الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا الحديثة 3 كاثرين تطيح بزوجها وتحكم

محمد زكريا توفيق

2022 / 10 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثالث

كاثرين تطيح بزوجها وتحكم

كان بيتر الثالث، في عام 1762، يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاما. وكان معجبا بالملك البروسي والتكتيكات البروسية. متفاخرا بأن أعظم أعماله هي اتخاذ فريدريك العظيم ملك بروسيا، مثالا يحتذى به.

وقال إنه قد سارع إلى استعادة جميع الفتوحات الروسية، وتخلى عن التحالف الفرنسي النمساوي لصنع السلام مع الصديق القديم.

أكسبته أعماله الأولى إعجابا كبيرا. لقد عفا النبلاء من الالتزام بخدمة الدولة، وألغى المحاكمات السرية للشرطة، وحمى المعارضين الذين ظلمتهم عمته بشكل رهيب، ومنحهم الأراضي، قائلا: "يسمح للمسلمين وحتى المشركين بالمشاركة في الإمبراطورية، لكن أغلب المنشقين كانوا مسيحيين"

وتذكر العديد من المنفيين السياسيين من سيبيريا، وأطلق سراح الإمبراطور البائس إيفان السادس من زنزانته. من ناحية أخرى، أهمل رجال الدين، وأظهر علنا ازدراءه للديانة الأرثوذكسية.

فاز بكراهية الجيش، بسبب تحيزه لكتائب هولشتاين. كما أنه شرع في حرب حمقاء ضد الدنمارك. وأغضب بلاطه بسبب مساره الأخلاقي.

لقد أساء بوحشية معاملة زوجته، صوفيا الجميلة، التي صارت إمبراطورة تحت اسم كاثرين، وقيل إنه أراد وضعها في دير، والزواج من امرأة أخرى.

مثل هذا السلوك، عجل بالثورة ضده. أما زوجته كاثرين، التي فازت بكل القلوب، بسبب معاناتها وكرمها، كانت على رأس المتآمرين.

تم تحذير بيتر الثالث، لكنه لم يعر الأمر أي اهتمام. كان في قصره المفضل بالقرب من سانت بطرسبرج، عندما ظهرت كاثرين فجأة على رأس جيش مكون من عشرين ألف رجل.

لم يستطع الهرب، وأجبر على التنازل عن العرش لصالح زوجته. وبعد بضعة أيام، تم إبلاغ وزراء الخارجية، بأن الإمبراطور قد توفي بسبب مغص مفاجئ تعرض له.

سارعت كاثرين بالانسحاب من حرب السنوات السبع، وعقدت تحالفا وثيقا مع فريدريك الثاني، ملك بروسيا، الذي وصفته في البداية بأنه: "عدو روسيا الغادر". إلا أن مصالح الدولتين قد اتفقت بالنسبة لبولندا.

هذا الدولة، بولندا، كانت تقترب بسرعة من الخراب. فقد تم تجريد العرش من كل السلطات. واستمر عدد قليل من الرجال العظماء يحتفظون بإقطاع العصور الوسطى.

بقية السكان، كانت تتكون أساسا من الأقنان، المتدهورة حالتهم الاجتماعية، ومليون يهودي، كانوا محتقرون ومضطهدون، يحتكرون تجارة الأراضي. لم يكن هناك قانون، أو نظام. أي عضو من البرلمان، يستطيع إيقاف تنفيذ أي قانون.

كان الجيش البولندي في عام 1763، يتألف من فرسان خارجين عن القانون، لا مشاة أو مدفعية أو دفاع وطني. وكانت الدولة منقسمة على نفسها عند وفاة الملك أغسطس الثالث في نفس العام.

في عام 1767، وضع "ستانيسلاس إتش"، أحد عشاق كاثرين الأوائل، على عرش بولندا بقوة الجيش الروسي. وعلى الفور، اندلع الشجار الديني.

دعم الملك الجديد الأرثوذكس. لكن، تمرد الروم الكاثوليك، الذين اتحدوا تحت اسم " الكونفدراليين". وكانت الحرب الدينية، حربا شرسة.

قتل الفلاحون النبلاء والرومان واليهود. وقام الكازاخ (أتراك آسيا الوسطى) واللصوص بنهب مقاطعات الحدود، ولم ينج منزل واحد في دائرة قطرها أربعون ميلا.

دخل الجيش الروسي بثمانين ألف جندي وارسو، وأجبر البرلمان على إعطاء النبلاء الأرثوذكس نفس الحقوق التي يتمتع بها الكاثوليك، وتثبيت ستانيسلاس على العرش.

البلاط الفرنسي، من أجل مساعدة "الكونفدراليين"، حرضوا الباب العالي في تركيا على إعلان الحرب على روسيا. وبالرغم من أن قوات كاثرين كانت تحتل بولندا، أرسلت الإمبراطورة ألكسندر جاليتسين مع ثلاثين ألفا جندي لكي يواجه مائة ألف جندي تركي.

قالت كاثرين: "لم يفكر الرومان أبدا في عدد أعدائهم، إنهم كانوا يسألون فقط، أين هم؟"

هزم جاليتسين الصدر الأعظم شخصيا. واحتل فالاخيا ومولدافيا. في العام التالي، هزم الجيش الروسي المكون من سبعة عشر ألف جندي، مائة وخمسين ألف مسلم في كابول.

غادر الأسطول الروسي، بقيادة عشيق كاثرين، أليكسيس أورلوف، بحر البلطيق، وظهر على سواحل اليونان، وأثار ثورة بين السكان المسيحيين في المورة. وبمساعدة الإنجليز، قام بتدمير الأسطول التركي عام 1770.

بدلا من الإبحار والتوجه مباشرة إلى القسطنطينية، التي كان من الممكن أخذها بسهولة، أهدر وقته بين الجزر اليونانية. وعندما وصل إلى مضايق الدردنيل وجدها مغلقة.

استمرت الحرب عامين آخرين. قام الأمير دالجوركي خلالها بتدمير شبه جزيرة القرم، واستولى على المدن الرئيسية، وقام بطرد الأتراك من البرزخ إلى الأبد.

في الوقت نفسه، تم الاستيلاء على جميع القلاع الواقعة على أسفل جانبي نهر الدانوب. ثم غزا الجيش الروسي بيساريا ودخل بلغاريا.

فريدريك الأكبر، الذي كان حريصا على الاستيلاء على غرب بروسيا ومدن فيستولا من بولندا، أكد لكاثرين أنها لو احتفظت بفتوحاتها التركية، ستتحد فرنسا والنمسا معا لطردها من نهر الدانوب.

واقترح، لذلك، سحب قواتها طواعية من الجنوب. وأن تتحد معه ومع جوزيف الثاني، حاكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة وأول حاكم للنمسا، في تقسيم بولندا.

روسيا البيضاء، التي كانت تشكل ذات يوم جزءا من إقليم القديس فلاديمير، سيترك لكاثرين مقابل تضحياتها.

اضطرت كاثرين إلى الموافقة، كي لا تحارب أوروبا الموحدة. التقسيم تم على الفور، عام 1771. أخذ فريدريك بروسيا الغربية، وأخذ جوزيف جاليتش الغربية، أو روسيا الحمراء، وأخذت كاثرين روسيا البيضاء والمدن الواقعة على النهر، التي بلغ تعدادها مليون وستمائة ألف نسمة.

لكن سرعان ما تجددت الحرب التركية. أحاط الروس بالصدر الأعظم في شوملا، وكان السلطان عبد الحميد سعيدا بصنع السلام. عام 1774. ثم أعلن خان القرم استقلاله عن روسيا.

لكن سمح لروسيا بالحفاظ بآزوف وكينبورن، لحماية السكان المسيحيين في المحافظات الجنوبية، وإرسال السفن التجارية عبر مضيق البوسفور.

علاوة على ذلك، وافق الباب العالي على دفع غرامة قدرها أربعة ملايين وخمسمائة ألف روبل.

بينما كانت جيوش كاثرين تحرز انتصارات في الخارج، كانت تدور أحداث قبيحة داخليا. فقط بعد عامين من موت زوجها بيتر الثالث أو قتله، تآمر ملازم من الحرس، لإطلاق سراح إيفان السادس، الوريث الأحمق، من زنزانته، ووضعه على العرش مرة أخرى.

فقام الحراس، بأمر من كاثرين، بطعن إيفان السادس في محبسه وقتله، وقبضوا على الملازم ميروفيتش، وقطعوا رأسه. كان هذا أول إعدام علني لأكثر من عشرين عاما، وكان ضغط المشاهدين كبيرا لدرجة أن الجسر فوق نهر نيفا كاد أن يتحطم من الزحام.

الجيوش التي عادت منتصرة من حروب القرم الأولى عام 1771، جلبت معها الطاعون. في موسكو، بلغت الوفيات خلال أشهر الصيف ذروتها، ألف حالة وفاة في اليوم الواحد.

احتشد الناس وهم في حالة رعب، يطلبون حماية الصورة المقدسة. قام رئيس الأساقفة، أمبروسيوس، بإزالتها لأن الكثيرين اختنقوا من الزحام.

"رئيس الأساقفة كافر"، قالت الناس وهم يبكون. " هو والأطباء سيجعلوننا نموت. لولا أنهم قاموا بتبخير الشوارع والمستشفيات، لكان الطاعون قد توقف منذ مدة طويلة."

ثم هرعوا إلى الكرملين، وقتلوا رئيس الأساقفة، ونهبوا قصره.

أرسلت كاثرين عشيقها جريجوري أورلوف لتهدئة الثورة. عند عودته إلى بطرسبرج، تم استقباله بحفاوة، وأقيمت له أقواس النصر. مهداة: "إلى الرجل الذي حرر موسكو من الطاعون."

كان شرق روسيا أيضا مسرحا لكل أنواع العنف. من قبيلة "كالموك"، وهم من قبائل المغول التي تعيش في روسيا، جاء ثلاثمائة ألف مقاتل.

سئموا حياتهم على السهوب. ففضوا خيامهم، وعبروا بعرباتهم وماشيتهم نهر الفولجا وجبال الأورال، وعادوا إلى أراضيهم القديمة في الصين.

تم فصل العديد منهم، الذين كانوا يسيرون في الخلف، من قبل الكازاخ. وامتلأت قرى وغابات نهر الفولجا ب "المؤمنون القدامى" وغيرهم من المنشقين المتعصبين، أعداء كاثرين، "المرأة القيصر".

كذلك، هرب مئات الأقنان من الجيش. وانتشرت اللصوص والقراصنة في تلك المناطق البعيدة الموبوءة.

ادعى عدد من المحتالين أنهم بيتر الثالث، أو إيفان السادس، الصبي العبيط المسكين الذي سجن وقتل لمجرد كونه وريثا شرعيا للحكم.

في عام 1774، تمكن بوجاتشيف، وهو سجين في قازان، من الهروب إلى سهوب نهر أيك. هناك، أعلن أنه بيتر الثالث، ورفع راية هولشتاين، ونطق بتهديدات ضد كاثرين، زوجته القاتلة.

انضمت له جميع القوات المرسلة لكي تحارب ضده. وبدأ الشعب في استقباله كإمبراطور لهم. واعترف الكهنة بسلطته. بعض البولنديين الكونفدراليين الذين أرسلوا كأسرى إلى الشرق، كانوا جنود مدفعيته.

مرة أخرى، ثار الأقنان ضد أسيادهم، وانضموا إليه. وكذلك البرابرة على ضفتي نهر الفولجا. فأرسلت كاثرين ألكسندر بيبيكوف لوضع حد لهذه المشكلة.

بالرغم من أنه قد رأى "الشر عظيما ومخيفا وقبيحا"، إلا أنه عالج الأمر بحكمة وبشكل جيد. ونجح في تشتيت جيش المحتال، وأخذ سلاحه.

هرب المحتال وقام بنهب قازان وحرقها. إلا أنه هزم مرة أخرى. فتراجع بجرأة إلى مدن جنوب نهر الفولجا. هناك، قام بشنق حكام الأقاليم، وأبدلهم بضباط جدد.

في النهاية، تم حصاره بين نهري الفولجا وإياك، فاستسلمت قواته، وتم قتله شر قتلة في موسكو، إلا أن هذا لم ينه الثورة. فقد استمر المدعون والكاذبون لبعض الوقت. وظلوا يكونون العصابات الوحشية، ويقومون بقتل ملاك الأراضي وحرق منازلهم.

كاثرين، التي كانت تحذر من مثل هذه الأحداث، عقدت العزم على إحباط الثورات المماثلة في الجنوب. ووضعت حدا لجمهورية الكازاخ الشهيرة على نهر الدنيبر. وقامت في عام 1783، بتدمير مدينتهم التي كانت تقع على جزيرة، وأعطت أراضيهم الغنية للمستعمرين الأجانب.

في نفس الوقت، ضمت شبه جزيرة القرم إلى روسيا. أما الوديان، التي كانت لعدة قرون، ترتع فيها عصابات اللصوص، وتمثل تهديدا خطيرا لأمن موسكو، فقد تم أخذها من سيطرة التتار الخارجين عن القانون.

وعينت حكومة حازمة محل فوضى الحكام التتار المنافسين على الحكم. ومن أجل محو ذكرى الثورة، تم تغيير اسم نهر أياك إلى الأورال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را


.. قيادي في حماس: الوساطة القطرية نجحت بالإفراج عن 115 أسير من




.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام