الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوركيس عواد..المفهرس والمحقق الثَبت.

شكيب كاظم

2022 / 10 / 10
الادب والفن


يعد الباحث الأستاذ كوركيس عواد (1908-1992)- رحمه الله-، من قلة قليلة اهتموا بعِلْمين قد لا يتأتيان إلا لمن وُهِب مزية المصاولة والمطاولة والتنقيب والتنقير في بطون المصنفات والمظان، وحمل الجذاذة في الجيب حتى لا تكاد تفارقه، كي لا تشرد واردة، ولا تذهب عن الخاطر شاردة، والإنسان نسّاء جُبِل على السهو والنسيان، وثمة من اللغويين من ينسبون الإنسان إلى النسيان، فكوركيس عواد من قلة اهتموا بعلم الفهرسة، ولعله كان رائداً من روادها في الزمن العراقي الحديث، ليتوالى رهط المفهرسين الأفذاذ، وفي الذاكرة الراحل الدكتور صباح نوري المرزوك، وحاتم صالح الضامن، والأستاذ حسن عريبي الخالدي، ألذي يعكف على إنجاز مصنف العمر.
وكان إلى جانب الفهرسة، اهتمام بالتحقيق؛ تحقيق المخطوطات، وذلك لَعَمْري جهد تنوء به العصبةُ أولو الأيْد والقوة، وإذ كُنتُ أصف الأستاذ هلال ناجي- رحمه الله- برأس مدرسة تحقيق المخطوطات في العراق، لما حقق واستدرك وعقب وصوّب، ولاسيما ما كان ينشره في مجلة (الكتاب)؛ لسان حال اتحاد المؤلفين والكتاب العراقيين، حتى إلغاء الإتحاد وغلق مجلته سنة ١٩٧٥، ولقد كان إلى جانب الشاعر هلال ناجي رعيل رائع في علم تحقيق المخطوطات، ألذي أخذناه عن المستشرقين، فلهم الفضل الأوفى في النشر الأول لمخطوطاتنا التي ظلت ثاوية في مكتباتهم، ولهم الفضل في تمهيد السبيل إلى معرفة هذا العلم، ألذي يحتاج إلى أناة وصبر ،لتنتج هذه المدرسة العراقية رهطا مُجيدا من أساطين المحققين: مصطفى جواد، وأستاذي علي جواد الطاهر، وأستاذي يحيى الجبوري، ومحمد عبد الجبار المعيبد، وحاتم صالح الضامن، ومهدي المخزومي، وإبراهيم السامرائي، وأستاذي أحمد مطلوب، وعقيلته خديجة عبد الرازق الحديثي، ونوري حمودي علي القيسي، ومكي السيد جاسم، ومحسن غياض عجيل، والأستاذ عبود الشالجي...
قُلتُ: لقد اهتم الباحث كوركيس عواد بالفهرسة وتحقيق المخطوطات، فضلاً عن كتابة المقالات والدراسات، التي أخذت مكانها اللائق بها في المجلات المتخصصة، إنه يرغب في النشر بالمجلات، مع أنه نشر في الصحف ولاسيما(البلاد) لصاحبها ومنشئها الأستاذ روفائيل بطي، وأرى أن السبب في ذلك، يعود إلى أن المجلة أكثر بقاء وديمومة من الصحيفة اليومية، التي لا تمكث في الباصرة سوى سويعات قليلات، إن المجلة تبقى مثل بقاء الكتاب، في حين عرف عن المصريين رغبتهم بالنشر في الصحف اليومية، لكثرة قرائها، وكثرة عدد المطبوع منها. فنشرت له مجلات(سومر) و(الرسالة) و (المقتطف) و(الرابطة الأدبية) في النجف و(المجمع العلمي العربي) بدمشق، و(المجمع العلمي العراقي)، فضلاً عن مجلة (المورد) التراثية الفصلية، نُشِرَت دراساتُه التي نافت على المئتين وخمسين، أحصاها الأستاذ الباحث الكبير حميد المطبعي- رحمه الله- في مقابلته الطويلة مع الأستاذ كوركيس عواد، والتي نشرها أولاً في جريدة (الثورة) ثم أعاد نشرها بكتاب عنوانه (كوركيس عواد) صدر عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة ١٩٨٧، في ضمن سلسلة (موسوعة المفكرين والأدباء العراقيين)، وهي دراساته التي نشرها منذ سنة ١٩٣١، وحتى سنة ١٩٨٤؛ تاريخ المقابلة المجراة مع الأستاذ كوركيس عواد.
لقد نذر الباحث المفهرس المحقق كوركيس عواد نفسه وحياته ووقته للكتابة والكتاب، لذا حقق ونشر أربعة وسبعين كتاباً على مدى نصف قرن من الزمان بدءا بسنة ١٩٣٤، وصولاً إلى سنة ١٩٨٤، أولها (أثر قديم في العراق. دير الربان هرمزد بجوار الموصل) طبع بمطبعة النجم بالموصل سنة ١٩٣٤م، وآخرها كتاب (فهارس المخطوطات العربية في العالم) ويقع في مجلدين، طُبعا في دولة الكويت سنة ١٩٨٤، في نحو تسع مئة صفحة، وله أحد عشر كتاباً، لم يتيسر له طبعها، أولها (ذكريات ومشاهدات) وآخرها (بغداد في مؤلفات الجغرافيين العرب القدماء).
قلت: لقد نذر نفسه للكتاب، وشُغل به عن سفساف الحياة وبهرجها الزائل، إذ لن تبقى وراء الإنسان سوى ذكراه، وما خطت يداه، وما خطته يدا كوركيس عواد، وفير ونافع ورصين، لقد كان من الممكن لولا بذرة الخلود الكامنة في نفس كوركيس عواد؛ لقد كان من الممكن أن يُمضي سنوات العمر معلما في قرية القوش، أو في بعشيقة، ويطوي الردى ذكره كما طوى ذكر الملايين، لكن الشاب الموهوب الناذر نفسه للبحث، أخذ طريقه نحو الذيوع والخلود.
وإذ يعابثه الراحل حميد المطبعي ويشاكسه، ويحرجه بأسئلة، محاولاً انتزاع جواب، لكن كوركيس عواد عَفّ اللسان طيب الجَنان، لا يأتي جوابه إلا عفيفاً طيبا غير ذاكر أحدا بسوء، وأمثلته أمثلة، "قلت له: أنت عرفت كُتّاباً، ورأيت منهم من يسعى لشهرة، ولغرض الشهرة.
قال: ليس لي من إجابة على هذا السؤال.
وقلت: لماذا يكره كتّابُنا النقد الذي يقال عنهم؟
قال: لا أملك جوابا على هذا السؤال.
وقلت وقلت أكثر مما تتصور.. لكنه كان يصمت بأمثلة حساسة، وفي يوم أرهقته، حتى يقول شيئاً في النقد ألذي ترغب فيه فئة من الكتاب والقراء، فلم يقل ولم يقل.. حتى استشاط، وهو من غير طبعه أن يستشاط، وقال: كيف تريدني أن أقول رأياً في كتاب أنا أعمل معهم.. وكان واثقا من نفسه.. ثقته عالية بأعماله ونفسه وتأريخه..".
حاشية
......................................................
الحديث ألذي قرأته في ندوة استذكار المفهرس المحقق الراحل كوركيس عواد، التي عقدها بيت المدى للثقافة والفنون بشارع المتنبي من رصافة بغداد، ضحى يوم الجمعة ١٤ من شهر محرم الحرام عام ١٤٤٤هج= ١٢ من شهر آب/ أغسطس سنة ٢٠٢٢م، وأدارها الباحث رفعة عبد الرزاق محمد وتحدث فيها: الدكتور عبد الهادي فنجان الساعدي، وحسن عريبي الخالدي، وبكر الراوي، وزين الدين أحمد النقشبندي، وشكيب كاظم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج المغربي جواد غالب يحارب التطرف في فيلمه- أمل - • فران


.. الفنان أحمد عبدالعزيز يجبر بخاطر شاب ذوى الهمم صاحب واقعة ال




.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر