الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 111

ضياء الشكرجي

2022 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَأَطيعُوا اللهَ وَالرَّسولَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ (132)
وهنا بعد تحريم الربا وتوعّد المصرين على مزاولته بحشرهم في النار التي أعدت للكافرين، تأتي الدعوة لطاعة الله والرسول، واللتين بهما فقط يرجو الإنسان لنفسه الرحمة، ولكن بدون ضمانات، حسب هذه الآية، إذ كلمة «لَعَلَّكُم» تفيد الاحتمال والرجاء ولا تفيد الضمان المؤكد.
وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ (133)
جرى في القرآن الترغيب بالجنة بأوصاف حلق بها خيال المؤلف، إلى جانب الترعيب بجهنم بأوصاف لم نشاهدها في أفضع أفلام الرعب، ولم نسمع عنها في أفضع زنزانات التعذيب. كلامنا هنا عن الجنة، التي وصفت هنا بحجمها، أو لنقل بمساحتها، وفي الواقع حتى المساحة لم تُعطَ بل ذكر بعد واحد هو عرض الجنة، مما يجعلنا نتساءل عن طولها، الذي سيكون أطول من عرضها، أو هل يا ترى إن العرض والطول متساويان، مما يجعلها مربعة الشكل، أو لعلها دائرية وقصد بالعرض قطر الدائرة. من أجل أن نقرب إلى مخيلتنا مساحة الجنة، أو عرضها، كما تذكر الآية، والذي أي عرضها جعل بعرض السماوات والأرض، يجب أن نعرف ما المقصود هنا بالسماوات، فهل تعني الكون؟ وإذا كان المقصود بالسماوات الكون، فمن حقنا أن نسأل أي وجه مقارنة بين الكون والأرض؟ هذا كله يدل على أن مؤلف القرآن لا يملك تصورا عن أبعاد الكون ونسبة الأرض إليه، وبالتالي يستحيل أن يكون المؤلف هو نفسه صانع الكون والأرض. ثم هل للكون يا ترى عرض وطول، وهل هو ذو بعدين أم ثلاثة أبعاد حسب تصور مؤلف القرآن؟ وحتى لو كان الكلام عن المساحة، مما يجعلنا نتحدث عن بعدين، فلم يذكر هنا إلا بعد واحد. إذا كان الجواب، إنما هو كلام كما الشعر، لا ينبغي أن يؤخذ على مأخد الجد، ولا بمعناه الحقيقي، فمن الممكن أن نقول، إذا جاز عدم أخذ الجزء مأخذ الجد، جاز ذلك مع الكل. ثم نحن إذا أحصينا - لا عددا بل نوعا - الذين سيستحقون الجنة، نجد أن الجنة لا تحتاج إلى كل هذه المساحة، إنما هي جهنم بحاجة إلى أن يكون عرضها عرض السماوات والأرض.
الَّذينَ يُنفِقونَ فِي السَّرّاءِ وَالضَّرّاءِ وَالكاظِمينَ الغَيظَ وَالعافينَ عَنِ النّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ (134) وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَروا لِذُنوبِهِم وَمَن يَّغفِرُ الذُّنوبَ إِلَّا اللهُ وَلَم يُصِرّوا عَلى ما فَعَلوا وَهُم يَعلَمونَ (135) أُلائِكَ جَزاؤُهُم مَّغفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِم وَجَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَنِعمَ أَجرُ العامِلينَ (136)
الآيتان 134 135 من الآيات التي تذكر مكارم الأخلاق، وهذا النوع من الآيات التي تتحدث عن الصفات الحميدة والأخلاق السامية هي من أجمل ما في القرآن، بقطع النظر عن كونها عندما تمتدح المتحلين بهذه الأخلاق، لا يكونون حسب القرآن مستحقين للمديح وللنعيم الأخروي، ما لم يكونوا مؤمنين بالإسلام وملتزمين بحلاله وحرامه وواجبه. وكان من الأجدر تبويب القرآن موضوعيا، بحيث تجمع الأخلاق الحسنة وفي مقابلها الأخلاق السيئة في سورة واحدة. لكن لنتناول هذه الآيات الثلاث، حيث إن الأولى والثانية تعددان الصفات الحميدة، ثم تأتي الثالثة لتبين جزاءهم في الحياة الأخرى. تبدأ الآيتان بأخلاقية الإنفاق، فالمتوجه إليهم الثناء فيهما نراهم قبل كل شيء «يُنفِقونَ» للفقراء ولأعمال الخير، وإنفاقهم غير مرهون بحالة من الحالات، سواء كانت حالة يسر أي «فِي السَّرّاءِ» أو حالة عسر أي في «الضَّرّاءِ»، ثم هناك خصلة جميلة أخرى إلى جانب الإنفاق ألا هي كظم الغيظ عند الغضب والعفو عن الناس ممن أساؤوا إليهم، لاسيما عندما يكون العفو من موقع المقدرة والقوة، لا من موقع العجز والضعف، ثم اعتبرت هذه الصفات الثلاث، الإنفاق وكظم الغيظ والعفو من مصاديق الإحسان، ولذا ختم الثناء عليهم بها بقول «وَاللهُ يُحِبُّ المُحسِنينَ». ثم تواصل الآية التالية سرد بقية الخصال الحميدة لهم، ومنها أنهم «إِذا فَعَلوا فاحِشَةً أَو ظَلَموا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَروا لِذُنوبِهِم [...] وَلَم يُصِرّوا عَلى ما فَعَلوا»، لما يمثل الإصرار على الخطأ من مثلمة مذمومة، خاصة عندما يصر المصرون على الخطأ والظلم والإساءة عن وعي، والمعبر عنه بعبارة «وَهُم يَعلَمونَ». وهؤلاء المتحلون بهذه الصفات لهم بلا شك «جَزاؤُهُم» الذي يستحقونه، ألا هو «مَغفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِم»، وعلاوة على المغفرة فلهم «جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ»، سيكونون «خالِدينَ فيها»، هذا الذي استحقوه بعملهم، وليس بمجرد الإيمان بدون عمل صالح، لذا قيل «وَنِعمَ أَجرُ العامِلينَ» وليس نعم أجر المؤمنين هنا. لكن بلا شك إن المتحلي بهذه الصفات الحميدة وبما أكثر منها وأسمى وأجمل، لا يستحق كل هذا الجزاء، ما لم يكن مؤمنا، وحتى لو كان مؤمنا، لا ينفعه إيمانه ما لم يكن إيمانا بدين الإسلام وكل لوازمه من عقائد وشرائع. وحتى فعل الفاحشة وظلم النفس الذي إن وقعوا فيه استغفروا ولم يصروا فهو ما يعد فاحشة وظلما للنفس بمعايير الدين، والدين الإسلامي بالذات، وليس بمعايير الفلسفة الأخلاقية المحايدة. أما لماذا لم تأتِ عبارتا «وَالكاظِمينَ الغَيظَ» «وَالعافينَ عَنِ النّاسِ» مرفوعتين، فلأن كل هذه الصفات التي ذكرت في الآيتين تعود إلى ما قبلها في الآية السابقة «وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ»، فهذه كلها صفات للمتقين المجرورة باللام، وحيث إننا علمنا أن التقوى لا يصح إطلاقها إلا على المؤمن بشريعة محمد والملتزم بها، فهذا يؤكد كون المدح والثناء قد خُصَّ به المسلمون المتقون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س