الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القائد العظيم صدام حسين!

عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)

2022 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


من الصعب أن تكون موضوعياً وأنت تحاكم أو تستذكر من تلاعب بمصيرك في يوم ما، وها هو الآن مجرد سيرة في التاريخ تحاولُ استقراءها بعيداً عن جراحك الخاصة.

بعد انقلابات عسكرية عديدة، وصل نظام بعثيّ، ساسَ العراق بالحديد والنار، ولا أحد يدري، لو أن نظاماً مختلفاً حكم العراق، ما هي النتائج المختلفة التي من الممكن أن يصل اليها؟

على مستوى العائلة العراقية، وكمكرمة، وزّع نظامُ صدام التلفزيونات، أعجوبة ذاك الزمان، على الناس. وكانت مفارقة أن تمتلك أحدث وسيلة في حينها للتواصل مع العالم، في حوش طيني أو بيت من قصب. لم يفكر صدام في تحويل المدارس المتهالكة الى أماكن تصلح للاستخدام البشري؛ لكنه اعتبر الأمر أمناً وطنياً حساساً، فراح يخطط لسيطرة البروباغندا، مستخدماً وسائل غسيل الدماغ اليومي لخلق طراز الفارس حبيب الملايين من جهة، والمرعب القاسي الذي لا يرحم من جهة أخرى.

وكانت القادسية. ربما كسب النظام من حربه ضد إيران خاصة في السيطرة على الداخل الجموح وفي حصوله على الدعم الأمريكي؛ لكنه خسر المستقبل.

مع القادسية الثانية كان مشهد السيارة وهي تحمل نعشاً ملفوفاً بعلم مشهداً رهيباً وغريباً. عيون الناس تطارد مسار التابوت، وتتساءل: أيّ باب سيطرق؟ والسيارة، وكأنما باستعراض مقصود، تنتقل بين المناطق والناس تتجمهر لمعرفة بيت الشهيد. اكتشف الناس، حينها، أن الشباب سيموتون في حرب او مقبرة او سجن. بعدها اعتادوا الموت المبكر. كان الناس يتعرفون حينذاك على حقبة ستستمر لأكثر من 35 عاماً، وهذه النعوش هي المقدمة الطللية للقصيدة الرثائية القادمة.

إضافة الى الاستشهاد في المعارك، كان الفقر قاسياً يتخلل العظام، والسرطان الأخلاقي ينتشر في جسد المجتمع، وكانت القيم تتساقط كأوراق الشجر في الخريف.

ورغم أن القائد الضرورة كان كثير الزيارات للفقراء وللقطعات العسكرية؛ غير أنها كانت تفتقر الى الحميمية والصدق. الخيبة الليلية هي التي تتبقى في ضمير المراهقين حين تحرمهم تلك الزيارات السخيفة من الرياضة في أسبوع أو عدسة الفن أو مسرحية الجمعة أو فلم السهرة، لا لسبب إلا لأن صدام أعجبه أن يظهر على الشاشة ضيفاً ثقيلاً لساعتين او ثلاثة، ممثلاً دور الأب يتوّسط عائلة مسحوقة أو يفتح ثلاجةَ عائلة فقيرة، وتأقلمَ الناس على مشاهدته مرغمين، لأنهم ببساطة لا يمتلكون خياراً آخر.

ورغم أن الطائفية لم تكن بارزةً على السطح كثيراً؛ لكن النظام في جوهره طائفي مارس أقسى أنواع الإقصاء والحرمان. في الكلية العسكرية، لا يسمح للشيعي أن يقدم كضابط، بالإضافة الى أن الكرد لا يملكون ممثلاً عنهم في قيادة الدولة غير الشخصية الهزيلة طه محيي الدين معروف.

مارس نظام صدام الإخصاء بحقّ الجميع. لم يكن يحقّ لك كشاب أن تطيل لحيتك؛ بينما ابن رئيس النظام الأكبر يُطلق لحيته بحرية، وفي الوقت الذي يتعمد التلفاز اظهار صدام واحتفالياته الباذخة، كان اليائسون ينتحرون بسبب الفاقة وعدم القدرة على الاستمرار.

زلتهُ الكبرى أنه اعتقد أنّ ما يصلح للداخل، يصلح للخارج أيضاً. كان العالم قد سمح لصدام باضطهاد شعبه وممارسة دور البلطجي على نطاق محدود ضد الشيعة والكرد، وكان المبدأ: دعه يلعب مادام لا يؤذينا، وما دام يحقق لنا ما نريده بلا جهد وخسائر.

ولم يتوقف صدام عند حلبجة وغاز الخردل وتنشيف الأهوار والمقابر الجماعية، بل أقدم على فعل سيكون له أفدح الأثر على وجوده الشخصي: غزو الكويت. هنا وصل تورم الذات الى حالات متقدمة. كان دخول الكويت مغامرة غبية جعلت العالم يلتفت الى إجرامه خاصةً أنه قد يمسّ المحرمات من مصالح الدول الكبرى. وسواء أُستدرج الى الفعل أم أنه من بنات أفكاره، فقد ارتكب أكبر حماقة على الإطلاق وكان الطريق الممهد لمشهد الحفرة الشهير.

عرف صدام حجمه حينما واجهته الآلة العسكرية الأمريكية الهائلة، لكنه ناغمَ فكرته عن نفسه مع كينونة البطل- محارب الامبريالية والصهيونية العالمية. وفي حين كان نظامه من أكثر الأنظمة فائدة لإسرائيل؛ ظلّ محتفظاً، إعلامياً على الأقل، بصفة المدافع الصلب عن القضية الفلسطينية.

أيام الحصار، اتضحت شيخوخة النظام. وبات واضحاً ان البلد كله يتدحرج من أعلى الجبل نحو الوادي من غير ان يتحكم فيه أحد. ولم يبقَ سوى أمل واحد هو الانقلاب الذي لم يأتِ، فظل النظام يتآكل من الداخل في مشاهد مضحكة مبكية مثل قضية حسين كامل ومحاولة اغتيال عدي والخلافات العائلية الدموية التي سادت الرّبع الأخير من حياة رجل العصابات آل كابوني.

وزّع صدام ثروات العراق على الدول وجنرالات التمرد ومومسات الفن؛ لكنهم جميعاً لم يكونوا قربه وهو يشاهد تمزق كل ما بناه بالعرق والدم والغدر والخيانة.

عاش الرجل 40 عاماً كإمبراطور يُنفذ أمره قبل أن يفكر فيه، وانتهى حبيس حفرة تحت الأرض. تلك الفترة من سقوطه الى إخراجه من الحفرة جعلت كل سنين إمبراطورتيه وهماً. كل لحظة خوف عاشها، كل لحظة ذل، هي تعويض لصرخات المعذبين في سجونه التي ملأت البلاد. كل ألم أُم فُجعت بابنها المعدوم او ابنها الملفوف بعلم كانت طعنة في صدر القائد المغدور.

ياله من ثقل روحي لا يمكن وصفه على كرامة وكبرياء الامبراطور السابق بملابسه العربية المتربة ولثامه القذر، وهو يجوب بلدة الدور، بلحيته الكثة، مهملاً ضعيفاً بلا حماياته ولا أرتاله الضخمة وبعيداً عن قصوره العديدة وسيجاره الجرود وغزلانه ولياليه الحمراء!

ربما كان مستعداً وقتها أن يقايض كل امبراطوريته بلحظة أمان واحدة وسط عائلة طبيعية ودودة.

مهما نشرَ المحبّون أنّ صدام حسين (1979-2003) بطلٌ قوميّ مناضل، يبقى نظامه أسوأ ما يمكن تخيله على جميع الأصعدة؛ لولا أن حكم نوري المالكي (2006-2014) قد نافسه بالسوء والغباء والفشل.

اعتقد صدام أنه جدير بدور البطولة في فلم السهرة؛ لكن المؤلف والمخرج قد وجداه ملائماً جداً لدور كومبارس تنقلب حياته بطريقة درامية لا تحدث حتى في الأفلام الهندية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا