الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح8

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 10 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مناط المجهولية
وبناء على ما تقدم فإن ما يعرف اليوم وموظف سياسيا ولمصالح خاصة من مفهوم مجهول المالك، ما هو إلا تحريف بمبدأ شرعي وتغييرا لقواعد التحليل والتحريم خاصة إذا ما تم تعريف المال العام المملوك للمجتمع أو الدولة أو تحت سيطرة الحكومة من أنه مال مجهول المالك، وهو (الاصْطلَاحٌ الفِقهيٌّ الذي يُطلَقُ على المَالِ الذي لا يُعرَفُ صَاحِبُه، وتَترتَّبُ عليْه جُملةٌ منَ الآثارِ الفِقهيَّةِ مَذكُورةٌ في مَحلِّها مِن كُتبِ الفِقهِ، وقد ذَهبَ بَعضُ الفُقهَاءِ بعَدمِ مِلكيَّةِ الدَّولةِ، ويُعامِلُ المَالَ المَوجُودَ تَحتَ يَدِها مُعامَلةَ مَجهُولِ المَالكِ).
هذا التعريف بالحقيقة ما هو إلا تزوير وتحريف للقواعد العامة التي تحكم المال العام، أستخدمت فيه الشبهة الشرعية كأساس للتعريف به ومن ثم إظهاره على أنه نوع خاص من أنواع الملكية يجب أن يوضع تحت سيطرة جهة معينة، لا تملك هي أصلا المشروعية ولا الشرعية في التملك، لأنها ليست صاحبة ولاية شرعية حقيقية بسند صحيح ومعتبر ومنطقي، لا باسم الإمام الحق مالك الشرائط الشرعية في الإمامة المعتبرة، ولا في حدود الولاية الشرعية في الإدارة طالما أنه لا يدير فعليا روابط المجتمع، خاصة مع وجود هيئة ممثلة للمال العام ومديره له وفق قاعدة "الدولة مالك لما لا مالك له" وهي صاحبة الولاية القانونية والشرعية به وفقا لقاعدة (لا بد للناس من أمير بر أو فاجر).
فالمناط في المجهول المالك يمكن أن تجده كما يروي أصحاب الفقاهة حسب رواية صاحب الجواهر (لأنّ المناط في حكم مجهول المالك ليس هو الجهل بالمالك حقيقة، بل هو عدم امكان ايصال المال اليه سواء علم به ام لا، كما هو مورد بعض النصوص مثل ما ورد في رواية الرفيق في مكّة: من التصدّق عنه لمجرّد الجهل بمكانه وان كان عارفاً بشخصه، فان لم يكن إيصال المال اليه، فليصل اليه ثوابه، وحقّ الامام عليه السلام هو كذلك لأنّ الامام عليه السلام معروف اسمه ونسبه، ولكنه مجهول التشخّيص فلا يصرفه المكلّف وان رآه)، هذا التحديد في المناط التعريفي في الرأي المنطقي لا يخرج معلومية الملك من دائرة الإثبات إلى دائرة النفي، فعلية فالمجهولية هنا غير حقيقية بل هي تصرف في المعنى بغير موجب، فكان الأحرى أن يسمى المال أو الملكية بتسمية (المال أو الملكية الموقوفة)، أولا لأنها موقوفة بالتصرف من مالكها واقعا وفعلا وثانيا لأن إنفاقها محبوس كالوقف على مالكها ثوابت أو تصدقا.
ما هو المجهول
المجهول كمصطلح على نوعين مجهول بذاته أي الغير المعروف للسائل أو الفاحص أي خارج ذاته لأنه لا يفصح عن ماهيته مثل الغيب، فالغيب وإن كان معلوما عند الله لكنه مجهول بذاته لما في خارج دائرة الله وعلمه (قل لا يعلم الغيب إلا الله)، فهو يحتفظ بماهيته عن الكشف لأنه مكون ومكيف على هذا الحال، وهناك مجهول أو غير معروق ليس بذاته ولكن لذات السائل أو الناظر وبهذا المعنى، يمكن أن يشير المجهول إلى أشياء مختلفة على سبيل المثال، الشخص الذي لا نعرف هويته يمكن اعتباره مجهولاً "هوية المشتبه بهم لا تزال مجهولة تحتاج إلى مزيد من الأدلة " وأيضا عندما لا يكون هناك أخبار عن هوية بعض رواة الأحاديث "المجاهيل" مثلا، يمكننا الإشارة إليه على أنه الراوي مجهول وغير المعروف وإن كان موجود في حقيقته ومعروق في زمانه أو على الأقل ممن نقل عنه أو أشار إليه، ولكن نحن الذين نقرأ ما روي عنه لا نعرف عنه إلا المسمى ويبقى حاله مجهولا.
في عالم المعرفة هناك تقسيم أعتباري للمجهول بناء على واقع الجهالة، فهناك المجهول التام الذي لا يعرف لا في وقته ولا في حالة وغياب اي علامة أو دليل يمكن أن يكون طريقا لمعرفته، هذا المجهول الكامل في ذاته، وهناك مجهول مرادي أي أن مراده وقصده الإخفاء أو الأختفاء لسبب أو علة ظاهرة أو خفية، هناك العديد من الأسباب التي يختار من أجلها شخص ما إخفاء شخصيته أو أن يصبح مجهولا. يكون بعض تلك الأسباب قانونيا أو اجتماعيا، مثل إجراء الأعمال الخيرية أو دفع التبرعات بشكل مجهول، حيث يرغب بعض من المتبرعين بعدم الإشارة إلى تبرعاتهم بأي شكل يرتبط بشخصهم، كما أن من يتعرض أو قد يتعرض للتهديد من قبل طرف ما يميل إلى إخفاء هويته، مثل الشهود في محاكمات الجرائم، أو الاتصال بشكل مجهول بالسلطات للإدلاء بمعلومات تفيد مسار التحقيق في القضايا العالقة، كما أن المجرمين بشكل عام يحاولون إبقاء أنفسهم مجهولي الهوية سواء من أجل منع إشهار حقيقة ارتكابهم للجريمة أو لتجنب القبض عليهم.
هنا نصل أن ليس كل مجهول في الحقيقية يكون غير موجود أو غير معروف أو لا يمكن الوصول إليه، فالحالة الثانية من المجهول المختار لديه أسبابه ومبرراته إن عدمت يمكن أن يتحول إلى معلوم ومعروف، لذا فالحال الذي نتناوله في البحث عن مجهول المالك بالأساس هو المجهول التام ولكن هناك أيضا جوانب يمكن أن نشير فيها للحالة الثانية، وهذا معتمد أصلا في الفقه الجعفري على أنه من ضمن تصنيف المالك المجهول.
عند وجود ضرورة للإشارة إلى شخص ما بأنه مجهول الهوية، يكون هناك عادة حاجة لإنشاء معرف ما بديل عن المعلومات الشخصية لذلك المجهول خاصة إذا كانت هناك متعلقات به لا بد من حسمها أو تقرير مصيرها كالملكية أو النسب أو غيرها، فعادة ما تستخدم كلمة «مجهول» أو «مجهول الهوية» للإشارة إلى الشخص المجهول في الممتلكات مثلا، وهذا ما يحدث عادة في الأحوال الطارئة أو عندما لا يكون هناك معلومات كافية تساهم بالتعريف وخاصة في النظم التعريفية القديمة، التي تكون قواعد المعلومات فيها بسيطة أو بدائية، أو تكون متعلقة بشخصيات غير معروفة أو متوفية وغير قادرا على المطالبة بحقوقها، كما أنه في بعض الحالات يقوم المالك باستخدام «اسم وهمي» أو «اسم مستعار» لإشهاره بالترافق مع الملكية أو الإشارة لها، لسبب أو علة في إخفاء اسمه أو شخصيته الحقيقية مما يضع المتعامل معه في وضع الجاهل أو الغير عارف.
ملكية الدولة وملكية الأمة
يختلف الأمر في الاقتصاد الإسلامي تماماً في النظرة إلى ما يعرف بالمال العام، لأن الدولة ككيان معنوي لها حق التملك كمؤسسة من مؤسسات الأمة، وبالتالي لها الحق طبيعيا أن تتصرف بما تملكه وفقا لرؤيتها ووظيفتها وقانونها العام والخاص نيابة عن الهيئة الأجتماعية بموجب قواعد العقد الأجتماعي المتبادل بينها وبين الأمة، وعلى وفق هذا التفريق بين ملكية الدولة وملكية الأمة بأعتبار أن الأخيرة هي الملكية العامة العمومية والأولى ملكية عامة مخصوصة، فيمكن أن نعرّف أن ملكية الدولة في النظام الإسلامي هي (كل المؤسسات والمنشآت والأموال الخاصة والحقوق والألتزامات المادية والمعنوية التي تكون تحت تخويل أجهزة الدولة وتديرها المؤسسات الحكومية خدمة للصالح العام)، من هذا التعريف يمكننا أستنباط أوصاف عامة وخاصة للمال العام المخصوص وهو مال الدولة وهي:.
I. مال الدولة هو جزء من ثروة المجتمع وإن تخصصن الدولة في التصرف به فإنها تتصرف به وفقا لتخويل المجتمع رضاء أو أتفاقا، ينوب عن الدولة التي هي نائب المجتمع إمام المجتمع بأعتبارة صاحب السلطة الزمنية وفقاً لما تمليه المصلحة العامة، بناء على السلطات المخولة له من قبل الجماعة.
II. هذا المال معلوم المالك ومحسوب ومراقب وموثق لا يمكن أن يتصرف به شخص أو فرد دون سبب شرعي وإلا عد جريمة أجتماعية تقع تحت طائلة الحرام.
III. حتى رئيس الدولة (الإمام) لا يملك حق الرقبة في هذا المال ولكن له في حدود ما شرع له أن يمنح حقا الأستعمال أو الأستغلال لجهة ما وفقا للمصلحة العامة وضبطا مع الصلاحيات الشرعية، فالإمام وإن كان رئيسا للسلطة الزمنية لا يحق له تملك المال لنفسه فالأولى أن لا يمنحه لغيره.
IV. بموجب السلطة الدينية للإمام أيضا لا يحق له أن يتصرف بالمال العام خارج حدود الصلاحيات الشرعية الممنوحة له في ممارسة دوره الديني فقط، فما يتصرف به خارج الضوابط الشرعية المحددة للأموال والمنافع التي تجبى كفرض ديني والمحددة بدقة في أوجه إنفاقا تعد خيانة لله، هذه الخيانة تسقط عدالة الإمام أصلا ولا تبقي له قيمة أعتبارية وفقا للعقيدة الدينية.
V. المال الذي تديره الدولة كملكية مخصوصة لا يمكن أن يخرج عن قواعد الماهية للمال العام، فهو معروف المالك أصلا ومحمي بالحدود التشريعية موقوف على الصالح العام، التعدي على هذه الملكية تعد جريمة مزدوجة ضد المجتمع وضد حرمة المال المعلوم، فلا مجال أن تتغير ماهيته لا بقرار مخالف للقواعد الحاكمة شرعية أو قانونية، ولا أفتراض إمكان أنتقاله بما يعرف بالأسباب الأنتقالية الطبيعية بين الناس، والسبب يعود أن المجتمع ليس بميت حتى يرثه الورثة ولا هو من المحتمل أن يغيب أو بفقد سند ملكيته حتى يتحول إلى مال مشكوك بعائديته.
هذه المميزات تضعنا أمام حقائق كثيرة منها أن الأمة في الأصل هي المالك الثاني بعد الله، وما توزيع الملكية داخل الأمة إلا على أساس أتفاقها أو رضاها بما تم توزيعه على ملكية فردية أو خاصة، إنّ الملكية إذا حكمٌ وضعيّ عائد للأمة أصلا في التقرير والتسطير، والسؤال هناْ هل هذا الحكم مُسبَّبٌ عن غيره من الأسباب؟ أو مجعولٌ بلحاظ شيءٍ آخر وراءه؟ أو هو مجعولٌ ابتداءً؟ أو له حالاتٌ شكلية متعددة لا تتعارض في مجموعها في بيان الماهية التمليكية المتعدّدة؟ وممّا لا شَكَّ فيه أنّ الملكية في بعض حالاتها مُسبَّبة عن أمرٍ كالملكية الناشئة من العقود، أو الملكية الناشئة من الحيازة.
والمتعارف في الفقه الوضعيّ هو إطلاق مصطلح (أسباب الملكية) على شكليات الماهية التمليكية محل بحثنا هنا، والمُراد به عند الحقوقيين العناوين الكلّية السبعة التي تنطوي تحتها جملةٌ من المصاديق كالعقود والإرث والحيازة القانونية وغيرها،. وهذه الأسباب تقابل مصادر الالتزام في القانون المدني، وأمّا في فقهنا الإسلامي فقد ورد عنوان (أسباب الملكية) أيضاً في طيّات بعض عبارات الفقهاء المتأخِّرين، كالمحقِّق العراقي والنجم آبادي ومحمد تقي الآملي والكوهكمري وغيرهم، ومن المعلوم أنّ فقهاء الإسلام منذ القِدَم قد بحثوا أسباب الملكية بالحمل الشائع، أي بحثوا مصاديق أسباب الملكية، كالبيع والإجارة والهبة والمساقاة والمزارعة والصيد وإحياء الموات والغنيمة وغيرها، وهذا من الواضحات التي يعرفها الجميع، حتّى العامّة من الناس. ولكنّ هذا لا يُغني عن بحثنا وهو حصر الأسباب في عناوين كلّية الغرض منه بيان هل من الجائز أو الحقيقي أن المال العام المخصوص أو عموم المال العام الشائه بالإباحة في الأستغلال يمكن أن يكون محلا ومصداقا لمفهوم مجهول المالك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص