الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وَجْهان للولايات المتحدة

الطاهر المعز

2022 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الوجه الإمبريالي البَشِع

العدوان على الشعوب، نموذج الوطن العربي:

بعد تدمير العراق، منذ 1990 واحتلال جزء من سوريا وتدمير ليبيا واليمن، فضلاً عن الإشراف المُباشر أو غير المباشر (بواسطة آل سعود) على الحياة السياسية بلبنان، وتدجين بقية الأنظمة العربية والدّعم المُطْلَق للكيان الصّهيوني، اتّضح ما كان مُتوقّعًا، بعد تدمير ليبيا وسوريا، من استهداف الجزائر، مباشرةً أو عبر المغرب الذي أصبح حاكمه يُجاهر بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وذلك في إطار المُخطّطات الأمريكية للهيمنة على قارّة إفريقيا وثرواتها وموقعها، ضمن الحرب المفتوحة من قِبَل واشنطن، ضد روسيا والصّين، في كافة أنحاء العالم، وردًّا من واشنطن على تدعيم العلاقات بين روسيا والجزائر، قبل وخلال حرب أوكرانيا، وانتقامًا من النظام الجزائري الذي يستعد للإنضمام إلى مجموعة "بريكس" (البرازيل والهند وروسيا والصين وجنوب إفريقيا)...

ضِمْن هذا المناخ العُدْواني الأمريكي، وقّع 27 عضوًا في الكونغرس، بتاريخ الثلاثين من أيلول/سبتمبر 2022، رسالة تُطالب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين بفرض عقوبات على الجزائر إثر إبرامها صفقات لشراء الأسلحة من روسيا، وعلَّلُوا طلبهم ب"قلقهم بشأن العلاقة المتنامية بين روسيا والجزائر."، وبالمناسبة وسائل الإعلام الأمريكية، التي تحولت إلى ناطق باسم الحكومة الإتحادية الأمريكية، اشترت الجزائر، سنة 2021، أسلحة روسية بقيمة سبعة مليارات دولار، ومن ضمنها طائرات حربية روسية من طراز "سو 57" التي لم تَبِعْها روسيا إلى أي جيش أجنبي، ما يجعل جيش الجزائر ثالثَ أكبر زبون للأسلحة الروسية، بحسب رسالة أعضاء الكونغرس الذين اعتبروا ( خَطَأً ) الجزائر خصْمًا للولايات المتحدة، ما يُوجب فرض عقوبات عليها...

في سوريا، نشر موقع ( The Cradle ) يوم 28 أيلول/سبتمبر 2022، بحثًا بعنوان "تتبع تدفق النفط السوري المسروق إلى العراق " ( Tracking the flow of stolen syrian oil into Iraq )

سيطَر الجيش الأمريكي منذ عدة سنوات على مواقع الإنتاج الزراعي بمحافظة الحسكة وعلى مواقع إنتاج المحروقات (النّفط والغاز ) في مُحافَظَتَيْ دير الزُّور والحَسكة، وأظْهَرَت وثائق عديدة دور الولايات المتحدة في نهب الموارد السورية، من قِبَل تُركيا في منطقة الشمال الغربي وتهريب النفط والحبوب، من قِبَل الولايات المتحدة وحُلفائها من قادة مليشيات الأكراد، إذْ يسرق الجيش الأمريكي وحلفاؤه نحو 80% من إنتاج النفط السوري اليومي ويُهَرِّبُه، بواسطة قوافل من الشاحنات والصّهاريج الضخمة، تحميها الطائرات الحربية الأمريكية، إلى إقليم كردستان العراق الذي تحول إلى منصة تسويق نحو تركيا والإمارات وإيران والكيان الصهيوني الذي كثّف نشاط مخابراته منذ حوالي خمسين سنة بشمال العراق، ويتم تهريب قسم صغير من الموارد السورية إلى البلدات الحدودية العراقية، بتواطؤ مع الجيش الأمريكي الذي يسيطر على الحدود بين العراق وسوريا، ويَفْرِضُ إغلاقها رغم إرادة حُكُومتَيْ البَلَدَيْن، ويُشرف جيش الإحتلال الأمريكي على عمليات التّهريب عبر معابر غير قانونية، تُؤَمِّنُها شركات الأمن الخاصة الأمريكية (مثل بلاك ووتر التي غيرت إسمها إلى "أكاديمي")، وشركات صهيونية، وتمنع الإستخبارات العسكرية الأمريكية الصحافيين والمراقبين الدّوليين ومنظمات حقوق الإنسان من الوُصُول إلى المناطق الحُدُودية، ووَجَب التّذكير أن الجيش الأمريكي لم ينسحب من العراق، بل حافظ على أهم القواعد، وأعاد انتشاره، ويُواصل احتلال العراق تحت غطاء "تقديم المشورة الأمنية والعسكرية للقوات العراقية لمكافحة الإرهاب "



الوجه الثاني للمُسْتَغَلِّين والمُضْطَهَدِين

نضال الطبقة العاملة الأمريكية

قد يختلف الحاكمون في الولايات المتحدة، لكنهم متفقون على جوهر المنظومة الرأسمالية الإمبريالية المُعادية للفُقراء في الدّاخل وللشعوب في الخارج، ولذلك يتفق الحزبان الأمريكيان على تسليح أوكرانيا ومنحها 40 مليار دولار، لكن أعضاء البرلمان وأعضاء مجلس الشيوخ يدَّعُون أنه لا يوجد ما يكفي من المال لإنهاء الفقر والمعاناة الاجتماعية، كما يتفق الطرفان على تدمير العديد من الدول ، بما في ذلك روسيا والصين وإيران وسوريا واليمن وليبيا وفنزويلا، ويتفقان على تسليح أوكرانيا ودعم الكيان الصهيوني وترويض أوروبا.

داخليا، يدعم كلا الطرفين أرباب العمل لتشويه النضالات وعزل المناضلين ورفض مطالب العمال والحفاظ على وتيرة الإنتاج، فيما يعاني العمال والفقراء من الهشاشة وسوء ظروف العمل والمعيشة، وتدني الأجور، رغم ارتفاع إيجار المسكن والأسعار، مع صعوبة الوصول إلى الصحة والتعليم والخدمات...

أما بالنسبة للأثرياء، فالدّولة في خدمتهم، وتُساهم في زيادة ثرواتهم وتوسيع الفجوة الطّبَقِيّة بين الأغنياء والفقراء.

يشير مؤشر التنمية الذي نشرته الأمم المتحدة في تموز/يوليو 2022 أن الولايات المتحدة في المرتبة 41 في العالم، بعد كوبا وقبل بلغاريا، وهما مُصنّفان من الدول "النامية"، إن اللامساواة هامة وهيكلية، ما جعل ملايين الأمريكيين محرومون من الرعاية الصحية والتعليم والأمن الاقتصادي والبيئة الصحية... أدّى توسّع الفجوة الطّبقية إلى مجموعة من موجات الغضب، نفذتها فئات عديدة، وتتناول الفقرات الموالية بعض مظاهر مقاومة الطبقة العاملة، خلال السّنَتَيْن الأخيرتيْن (2021 و 2022)، أي بعد مرحلة انتشار وباء "كوفيد-19"، التي كانت فرصة لتوزيع المال العام على الأثرياء، ما أدّى إلى ارتفاع قياسي لثرواتهم...

إضرابات سنة 2021

"حالات الانفجار هي نتيجة تراكمات المواد القابلة للاشتعال التي تشتعل بشكل دوري فقط تحت تأثير الضغط"، وفقًا للمؤرخ البريطاني إريك هوبسباوم 1917 - 2012.

يتقاضى عشرات الملايين من العمال أجوراً زهيدة رغم الأهمية الإقتصادية والإجتماعية لوظائفهم، ورغم ارتفاع الأسعار وإيجار المسكن وأسعار المحروقات والطّاقة، وأدّى الضغط إلى انفجار تمثّل في موجات من الإضرابات، خلال السنوات القليلة الماضية، نحاول التّطرّق إلى بعضها ومنها إضرابات سنَتَيْ 2018 و 2019 في قطاعي الصحة والتعليم ضد انخفاض الأجور الحقيقية وظروف العمل السيئة، والتي أدّت إلى نتائج إيجابية للموظفين، ما مَثَّلَ حافزًا للعمال في قطاعات أخرى، ففي الربع الثاني من سنة 2021، ارتفعت أرباح الشركات غير المالية إلى مستوى قياسي بَلَغَ 1,8 تريليون دولارًا، بارتفاع نسبتُهُ 70% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2020، سنة انتشار وباء كوفيد-19، بينما بقي العُمّال يُعانون من آثار الوباء ومن الرواتب المنخفضة، وكافح العمال لشهور من أجل تشكيل اتحادات نقابية، إلى أن تمكنوا من تجاوز عراقيل الشركات المُشَغِّلَةن ونفذوا إضرابات من أجل ظروف عمل وأُجُور أفضل، ولم يتم إحصاء عدد الإضرابات وعدد الأُجَراء المُشاركين في الإضرابات، لأن إدارة الرئيس رونالد ريغان قررت سنة 1981، عدم إدراج الإضرابات التي تشمل أقل من ألف موظف، في إحصاء "مكتب إحصاءات العمل"

بدأ التململ يشمل شرائح عديدة، منذ سنة 2020، حيث يحتج العمال غير النقابيين في شركات، ترفض تأسيس نقابات، مثل أمازون وماكدونالدز وإنستاكارت (توصيل الطعام) ونفذوا إضرابات، احتجاجًا على ظروف العمل غير الآمنة والأجور المنخفضة، ومنذ سنة 2021 ، بدأت جامعة كورنيل في جمع المعلومات حول الإضرابات التي لا يتم إحصاؤها، وذلك من خلال البحث في الصحف المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويبقى هذا الإحصاء منقوصًا كذلك، ووفقًا لهذه البيانات الإحصائية (الجزئية)، فإن إجمالي عدد الإضرابات سنة 2021 أعلى بكثير من السنوات الخمس السابقة، خاصة في القطاع الخاص، مثل شركات البيع بالتجزئة أو الترفيه أو ورشات التصنيع، بالإضافة إلى إضرابات العاملين في قطاعات التعليم والصحة والترفيه بحسب صحيفة الغارديان الصادرة في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2021 ...

جاءت إضرابات الفترة 2018-2021 نتيجة تراكم المظالم، مثل تدهور الأجور وظروف العمل والمعيشة على مدى فترة طويلة مما سمح لرأس المال بزيادة الأرباح وتعويض انخفاض معدل الربح بسبب الانهيار الذي حصل خلال الفترة من 2008 إلى 2010.

في العام 2020، كان أكثر من 13 مليون عامل إنتاج يتقاضون أجورًا منخفضة، ولم يتمكّن أكثر من 31 مليون شخص دون سن 65 عامًا من الحصول على تأمين صحي لهم ولأفراد أُسَرِهِم، في أكبر اقتصاد عالمي وأقوى قُوة عسكرية في العالم، وفقًا لمجلة شبكة الجمعية الأمريكية الطبية – أيار/مايو 2021.

أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أن 57% من العمال يعانون من الإجهاد، و 48% قلقون و 22% غاضبون ، "في معظم ساعات اليوم"، بسبب ضُعْف أجر الساعة للعامل العادي في القطاع الخاص، والذي بلغ (سنة 2021) 9,73 دولار في المتوسط، أو ما يعادل قيمة راتب سنة 1989، بينما زادت الأسعار بنسبة كبيرة، كما ارتفعت إنتاجية العمل بنسبة 88% خلال نفس الفترة، بحسب "مكتب إحصاءات العمل" – تشرين الأول/أكتوبر 2021، وبينما يعاني العمال لسنوات من تدني الأجور وعدم وجود مزايا وحوافز، تستمر ثروة الرأسماليين في النمو، وأدّت جائحة كوفيد -19 إلى تضخيم التفاوتات المتراكمة وإبرازها بشكل فاضح، إذ ارتفع عدد المليارديرات في الولايات المتحدة من 614 في آذار/مارس 2020 إلى 745 في تشرين الأول/أكتوبر 2021 أي زمن ذروة انتشار الوباء، وارتفعت ثروتهم المتراكمة من 2947,5 مليار دولار إلى 5019,4 مليار دولار خلال هذه الفترة، وفقًا لدراسة أجراها معهد دراسات السياسة، حيث يعاني العمال من الوتيرة المُرتفعة للعمل بأجور منخفضة، ويُعانون من الضغط ومن العدوى بفيروس كورونا، وحتى الموت، وكان هذا النمو المفرط في الثروات وزيادة الشعور بعدم المساواة سببًا آخر للإضرابات التي حصلت سنة 2021، في العديد من الشركات، منها John Deere، ومصانع شاحنات فولفو، و Frontier Communications (سابع أكبر مزود لخدمات الاتصالات المحلية في الولايات المتحدة) ، وعمال الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، والممرضات والعاملين الصحيين في Kaiser Permanente في كاليفورنيا (واحد وعشرون ألف موظف) إلخ.

إضرابات سنة 2022

تسببت الظروف الاجتماعية السيئة وعدم المساواة الاجتماعية في سلسلة من الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية في جميع أنحاء الولايات المتحدة ، في آب/أغسطس ثم تشرين الأولأكتوبر 2021، وفي أيار/مايو 2022 كان ارتفاع الأسعار وراء نضالات العمال من جميع المهن ومن جميع المناطق الحضرية والريفية، وطالب العمال في بعض شركات ولاية آيوا بزيادة الأجور بنسبة 50% على الأقل للتغلب على التضخم الجامح الذي تلا سنوات من ركود الأجور، وفي ولاية كاليفورنيا، كان عمال شركة Chevron (النفط والبتروكيماويات) مضربين عن العمل لفترة طويلة منذ 21 آذار/مارس ، من أجل زيادة الأجور، ومعظمهم يعمل ويعيش في ريتشموند (خليج سان فرانسيسكو) التي تُعتَبَرُ واحدة من أغلى المناطق في البلاد. كما أضرب حوالي 5000 ممرض في مستشفى ستانفورد في كاليفورنيا في أوائل أيار/مايو 2022 للمطالبة بزيادة الأجور، ونفذ عمال الصحة إضرابات أخرى في مستشفيات ولاية كاليفورنيا، كما صوت ما يقرب من 3500 عامل ألمنيوم في Arconic في أيوا وإنديانا وولاية نيويورك وتينيسي بالإجماع على الإضراب، إذ تحقق الشركة أرباحًا ضخمة، ومع ذلك تُحاول فَرْضَ زيادات تافهة في الأجور، لا تصل إلى معدل التضخم.

رفض 1300 عامل في شركة ديترويت ديزل ( ميشيغان )، التي تصنع محركات للمركبات العسكرية، بأغلبية ساحقة زيادة في الأجور بنسبة 8% على مدى ست سنوات، ونظمت عشرات الآلاف من الممرضات من مينيسوتا وأيوا وواشنطن وتينيسي مسيرات للمطالبة برفع الأجور، وتوظيف المزيد من الإختصاصيين المُؤَهّلين، وتوفير ظروف عمل آمنة...

ارتفع سعر البنزين في الولايات المتحدة، بنسبة 18,3% خلال شهر واحد، من شباط/فبراير إلى آذار/مارس 2022، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 10%، بينما ارتفع سعر الكهرباء بنسبة 32% بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس 2022، وزاد متوسط الإيجار بنسبة 11% خلال نفس الفترة، وارتفعت أسعار الفائدة على الاقتراض إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، مما أدى إلى زيادة عدد حالات التخلف عن السداد على قروض السيارات والعقارات...

في ظل هذا الوضع، ارتفعت طلبات وجبات الغذاء لدى بنوك الطعامن من قِبَل فئة الأسر حديثة الفقر، والعائلات التي لجأت إليها لأول مرة، فضلاً عن مئات الأُسَر من الفئات المتوسطة، ويضطر ملايين العمال في "أغنى دولة في العالم" إلى بيع دمائهم من أجل وجبة الغذاء، حيث تضاعفت تبرعات البلازما أربع مرات منذ سنة 2006، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست في 12 أيار/مايو 2022.

اقترحت معظم الشركات ، مثل Arconic ، و Detroit Diesel ، وصناعة السيارات ، والتجارة (الإضرابات التالية) زيادات أقل من التضخم ، مما تسبب في سخط العمال الذي أَجَّجَهُ تواطؤ القيادات النقابية مع أرباب العمل، فالعمال يواجهون مؤسسات مالية عالمية قوية مدعومة من الحكومات والشرطة والجيش، ولا يمكنهم الحصول على حقوقهم إلا من خلال الاتحاد، وفقًا للمتحدث باسم لجنة عمال CNH (أيوا) المنتخبين عندما اكتشفوا أن ممثل نقابتهم كان فاسدًا ومُرتَشِيًا.

إضرابات أيلول/سبتمبر 2022

أعلن الرئيس جو بايدن في مؤتمر صحفي أن خطوط السكك الحديدية الأمريكية (التي تنقل ما يقرب من 70% من البضائع التي يتم شَحْنها في البلاد) توصلت إلى "اتفاق من حيث المبدأ" مع النقابات، لمنع حدوث إضراب كبير في كامل الولايات المتحدة بنهاية الأسبوع الثاني من أيلول/سبتمبر 2022، وفق بيان نشر على موقع البيت الأبيض، ويتعلق النزاع بالعقوبات التي يتعرض لها الموظفون في حالة الغياب، بما في ذلك الغياب المُبَرّر بشهادة طبّيّة، وأعلن البيت الأبيض أن الإتفاقية تنص على رواتب أفضل وظروف عمل أفضل ورعاية طبية أفضل وفقًا للبيان الصحفي للبيت الأبيض ...

لعب عمال السكك الحديدية دورًا مركزيًا في تنمية الوَعْي وتطوير الصراع الطبقي، منذ القرن التاسع عشر، ويتمتعون بدعم كبير من عمال القطاعات الأخرى، ولهم دور حيوي في نقل السلع الضرورية لتنمية التجارة الدّاخلية، لذلك تدخلت الحكومة الفيدرالية بشكل مباشر لمنع إضراب مائة ألف من عمال السكك الحديدية، لأن الإضراب يُؤَدِّي إلى تعطيل سلاسل التوريد التجارية، قبل أقل من شهرين من انتخابات التجديد النصفي، لكن اللجان القاعدية التي النتخبها العُمال وصفت الاتفاق الذي أعلنه البيت الأبيض والنقابات بأنه "لا يلبي مطالب عمال السكك الحديدية الذين صوتوا بنسبة 99% للإضراب... فالبيت الأبيض يأمل استخدام النقابات لفرض الانضباط على العمال..."، لتتمكن الحكومة من شن حرب في الخارج واستبدال روسيا في سوق الغاز الأوروبية.

صَوّتَ عمال السّكك الحديدية، في اجتماع نظمته اللجنة الأساسية للعمال، على قرار يعلن أن لا حَقَّ للقيادات النقابية التآمر مع الحكومة لإنفاذ عقد لا يلبي مطالب العمال، وتمكنت اللجنة من حشد العديد من العمال لإلغاء الاتفاقية، وتعد حركة العمال القاعديين بالسكك الحديدية جزءًا من حركة بدأت تتوسّع منذ سنة 2018، للتنديد بالقيادات النقابية المتواطئة، مقابل بعض المزايا التي يمنحها أرباب العمل.

إضراب المُمرضات:

في أيلول/سبتمبر 2022، نظمت الممرضات في مينيسوتا وويسكونسن أضخم إضراب لممرضات القطاع الخاص في تاريخ الولايات المتحدة، حيث طالب 15 ألف عامل بمستشفيات الولايتين بظروف عمل أفضل وزيادة الأجور بنسبة 27% فقد أصبح الموظفون منهكين من العمل ويكافحون غلاء الأسعار وفق بيان جمعية الممرضات في مينيسوتا التي أعلنت إن الممرضات مثقلات بالعمل ، والمستشفيات تعاني من نقص في الموظفين، والمرضى مثقلون بأكثر من طاقتهم.

وتجمع الموظفون خارج بعض المستشفيات البالغ عددها 16 مستشفى مع لافتات تحمل رسائل مثل "المرضى قبل الأرباح".

إضراب كايزر:

يستمر الإضراب من قبل ألْفَيْن من مقدمي خدمات الرعاية الصحية العقلية في مؤسسة ( Kaiser Permanente ) في كاليفورنيا للأسبوع السابع، بعد انهيار المفاوضات التي استمرت عدة أسابيع، ويتم تجديد التصويت على الإضراب كل أسبوع، لزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل ورعاية المرضى من خلال توظيف المزيد من المعالجين، وتم دعم المضربين من قبل زملائهم من الممرضات ومقدمي الرعاية من عدة ولايات...

تُعتبر مؤسسة (Kaiser Permanente ) إحدى عمالقة مقدمي الرعاية الصحية الأمريكيين "غير الربحيين"، وتضم 39 مستشفى و 700 منشأة طبية و 9,4 مليون "عضو" ( أي زبون) يُسدّدون اشتراكًا دوريا، مقابل خدمات صحية، والمؤسسة عبارة عن شبكة رعاية تضم المستشفيات والمراكز الصحية ونظام التأمين، وبلغ حجم إيراداتها حوالي 89 مليار دولار سنة 2020، وتمثل جمعية مقدمي الرعاية التي نظمت الإضراب، فَنِّيِّي الصحة العقلية والأطباء وعلماء النفس والعمال والممرضات النفسيين ومستشاري العلاج الكيميائي...

حرب طبقية في الدّاخل وحرب امبريالية في الخارج

اتفقت كل من الأحزاب السياسية والقادة النقابيين على معارضة نضالات الطبقة العاملة، لأن الحزبَيْن الديمقراطي والجمهوري، هما حزبا الطبقة الحاكمة ويدافعان عن النظام الرأسمالي المُؤَسَّس على أساس استغلال الطبقة العاملة، دفاعًا عن مصالح وإيرادات وأرباح لأقلية من الأثرياء في الأوليغارشية المالية والشركات، ولذلك يتم إنفاق مئات المليارات من الدّولارات لدعم الشركات، ولشن الحروب العدوانية، ومنها حرب أوكرانيا، وهي مثل أي حرب، تسبب العديد من الضحايا، ويستفيد منها مُجمّع الصناعات العسكرية الأمريكية، وشركات رايثيون ولوكهيد مارتن وبوينغ ونورقروب غرومن (Raytheon و Lockheed Martin و Boeing و Northrop Grumman…)، وهذه الحرب ليست بين أوكرانيا وروسيا ، ولكن بين الناتو (بقيادة الولايات المتحدة) وروسيا، ويعتبَرُ الفلاحون والمواطنون الأوكرانيون هم من أكبر الخاسرين، بالإضافة إلى السكان الروس، ويتم التضحية بالشعب الأوكراني، باستخدام ضرائب الشعوب الأمريكية والأوروبية التي تستثمر بعشرات المليارات من الدولارات في تصنيع واستخدام أسلحة الدمار الشامل، فيما تضطر الشعوب الأوروبية إلى استخدام الغاز الصخري الأمريكي، وهو أغلى ثمناً وأقل جودة من الغاز الروسي.

أصبحت الولايات المتحدة تَحُل محل المنظمات الدولية (بما في ذلك الأمم المتحدة) وجعلت القوانين الأمريكية تعلو على القانون الدولي، لِيُقرّر الكونغرس الأمريكي "عقوبات" ضد كوبا أو إيران أو فنزويلا أو سوريا أو روسيا أو الصين، فتصبح الدول الأخرى مجبرة على أن تحذو حذوها، لأن العملة الأمريكية تهيمن على التجارة والنظام النقدي الدولي. كانت هذه "العقوبات" ضد روسيا فرصة ذهبية تم توفيرها لاحتكارات الأعمال التجارية الزراعية الأمريكية والأوروبية والأسترالية، إذ يمثل القمح الروسي والأوكراني حوالي 30% من صادرات القمح العالمية، وعطلت الحرب حركة التجارية، فاستغلت احتكارات الأعمال الزراعية الوضع لِرَفْع أسعار حبوب وقمح الموسم الماضي، وهذا يفاقم الفقر ونقص التغذية والمجاعة في بلدان فقيرة عديدة...

تجري حرب الناتو هذه على حدود روسيا، وهي حرب طبقية ضد الفقراء في أوكرانيا وروسيا وجميع أنحاء العالم، وضحّت الولايات المتحدة بشعوب أوكرانيا والإتحاد الأوروبي، إذ أصبحت أوروبا تُعاني من الرّكود الإقتصادي ومن ارتفاع الأسعار، ويُسدّد المواطنون الأوروبيون ثمنًا باهضًا مقابل انحياز حكوماتهم لسياسة الولايات المتحدة. أما بالنسبة لشعوب الدول الفقيرة (العالم الثالث) ، فإن بقاءها على المحك، نظرًا لارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والأدوية...

استفادت من هذه الحرب شركات النفط (بي بي أو شل أو إكسون موبيل أو شيفرون أو تاتال إنرجي) التي دفعت الأسعار إلى الارتفاع وحققت أرباحًا قياسية. كما استفادت المصارف الروسية من الحرب والحصار، حيث بلغ الروبل (عُملة روسيا) أعلى مستوى في خمس سنوات، وأعلنت شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" عن زيادة أرباحها بنسبة 100% خلال النصف الأول من سنة 2022.

إنها بالفعل حرب عالمية طبقية ضد كل الفقراء، ولم يشهد العالم سوى بعض المظاهرات القليلة، احتجاجًا على الحرب، لأن معظم المنظمات أو حركات اليسار في أوروبا وأمريكا الشمالية وفي الدول الأعضاء في الناتو تدين، في غالبيتها، "روسيا الشّرّيرة" وتدعم "الأوكرانيين المساكين"، سواء كانوا فُقراء أو عاملين، أو كانوا ينتمون إلى المليشيات النّازية.

كل الحروب هي حروب طبقية، يموت خلالها الفقراء، من أجل زيادة أرباح الأغنياء، وخصوصًا من مالكي أسهم شركات الأسلحة والطاقة، في بيئة غزتها الشوفينية والعنصرية، حرب تتم إدارة الدّعاية لها من قِبَلِ وسائل الإعلام المملوكة لشركات مثل ريثيون أو داسو (طائرة رافال)، أو إكسون أو شل ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران