الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوى الشر متفوقة وتدفع البشرية نحو الدمار ..والخلاص في تفاؤل الإرادة

سعيد مضيه

2022 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


حوارمع نوعام تشومسكي أجراه ديفيد بارساميان صدر في كتاب عن دار نشر هاي ماركت بوكس. في الفصل التاسع من الكتاب يدور الحوار حول هجوم الاحتكارات في الولايت المتحدة على الديمقراطية وحقوق العمال ودعاية العنصرية وتفوق البيض والتبشير بالعنف ضد خطر موهوم يهدد أميركا؛ وهذا من شأنه ان يؤثر سلبيا على الوضع الدولي. الأوضاع صعبة وستزداد نظرا لاحتمال فوز الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة القادمة، فهم يحملون برنامجا فاشيا ويركزون اهتمامهم على مصالح الاحتكارات لا غيرها . سوف تزداد ضراوة الهجوم وعدم تكافؤ المقاومة بسبب وهن طرأ عليها ؛ لكنه يستل من الماضي ما يفتح نافذة للخلاص.. منفذ للخروج من المأزق. "يجب ان ننظر بعقلانية الى العالم ، بدون اوهام ونتفهمه ، ونقرر كيف نتصرف ونعترف بوجود عناصر موات. أشياء جد خطيرة تحدث؛ ذلك هو تشاؤم العقل. في ذات الوقت ، نحن بحاجة لأن نقر بوجود منافذ، فرص حقيقية . لذا فلدينا تفاؤل الإرادة". وضع موقع كاونتر بانش، الذي نشر المقتطف في 6 أكتوبر الحالي،عنوانا له، القول المأثور صاغه انطونيو غرامشي "تفاؤل الإرادة". ضرورة حتمية لتحاشي الدمار. لننظر ونتأمل:
بارساميان:ما نواجهه يوصف في الأغلب انه غير مسبوق – وباء ، كوارث مناخية ويومض من المركز تحذيرات من إبادة نووية . ثلاثة من أربعة أجياد في طراد باتجاه دمار العالم.
نوعام تشومسكي: استطيع إضافة الرابع: الدمار الوشيك لما تبقى من ديمقراطية اميركية وانتقال الولايات المتحدة الى دولة استبدادية بعمق وأيضا ميالة للفاشية، عندما يتسلم الجمهوريون السلطة، ويبدوذلك محتملا . هكذا لدينا أربعة خيول. تذكر دوما ان الجمهوريين حزب الرفض، ملتزمون بمسير نحو دمار المناخ، مع هجران على يدي عنصر الدمار الرئيس،الذي يقدسونه كنصف إله. انباء سيئة للولايات المتحدة و للعالم، في ضوء قوة البلد.
بارساميان: قريبا أصدرت الموسسة الأممية للديمقراطية ومساعدة الناخب تقريرعام 2021 عن حالة الديمقراطية في العالم. يقول التقرير ان الولايات المتحدة دولة "تنزلق فيها الديمقراطية للخلف".
انحسار الديمقراطية ..الاندفاع نحو الكوارث
تشومسكي: بمزيد من الحدة. فالحزب الجمهوري بصراحة كرس نفسه- حتى انه لا يخفي- لتقويض ما تبقى من الديمقراطية الأميركية . وهم يشتغلون بجد في مسعاهم . منذ أيام نيكسون أدرك الجمهوريون أنهم حزب الأقلية بصورة جوهرية، ولا ينتظرون الحصول على أصوات من خلال الدعاية بالتزامهم المتعاظم برفاه بالغي الثراء وقطاع الشركات الكبرى. لذا، فمنذ زمن وهم يحرفون الاهتمام نحو ما يدعى قضايا ثقافية.
بدأ الأمر باستراتيجية نيكسون الجنوبية. من شأن دعم الحزب الديمقراطي تشريعات الحقوق المدنية، رغم محدوديتها ، أفقدهم الشعبوية أعضاء الحزب الديمقراطي في الجنوب، كانو عنصريين متشددين على المكشوف. استغلت إدارة نيكسون توجه الديمقراطيين في الجنوب باستراتيجيتهم الجنوبية ، ملمحين ، بغير براعة، بأن الجمهوريين يرغبون في أن يكونوا حزب تفوق العرق الأبيض.
وفي السنوات اللاحقة التقط الجمهوريون قضايا اخرى، باتت الأن التعريف المعلن للحزب: لنمض في مهاجمة نظرية العنصر النقدية – أيا كان المعنى ! مصطلح مبهم، مثلما اوضح الناطق بلسان الحزب ، كل ما يستطيعون حشد الجمهور من اجله: تفوق البيض، العنصرية، كراهية النساء، المسيحية ، وضد حق الإجهاض.
هذا بينما راحت القيادة ، بمعونة المجتمع الفيدرالي اليميني، تطور وسائل قانونية- إذا طاب لك ان تدعوها قانونية- للجمهوريين كي يؤكدوا ، حتى وهم حزب الأقلية، سيكون بمقدورهم التحكم في جهاز الاقتراع وفي نتائج الانتخابات. انهم يستغلون سمات غير ديمقراطية بصورة راديكالية مثبتة بالدستور والأيجابيات البنيوية للجمهوريين ، كحزب يمثل ريفيين مبعثرين والمسيحيين الأصوليين، وجمهور القوميين البيض. ولا بد ان يكون بمقدورهم ، وهم يستثمرون هذه "الإيجابيات"، حتى بأصوات الأقلية، الاحتفاظ بما يشبه القوة الثابتة المستدامة.
بالفعل ، هذه الاستدامة قد لا تستمر اذا ما عاد دونالد ترمب، او احد مريديه ، الى الرئاسة في الانتخابات القادمة عام 2014. فمن غير المحتمل ، حينئذ ان يكون بمقدور الولايات المتحدة ، ولا نقول العالم كله، الهرب من تأثيرات المناخ ودمار البيئة ، التي يلزمون أنفسهم بتعجيل حدوثها.

بارسينيان: شاهدنا جميعا ما حدث في واشنطون يوم السادس من يناير؛ هل ترى احتمال انتشار الاضطراب المدني؟ في أنحاء البلاد عدد كبير من الميليشيات ؛عضو مجلس النواب عن ولاية أريزونا، باول غوسار، والعضو الأخر عن ولاية كولورادو ، لورين بويبرت، من بين كثيرين ، قد ادليا ببيانات تهديد تستثير العنف والكراهية . وشبكة الانترنت مليئة بنظريات المؤامرة. ماذا يتوجب علينا عمله؟
تشومسكي: امر جد خطير؛ في الحقيقة، ربما ثلث الجمهوريين او اكثر يعتقدون انه قد يكون من الضروري استخدام العنف ل" إنقاذ البلد" كما يتخيلون. تحتفظ بمعنى واضح عبارة " ننقذ بلدنا"؛ إذا لم يدركها كل فرد. أصدر ترمب نداءًا للشعب لأن يستجمع قواه كي يمنع الديمقراطيين من استجلاب طوفان المجرمين في أرجاء البلاد بعد تحريرهم من سجون بلدان اخرى، ولكي لا "يحتلوا" مواقع الأميركيين البيض وينفذوا جريمة تدمير أميركا. إن نظرية "الإحلال العظيم"- وذلك ما تعنيه "خطف بلدنا " ، ويجري حاليا توظيفها بنجاح من قبل عناصر تمهد فكريا ونظريا للفاشية . ترمب هو الأكثر تطرفا والأكثر نجاحا في هذا المضمار.
الليبرالية الجديدة تعمق الازمة

ماذا بمقدورنا عمله حيال هذا التيار؟ الأدوات الوحيدة المتوفرة ، شئنا ام ابينا،هي التعليم والتنظيم. ما من وسيلة اخرى؛ يعني ان نحاول إنعاش الحركة العمالية الحقة من النوع الذي ، كان في الماضي في مقدمة التحرك نجو العدالة الاجتماعية. ويعني أيضا تنظيم حركات شعبية اخرى ، والقيام بجهود تعليمية للتصدي للحملات الإجرامية الجارية في الوقت الراهن، والتأكد من بذل جهود جادة للتعامل مع ازمة المناخ، وحشد الطاقات لمكافحة التزام الحزبين بزيادة الإنفاق الحربي الخطر واستفزاز الصين ، وهو ما قد يؤدي الى صدام لا أحد يريده ان ينتهي بحرب.
عليك ان تواصل العمل في هذا التوجه؛ وما من سبيل آخر!
بارسيميان: في الخلفية لامساواة حادة، خرجت عن المألوف. لماذا عدم المساواة في اميركا بهذا القدر؟
تشومسكي: حدث قدر كبير من هذا خلال الأعوام الأربعين الماضية جراء هجوم الليبرالية الجديدة، والتي شارك فيها الديمقراطيون أيضا، رغم ان مشاركتهم لم تكن بقدر الجمهوريين.
هناك تقدير حريص لما يدعى ضخ الثروة من التسعين بالمائة ، يشكلون جمهور الطبقات الدنيا الى الواحد بالمائة تترع على قمة الثراء ( عمليا ، شطر منهم) خلال العقود الأربعة من هجوم الليبرالية الجديدة. قدرت دراسة اجرتها مؤسسة راند ان ضخ الثروة هذا أسفرعن نقل قرابة ال 50 تريليون(مليون مليون) دولار الى خزائن غلاة ألأثرياء، والعملية جارية لم تزل.
أثناء وباء كوفيد 19 أدت الإجراءات المتخذة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار الى المزيد من ثراء القلة القليلة ؛ كما أنهم الى حد ما يصونون حياة الكثيرين؛ لكن الجمهوريين منهمكون في محاولة تفكيك جانب صيانة حياة الجمهور من الصفقة، مبقين على الجزء الذي يزيد ثراء القلة القليلة ؛ فهذا ما كرسوا أنفسهم له.
خذ المجلس الأميركي لتبادل التشريعات(أليس). هذا يعود الى سنوات خلت؛ فهو منظمة يمولها قطاع الشركات الكبرى؛ جميعه تقريبا، مكرس للهجوم الساخط على النقطة الضعيفة بالنظام الدستوري، الدولة. أمر سهل جدا، لا تحتاج الكثير لشراء ممثلين في الهيئة التشريعية أو التأثير عليهم في مستوى الدولة ؛ هكذا عمل (اليس) في ذلك المجال لفرض تشريعات حادبة على الجهود طويلة الأمد لأولئك الساعين لتدمير الديمقراطية، زيادة اللامساواة الراديكالية ، وتدمير البيئة. احد اهم تلك الجهود هو حمل الدولة على تشريع أنهم لا يستطيعون حتى التقصي - وبالتأكيد لا يعاقبون- سرقة الأجور ، التي سطت على مليارات الدولارات من العمال كل عام عن طريق رفض دفع اجور العمل الإضافي ، مثلما يلجاون لحيل أخرى . بذلت جهود لاستقصاء السرقات ؛ لكن قطاع البيزنيس يرغب في إيقاف الاستقصاء.
تدورتناظرية على المستوى الوطني فحواها ضمان عدم التدقيق في تهرب الشركات الكبرى من دفع مستحقات الضرائب . على أي مستوى تعتقده فهذه الحرب الطبقية من جانب السادة ، قطاع الشركات الكبرى ، تدور رحاها بقوة. وهم يوطدون انفسهم على استعمال كل وسيلة يستطيعونها لضمان استمرارية الخداع الى أن ينجحوا في تدمير ليس فقط الديمقراطية الأميركية، إنما مجرد إمكانية بقائه مجتمعا منظما.

باراسميان: يبدو ان سلطة الشركات الكبرى لا يمكن إيقافها . الطبقة العليا من بالغي الثراء(غازيليونيرز)-جيف بيزوس، ريتشارد برانسون وأيلون موسك – يحلقون في فراغنا . لكنني اتذكر شيئا ما قالته قبل بضع سنوات الروائية أورسولا لي غوين : " نحن نعيش في نظام رأسمالي ، سلطته لا مهرب منها "، ثم أضافت: "وكذلك حق الملوك المقدس " .

أنظمة دالت وقوانين اندثرت

تشومسكي: وكذلك العبودية، والمبدأ الذي يرى في المراة ملكية خاصة ، والذي تواصل في الولايات المتحدة حتى عقد السبعينات من القرن الماضي؛ ثم القوانين المضادة للزواج المختلط بين الأجناس والتي كانت متشددة لدرجة ان النازيين رفضوها، واستمرت في الولايات المتحدة حتى عقد ستينات القرن الماضي.
جميع ضروب الفزع وجدت ؛ مع الزمن تراخت قوتها ، لكنها لم يتم يتم استئصالها بالكامل. تم إلغاء العبودية، لكن بقاياها استمرت بأشكال جديدة وقبيحة. ليست عبودية ، ولكنها مرعبة بما فيه الكفاية. فكرة ان النساء لسن اشخاصا لم يجر التغلب عليها وحسب، لكن عمليا الى مدى ملموس كذلك. ولم يزل امامنا الكثير لنعمله؛ النظام الدستوري كان خطوة للأمام في القرن الثامن عشر ؛ حتى عبارة " نحن الشعب" أرعبت حكام اوروبا الأوتوقراطيين، ازعجهم بعمق أن شرور الديمقراطية ( ما أطلق عليه حينئذ نظام الجمهورية) يمكن ان ينتشر ويدمر الحياة المتحضرة. حسنا ، انتشر بالفعل – والحياة المتحضرة استمرت ، وحتى تحسنت.
هكذا ، حقا ، هناك فترات تخلف وفترات تقدم ، غير أن الحرب الطبقية لن تشهد النهاية؛ والسادة لم ولن يسلموا؛ دوما يتطلعون لكل فرصة؛ وإذا كانوا الوحيدين المشاركين في الصراع الطبقي فلسوف نتراجع حقا. لكنهم لن يسلموا ، اكثر مما فعلوا في الماضي . .
بارسانيان: في كتابك "سادة البشرية" توجد مقالة ، هل للحضارة ان تستمر والرأسمالية القائمة تندثر؟ وكتبت في المقالة:" حقا الراسمالية القائمة ديمقراطية – وهي راديكاليا غير متوافقة "مع الديمقراطية؛ وتضيف "يبدو لي من غير المحتمل ان تستطيع الحضارة البقاء مع الرأسمالية الراهنة والديمقراطية شديدة الوهن المواكبة لها" . هل بمقدور الديمقراطية القائمة حاليا ان تغير السيرورة؟ التأمل في نظم غير موجودة يخرج عن نطاق التخمين ، لكنني أعتقد بوجود سبب لهكذا تفكير.ما هي أسبابك؟
جدل الوعي والتنظيم..إحياء تجارب ناجحة طمست
تشومسكي: قبل كل شيء نحن نعيش في هذا العالم، وليس في عالم نفضل تصوره . وفي هذا العالم إذا فكرت ببساطة في التتابع الزمني لمواجهة دمار البيئة فهو أسرع بكثير من الزمن الضروري لتنفيذ مهمة إعادة تشكيل موسساتنا الأساس. ولا يعتي ذلك ان عليك العدول عن المحاولة . عليك أن تقوم بذلك طوال الوقت- تعمل بطرق لرفع الوعي وتوسيع الإدراك ، وتبني أساسيات مؤسسات المستقبل في المجتمع الراهن.
في ذات الوقت يتوجب اتخاذ الإجراءات لإنقاذ أنفسنا من تدمير الذات ضمن الإطار الأساس للمؤسسات القائمة- بعض التعديلات بدون إحداث تغيير جذري. ويمكن عمل هذا ؛ ونعرف كيف يمكن العمل.
في هذه الأثناء يجب ان يتواصل العمل للتغلب على مشكلة الديمقراطية الرأسمالية القائمة حقا، والتي هي بطبيعتها الأساس عقوبة إعدام، وكذلك غير إنسانية من حيث خواصها الجذرية. إذن لنعمل في هذا المجال، وفي ذات الوقت نتأكد من أننا نوفر إمكانية إنجازه من خلال التغلب على الأزمة الملحة والمباشرة التي نواجه.
بارسانيان : تكلم عن أهمية الميديا التقدمية المستقلة ، مثل " ديموكراسي ناو" و "النزاهة والدقة في الإعلام" وهل أقول "الراديو البديل"؟ وناشرون أمثال "فيرسو هايماركت ريفيو، سيتي لايت" و " الصحافة الجديدة"، مجلة مثل جاكوبين، ذا نيشن، التقدمي وفي هذه الأزمنة المجلات الإليكترونية مثل توم ديسباتش، ذا إنترسيبت وشيربوست ما مدى اهميتها في مكافحة روايات الاحتكارات الكبرى المهيمنة؟
تشومسكي: ماذا غير هذه قادر على التصدي ؟ انها تحفظ الأمل اننا سنكون قادرين في المستقبل على إيجاد السبل للتصدي لهذه المؤسسات الكبرى ، والتطورات المدمرة التي نجري الأبحاث بصددها.
الأسلوب المحوري ، بالطبع، تعليم الناس لأن يتفهموا ماذا يجري في العالم؛ وذلك يتطلب وسائل نشر المعرفة والتحليلات، موفرين الفرص للبحوث ، ايها تجده في التيار الرئيس ؟ ربما بالهوامش في ظروف معينة. قدر كبير مما نتحدث عنه الآن لم تجر مناقشته على الإطلاق، أو نوقش على الهامش فقط في الميديا الرئيسة . ولذا يجب وضع هذه المناقشات بين يدي الجمهور عبر مثل هذه القنوات. وما من سبيل آخر.
من ناحية عملية توجد وسيلة أخرى ، التنظيم. فهو ممكن وفي الحقيقة يسهل إجراء برامج تعليم وتثقيف داخل المنظمات. ذلك كان احد اعظم إسهامات الحركة العمالية عندما كانت في اوج نشاطها وحيويتها . كان هذا أحد الأسباب الرئيسة لتصميم الرئيس الأميركي ، ريغان، ورئيسة الحكومة البريطانية ، تاتشر ، على تحطيم الحركة العمالية ، ونفذا المهمة. كانت خطواتهما الأولى توجيه الحملات ضد الحركة النقابية.
وضعت برامج تعليم وتثقيف وحدت الجمهور للتفكير في العالم ، وتفهّمه، وتطوير أفكار. التنظيم يفضي الى الوعي. اما القيام بذلك لوحده كفرد معزول عما حولة فأمر صعب للغاية.
على الرغم من جهود الشركات الكبرى لضرب الحركة النقابية فقد وجدت صحافة عمالية مستقلة ونشطة بالولايات المتحدة ، واستمرت حتى اواخر عقد الخمسينات ، تصل جمهورا واسعا، تندد بما أطلقت عليه
"الأسقفية المشتراة"، تصف الميديا الرئيسة. احتاج تدمير هذه الأنشطة مدة زمنية طويلة.
بالولايات المتحدة تاريخ للصحافة العمالية التقدمية والحيوية، تعود للقرن التاسع عشر ، حين كانت ظاهرة كبيرة. يمكن ، بل يجب إحياء هذا التراث كجزء من إحياء حركة عمالية كفاحية وفاعلة في الجبهة الأمامية للتقدم نحو العدالة الاجتماعية. حدث هذا من قبل ويمكن ان يحدث من جديد؛ والميديا المستقلة عنصر نقدي .
حين كنت طفلا في الثلاثينات واوائل الأربعينات أمكن لي قراءة (إيزي ستون) في صحيفة فيلاديلفيا ريكورد. كانت اوسع الصحف انتشارا في فيلاديلفيا، لكنها كانت هناك ، وفي اواخر الأربعينات أمكنني قراءته بصحيفة نيويورك تايمز وكانت صحيفة مستقلة وقدمت فرقا ضخما.
انطونيو غرامشي وتفاؤل الإرادة
بارساميان: في أثنين من احدث كتبك ، "عواقب الرأسمالية" و" ازمة المناخ والصفقة الجديدة لعالم أخضر"- تطرقت بصورة خاصة الى تعليق انطونيو غرامشي، " تكمن الأزمة على وجه الخصوص في حقيقة ان القديم يموت والجديد لما يولد بعد؛ في هذه الفترة الانتقالية ظهر تنوع واسع من الأعراض المرَضية" . وحتى الأن ، رجوع مفكر مثلك الى غرامشي يقتضي الأخذ بمقولته المأثورة " تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة". فهل تتحدث عن علاقة المقولة بما يجري اليوم ومعنى المقولة ؟
تشومسكي: كان غرامشي عماليا يساريا قياديا ونشطا جدا في تنظيم العمال اليساريين، في إيطاليا في عشرينات القرن الماضي. أحد اولى أعمال الديكتاتورية وضع غرامشي داخل السجن. وأثناء محاكمته قال الادعاء : علينا إسكات هذا الصوت( وهذا يعيدنا لأهمية الميديا المستقلة، بالطبع). ولذا حجز داخل السجن؛ وهناك كتب "دفاتر السجن" . لم يستطيعوا إسكاته، رغم ان الجمهور لم يستطع قراءته. واصل العمل الذي بدأه، وفي هذه الكتابات وردت المقتبسات التي ذكرتَها.
اوائل الثلاثينات كتب ان القديم ينهار، بينما الجديد لما يولد بعد ، وفي الأثناء يواجهون أعراضا مرَضيه, كان موسوليني ديكتاتورا وهتلر ديكتاتور آخر.احتلت ألمانيا النازية بلادا كثيرة ؛ وكنا على مقربة من احتلالاتها ؛ هزم الروس هتلر ، ولولا ذلك لاكتسحت ألمانيا النازية نصف العالم. كانت الأعراض المرَضية مرئية في كل مكان.
القول المأثور الذي اقتبسته ، " تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة" ، والتي غدت مشهورة، صدرت حين الفترة التي كان فيها قادرا لم يزل على النشر. في روحه يجب ان ننظر بعقلانية الى العالم ، بدون اوهام ونتفهمه ، ونقرر كيف نتصرف ونعترف بوجود عناصر موات. أشياء جد خطيرة تحدث؛ ذلك هو تشاؤم العقل. في ذات الوقت ، نحن بحاجة لأن نقر بوجود منافذ، فرص حقيقية . لذا فلدينا تفاؤل الإرادة . نكرس انفسنا للاستفادة من كل الفرص المتوفرة- وهي موجودة بالفعل- ، بينما نعمل للتغلب على الأعراض المرضية وننتقل باتجاه عالم عادل ومقبول.
بارساميان. في هذه الأوقات المظلمة من الصعب على الكثيرين الإحساس بوجود طبيعة بارقة امامنا. دوما تتلقى السؤال، ما الذي يمنحك الأمل؟ ~وعليّ أن أسألك نفس السؤال.
تشومسكي: شيء واحد يمنحني الأمل هو ان الناس، في أرجاء العالم قاطبة، تخوض نضالات قاسية ضد ظروف جد صعبة ، أصعب بكثير مما نتصور، كي يحققوا العدالة والحقوق، ولا يتخلوا عن الأمل، ونحن أيضا لا نتخلى عن الأمل. وغير ذلك لا يوجد بديل . البديل ان نقول ، أجل سوف أساعد الأسوأ كي يتجسد. فذلك خيار؛ اما الخيار الآخر فهو القول: سوف أحاول التصرف بأفضل ما أستطيع. وربما نستطيع التوصل الى عالم مقبول يستطيع الناس فيه ان يحسوا ان بمقدورهم العيش بدون عار . عالم أفضل.
وذلك لا يرقى لأن يكون خيارا ، لذا علينا ان نكون قادرين على تحقيقه في وقت مبكر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قوى الشر اليوم ضعيفة استاذ مضية
د. لبيب سلطان ( 2022 / 10 / 10 - 14:01 )
في الولايات المتحدة، كما في غيرها من الدول الديمقراطية صراع اجتماعي محتدم بين اليسار اللبرالي واليمين القومي الديني ولكن وكما يشير تشومسكي بدقة ان الأخير وممثلا بالحزب الجمهوري تحول منذ نيكسون الى حزب اقلية وتحدد جمهوره بشكا اوضح في الريف واليمين الديني وحتى خسر مواقعه في معاقله في ولايات الجنوب الأمريكي بتتويج الرئيس الافريقي الأصل باراك اوباما حتى في ولايات مثل تاكساس وجورجيا وفلوريدا وهو انتصار تاريخي لليسار بل هو نجاح اليسار اجتماعيا في اميركا
ان البلدان الديمقراطية لاتمثل قوى الشر في العالم لأن شعوبها تخوض معارك الاصلاح واذا قامت حكوماتها بعمل عدواني او تجاوز على الحقوق او الحاق اذى بالبيئة او ببلدان العالم تتصدى لها وتقاومها وتبدل حكوماتها كما حدث في الحرب الفيتنامية خرج الشعب واجبر حكومته على انهاء عدوانها، قوى الشر انما تمثلها البدان الديكتاتورية حيث شعوبها مغلوبة على امرها وهاهو بوتين يهاجم بلدا جارا والشعب لا يمكنه الخروج بمظاهرة وقرار الديكتاتور بالحرب اتى مفاجئا لشعبه ، وهاهو اية الله يقتل المتظاهرين .واليوم الانظمة الديكتاتورية( الدينية ولقومية والماركسية) في انحسار

اخر الافلام

.. ملف الهجرة وأمن الحدود .. بين اهتمام الناخبين وفشل السياسيين


.. قائد كتيبة في لواء -ناحل- يعلن انتهاء العملية في أطرف مخيم ا




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش تداعيات الرد الإيراني والهجوم ال


.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟




.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على