الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح6

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 10 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الملكية في الإسلام ح2

ومع تناول الفقه الإسلامي وحتى الدراسات التي تناولت مفاهيم الملكية لكنها تجنبت الخوض في تحديد ماهية الملكية خصوصا في بُعْدها الحقوقي إلا من خلال قول أن الملكية حق مشرع لا يناله البطلان إلا أن يكون حراما أو محرما في الأصل أو الأستعمال، ولكن من مجمل القراءات والعروض الشرحية والتفسيرية والتأويلية يمكن استنباط مفاهيم عامة لا ترتقي إلى التخصص الدقيق في الإشارة لتلك الماهية، كالبحث في تحديد مقولة الملكية فلسفياً، أو البحث في نوع جعلها وكيفية تشريعها، بعكس ما جرى عندما تصدّى الفقهاء الحقوقيّون وفقهاء القانون العام لضبط تعريف الملكية وتحديد مجرد على شكل قواعد عامة تجعل من مفهوم الملكية، ذاتا وإنشاء وجعلا ومرادا واضحة بدفة دون أن تلتبس بغيرها من المفاهيم.

وللكشف التام عن ماهية الملكية في الإسلام من وجهة نظر كونه حق أم وظيفة، أم مفهوم مشترك يدور بينهما أو له خصيصة خاصة تفرد المفهوم الإسلامي للملكية عن غيره من المفاهيم في أفكار ونظريات أخرى لا بد لنا من السؤال والإجابة أولا عما يلي:.
1. هل أنّ الملكية مصدرها التكييف الواقعي الطبيعي لها وتطلق على المالك أو المملوك؟ أم هي من سنخ الأمور الاعتبارية التي يرتب أعتبارها التصور الشرعي كأفتراض مقدما؟
2. إنْ كانت الملكية من الأعراض التكيفية فعلى أيّ تكييف تكون؟ هل من قبيل السلطنة (مالك على مملوك) أو من تكييف الإضافة (الملك على المالك) أو من تكييف الوجود (الوجود من الموجود)؟
3. إذا كانت الملكية ترتيبية وليست تكيفية أي من الأمور الاعتبارية فما هي حقيقة ذلك الاعتبار ومصدره؟ وهل حالة الأفتراض التي رتبت الملكية مما يسمى أنتزاع الحالة من حكم تكليفي أو من أمرٍ آخر؟ أو الأصل يعود في الترتيب إلى ما يعرف بالمجعولية السابقة مستقلاًّ بجعل الجاعل كسائر الأمور الاعتبارية الأخرى (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
4. إنْ كانت الملكية وحسب النص أعلاه من الأمور المجعولة مستقلاًّ فما هو نحو إنشائها؟ وهل هي نوعُ إضافةٍ اعتبارية بين المالك والمملوك أو هي سلطة اعتبارية أو هي جِدةٌ اعتبارية؟
وفي ما يتعلَّق بالسؤالين النسبة فيها بأضافة تبادلية فلا وجود لمالك دون وجود ملكية والعكس صحيح، فنسبة الإضافة هنا واقعية تقريرية بطبيعة الأنتساب مثل النبي والنبوة متكرِّرةٌ لكلٍّ من المضافين، غير أنّهما متلازمتان لا تنفكّان في الذهنٍ ولا الخارج، وقد تكون متشاكلة بالنسبة كالأخ والأخ، أو الجار والمجاور، وقد متفاوتة كالأب والابن والعلو والسفل.
هناك رأي فقهي أصولي يرجع الملكية إلى ما يعرف بـ "الجِدة" ومعناها (الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسمٍ بكلّه أو ببعضه، بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط)، بتعبير أدق أن الجدة تعني الأستصحاب الملازم بين شيئيين على مشترك ضمني داخلي، وتنقسم الجدة إلى: تامّة وناقصة، وإلى طبيعية وغير طبيعية، وناقش البعض في الجِدة كونها مقولةً مستقلّة في نفسها، ومباينةً للإضافة، وقال البعضٌ بأنّ ما عليه المحقِّقون هو القول باندراجها في مقولة الإضافة.
ومن دراسة مفاهيم الجدة أصوليا يتبين أن لها ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: وجدان الشيء حقيقة على أنه لا يمكن تغيره أو دحضه أو تبديله فهو مطلق من هذه الناحية، بحيث يكون للشيء الواجد والموجود حقيقة كاملة لا تنفك ولا تتجزأ، وهذه المرتبة الحقيقية والواجدية الواقعية مخصوصةٌ بمَنْ له ملك السماوات والأرض، فهو الذي يقدر على الخلق، فهو الواجد لها بما خلق، والتعبير عن هذه الجِدة بالإضافة الإشراقية يرجع إلى هذا المعنى.
المرتبة الثانية: وجدان الشيء فعلا بحيث تتطابق هيئة الفعل بما يتناسب مع موضوعية المفعول به، كما ورد في نص يتبق يوضح الجدة الفعلية بهذا المعنى (وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ) ومن الواضح أنّ تلك الهيئة لا تحصل إلاّ بالإحاطة التناسبية الخاصّة بين الشيء والموضوع، فلا تحصل إذا كانت الأرض غير موجودة مثلاً أو يكون الإنسان غير موجود.
المرتبة الثالثة: وجدان الشيء اعتبارا لذاته أو أعتبارا بذاتهً، وهي اعتبار أن وجدان الشيء نابع من كونه قابل للأعتبار هذا، فوجود الأرض بهذه الكيفية يعد أعتبارا أنها قابلة بذاتها أن تكون مملوكة لفرد أو مجموعة، واعتبار كون الشيء بذاته موجودا لشيءٍ آخر على سبيل الواقع أو الأفتراض أو الإمكان يختلف من كون الشيء لذاته محل أعتبار، فالماشية وعموم الغذاء مثلا محل أعتبار ليس بذاتها ولكن لذاتها مطلوبة للملكية لأنها مطلوبة بذاتها فقط كغذاء والأوصاف الأخرى غير أساسية بغياب السبب الأعتباري الأساسي وهي الملكية المبحوث عنها.
ومن خلال ما تقدم يمكننا ووفقا للمقولات الدينية الإسلامية الأساسية المتفق عليها، أن الملكية في المنصوص عليها في كل نصوص القرأن هي ملكية تقوم على أساس أعتباري مقيد بحدود ما يريد المالك الأصلي، فهي ملكية أما موقوفة على شرط فاسخ أو معلقة على شرط واقف، فالله هو مالك الملك بلا منازع، من هذه الملكية المطلقة هناك ملكية تخويلية واسعة تتناول كما يفهم من النصوص كامل المنفعة وحق التصرف ما لم يتحقق الشرط الواقف أو الشرط الفاسخ، وهو الحرام العيني في التصرف، فإذا تحقق أحد الشرطين بطلت أسباب الجعل التخويلي الأعتباري وتحولت يد المالك إلى يد غاصبة لا تنفع معها سبق السلطة أو الحيازة أو الأستعمال.
فإنّ الملكيةَ الحقيقية في الإسلام هي قيام وجود شيءٍ بشيءٍ بحيث يختصّ به فيتصرّف فيه كيف شاء دون أن نتوقع أو يكون هناك مانع أو شرط أو حد يخضع له المالك بملكه لا من الخارج ولا من الداخل، وليست بمعنى أنها ترتيبية أو أفتراضية نتيجة الواقع، فالواقع إسلاميا يجب أن يتطابق مه الحلية والإباحة الأفتراضية في الأستعمال والأستغلال دون أصل الرقبة.
وأفاد بعض المحقِّقين بأنّ الإضافة الإشراقية في (مالك الملك) تكون شاملةٌ لجميع الملاّك والأملاك والأشياء والسماوات والأرضين وغيرها كما هو ظاهرٌ، وهي خارجةٌ عن مقولة الجواهر والأعراض الحقيقية لأنّها ملكية حقيقية مطلقة بعد فناء كل مالك ويبقى هو وحده الجاعل الأول هو الوارث الأخير وبين الحالين هو المالك الحقيقي، ولأن الوجود والخلق خارجان عن الجواهر والمقولات، كما أفاد بأنّ الملكية المعبَّر عنها بالجِدة هي إحدى المقولات العرضية، وأمّا الملكية الاعتبارية المطلقة فهي ليست من الأعراض والمقولات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة