الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح7

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 10 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أصل الملكية عند الشيعة
وللتعمق أكثر في الموضوع نعود أصلا لمفهوم الملكية في الإسلام كدين كما ورد في الفصل السابق، فهو إصطلاحا ولغة مشتق من الجذر (م ل ك) والفعل ملك يملك فهو مالك، والمصدر منه ملكية والجمع ملكيات وأملاك وملك، والمفهوم من الملكية أنه مصدر صناعي من المِلك، قال في القاموس "مَلَكَه يملِكه مُلكاً أي أحتواه قادراً على الأستبداد به والتصرف فيه"، أما إصطلاحاً فهو "إختصاص بالشيء يمُكن صاحبه من التصرف به إبتداءً مالم يوجد مانع من التصرف"، فليس لما يملكه الإنسان من حدود تحده وتقدره في الشريعة الإسلامية لشرط الحلية وتوفر الإباحة في التملك أصلا مع عدم الإضرار بحق الأخر المتساوي في التملك.
فللفرد المعنوي أو الشخصي أو المجموعة متفقة أو بالأفتراض واقعا أو حقيقة أن يملك أو يملكوا من المال ما يستطيع أن يتملكه بوسائل التملك المشروعة دون حد مقدر في ذلك إلا ما ينافي فيه الضمان، وله أو لهم الخيره فيه الأستعمال والأستغلال والحيازة والأنتفاع إن شاء تمتع بذلك السلطان أو تصرف به وإن شاء تركه، وذلك دون مساءلة عليه إلا في موردين محددين:.
الأول أن لا يكون ذلك أحتكارا فيه ضد الناس وأستغلالا للظرف وإضرارا بهم وبمصالحهم، فالمحتكر ملعون بالقواعد الشرعية المعتبرة، سواء في ظل الأمر الطارئ أو الطبيعي فكلاهما محذوران بسبب الحكرة وليس بسبب الظرف الطاري وإن كان الأخير فيه ملعونية أشد تصل حد أنتزاع الملكية جبرا.
الثاني أن لا تسخر الملكية في تهديد حياة وأمن وسلامة المجتمع الإسلامي، فهذا التهديد يمثل أيضا عدوانا على المجتمع لا سيما في فترة الأزمات والطواري، وملعونيته وتحريمه تتناسب طرديا مع كونية الخطر، حتى يصل الحال كما في أولا حد نزع الملكية ذاتها دائما أو وقتيا بحسب الطرق والحال.
فالملكية سلطان مجعول بالتخويل بشرط الحلية كما قلنا للمالك على ما يملك، على أن يتصرف به وفقا للأستعمال الطبيعي والمتعارف عليه بين الناس على قاعدة " لا ضرر ولا ضرار"، وعلى السلطة الأجتماعية ووفقا للمبدأ الديني أن تحمي الإنسان وحياته وماله وعرضه من الأنتهاك، كما منحت الشريعة الحق الفردي والجمعي للدفاع عن الملكية كحق أساسي لا خلاف عليه، ولا يجوز في الشريعة الإسلامية أنتزاع الملكية أو أنتزاعها غصبا عدا الحالتين الأحتماليتين السابقتين، إلا بالرضا أو التعويض العادل على أن يكون هناك سبب أكثر وجاهة وحجية من مبدأ الحماية ذاته.
كل ذلك من أحكام إنما يرد في الملكية الخاصة أو الفردية، وهناك فرق بين الملكية الخاصة التي تعني ملكية تحت عنوان واحد سواء كان العنوان متصل أو مشترك لكنه ليس فردا واحدا، فملكية العوائل والأسر والعشيرة وحتى الطائفة من الناس الذين ينتمون لمشترك رابط تسمى ملكية خاصة ومنها الشركات والمؤسسات الخاصة، أما الملكية الفردية فهي ما عادت لفرد واحد لا يشاركه فيه أحد.
والملكية العامة تعرف بأنها إذن الشارع للجماعة في الانتفاع بالعين رقبة أو حق تصرف عيني أصلي أو تبعي، وهذه الأعيان تتحقق في ثلاثة أنواع هي:.
أولا _ الأعيان التي تعتبر من مرافق الجماعة بحيث إذا لم تتوفر للجماعة تفرقوا في طلبها كالماء والمرعى.
ثانيا _ الأشياء التي في طبيعة تكوينها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها مثل ما ورد في الحديث الشائع "الناس شركاء في ثلاث الماء والهواء والكلأ "، وهذه ملك عام الأفراد بلا عنوان وموقوفة عليهم.
ثالثا _ الأعيان والمواد التي إذا لم تتوفر في مرافق الجماعة يتفرق الناس في طلبها لأنها تتعلق بحياتهم العامة وأستمراريتهم فيها، وهي تشمل المعادن التي لا تنقطع كما تشمل الأشياء التي تكون طبيعة تكوينها تمنع أفراد الناس من حيازتها، سواء أكانت تلك المعادن ظاهرة يمكن الانتفاع بها دون تكلفة كبيرة، أم غير ظاهرة مثل الذهب والفضة والحديد والنحاس، أم سائلة كالنفط وتعرف جميعا بأنها من الملكية العامة في جميع مجالاتها ومصادرها.
إذا نحن أمام ثلاث حالات من حالات شكلية الملكية حسب طبيعة مالكها وهي، الملكية الفردية ثم الخاصة ثم الملكية العامة والتي تعتمد أساسا ليس على طبيعتها فقط كالملكية العامة بل أيضا على طبيعة المالك كما في الصورتين الأولى والثانية، ففيهما من الراجح بشكل عام أن تكون صفة المجهولية متى ما فقد الوصف في المالك أو الأستدلال عليه لسبب أو لأخر، ولكن لا يمكن أن تكون في الوصف الثالث مجهولية للمالك مهما تم التبرير أو التفسير، لأن طبيعتها الخاصة أنها لا تملك لفرد أو مجموعة وبالتالي لا يمكن أن تكون مجهولة المالك طالما أنها لا تقبل تملك المعلوم طبيعيا، فهي ملك عام لا يمكن أن يخصص أو يختص به أحد.
حتى في الفقه الجعفري مثلا نجد هذا الفهم منها ووفقا لهذا المعنى ما جاء بجواب للسيد السيستاني بهذا الخصوص ردا على أستفسار فقهي حول المعنى والمدى الذي تصل له الملكية الفردية والخاصة، وهنا أنقل النصين معا لتدليل على ماهية المال العام (اذا كان للمسلم المالك لقطعة ارض خاصة به في الحق ان يمتلك ما فيها من نفط او منجم للذهب او شابهه من الثروات والتي تعتبر من الاملاك العامة التي يتقاسم فيها الجميع؟)، كان الجواب واضحا وصريحا غير قابل للتأويل والتفسير والتوظيف لخلاف ما هو أصل (المعادن الباطنة لا تتبع الارض ولا تملك باحياءها)، الجواب لا ملكية خاصة لما هو مملوك على العموم أمل بطبيعته العامة أو لضروريته العامة.
إذا البعض يفرق تبعا لأهداف خاصة بين الملكية العامة وبين الملكية الرسمية أو ملكية الدولة أو ما يعرف بالمال الحكومي أو مال الدولة، على أعتبار أن الدولة الغير شرعية أو الحكومة الغير شرعية وفقا للمعتقد الديني ملكيتها مشوبة بالحرمة ويقع عليها ما يقع من أحكام في المال المشبوه، وبالتالي فملكيتها ليست ملكية عامة محترمة وفقا للشريعة حسب تفسير وتخريج يعض الفقهاء.
بعض الفقهاء الشيعة يفرقون في هذه المسألة أيضا بين حالتين:.
• الأولى عندما يتعلق المال في بلاد غير المسلمين فتعتبر عند البعض من باب الغنائم التي يجوز تملكها للمسلم دون حرمة للمال العام ويسقطون عنها صفة الملكية العامة،
• الثانية في حال أن تكون الملكية أو المال الحكومي في بلاد المسلمين، فيحلون للبعض أخذها بأعتبارها أموال مغتصبة من المال العام ويجب توزيعها أو التصدق بها للفقراء، أو تسليمها للحاكم الشرعي المختص لتزكيتها أو الأذن بصرفها وفقا للقواعد المعمول بها وفقا للمذهب المتبع.
هذا التخريج غير حقيقي وباطل وفقا لقاعدة "تغير اليد المتصرفة بالمال العام لا يغير من طبيعته لأن الأصل في الوصف وليس بالتصرف"، وهذا أيضا نجده في فتاوي السيد السيستاني أيضا " لا نأذن بالتصرف في اموال الحكومة في الدول الاسلامية بغير الطرق القانونية باي نحو من الانحاء".
في التقسيم الطبيعي للملكية وفقا للفهم الشرعي ويشاركه الفهم القانوني أن الملكية بحسب طبيعة السلطان الممارس عليها هما:.
‌أ. ملكية محمية بسلطان المالك أو المتصرف شرعي أو قانوني أو طبيعي، وهذه لا يمكن تصور فيها مجهولية المالك لسبب أن المالك معلوم وهو صاحب حق السلطنة على ماله سواء كان فردا أو مجموعة من الأفراد، أو أنه مال جماعي لا مالك له فهو مملوك على الشيوع العام والتصرف به حسب الحاجة والواقع.
‌ب. ملكية بلا سلطان أو سلطان مدع يحتاج لإثبات العلاقة بين الملكية وبين الحائز أو المتصرف بحسب القاعدة الفقهية التي تقول "الحيازة في الملكية بلا منازع سند الملكية حتى يتنازع عليها فيصبح الإثبات اليقيني مصدر الملكية"، بمعنى أن أي ملكية في الوجود هي ملكية من حاز عليها أو تصرف بها بدون منازع كقاعدة عامة، لو حدث نزاع على ملكية تتحول القاعدة إلى الأتجاه العكسي من يثبت بالدليل الراجح هو المالك ولو لم يكن حائزا أو متصرفا بها.
هذا يقودنا إلى حقيقة مهمة هي عدم وجود مال أو ملكية مجهولة بالأصل إلا أستثناء واحد يتعلق بمال فردي أو خاص لا يدع أحد بعائدتيه أو لم يعرف مالكه ببينة أو دليل أو حجة، إنما المجهولية تثار عندما يحدث نزاع على السلطنة مع حيازة أو بدون حيازة، عندها يصبح المال ليس مال مجهول المالك بل مال متنازع عليه، وأمامنا حالتين بعد النزاع، الأولى أثبات أحد الخصوم سند ملكيته وبالتالي لا مجهولية فيه، والأحتمال الأخر عجز المتخاصمين عن الإثبات فيتحول المال أو الملكية من متنازع عليها إلى ملكية مجهولة المالك.
إذا كيف يمكن تشخيص مجهول المالك ما عدا ما ورد في النقطة الثانية أعلاه حتى يمكن إفرازه كنوع مستقل من الملكية، الحقيقة كل الصور التي وردت في المعالجات الفقهية حول المال مجهول المالك لا تتعلق بطبيعة المال أو الملكية، وإنما هي أوصاف أعتراها ما يعرف بالشبهة الشرعية في إثبات ماهيتها، من الصور التي ترد كثيرا على أنها من الملكية المجهولة هي غياب مدعي السلطان لسبب عدم رغبته في الإعلان عنها أو لعدم قدرته للوصول إليها لعدم معرفة طريقها أو لفقدانه مثلا حجة ملكيتها، أو كون المالك لها الحقيقي ممنوع واقعا أو فعلا من أن يصل لها بسبب الغياب أو الموت مثلا، وقد يكون المالك مغيبا بالموت أو الفدان ولكن أصحاب حق التصرف لا يستطيعون بسبب عدم أمتلاك الحجة أو عدم العلم بالملكية أو عدم القدرة على المطالبة بسبب الغرم أو الخوف أو القهر من المطالبة بها.
في جميع الحالات المذكورة علينا التفريق بين الملكية بطبيعة الملك أو المال بين المنقولة وغير المنقولة، بالحيازة تثبت الأولى وفقا للمتعارف عليه حتى يقوم الدليل بالتنازع أو الدليل ببطلان الحيازة، فهي ثابته للحائز قانونا أما شرعا فهي تعتمد على سلامة اليقين في سبب الملكية، وبالتالي الفرق بين القانون والشريعة هو المعيار الخارجي الذي يحتكم له الحائز أو حتى غيره، فوضع اليد والتصرف الطبيعي بالمال والملكية المنقولة سبب ظاهري يعزز عائدية الملك أو المال المنقول، ولكن في الشريعة لا يصلح هذا المعيار بإثبات الملكية ويرجع فيها إلى مبدأ الحلال والحرام الذي يثبت عليه يقين الحائز للمنقول لبيان شرعيته، ويكفي في فسخ سبب التحليل أن يدع شخصا خلاف الظاهر ليصبح المال محل تنازع بحاجة لمن يقضي به وفقا للأصول القضائية الشرعية.
من هذا يتبين أن الملكية في جميع الأحوال معلومة ولا تخلو ملكية من مالك معلوم ظاهر بسند أو بعرف أو أفتراض، وكل مالك له سلطان على ملكه ما لم يتعذر عليه أن يمارسها لسبب لا يد له فيه، أما المجهولية التي يطلقها البعض على عائدية مال أو ملك ليست من طبيعة المال أو الملكية فهي أمر طارئ وأستثنائي يجب أن يعالج وفق دائرة المستثنى من القاعدة العامة، وأن لا يفرد بعنوان خاص ومسمة خارج ما أستثنته القاعدة أصلا، ولا يرتب ذلك وضعا قانونيا ولا شرعيا إلا في معالجة ما يتم معالجته في أساس القاعدة الحاكمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة