الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تداعيات حرب أوكرانيا

الطاهر المعز

2022 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


من المُستفيد من تفجير خطوط نقل الغاز؟

تُعتَبَرُ شركات النفط والغاز من أكبر المُستفيدين من زيادة الأسعار، ولا تستفيد دول "أوبك"، ومنها الدّول العربية سوى بالفُتات، وأدّت حرب أوكرانيا إلى زيادة كبيرة في أسعار المحروقات، استفادت منها بدرجة أولى شركات النفط (بي بي أو شل أو إكسون موبيل أو شيفرون أو توتال إنرجي) التي رفعت الأسعار، بما في ذلك أسعار مخزوناتها القديمة ذات التكلفة الرخيصة، وحققت أرباحًا قياسية. أما في روسيا فإن الشركات الحكومية تُسيْطر على إنتاج وتكرير وتسويق النفط والغاز، ولذلك استفادت روسيا ومصارفها والعديد من شركاتها من الحرب وحتى من الحصار، حيث بلغ الروبل (عُملة روسيا) أعلى مستوى في خمس سنوات، وأعلنت شركة الغاز الروسية العملاقة "غازبروم" عن زيادة أرباحها بنسبة 100% خلال النصف الأول من سنة 2022...
أعلن بعض رُمُوز السّلطة بالولايات المتحدة وبأوروبا (بولندا وألمانيا...) استهداف روسيا حتى تنْهَارَ اقتصاديًّا وتركَعَ سياسيا، فيما تعمل الولايات المتحدة على غَزْو سوق الطاقة الأوروبي بالغاز الصّخري الأمريكي، وإقصاء الغاز الرّوسي الذي يُلَبِّي ثُلُثَ حاجيات دول الإتحاد الأوروبي من الطّاقة، وهو أقَلَّ ثَمَنًا وأعْلَى جَوْدَةً من الغاز الأمريكي...
لم تَكْتَفِ الولايات المتحدة باستفزاز روسيا (وخصومها الآخرين مثل الصين وإيران) على حُدُودِها، واستخدام شعب أوكرانيا وروسيا وشعوب أوروبا وقُودًا لحرْبٍ أطلسية ضد روسيا، بل تصرّفت كما عصابات المافيا والجريمة المُنَظّمة وقُطّاع الطُّرُق، باستخدام التّهديد والتّخريب والأعمال الإرهابية (في روسيا كما في إيران وسوريا وفنزويلا...)، ولذلك من غير المُسْتَبْعَد أن تكون الولايات المتحدة مُتَوَرِّطَة في تفجير خطوط الغاز الرّوسي التي تُزَوّد أوروبا، فهي قنوات متينة الصّنع، تقع في المياه العميقة، ومُراقبة على مدار السّاعة بالأقمار الصناعية والتجهيزات الإلكترونية، ولا يمكن تخريبها وتفجيرها دون تخطيط مُحْكَم من قِبَلِ قوات عسكرية عالية التّدريب، مثل القوات الأمريكية واستخباراتها العسكرية، بمُشاركة جيش بولندا (المُنَفِّذ المُحتمَل) وجيش وحكومات السّويْد والدّنمارك، دون أي اهتمام بنتائج تسرّب الغازات على البيئة، فضلاً عن المشاكل الإقتصادية الناتجة عن ذلك.
السياق العام للتفجيرات :
يتزامن هذا التخريب لخطي أنابيب الغاز نورد ستريم 1 و 2 مع تكثيف خطوات تطوير التنسيق والتعاون بين روسيا والدول الأعضاء في أوبك، فقد أعلن وزير النفط الإيراني للصحفيين في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2022، على هامش المنتدى الاقتصادي الثاني لبحر قزوين في موسكو، أن هناك "مشروع مشترك في مجالات تكنولوجية وإنتاج وصيانة معدّات الغاز مع شركة غازبروم الروسية، ما قد يجعل من إيران مركزًا إقليميًّا لعبور وتبادل النفط والغاز الروسيّيْن، وتسارعت وتيرة التعاون بين البلدين بعد قرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تَشْدِيدَ العقوبات الغربية بهدف خنق روسيا، وسبق أن نشرت وكالة "سبوتنيك" الروسية، في تموز/يوليو 2022، بيانًا صادرًا عن نائب وزير النفط الإيراني كشف أن إيران تخطط لإبرام العديد من اتفاقيات التعاون في مجال الغاز والنفط مع روسيا، قبل نهاية سنة 2022، لأن البلديْن يمتلكان ما يزيد عن سبعين تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي المسال ، وهو ما يمثل 30% من الإمدادات العالمية، ووقعت شركة غازبروم صفقة استثمار بقيمة 40 مليار دولار مع شركة النفط الإيرانية، في تموز/يوليو 2022، وفي أيلول/سبتمبر 2022، وأصبحت روسيا تضخ الغاز إلى إيران، عبر أذربيجان، وتضمنت الاتفاقية الرُّوسية الإيرانية إنشاء خط أنابيب لتصدير الغاز الإيراني إلى باكستان وسلطنة عُمان، كما أصبحت إيران مركزًا لنقل البضائع الروسية إلى الهند.
تتخوف الدّول المُصَدِّرَة للنفط (دول أوبك وروسيا، أو "أوبك +" ) من الرّكُود الإقتصادي المُتَوَقَّع، ما يُخَفِّضُ الطّلب على المحروقات، لذا اقترحت لجنة "أوبك + " خفضًا للإنتاج بمقدار مليوني برميل من النفط يوميًا لمكافحة هبوط الأسعار في قطاع الطاقة الذي قد يحصل نتيجة ركود أو تباطؤ اقتصادي عالمي، وفقًا لوكالة الأنباء الأمريكية بلومبرغ، وبهذا الصّدد أفاد موقع قناة سي إن إن التلفزيونية الأمريكية أن الحكومة الأمريكية حاولت الضغط على الكويت والسعودية والإمارات لمنع خفض كبير في إنتاج النفط، ثم اتهمت الحكومة الأمريكية دول أوبك (في الخامس من تشرين الأول/اكتوبر 2022) بـ "الانحياز إلى روسيا" ، لكن وزير الدولة السعودي عادل الجبير نفى المزاعم الأمريكية، مشيرًا إلى أن الزيادة في أسعار البنزين في الولايات المتحدة ترجع إلى الإنتاج غير الكافي للتكرير في هذا البلد، بسبب عدم الإستثمار في هذا القطاع منذ أكثر من عشرين عامًا"، كما نقلت عنه محطة تلفزيون فوكس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2022.
عربدة أمريكية:
في خضم أزمة إمدادات الوقود، رَفَعَ جيش الاحتلال الأمريكي من وتيرة سرقات النفط السوري، حيث تدّعِي الحكومة الأمريكية إن وجود جيشها في سوريا له ما يبرره، فهو يحمي موارد النفط في البلاد من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية".
سبق أن نشر موقع ( The Cradle ) يوم 28 أيلول/سبتمبر 2022، بحثًا بعنوان "تتبع تدفق النفط السوري المسروق إلى العراق" ( Tracking the flow of stolen syrian oil into Iraq ) وأورَد الموقع أخبارًا مُفَصّلة ووثائق عن سيطرة الجيش الأمريكي على مواقع الإنتاج الزراعي بمحافظة الحسكة وعلى مواقع إنتاج المحروقات (النّفط والغاز ) في مُحافَظَتَيْ دير الزُّور والحَسكة، ونهب الموارد السورية، من قِبَل تُركيا في منطقة الشمال الغربي والولايات المتحدة التي تقوم بتهريب النفط والحبوب، من منطقة الشمال الشرقي بالتعاون مع حُلفائها من قادة مليشيات الأكراد، إذْ يسرق الجيش الأمريكي وحلفاؤه نحو 80% من إنتاج النفط السوري اليومي ويُهَرِّبُه، بواسطة قوافل من الشاحنات والصّهاريج الضخمة، تحميها الطائرات الحربية الأمريكية، إلى إقليم كردستان العراق الذي تحول إلى منصة تسويق نحو تركيا والإمارات وإيران والكيان الصهيوني الذي كثّف نشاط مخابراته منذ حوالي خمسين سنة بشمال العراق، ويتم تهريب قسم صغير من الموارد السورية إلى البلدات الحدودية العراقية، بتواطؤ مع الجيش الأمريكي الذي يسيطر على الحدود بين العراق وسوريا، ويَفْرِضُ إغلاقها رغم إرادة حُكُومتَيْ البَلَدَيْن.
يُشرف جيش الإحتلال الأمريكي على عمليات التّهريب عبر معابر غير قانونية، تُؤَمِّنُها شركات الأمن الخاصة الأمريكية (مثل بلاك ووتر التي غيرت إسمها إلى "أكاديمي")، وشركات صهيونية، وتمنع الإستخبارات العسكرية الأمريكية الصحافيين والمراقبين الدّوليين ومنظمات حقوق الإنسان من الوُصُول إلى المناطق الحُدُودية، ووَجَب التّذكير أن الجيش الأمريكي لم ينسحب من العراق، بل حافظ على أهم القواعد، وأعاد انتشاره، ويُواصل احتلال العراق تحت غطاء "تقديم المشورة الأمنية والعسكرية للقوات العراقية لمكافحة الإرهاب.
إن وجود القوات الأمريكية ( وقوات أوروبا وحلف شمال الأطلسي) في سوريا غير قانوني، بل يُشكل جزءًا من نهب سوريا، وأنْشَأَ الجيش الأمريكي ما لا يقل عن ثمانية قواعد جوية غير قانونية في شمال شرق سوريا، بما في ذلك قاعدة الرميلان (محافظة الحسكة) التي كانت هدفًا لهجوم صاروخي مساء السبت الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2022، بعد أن اتهمت وزارة الخارجية السورية الجيش الأمريكي بنهب دفعة جديدة من النفط السوري من الأراضي المحتلة في البلاد. ينهب الجيش الأمريكي حوالي سبعين ألف برميل يوميا من النفط السّوري الذي تنقله حوالي مائة من ناقلاتها (بمساعدة الميليشيات الكردية) التي تُغادر سوريا ( بمساعدة مليشيات عشائر الأكراد) عبر ممر المحمودية غير الشرعي باتجاه قواعد الجيش الأمريكي في الأراضي العراقية المُحتلّة، وقدّرت الحكومة السورية (نهاية آب/أغسطس 2022) قيمة النفط والغاز الذي نهبه الجيش الأمريكي وأتباعه بـ 107 مليارات دولار، خلال عشر سنوات ...
الدّور المُزدوج لأذربيجان:
ورَدَ في فقرة سابقة ذِكْرُ عُبُور الغاز الرّوسي أراضي أذربيجان نحو إيران، وفق تصريحات الحكومة الإيرانية في أيلول / سبتمبر 2022، ولكن لأذربيجان علاقات متطورة جدًّا مع تركيا (وحلف شمال الأطلسي) وما فتئت العلاقات تتطور مع الكيان الصهيوني في كافة المجالات (الإقتصادية والسياسية والعسكرية ) وسمحت الحكومة الأذربيجانية للكيان الصهيوني بإنشاء قاعدة عسكرية للتجسّس على إيران من الحُدُدود المُشترَكَة بين أذربيجان وإيران، واستخدم الكيان الصهيوني الحدود لتهريب الأسلحة والإشراف على تفجيرات واغتيالات عديدة داخل إيران.
استضافت أذربيجان، وهي مُصدّرة للنفط والغاز ، يومي الاثنين 3 والثلاثاء 4 تشرين الأول/أكتوبر 2022، وزيري الحرب الصهيوني والتركي "لمناقشة سلسلة من القضايا المتعلقة بالدفاع والأمن والتعاون"، بحسب وكالة رويترز، وتم الاتفاق على تنظيم مناورات عسكرية مشتركة لرفع مستوى التنسيق العسكري بين الجيوش الثلاثة، وستجرى المناورة المشتركة القادمة في تركيا في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2022، وتقدم تركيا والكيان الصهيوني مساعدة كبيرة لأذربيجان من خلال تزويد جيشها بالمعدات العسكرية والأسلحة والمُدَرِّبين والمُستشارين، خلال الصراع مع أرمينيا المُستمر منذ ثلاثين عامًا ...
خاتمة:
لكل جريمة دافع ومُستفيد، فما دوافع تفجير خَطّيْ أنابيب نقل الغاز الرّوسي إلى شمال أوروبا، ومن المُستَفِيد؟
لم تكن روسيا مُتسببة في عرقلة ضخ الغاز، لأنها تبحث عن زبائن لبيع إنتاجها من الغاز والنّفط، بل أعاقت العقوبات الغربية تدفق الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 و 2، نحو أوروبا.
تحلق مروحيات أمريكية، منذ منتصف أيلول/سبتمبر 2022، فوق الموقع الذي تم تخريبه، إلى جانب سفينة بريطانية كانت في المياه الدنماركية، بحسب صحيفة "دير شبيغل" الألمانية التي نشرت تقريرًا بعنوان " وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تُنبّه الحكومة الألمانية بشأن هجمات وشيكة على خطوط أنابيب بحر البلطيق ".
يُرَجّح أنت التفجير عمل تخريبي أمريكي (مُباشر أو عبر بولندا أو طرف ثالث) من شأنه إعاقة اقتصاد ألمانيا والاتحاد الأوروبي ويقطع المفاوضات السرية التي تدور بين ألمانيا وروسيا بشأن استئناف ضخ الغاز، وأوْضَحَ بيان وزارة الخارجية الروسية: "لقد وَقَعَ الحادث في منطقة تسيطر عليها أجهزة المخابرات الأمريكية".
في هذا المناخ العالمي، جرى تفجير خطوط أنابيب الغاز الرّوسي "نورد ستريم" 1 و 2 النّاقلة للغاز الروسي إلى شمال أوروبا، فمن المُستفيد ياترى؟
من المؤكّد أن روسيا غير مستفيدة، وفي جو الحرب الأطلسية الروسية، عبر أوكرانيا، ونظرا للتقاليد الأمريكية العريقة في مجالات الإعتداء والعربدة والتّخريب، ونظرًا لصعوبة الوصول إلى الأنابيب وصعوبة تفجيرها، يُرجّح التحليل العقلي والمنطقي ارتكاب الولايات المتحدة، مباشرة أو بواسطة طرف آخر (جيش بولندا على الأرجح ) هذه الجريمة في حق اقتصاد وسيادة روسيا ودول الإتحاد الأوروبي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف