الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيل في المنديل- شيطنة الفضول

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2022 / 10 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ليس الفيل فقط، بل الكون وما ورائه والحياة وما بعدها والكائنات ما ظهر منها وما بطن حتى يرث الله الأرض ومن عليها كله موثق ومعلوم طي كتاب بحجم الجيب. ما فرط الكتاب في شيء. كثيرون يصدقون، بل الأغلبية الساحقة. لكن سذاجتهم تلك لا تغني بشيء. هم في نهاية المطاف يعيشون حياتهم كما دأب الناس منذ آلاف السنين، مصدقين أيضاً في أساطير شتى لكن بمسميات مختلفة. الأسطورة لا تخلق واقعاً ولا يمكنها العيش خارج مخيلة المؤمن بها، لأنها في الأصل غير ممكنة أو قابلة للتطبيق في الواقع المعاش. الحياة المعاشة الفعلية ترفضها وتلفظها. لكن مع ذلك، وكما كان الحال مع أساطير أخرى كثيرة قبلها، تؤدي هذه الأسطورة الإسلامية وظيفة بالغة الأهمية لهؤلاء الذين أنشأوها ويسهرون على حفظها وبقائها على قيد الحياة- شيطنة الفضول ومحاصرته والقضاء عليه.

الفضول هو زاوية نظر جديدة للأشياء، حتى لو كانت هذه الأشياء نفسها موجودة منذ ملايين السنين والنظرة السائدة لها حالياً يزيد عمرها على ألف سنة. هكذا كانت زاوية نظر نيوتن للتفاحة الساقطة فوق رأسه جديدة ومخالفة للسائد والمألوف، ليفجر علوماً وطاقات جديدة. كذلك الحال مع النفط الكامن في بطن الأرض منذ ملايين السنين، حين ظهرت زاوية النظر الجديدة انقلبت أحوال البشرية والعالم الإسلامي رأساً على عقب خلال عشرات السنين الأخيرة فقط. ولا يقتصر الأمر على التفاحة والبترول، بل يسع كل ما في الكون من موارد وكائنات طبيعية، موجودة بحالتها في الطبيعة كما هي منذ ملايين السنين. لكن حين تظهر زاوية النظر الجديدة لها، تظهر في ركابها أيضاً استخدامات ومنافع جديدة لا تعد ولا تحصي. الطيران عبر الكوكب وإلى الفضاء قد نشأ بفضل زاوية نظر جديدة إلى الطير المحلق بجناحين في عنان السماء؛ والغواصات تمخر المحيطات من زاوية نظر جديدة إلى الحيتان.

حتى الإنسان ذاته غير آمن ولا محصن من زوايا النظر الجديدة عبر العصور. بفضل زاوية نظر جديدة قبل بضع مئات السنين، تحرر الإنسان من الرق والعبودية لإنسان آخر. وبفضل زوايا النظر الجديدة لشؤون الإنسان في الحياة، نشأت الديمقراطية والشمولية والرأسمالية والشيوعية وحقوق الإنسان والأقليات والمرأة وصولاً إلى الإجهاض والمثليين. كل شيء في حياة الإنسان في تغير وتطور مستمر بفضل زوايا النظر الجديدة لشؤونه من حين لآخر ومن عصر لآخر. حتى الأديان نفسها، ونظرة الإنسان وممارسته لها، غير بعيدة أبداً عن هذا التغير والتطور المستمر الذي لا يتوقف ولا ينتهي وليست له نهاية معلومة. لكن، من جهة أخرى، كل ذلك التغير والتطور لكي ينهض ويستمر لابد من توفر شرط مسبق أساسي- عقل فضولي.

العقل الفضولي وحده هو القادر على إطلاق شرارة التغيير والتطوير الأولى وبعدها ينتشر ويعم من تلقاء نفسه حين يستطعم جمهور الناس العاديين جدواه وحلاوته. لكن، للأسف، مثل هذا العقل الفضولي نادر، بل شديد الندرة وغير متاح بسهولة ويحتاج حتى ينهض إلى بيئة داعمة وظروف مواتية خاصة. إذ رغم كثرة تعداد الناس، سنجد من هم على شاكلة نيوتن وسقراط وابن حيان والفارابي وابن سينا وابن رشد يعدون على أصابع اليد في كل العصور والأزمان. وقلة أعدادهم في حد ذاتها تغري أعدائهم وتسهل من عملية اصطيادهم. دائماً وأبداً تحتاج الأقليات في كل المجتمعات إلى ضمانات وحماية خاصة. لكن إذا ما سحب عنهم لسبب أو آخر غطاء الحماية، حينئذ يأتي دور الأسطورة- محاصرة هذه الأقلية من أصحاب العقول الفضولية بواسطة تهييج الجماهير الغفيرة ضدهم، وقد يصل الأمر إلى محاكمتهم وإعدامهم أو حتى الفتك بهم على أيدي الغوغاء في الشوارع والميادين أو على فراشهم داخل بيوتهم. لكن، من جهة أخرى، من هم هؤلاء الذين يهيجون الجماهير ضد الفضوليين، وما هي مصلحتهم؟

لكل عصر وزمان أساطيره وخرافاته، وكان ولا يزال الغرض الأساسي من الأساطير والخرافات عبر العصور والأزمان المختلفة هو الحفاظ والإبقاء قدر الإمكان على الوضع والنظام القائمين في كل عصر وزمن مختلف كما هما من دون تغيير أو تطوير. ودائماً وأبداً في كل العصور والأزمان، كان الحريصون أشد الحرص على الإبقاء على الوضع والنظام القائمين من دون تغيير أو تطوير يُذكر- وإن كان لابد لا مفر ففي اتجاهنا ومصلحتنا- هم هؤلاء أصحاب المصلحة الأكيدة في استمرار الوضع والنظام القائمين في حينه. وفي الحقيقة، هؤلاء هم أنفسهم الذين أنشأوا الأسطورة وهم الذين يصونون بقاؤها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل


.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال




.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع