقات على الانتخابات في البرازيل، وتقريرًا عن فوز الفاشيين الجدد في الانتخابات الإيطالية وتقريرًا عن كوريا الجنوبية، وتقريرًا عن الحرب في أوكرانيا ، إلخ.
كان الخط التحريري لمحطّة (The Hill ) داعمًا دائمًا للكيان الصهيوني، ولكن زاد الدّعم ليُصبح مُطْلَقًا وبلا حُدُود، بعد الاستحواذ عليها من قِبَل التكتل الإعلامي ( (Nexstar Media Group) في آب/أغسطس 2022، مقابل 130 مليون دولار، وفي نهاية آب/أغسطس 2022، عينت الإدارة الجديدة نائبًا جديدًا لرئيس التحرير، شغل في السّابق مناصب رسمية منها مدير الدعاية للقنصلية العامة للكيان الصهيوني في نيويورك لمدة 18 شهرًا، وهو معروف بتنظيم ندوات ومؤتمرات دعائية لصالح الإحتلال، وقبل أسبوع من تعيينه في منصب نائب رئيس التحرير، قاد ندوة في جامعة "بار إيلان" الصهيونية، بعنوان "الدفاع عن إسرائيل ضد التحيز الإعلامي - كيفية مكافحة انحياز وسائل الإعلام الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ضد إسرائيل: أفضل دفاع هو الهجوم المُنظّم والجَيِّد"، وترأس هذا "الصحفي" سنة 2016 مؤتمرا بعنوان "الدفاع عن سمعة إسرائيل"...
منذ العام 2019، أصبحت شركة ((Nexstar Media Group القابضة أكبر مالك للتلفزيون المحلي في الولايات المتحدة وتغطي قنواتها ما يقرب من 40% من جميع المنازل الأمريكية، وتمتلك هذه الشركة القابضة نفسها وتشغل وتقدم خدمات لنحو مائتَيْ محطة إذاعية وتلفزيونية في 39 ولاية، من إجمالي خمسين ولاية أمريكية.
لم يكن فَصْلُ "كاتي هالبر" من العمل لأسباب سياسية حدثًا معزولاً أو استثنائيًّا، وهي ليست المعلق الأول الذي يُطرد بسبب محتوى برنامجها الذي ينتقد بعض المُمارسات المُوَثَّقَة للكيان الصهيوني، فقد تم طرد "مارك لامونت" من شبكة سي إن إن لأنه قال إن فلسطين ليست الضفة الغربية فقط ولكنها تمتد من النهر إلى البحر، وتم طرْدُ أحد المُحرّرين "ناثان روبنسون"، بعد أربع سنوات من العمل، عندما كتب في رسالة على "تويتر" أن الكونغرس "لم يعُدْ مخولا بإقْرار نفقات جديدة ما لم يتم تخصيص جزء من هذه المبالغ لشراء أسلحة لإسرائيل."
أصبحت هذه الأشكال من الرّقابة مُعَمّمة، ويشتكي العديد من الأشخاص حول العالم من رقابة حساباتهم من قِبَلِ شركة فيسبوك (شركة متعددة الجنسيات، ذات منشأ أمريكي) لمجرد ذكر أي شيء عن الشعب الفلسطيني أو نقد بسيط للكيان الصهيوني، ولا تتوانى الشركة في وصف خطها التحريري بأنه "خط دفاع منيع عن إسرائيل."
في أوروبا، حطّمت ألمانيا (بالإضافة إلى فرنسا) جميع الأرقام القياسية للرقابة التي تستهدف أي شيء يمكن تشبيهه بانتقاد دولة إسرائيل، باسم "التوبة" الألمانية عن جرائم ارتكبها نظام ألمانيا ضد مواطنين من ألمانيا أو من أوروبا، ولا علاقة للشعب الفلسطيني، والعرب أو المسلمين بها.
لا يوجد في ألمانيا أي اتجاه سياسي يساري تقريبًا، منذ سحق الحزب الشيوعي (من قِبَل الديمقراطية الإجتماعية) سنة 1919، وبعد إنشاء ألمانيا الغربية(سنة 1953) التي ابتلعبت ألمانيا الشرقية سنة 1991، انطلق الدّعم المالي والسياسي والعسكري غير المشروط للدولة الصهيونية، وأصبح القاسم المشترك بين جميع الأحزاب البرلمانية وحتى خارجها، وكذلك النقابات والجمعيات ومعظم مكونات المجتمع المدني.
في مهرجان "دوكومنتا" في مدينة "كاسل"، تم يوم 28 أيار/مايو 2022 تخريب مساحة العرض لمجموعة الفنانين الفلسطينيين، وكتابة شعارات تهددهم بالإغتيال، وشعارات فاشية على الجدران، كما تم قبل بضعة أيام من هذا الحدث، نهب المساحة المخصصة للفنانين الإندونيسيين، وكتابة شعارات عنصرية ومعادية للمسلمين وتُؤكّد "التضامن والدّعم لإسرائيل"، وكانت هذه الأعمال التخريبية متبوعة بحملات إعلامية وتشهير سياسي بالفلسطينيين وباللاجئين والمهاجرين والمسلمين، في وسائل الإعلام، بما فيها التي تُشرف عليها الدّولة...
حظرت شرطة برلين التظاهرات التي كانت مُقرّرة في ذكرى في يوم النكبة، بذريعة وجود "خطر مباشر" و"شعارات تحريضية ومعادية للسامية ومُحرّضة على العنف، كما حظرت الشرطة الألمانية الوقفات الاحتجاجية للتنديد باغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقله، التي اغتالها الجيش الصهيوني أثناء أدائها عملها الصحفي.
يُدْمِجُ الخطاب السياسي في ألمانيا بشكل متزايد، منذ سنوات، نضال الفلسطينيين في إطار النقاش حول الإرهاب والهجرة والإسلاموية ومعاداة السامية وما إلى ذلك من أساليب التّضليل، وفي العام 2019، أقر البرلمان الإتّحادي الألماني اقتراحًا يُصَنِّفُ حركة المقاطعة العالمية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) حركة "معادية للسامية"، كمؤشر لتقييد حرية التعبير والتظاهر والإجتماع للمواطنين ولخنق أي صوت ينتقد للدولة الصهيونية، وتقوم وسائل الإعلام العامة، مثل دويتشه فيله، بطرد الصحفيين المشتبه في أن لديهم "آراء سلبية حول إسرائيل" بعد تقارير إخبارية أو تعليقات تتعلق بالشعب الفلسطيني، لأن أي انتقاد للكيان الصهيوني، سواء في ألمانيا أو في أوروبا وأمريكا الشمالية، يُعتبَرُ معاداة السامية، وعلى هذا الأساس انطلقت حملة كذب وتضليل متواصلة لسنوات من قبل الصحف السائدة مثل Die Zeit، ضد الصحافيين والفنانين والأدباء الفلسطينيين ومن يدعمهم، وتم منع أدباء وفنانين مشهورين من إفريقيا وآسيا من الحصول على تأشيرة لتسلّم جوائز حصلوا عليها في ألمانيا أو لتلبية دعوات وجهتها لهم جامعات أو مؤتمرات وندوات تم تنظيمها بألمانيا، بذريعة "نشر دعاية معادية للسامية"، باسم "مسؤولية ألمانيا الخاصة تجاه إسرائيل"
اجتازت حملة التشهير الإعلامية حدود ألمانيا وأوروبا لتصل إلى المركز الثقافي خليل السكاكيني (شاعر فلسطيني 1878 - 1953) في رام الله والذي يتلقى بعض التمويل الألماني، ما يوضح خطورة التمويل الأجنبي المشروط سياسياً ...
خاتمة
أولاً، وُلد المشروع الصهيوني مع المرحلة الإمبريالية للرأسمالية، وبدعم منها، قبل عُقُود من مذابح اليهود الأوروبيين على يد النظام النازي (وهو نظام أوروبي وليس عربي أو "مسلم" أو فلسطيني)، وكان دَوْرُ هذه المذابح التّعجيل بإقامة الدّولة الصهيونية على أرض فلسطين التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، من نهاية الحرب العالمية الأولى إلى سنة 1948، ويندرج إنشاء الكيان الصهيوني ضمن اتفاق "سايكس بيكو" (1916).
ثانيا، يشن الخطاب الإعلامي الرسمي في الولايات المتحدة وأوروبا حملة تشهير تستهدف المهاجرين والشعوب المضطهدة والعاملين والفقراء في الوطن، الأمر الذي عزز صعود الجماعات اليمينية المتطرفة، وأضْعَفَ صفوف التّقدّميين ومناصري الطبقة العاملة والفُقراء والشُّعُوب المُضْطَهَدَة.
ثالثًا، إن ألمانيا والولايات المتحدة هي مجرد أمثلة للعديد من البلدان الرأسمالية المتقدمة الأخرى التي أنشأت نظامًا من الهيمنة والتمييز القانوني والمؤسسي، ليصبح التمييز والعنصرية أمرًا "طبيعيًّا"، ولا يُمكن لمثل هذا النظام غير تبرير الاحتلال الصهيوني لفلسطين وكل ما ينتج عن هذا الاحتلال من مصادرة الأراضي وطرد أصحابها وهدم المساكن أو ورش الإنتاج والمباني وقمع مستمر ومكثف وعنيف للغاية إلخ.
رابعًا، يعتقد إنزو ترافيرسو أن ألمانيا فشلت في معالجة الأسباب الجذرية الهيكلية والجذور التاريخية والجغرافية لتاريخها المُظْلِم، وتتقاطع هذه الجذور "الثقافية" مع انتشار التفكير العرقي (العُنْصُري) والغزو الاستعماري الذي مارسته ألمانا في إفريقيا وآسيال، وبقي مجهولاً لدى العديد من شرائح المواطنين بألمانا أو خارجها...
خامسًا، إن أي شعب يُريد تحرير وطنه، لا يطلب ترخيصًا أو دعمًا من قِبَل مكونات جبهة الأعداء، أي (بالنسبة للشعب الفلسطيني) ثالوث الإمبريالية والصّهيونية والرّجعية العربية، لذا ليس غريبًا أن يتحالف الثالوث ضدّ أي نَفَسٍ تَحَرُّرِي.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الشيف عمر يجهز أشهى برياني وكبسة ومندي شغل أبو راتب ????
.. الذيل أو الذنَب.. كيف فقده الإنسان والقردة قبل ملايين السنين
.. في تونس.. -الانجراف- الاستبدادي للسلطة يثير قلق المعارضين •
.. مسؤول أميركي: واشنطن تنسق مع الشركاء بشأن سيناريوهات حكم غزة
.. إسرائيل تعلن القضاء على نائب قائد وحدة الصواريخ في حزب الله