الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين، حيث تلتقي كل الطرقات

نيل دايفدسون

2022 / 10 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


التطور المتفاوت والمركب: الصين، حيث تلتقي كل الطرقات

Door of Harmony (1957) – José de Almada Negreiros
الفصل الخامس من كتاب التطور المتفاوت والمركب: الحداثة، الحداثوية الثورة للكاتب نيل دايفدسون، الصادر عام 2017، والمنشور باللغة الانكليزية في موقع الاشتراكية الثورية في القرن 21

1. الصين في النظام العالمي النيوليبرالي

كانت حجتي في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب أن التطور المتفاوت والمركب ليس مجرد ظاهرة عالمية تحت ظروف الحداثة الرأسمالية، إنما هي ظاهرة مستمرة لن تتوقف إلا عندما يخرج آخر فلاح من أرضه باتجاه العمل والعيش في المدينة. من المحتمل أن المحرقة النووية، أو الانهيار البيئي أو حتى الثورة الاشتراكية أن تكون قد حصلت قبل تحقق ذلك: هو مسار لن ينتهي ما دامت الرأسمالية مستمرة. في الجزء الأخير من كتابي سأختتم مناقشتي بالعودة إلى بلد حيث ظهرت عدة نقاط خلال النقاش خاصة في الجزئين الأول والرابع، والذي يشهد حالياً تطوراً متفاوتاً ومركباً بأشد أشكاله.


كانت الصين الدولة الأولى خارج روسيا التي حاجج تروتسكي أن الثورة الدائمة ممكنة فيها. وكما في الحالة الروسية، كان ذلك بسبب مسار التطور المتفاوت والمركب الذي أنتج- من بين عدة أمور- طبقة عاملة صغيرة نسبة إلى عدد السكان، ولكنها تمتلك درجات استثنائية من الكفاحية الثورية. حتى التغييرات الدراماتيكية التي حصلت في الصين خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين فقد سيطر عليها التطور المتفاوت والمركب، والذي استؤنف عام 1978، عندما بدأ الحزب الحاكم بإعادة إدخال الصين في الاقتصاد العالمي.

جرى تفسير التحول الحاصل في الصين من خلال عدة طرق. بالنسبة للمعلقين البرجوازيين، مثل إيان بريمر، ربما يمثل هذا الشكل الأكثر تقدماً للانتقال إلى ما يعتبره رأسمالية دولة، والتي يعرفها على أنها “ليست عودة للتخطيط الاشتراكي المركزي في حزمة القرن العشرين” إنما على العكس “هي شكل هندسة بيروقراطية للرأسمالية خاصة بكل حكومة تمارسها” و”حيث تمارس الدولة الهيمنة على الأسواق بالدرجة الأولى لتحقيق مكاسب سياسية”. (1) رغم ذلك، إن معظم المعلقين اتخذوا وجهة نظر أخرى معاكسة تماماً. بما خص كريستيان كاريل، إن التاريخ الذي بدأ به “عصر الإصلاح” يعني أنه يجب اعتباره واحداً من 5 لحظات تأسيسية لعصر تاريخي جديد:

“القوى التي أطلقت عام 1979 مثلت بداية نهاية اليوتوبيا الاشتراكية العظيمة التي هيمنت على جزء كبير من القرن الـ 20. القصص الخمس هي: الثورة الإيرانية- بداية الجهاد الأفغاني- انتصار تاتشر الانتخابي- أول رحلة حج للبابا إلى بولندا- إطلاق الإصلاحات الاقتصادية الصينية- حرفت مجرى التاريخ جذرياً باتجاه جديد. عام 1979، عادت القوى المزدوجة للأسواق والدين، بعد كبحها لفترة طويلة، وقد عادت الآن للانتقام”. (2)

بالنسبة إلى دايفيد هارفي، إن “قوة الأسواق” هي أكثر أهمية، لدرجة أنه يرى أن الإصلاحات الصينية هي عنصر أساسي في التحول النيوليبرالي العالمي. (3) أنا أتفق أن الصين هي حالياً جزء من النظام العالمي النيوليبرالي، ولكن لم يكن هذه هي نية قيادة الحزب عندما أطلقت البرنامج الإصلاحي، والذي لم يسبق فقط تعزيز النيوليبرالية، إنما انتخاب تاتشر وريغان هو الذي حدد أشكالها الأولية. جرى تجميع المكونات الأساسية للنظام النيوليبرالي ضمن حزمة متماسكة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بواسطة الطليعة النيوليبرالية خلال ولاية مارغريت تاتشر والنيوليبرالية الاجتماعية خلال حقبة طوني بلير. (4) هذه الأشكال كانت الأكثر تقدماً، ولكن تحديداً لم تكن بالضرورة الأكثر نموذجية للظاهرة، كما أنها لم تكشف بالضرورة عن الشكل المستقبلي للتطور في أماكن أخرى بالعالم، حيث عززت النيوليبرالية التفاوت المتأصل في الرأسمالية بدلاً من الحد منه. لكن عصر النيوليبرالية، مثل عصر رأسمالية الدولة (بالمعنى الماركسي وليس المعنى البريميري) الذي سبقه، قد احتوى على مجموعة من المواقف المختلفة، بعضها أكثر تطرفاً من بعضها الآخر.

في الواقع، وكما أشار بوب جيسوب، لطالما تميزت النيوليبرالية بالتمايز المكاني الذي تعمل فيه العديد من أشكالها في وقت واحد. يتضمن تصنيفه أربع لحظات محددة جغرافياً، كل واحدة منها تعكس انعدام المساواة المهيكلة للنظام الرأسمالي العالمي. شكلان منها موجودة في الرأسماليات المتقدمة بالغرب. الأول يتعلق بتحولات النظام النيوليبرالي، وقبل كل شيء في العالم المتحدث باللغة الانكليزية، سواء الاشتراكية الديمقراطية أو الليبرالية الديمقراطية من الناحية السياسية، والكينزية في الإدارة الاقتصادية، والفوردية في التنظيم الصناعي- حيث استبدلت خلال فترة هيمنة الأحزاب المنتمية إلى اليمين الجديد. شمل الثاني تعديلات على النيوليبرالية، على سبيل المثال الدول الاسكندنافية ودول حوض الراين، حيث أجريت تعديلات جزئية على النيوليبرالية مع الاحتفاظ ببعض العناصر من الفترة السابقة. تضمن الثالث تحولاً نيوليبرالياً في الدول الستالينية السابقة في روسيا وأوروبا الشرقية، وبشكل أقل في دول جنوب شرقي آسيا، حيث تحولت اقتصاديات رأسمالية الدولة الموجودة (على الرغم من أن جيسوب يفضل تسميتها “دولاً اشتراكية”) حيث كان التحول بدرجات متفاوتة من صدمة وتطرف النموذج الرأسمالي الغربي المتعدد الجنسيات. تضمن الشكل الرابع إصلاحات بنيوية نيوليبرالية في الجنوب العالمي، التي هي جانب من جوانب الامبريالية المعاصرة التي مارستها المؤسسات التي يهيمن عليها الغرب مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. (5) بهذا المعنى كانت التجربة الصينية قريبة من الشكل الثاني، حتى لو أنها كدولة ومجتمع لديها قواسم مشتركة مع الشكل الثالث من الدول.

وبذلك، كان الاعتماد الأولي لحلول السوق أبطأ وأكثر حذراً مما يبدو في الماضي. كما أشار كلاوديو كاتز:

“بين عامي 1978 و1992، كان هذا المسار [أي انتقالها إلى الرأسمالية- الملاحظة من الكاتب] محدوداً بسبب هيمنة نموذج الإصلاحات التجارية التي كانت خاضعة للتخطيط المركزي. بموجب هذا المخطط جرى تحويل الكومونات الريفية إلى وحدات صناعية زراعية يحركها مبدأ الربح، ولكن من دون الانتقال إلى الخصخصة الشاملة. ظهر المدراء المتمتعون بسلطة لإعادة تنظيم المصانع، ولكن لم يتمتعوا بالقوة لفرض طرد جماعي للعمال أو بيع المصانع… تحقق التحول إلى الرأسمالية في بداية الـ 1990ات، بدءا من الخصخصة التي أجراها المدراء السابقون لمؤسسات الدولة بغرض تشكيل طبقة رأسمالية. جرى تحويل هذه المجموعة إلى المستثمرين الأساسيين في الشركات الجديدة. كما جرى تسريع التراكم الأولي من خلال استغلال المنتجين الزراعيين. (6)

الآن، من المهم عدم “ليّ العصا” كثيراً رداً على الروايات المبالغ بها عن مدى التحول الفوري بعد عام 1978. حدد نيغل هاريس في بداية العام 1986 مسار الأمور: “التغيرات في جمهورية الصين الشعبية- بيع الشركات العامة إلى مساهمين من القطاع الخاص، خصخصة الإسكان والاستشفاء، فتح القطاعات أمام مشاريع مشتركة تنافسية مع الشركات الأجنبية- لم تكن ملحوظة فقط بسرعتها التي جرى إدخال التغييرات والتناقض مع التاريخ الصيني، كان الصينيون جزءاً من عودة عالمية للرأسمال الخاص في العالم” (7) ما يمكن للمرء قوله هو إنه في وقت قادت النيوليبرالية عملية تفكيك الصناعة في الغرب، قادت الصين إلى عملية لا سابق لها من التصنيع، وهذا ما سنتناوله الآن.

2. ثلاثة جوانب من التطور المتفاوت والمركب في الصين المعاصرة

كما أشرت في بحث سابق، والمنشور في أواسط الـ 2000ات، إن كل شيء تقريباً يكتبه المرء عن الصين يصبح قديماً قبل خروجه من المطبعة، ولكن من الممكن تمييز استمرارية الأشكال السابقة للتطور المتفاوت والمركب. (8) هنا، أود مناقشة بشكل موجز ثلاثة أمور: انعدام الاستقرار الناجم عن تدفق النازحين الريفيين إلى المدن؛ واقع مقاومة الطبقة العاملة والتنظيم الذاتي؛ وقدرة الدولة على “احتواء” حالات انعدام الاستقرار هذه.

أ. النزوح الريفي

كما حصل بعد الحرب العالمية الأولى، حصلت موجة تدفقية هائلة للعمال إلى المدن، ولكن باتت الآن على مستوى أعلى بكثير. العديد من هذه المدن لم تكن موجودة ، كما رأينا في الجزء الرابع، إنما بنيت فقط بهدف إنشاء المصانع ومراكز التوزيع الجديدة. في السابق نظم نظام تسجيل الأسرة أو نظام هوكو للحد “من النزوح من الريف إلى المدينة”، وذلك كجزء من العملية التي جرى خلالها “تقليص من نمو المدن”: “ضمن المدينة الماوية، جرى تشكيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي إلى وحدات خلوية متكررة من الكومبوندات الدانوية (مراكز العمل)” (9). وليس تحليلاً زائداً القول إنه على مستوى لاوعي ماو الذي عرف أنه مع تنامي المدن يمكن أن يتشكل تغييراً اجتماعياً يمكن أن يشكّل خطراً على حكم حزبه. (10)



رغم ذلك، حصلت تغييرات منذ عام 1991 وخاصة في تكوين السكان النازحين والعلاقة بين النازحين الجدد ونقطة منشئهم. المناطق الثلاث العظمى للتصنيع النيوليبرالي هي دلتا نهر اللؤلؤ، ودلتا نهر يانغتزي وما يمكن تسميته ممر بكين-تيانجين. لاحظ ريتشارد والكر ودانيال بوك: “هناك 3 طرق أساسية نحو البلترة في الصين: بدءا من الريف الزراعي، ومن الشركات الحكومية المنهارة في المدن، ومن خلال تفكيك مؤسسات القرى السابقة”. (11) تشكلت القوى العاملة الجديدة بكل تأكيد من هذه المجموعات، ولكن كان لها علاقة مختلفة مع الطبقة العاملة. المجموعة الثالثة التي ذكرها والكر وباك، الموظفون في شركات الدولة، كانوا بالتأكيد جزءاً من “البروليتاريا” في وظائفها السابقة، وذلك لأننا لا نوافق على الرأي الغريب القائل بأن العمال الذين توظفهم الدولة لا يعتبرون “عمالاً”. في الواقع، يشبه مصيرهم مصير العمال في الشركات المخصخصة في الغرب، على الرغم من أن العمال الحكوميين يتمتعون بحماية اجتماعية وضمانات وظيفية أفضل إلى أن جرى تفكيكها خلال الـ 1980ات والـ 1990ات.

المجموعة الثالثة، العمال في الريف والشركات القروية والتي دعمت البنية التحتية والتعاقد من الباطن مع الشركات المملوكة من الدولة، احتلت موقعاً أكثر تناقضاً. كانت هذه تقع من دون شك في “الريف الزراعي” ولكن كما يقترح والكر وبوك، شغل موظفوها موقعاً انتقالياً، لأنهم فلاحون سابقون “محميون اسمياً من التزامات الحكومة المحلية”. مع ذلك، حيث جرى حل العديد من الشركات المملوكة من الدولة بحث الناجون عن أرخص مقاولين من الباطن، فوقعت الشركات القروية في أزمة، الأمر الذي أدى إلى التخلص من أغلب العمال الذين جرى تحويلهم إلى “بروليتاريا تخضع لقوة السوق بالكامل”، وهي تجربة أحسن الكاتبين بوصفها بـ”تحول ماركس من العمالة “الرسمية” إلى استيعاب “حقيقي” للعمالة”.

أخيراً، خضعت المجموعة الأولى، الفلاحون الحقيقيون، لعملية بلترة كلاسيكية: “النزوح الريفي إلى المدن كان واسعاً، حيث بلغت أعدادهم بحلول 2007 حوالي 120 مليون نسمة منذ عام 1980- أكبر نزوح في تاريخ العالم”. (12)

خلال الـ 1920ات، كان النازحون يهدفون إلى الانتقال بشكل دائم، ولكن ذلك لم يكن هو الحال بالضرورة خلال 1980ات و1970ات، كما فسر كيفين لين:

“كان الجيل الأول [من العمال النازحين] من المزارعين الذين دفعهم الفقر الريفي وجذبهم الاقتصاد المُدني المزدهر، للنزوح إلى المدن الصينية خلال الـ 1980ات. كانت رواتبهم في المدن قليلة ولكنها كانت أعلى من مداخيلهم في الريف. بالنسبة للشابات، حقق العمل في المصانع والعيش في المدن نوعاً من الحرية. ولكن أدى نظام تسجيل الأسر والجذور الريفية إلى عودة الجيل الأول من العمال النازحين إلى قراهم. (13)

كانت هذه الهوية “المزدوجة” ممكنة لأن الدولة تحتفظ بنظام ملكية الأراضي الذي يسمح لأفراد العائلة بالعمل في الصناعة المُدنية مع الاحتفاظ بالروابط مع الحيازات الصغيرة. كان أحد العوامل الذي ساعد على تهدئة التوترات التي كانت ستتراكم بشكل لا يمكن السيطرة عليه في المدن، وهو الرابط الذي استمر بين العمال والريف، سواء كمكان لجوء في فترات البطالة أو عدم دفع الأجور، أو لتأمين مصدر معيشة من الزراعة:



“المزرعة العائلية هي التي منحت العامل النازح بديلاً عن المزايا التي لا يحصل عليها من العمل في المدينة، إضافة إلى الأمان في فترات الانقطاع عن العمل أو البطالة أو الشيخوخة، في حين يساعد العامل نفسه على استكمال الأجور المنخفضة لأفراد الأسرة المساعدين والمنخرطين في الزراعة في الأراضي الصغيرة ذات المردود المنخفض. وطالما بقي فائض كبير من العمالة في الريف، إن الظروف البنيوية لهذه الوحدة الاقتصادية العائلية الجديدة التي تقوم على عملين- عمل العامل النازح والعمل الزراعي- هي التي ستسيطر”. (14)

على العكس من ذلك، إن الجيل الجديد من العمال النازحين، الذين ولدوا خلال الـ 1980ات والـ 1990ات، والذين يشكلون 58 بالمئة من العدد الإجمالي، كانت روابطهم أضعف بالريف:

“أغلبهم، كالجيل الأول، جاؤوا مباشرة من المزارع والمدن الصغيرة، لكن نسبة ضئيلة منهم ولدت أو ترعرعت على يد أهلهم النازحين من الجيل الأول. بشكل عام كان ارتباط هذه المجموعة بالريف أضعف، وهم أكثر تعوداً على الحياة المُدنية”.

مع ذلك، هذا لا يعني أنهم توقفوا تماماً عن تعريف أنفسهم بأنهم فلاحون أو أبناء المناطق الريفية:

“يعيش هؤلاء العمال النازحون في مأزق اجتماعي حيث لا يعتبرون أنفسهم مُدنيين ولا ريفيين، وتتعارض إقامتهم المُدنية وتطلعات الشباب مع الحواجز الاجتماعية والمؤسساتية التي تحول دون إقامتهم الدائمة”. (15)

هناك بالطبع جانب مجندر للوضع الذي يجد النازحون أنفسهم فيه. يشير العمل الميداني للباحثة جوليا شوانغ بين العاملات النازحات في مناطق تجهيز الصادرات إلى أنهن أكثر احتمالية أن يعدن إلى قراهن من الرجال، ويعود ذلك إلى الضغط عليهن من إناث الأسرة: “بعض النساء الأكبر سناً في فامينغ يتوقعن من النساء النازحات أن يتمسكن بالقيم والتقاليد حتى عندما يتعرفن على القيم المُدنية الحديثة في مناطق إقامتهن الجديدة”. (16)

لا تتعلق الضغوط بالتمسك بالتقاليد فقط، إنما هي وسيلة للتعامل مع موضوع عملي: الغياب الفعلي- وبعد تقريباً 70 سنة من “الشيوعية”- لدولة الرعاية الاجتماعية وما ترتب على ذلك من اعتماد على النساء لتأمين أو على الأقل الدفع لقاء الدعم:

“في المجتمعات المرسلة [للنازحين]، تواجه النساء عائقاً مزدوجاً: يتوقع منهن دعم أزواجهن المنخرطين بموجات نزوح خطرة أو معرضة للخطر؛ ومن المتوقع منهن التفاوض مع أزواجهن لتوجيه جزء من المداخيل لرعاية أهاليهم/ن المسنين/ات المفتقرين/ات للرعاية أو الدعم الاجتماعي”. (17)

واحدة من اللواتي قابلتهن شوانغ (“الزهرة الذهبية”) من قرية فامينغ في مقاطعة سيتشوان هي نازحة مؤقتة إلى المدينة قبل زواجها:


“لكن الزهرة الذهبية استاءت من الصفقة المتفاوتة التي جسدها الزواج. رأت أن العمل المنزلي هو شكل من أشكال العبودية، لا يطاق خاصة مقارنة مع الحياة التي عرفتها خلال نزوحها. وقد تخيلت مستقبلها القريب: “في النهاية سأكون لوحدي أرعى الخنازير في القرية خلال وجوده في المدينة للعمل. على الأقل يمكنه الخروج والعمل، والحصول على حياة حقيقية في المدينة”. (18)

ما هو الوضع الذي يواجهه النازحون في مراكز العمل في المدن؟ يحاجج تشينغ كوان لي ما يحصل في كل المجالات إنها “أشكال من الاستبداد غير المنظم” المتضمن اعتماد العمال على الإدارة لتأمين معيشتهم، والسلطة الإدارية تفرض إجراءات قسرية بهدف الرقابة على العمال، ويتخوف العمال من هذه الرقابة لأنها تعني المزيد من الانتهاكات لهم ولمصالحهم وحقوقهم، وما يتغير هو “الدرجات المتفاوتة” من هذا الاستبداد الذي يمكن أن يمارس في “الشركات الصناعية أياً يكن نوع ملكيتها”:

“مثلاً، تعود ساعات العمل الطويلة بشكل عام وعمليات التشغيل المكثف في الشركات الخاصة أكثر من الشركات الحكومية إلى حجم وطبيعة الطلبات المطلوبة منهم، وليس بسبب اختلاف نوع السلطة في الإدارة وضرورة الانضباط في هذين النوعين من الشركات”. (19)

كذلك، إن العمال النازحين، الذين يسمون باللغة الصينية بـ “العمال الفلاحين” (نونغمينغونغ)، ينظر إليهم على أنهم غير متعلمين ومفتقرين للثقافة بشكل عام من قبل العمال القاطنين في المناطق المُدنية، وهم بطبيعة الحال مستاؤون من هذا التنازل: من الواضح أن ذلك يشكل عائقاً أمام وحدة الطبقة. أعلن الاتحاد العمالي الرسمي، اتحاد نقابات عمال الصين، أنه يتحمل مسؤولية “تمثيل” العمال النازحين فقط في سنة 2003. ونظراً إلى أن الاتحاد العمالي هو أداة بيد الدولة للمراقبة والإدارة، فإن ذلك يعد نعمة مختلطة، إنما على الأقل هي استجابة لواقع نضالية العمال النازحين. (20)

ب. مقاومة العمال

إن واقع أن العمال النازحين يميلون للعمل في القطاع الخاص وبالتالي يتعرضون لظروف قاسية مهيمنة هناك، إلى جانب تراجع الريف الأمر الذي يعطيهم حجة للهروب، مهما كانت مؤقتة، قد يكون قد ساهم بكونهم الأكثر نضالية من العمال في القطاع الحكومي. حيث كانت المشاكل المتمثلة بالطرد وإغلاق أماكن العمل تشكل مسألة مركزية. لا ينعكس الاختلاف النسبي في درجات النضالية بالضرورة في الإطار التوضيحي الذي يسعى العمال الصينيون من خلاله إلى فهم وضعهم. إذا كان من شيء، فإن بحث لي قد وجد أن أولئك الذين ما زالوا يعملون في القطاع الحكومي يدينون لمضطهديهم “بالإطار المعرفي “للطبقة”، وهو يستشهد بقول أحد العمال “الذي ينتقد بحماسة انحطاط الاتحاد الرسمي حيث يصفه بـ”الاتحاد الأصفر” وتحوله كوادره إلى طبقة رأسمالية”، في حين “يستعمل البعض الآخر مفاهيم ماركسية لفهم وتقييم اشتراكية السوق”، ويبلغون عن شخص “يدين التوزيع غير العادل للدخل عبر استدعاء نظرية القيمة عند ماركس”.


رغم ذلك، يميل العمال النازحون إلى التعبير عن معارضتهم بعبارات مختلفة:

“يؤدي التقاء العمال الفلاحين النازحين مع قوى السوق والرأسمالية إلى نقد يلمّح إلى وجود “اغتراب”، يقوم أكثر على إنكار الكرامة الإنسانية، وفقدان الاستقلالية الشخصية، والخداع، ليس بمعنى الاستغلال”. (21)

هذا ليس مفاجئاً كما يبدو. فالماركسية كانت متاحة للعمال المتردكلين حديثاً في الـ 1920ات حين كانت عقيدة جديدة لا تشوبها شائبة، جرى تصفيتها خلال التجربة البلشفية، والتي ساعدتهم على فهم استغلالهم واضطهادهم؛ ولكن كما في روسيا الستالينية نفسها، حيث كانت أيديولوجية الطبقة البيروقراطية تعتبر نفسها “ماركسية-لينينية” لتقريباً 70 عاماً، لا يمكن لها أن تلعب نفس الدور. في أفضل الأحوال، يمكن للعمال في القطاع الحكومي لفت النظر إلى تناقضات “الاشتراكية” النيوليبرالية، في حين أن العمال في القطاع الخاص، حيث أنه بالنسبة لهم الخطاب الماوي هو أقل أهمية، يعبرون عن معارضتهم من خلال شكل الاقتصاد الأخلاقي. “مجموعتا العمال، التقليديون والجدد، مندمجتان في بحث مشترك عن ذاتية الطبقة”. (22)

لذلك يعتمد الكثير على ما إذا كانت الماركسية الحقيقية القادرة على تفسير مسار الصين “الماركسية” هي متاحة لأعداد كبيرة من العمال الصينيين. إذا حصل ذلك، فيجب أن يجد جمهوراً جاهزاً كما كان هو الحال خلال الـ 1920ات.

في مقدمتهما لكتاب هاو رين المهم الذي جمع مقابلات مع العمال النازحين المشاركين في النضال بالقطاع الصناعي في دلتا نهر اللؤلؤ، لاحظ زونغجين لي وإيلي فريدمان:

“تعرضت الصين “الاشتراكية” الشكلية بشكل متزايد للعديد من المشاكل التي نعاني منها في العالم الرأسمالي: انخفاض الأجور، غياب الامتيازات، الفوضى في أماكن العمل، أصحاب عمل وحكومات معادية للعمل النقابي، ونظام سياسي غير تمثيلي”. (23)

لحسن الحظ، كانت استجابة العمال الصينيين كذلك “زائدة عن الحد”، على الأقل بشكل عرضي. إن غياب ما يمكن أن نسميه بالنضال الطبقي الرسمي أو المؤسساتي من خلال الأحزاب العمالية، أو النقابات العمالية الحرة، أو الحركات الاجتماعية لم يمنع من وجود نضال طبقي، كما بدا بشكل واضح داخل القطاع الصناعي وما سماه لي “زيادة مذهلة في تحول العمال الصينيين إلى الآليات القانونية الموجودة لطلب الإنصاف”. (24)

ارتفع معدل “الحوادث الجماعية بعد عام 2003 وعلى نحو خاص بعد عام 2008، حيث رد العمال والفلاحون الصينيون على الانكماش الاقتصادي وتطبيق قانون لعقود عمل جديد وقانون الوساطة في النزاعات العمالية من خلال تسريع النضال.

وعلى العكس من الانطباع القائل أن غياب الحريات الشكلية يمنع من حصول تغييرات في الأعلى ناتجة عن النضال من الأسفل، إن العمال الصينيين، عبر نضالهم شبه القانوني وغير القانوني، وعادة من دون تنظيم رسمي، أجبروا الطبقة الحاكمة المتوترة على التنازل عن تغييرات قانونية كبيرة والتي كان لها أبلغ الأثر، على المستوى الدولة المحلية، بحيث أجبرت على التحول من الاعتماد الوحيد على القمع إلى اعتماد نهج مزدوج يقوم على القمع والمصالحة.


أدى تطبيق قوانين العمل الحديثة إلى زيادة كبيرة في النزاعات المعروضة ضمن آليات معالجة النزاعات العمالية وفي المحاكم ذات الصلة. وفي الوقت عينه، وبعيداً عن إهماد النضال العمالي الراديكالي، يبدو أن هذه التنازلات قد شجعتهم على زيادة الاحتجاجات العمالية. ومن المفارقة أنه يبدو أن المعلومات المتعلقة بالتشريع الجديد كانت بمثابة المحفز للنضال خاصة وأن أصحاب العمل حاولوا الالتفاف على القوانين الجديدة. وصف أحد المراقبين الوضع في قسم لونغانغ في شينزين:

“في نهاية العام 2007، عمت الإضرابات، وشارك فيها العمال من القطاعات الصناعية والمهنية. لم يذهبوا إلى عملهم، إنما تجمعوا أمام البوابة أو تجولوا في الساحة. كانت الإضرابات في المصانع الكبيرة التي تضم على الأقل 200 إلى 300 عامل. مصانع مثل يونغشانغ وداهوا وجينغشانغ تضم آلاف العمال. في ذلك الوقت، كانوا قد باشروا بتطبيق قانون العمل الجديد. وفقد العمال أقدميتهم بعد أن أنهى أصحاب العمل عقود عملهم الحالية، فأضرب العمال”. (25)

تضمنت التحركات العمالية أكثر من مجرد إضرابات (التي أصبح وضعها حالياً في مأزق قانوني بالصين)، ولكن شملت كذلك إغلاق الطرقات والاعتصامات والمظاهرات. وكان للضغط القاعدي التأثير نفسه تماماً كما حصل خلال فترة التصنيع والتمدين في الدول الأخرى.

إن مستوى النضال كان أكثر من المعتاد نظراً إلى أنه جرى التعبير عنه خارج البنى النقابية الرسمية، على الرغم من أن الاتحاد العمالي الآن قد أصبح أكثر استجابة لمطالب العمال على المستوى المحلي. (26)

كان المثال الأخير الأكثر إثارة للإعجاب هو إضراب آذار/مارس- نيسان/أبريل عام 2014 في شركة الأحذية يو يون في دونغوان بسبب عدم دفع الإدارة اشتراكات الضمان الاجتماعي، والذي ربما كان الأكبر في تاريخ القطاع الخاص في الصين. وقد بلغ ذروته حين أغلق بشكل كامل ثلاثة مصانع طيلة 11 يوماً، مع مشاركة حوالي 30 ألف عامل أو حوالي 80 بالمئة من القوى العاملة في الشركة وشارك 10 آلاف عامل في تظاهرات واحتجاجات. في نهاية الأمر، انتهى الإضراب فقط عندما تدخلت وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي وأمرت الشركة بدفع الاشتراكات. (27)

ج. تحولات الدولة

في مواجهة هذه الوقائع، من المؤكد أن مايك دايفس على حق حين قال: “200 مليون عامل في القطاع الصناعي والمناجم والبناء في الصين، هم أخطر طبقة على وجه الأرض”. (28)

رغم ذلك، ما تخبرنا به التجربة أن الدولة قد طورت قدرتها على التكيف و”استيعاب” و”احتواء” تأثيرات التطور المتفاوت والمركب، تماماً كما فعلت الدول الرأسمالية في فترات سابقة. ومن المفارقات، – نظراً لاستمرار التوهمات اليسارية الغربية حول الطبيعة الاشتراكية للنظام الصيني- أن واحد من أسباب هذه القدرة هو استمراره بأداء ما كان تاريخياً إحدى وظائف الدولة الرأسمالية، ولكن جرى إضعافه بالغرب من خلال عقدين من النيوليبرالية ومؤخراً التجارب الشعبوية اليمينية: تمثيل وإدارة مصالح رأس المال القومي بمجمله. (29)



لماذا الحزب الشيوعي الصيني؟ سأل سلافوي جيجيك:

“يمكن القول إن سبب عودة الشيوعيين (السابقين) إلى الظهور كأكثر مديري الرأسمالية كفاءة: عداؤهم التاريخي للبرجوازية كطبقة يتناسب تماماً مع تقدم الرأسمالية المعاصرة باتجاه نظام إداري من دون برجوازية”. (30)

هناك جانب من الحقيقة في هذا الكلام، ولكن رغم ذلك، إن قابلية الدولة على التكيف يتضمن ما يشير إليه شارلي هور: “تحول أساسي في السلطة داخل الطبقة الحاكمة” إثر التحول النيوليبرالي:

“تعمّدت الحكومة اعتماد اللامركزية الاقتصادية، الأمر الذي سمح بالمستويات الدنيا من الدولة بالحفاظ على نسبة أكبر من الأرباح والضرائب. كان التوقع أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى كفاءة أفضل، ولكن ما قام به المسؤولون المحليون هو زيادة مصالحهم الخاصة. لذلك كان تطور الاقتصاد الصيني دينامياً وغير مستقر: فالنمو الاقتصادي بقيادة الدولة، ولكن على المستويات الدنيا من الدولة، الأمر أدى إلى ازدواجية كبيرة في الاستثمارات والأصول… على الرغم من أن الصين ما زالت دولة بوليسية قمعية، إلا أنها اليوم أقل مما كانت عليه قبل 25 سنة. ألغت الدولة عن قصد العديد من الضوابط المفروضة على الحياة اليومية بهدف إنجاح الإصلاحات الاقتصادية. كان لا بد من السماح بحرية الحركة إذا كانت الأسواق ستزدهر، وكان لا بد من البعض من حرية التعبير إذا أراد المسؤولون قول الحقيقة بشأن الاقتصاد ومناقشة خيارات السياسة…”. (31)

لاحظ والكر وباك كيف أن التطورات النيوليبرالية بدءا من العام 1978 (أو “الانتقال” كما يسميانه) “قد أعادت تشكيل شكل الدولة بطريقة أطلقت فيها العنان لقوى الرأسمالية”. وكان أحد جوانب ذلك نقل السلطة إلى مستوى المدن الكبرى والمحافظات المحلية، الأمر الذي أعطى الحكومات المحلية القدرة على ضم الأراضي والمناطق المُدنية القائمة، وزيادة الإيرادات عن طريق الضرائب والإيجارات المحلية. قدم الكاتبان تشابهاً جريئاً:

“إجمالاً، يذكر الوضع الصيني بالنظام الفيدرالي الأميركي وسياساته الخاصة بالتنامي المُدني، والتي يستفيد منها مجموعة من اللاعبين ضمن القطاعين العام والخاص بشكل كبير. إن رواتب الغرف الخفية بعيدة عن أن تكون معروفة في الولايات المتحدة، ولكن تبادل الامتيازات والمكافآت يحصل لمنفعة متبادلة للكثيرين. ما يسميه الصينيون غوانكسي هو ما يسميه الأميركيون فساداً. منافسة الحكومات المحلية تذكرنا كذلك بالفيدرالية الأميركية. لا جدوى من التذمر، في هذا السياق، من الازدواجية وانعدام الكفاءة المحلية. الدليل في كل من الولايات المتحدة والصين هو أن هذا النوع من التحالف القائم على نطاق واسع بين الدولة ورأس المال من أجل التنمية المحلية يعمل بشكل جيد للغاية فعلياً. … لا يتوقع الإنسان أن يلعب مجلس الدولة دور القابلة في ولادة الرأسمالية بنفس طريقة عمل الحكومات المحلية. تتماشى “الديكتاتورية التنموية” في الصين بشكل أكبر مع التجربة الأوروبية في هذا السياق”.



إن وجهة النظر الصحيحة التي تقول إن الصين قد اتبعت مساراً ليس بعيداً عن ذلك الذي اعتمد في أوروبا وأميركا الشمالية يجعل من والكر وبوك يتساءلان حول سبب عدم تحرر نظام الحكم في الصين بشكل يتماشى مع نيوليبرالية اقتصاد البلد. (32)

الجواب الواضح هو أنه لا يوجد علاقة ضرورية بين الرأسمالية- وبالتأكيد ليست تنويعة نيوليبرالية- والديمقراطية. في الصين، ما يسميه دايفد غودمان “الطبقات الوسطى الوسيطة” لم تطالب بعد بالإصلاحات، دعكم من إسقاط الدولة:

“على العكس من ذلك… هم من المؤيدين الأساسيين للحزب الحاكم المعاصرة، حتى لو كان البعض في بعض الأوقات أكثر النقاد وضوحاً لأفعال وسياسات الحزب الحاكم، خاصة عندما يريدون منها أن تكون أكثر عدلاً وكفاءة”. (33)

إذا كانت الطبقة العاملة المنتفضة هي إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه الحزب الحاكم إذاً المشكلة الأخرى هي تحديداً ما إذا كان انتقال السلطة إلى يد الرأسماليين والبيروقراطيين قد بدأ بتقويض قدرتها على لعب دورها كسلطة مركزية للنظام ككل. بهذا المعنى، إن الحملة الحالية التي يشنها الرئيس شي جينبينغ ضد الفساد هي محاولة لإجبار الفاعلين للعب أدوارهم مع مراعاة المصالح العامة لرأس المال الوطني بدلاً من القسم الخاص بهم، والتصرف وفق هذا المنطق:

“كان أحد أكثر اهتمامات الرئيس الصيني إلحاحاً، منذ أن بات رئيساً لأكبر دولة في العالم يقودها حزب واحد، هو إعادة تأسيس سلطة الحزب الشيوعي الصيني على ما يقارب 90 مليون عضو منه. يمكن للحكومة المركزية إصدار القوانين وصياغة السياسات، ولكن نظراً إلى الانقسامات والتنافس على السلطة بين المسؤولين الرسميين على كل المستويات، وجدت نفسها تكافح حتى تتمكن القواعد من تنفيذ تلك السياسات أو أن تدعم تلك القوانين. الحكومات المحلية، على سبيل المثال، غالباً ما تتواطأ مع الشركات لإثراء نفسها على حساب الناس، الأمر الذي يؤدي إلى ردة فعل عنيفة على شكل احتجاجات جماهيرية واضطرابات اجتماعية، وتهدد، بالتالي، سلطة الحزب.

وكما لاحظ المؤلفان: “باتت هذه المشاكل أكثر إلحاحية بسبب تباطؤ الاقتصاد”.(34)

بمثابة خلاصة

هذا يعيدنا إلى نقطة البداية، لأن الوضع الحالي [في الصين] يشبه الوضع في روسيا التي بدأتُ بها سلسلة المقالات هذه- ليس لأن الثورة البرجوازية بحاجة لأن تنجز، إنما لأن التغيير الاجتماعي الأساسي لا يمكن أن يحصل إلا عن طريق الطبقة العاملة.

لكن نهايتنا ليست تماماً كالبداية. فقد كتب بول ماسون: “عمال شينزين هم بالنسبة إلى الرأسمالية العالمية ما مثله عمال مانشستر منذ 200 سنة”. (35) رغبة ماسون بإقامة استمرارية ضمن التاريخ العالمي للطبقة العاملة مرحب بها، ولكن هناك حدود في إقامة المقارنات.



يقول الماركسي ومؤلف روايات الخيال العلمي، كيم ستانلي روبنسون، عبر لسان إحدى شخصياته أن “القياس التاريخي هو الملجأ الأخير للناس الذين لا يستطيعون فهم الوضع الحالي”. (36) وهذا ما يبدو وضعنا هنا. عمال مانشستر الذين ساروا إلى حقول سانت بيتر عام 1819 وعمال غلاسكو الذين قمعوا بشدة بسبب إضرابهم في السنة التالية لم تكن الاشتراكية متاحة لهم كهدف ولا الماركسية كنظرية.

إنه لأمر عظيم، وإن كان قاتماً، وبعد الدمار المادي والأيديولوجي الذي سببته الستالينية، أن ينطبق الأمر نفسه على معظم العمال اليوم، وليس فقط في الصين. لذلك لا يوجد مقارنات كافية تماماً لوصف الوضع الراهن، وبالتالي يجب عدم توقع العثور على استراتيجيات أو توجيهات تنظيمية للاستعمال. ما يمكن توقعه من تجربتنا حتى الآن هو أن التطور المتفاوت والمركب سيستمر بلعب دور في إثارة الظروف الثورية، والتي لا يمكن التنبؤ مسبقاً بنتائجها، كما كان هو الحال دائماً.

الهوامش:

[1] Ian Bremmer, The End of the Free Market: Who Wins the War Between States and Corporations? (New York: Portfolio Books, 2010), p. 23 for his substantive discussion of China, see ibid, pp. 128-145.

[2] Christian Caryl, Strange Rebels: 1979 and the Birth of the 21st Century (New York: Basic Books, 2014), p. xiii.

[3] David Harvey, A Brief History of Neoliberalism (Oxford: Oxford University Press), pp. 120-135.

[4] Which is why Perry Anderson’s decision to omit Britain (‘whose history since the fall of Thatcher has been of little moment’) from his study of the European ---union--- is mistaken. Blair’s ‘social’ variant on the neoliberal regime has been far more insidiously influential than that of Thatcher. See ‘Foreword’, The New Old World (London: Verso, 2009), pp. xii-xiii.

[5] Bob Jessop, ‘From Hegemony to Crisis? The Continuing Ecological Dominance of Neoliberalism’, in The Rise and Fall of Neoliberalism: the Collapse of an Economic Order?, edited by Kean Birch and Vlad Mykhnenko (London: Zed Books, 2010), pp. 172-174.

[6] Claudio Katz, ‘Capitalist Mutations in Emerging, Intermediate and Peripheral Neoliberalism’, in BRICS: An Anti-Capitalist Critique, edited by Patrick Bond and Ana Garcia (London: Pluto Press, 2015), p. 72.



[7] Nigel Harris, The End of the Third World: Newly Industrializing Countries and the End of an Ideology (Harmondsworth: Penguin Books, 1986), p. 167.

[8] Neil Davidson [2006], ‘China: Unevenness, Combination, Revolution?’, in We Cannot Escape History: States and Revolutions (Chicago: Haymarket Books, 2015), p. 175.

[9] Richard Walker and Daniel Buck, ‘The Chinese Road’, New Left Review II/46 (July/August 2007), pp. 42, 59.

[10] Davidson, ‘China’, p. 178.

[11] Walker and Buck, ‘The Chinese Road’, p. 42.

[12] Ibid, pp. 42-44.

[13] Kevin Lin, ‘Recomposing Chinese Migrant and State-Sector Workers’, in Chinese Workers in Comparative Perspective, edited by Anna Chan (Ithaca, NY: Cornell University Press, 2015), p. 71.

[14] Phillip C. C. Huang, Gao Yuan and Yusheng Peng, ‘Capitalization without Proletarianization in China’s Agricultural Development’, Modern China, vol. 38, no. 2 (2012), p. 164 see also, Ching Kwan Lee, Against the Law: Labour Protests in China’s Rustbelt and Sunbelt (Berkeley: University of California Press, 2007), chapter 6.

[15] Lin, ‘Recomposing Chinese Migrant and State-Sector Workers’, pp. 71-72.

[16] Julie Chuang, ‘Factory Girls after the Factory: Female Return Migrations in Rural China’, Gender and Society, vol. 30, no. 3 (June 2016), p. 479.

[17] Ibid, 2016, p. 484.

[18] Ibid, p, 481. This is of course not unique to China´-or-indeed the Global South. J. D. Vance writes of the Appalachian grandparents, relocated to Ohio: ‘The sense that they had abandoned their families was acute, and it was expected that, whatever their responsibilities, they would return home regularly.’ See Hillbilly Elegy: A Memoir of a Family and Culture in Crisis (New York: HarperCollins, 2016), p. 30.


[19] Ching Kwan Lee, ‘From the Spectre of Mao to the Spirit of the Law: Labour Insurgency in China’, Theory and Society, vol. 31, no. 2 (2002), pp. 197-198 and pp. 197-206 more generally.

[20] David S. G. Goodman, Class in Contemporary China (Cambridge: Polity Press, 2014), 183 Eli Friedman, Insurgency Trap: Labour Politics in Postsocialist China (Ithaca NY: Cornell University Press, 2014), 51.

[21] Lee, ‘From the Spectre of Mao to the Spirit of the Law’, p. 204. See also Lin Chun, ‘The Language of Class in China’, in Socialist Register 2015: Transforming Classes, edited by Leo Panitch and Greg Albo (London: Merlin Press, 2014), pp. 41-42

[22] Chun, ‘The Language of Class in China’, p. 42.

[23] Zhongjin Li and Eli Friedman, ‘Introduction to the English Edition’, in China on Strike: Narratives of Worker’s Resistance, edited by Hao Ren (Chicago: Haymarket Books, 2016), p. xiv.

[24] Lee, Against the Law, p. 43

[25] Quoted in Li and Friedman, ‘Introduction to the English Edition’, p. 16.

[26] China Labour Bulletin, Going it Alone: the Workers’ Movement in China (2007-2008) (Hong Kong: China Labour Bulletin, 2009), pp. 5-7, 14, 21-22, 23-24, 36.

[27] Immanuel Ness, Southern Insurgency: The Making of the Global Working Class (London: Pluto Press, 2016), pp. 135-144.

[28] Mike Davis, ‘Spring Confronts Winter’, New Left Review II/72 (November/December 2011), p. 15.

[29] Neil Davidson, ‘Crisis Neoliberalism and Regimes of Permanent Exception’, Critical Sociology, published on-line 4 August 2016 at:

http://crs.sagepub.com/content/early/2016/08/03/0896920516655386.full.pdf+html)


[30] Slavoj Zizek, The Year of Dreaming Dangerously (London: Verso, 2012), 11.

[31] Charlie Hore, ‘China’s Century?’, International Socialism, second series, 103 (Summer 2003, pp. 8, 25.

[32] Walker and Buck, ‘The Chinese Road’, p. 65.

[33] Goodman, Class in Contemporary China, 155.

[34] Macabe Keliher and Hsinchao Wu, ‘What China’s Anti-Corruption Campaign is Really About’, The Atlantic (7 April 2015):

https://www.theatlantic.com/international/archive/2015/04/xi-jinping-china-corruption-political-culture/389787/

[35] Paul Mason, Live Working´-or-Die Fighting: How the Working Class Went Global (London: Harvil Secker, 2007), p. 7 and chapter 1 more generally.

[36] Kim Stanley Robinson [1993], Red Mars (London: Harper Voyager, 2009), p. 543. But for those who need to have the point established by Authority, see this warning, in Trotsky’s first iteration of the strategy of permanent revolution: ‘Historical analogies, by which liberalism lives and is nurtured, cannot take the place of social analysis.’ Leon D. Trotsky [1906], Results and Prospects, in The Permanent Revolution and Results and Prospects (Third edition, New York: Pathfinder Books, 1969), p. 36 see also [1908 – 1909/1922], 1905 (Harmondsworth: Penguin Books, 1972), p. 6.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز


.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ




.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا


.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟




.. تصريح الرفيقين جمال براجع وعبد الله الحريف حول المهرجان الخط