الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح11

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 10 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نتج عن شروط الإمامة الأربعة التي وضعها المتكلمون الشيعة في القرن الرابع الهجري أثرا عقائديا جديدا، لم يكن مطروقا من قبل لا في عقائد المسلمين عموما ولا في عقائد العلوين قادة وأتباع، فقد أبتدع البعض إلى أن الله تعالى قد فوّض إلى الأئمة من أل محمد ص "خلق العالم وأرزاق الناس وتدبير الكون والدين والشريعة" كجزء من التكريم الخاص والمخصوص لهم من الله لما يتميزوا به من أوصاف فوق البشرية، وقد واجه التفويض في الخلق اعتراض الأئمة وعلماء الشيعة في ذلك الزمان واعتُبر مرفوضاً وإن ترسخت مفاهيمه بالعقلية الشعبية التي تنحاز لكل ما هو طائفي وتعتبر المنزلة في الإمامة منزلة غارقة في الربانية المختارة، أما سائر موارد الغلو فإنها وإن واجهت اعتراضات عدد من العلماء الشيعة، ولكن هناك من العلماء من سعى إلى توجيهها ووجدت طريقها بالتدريج إلى الفكر الشيعي، حتى أصبحت من بديهياته ومسلَّماته.
إن التفويض سواء أكان في التكوين عند من يؤمن بالإمامة التكوينية أم في التشريع عند الأصوليين يتطابق ما كان يثبت للنبي من تأثيراً مستقلاً في الخلق، أو في ربوبية الله التكوينية والتشريعية فهو من الشرك الكامل الذي يخرج القائل به من التوحيد، وهو باطل عندما يثبت به عند أحدٌهم للأئمة شأناً تشريعياً غير وارد عن النبي، أو حتى إذا نسب ذلك إلى الوحي والإلهام الإلهي وذلك لمنافاته مع الخاتمية، وأما إذا كان في غير هذه المعاني المتقدمة كما لو اعتقد في التكوين أن الله قد خلق العالم والناس من أجل وجود إنسان كامل مثل النبي والأئمة، وأنه ببركتهم ولأجلهم يرزق الناس، وأن بإمكانهم بإذن الله ومشيئته اجتراح المعاجز والخوارق، لم يكن ذلك عند الكثير من فقهاء الشيعة من أقسام الغلو وإن كان الأمر في حقيقته غلوا متطرفا مخالفا للعقيدة الإسلامية الحقة ومخالفا حتى لمنهج الأئمة أنفسهم، ولا يعتقد الكثير منهم عدّه نوعا من الشرك ولا هو وكفراً، وإن كان إثبات كل واحد منها بحاجة إلى دليل عقلي أو شرعي معتبر، كي لا يكون من أقسام الكذب والافتراء في الدين.
من هذه السنخية الفكرية المتطرفة بدأت أختلالات الفكر الشيعي العقيدية على يد أشخاص دخلوا الدين الإسلامي متأخرين ومن بقاع عرفت بالكثير من مفاهيم التجسيد والشركية التخويلية بين الآلهة وعمالها على الأرض، حاملين خزينا ثقافيا لا يمكن مسحه بسهولة دون إسقاط معظمه على العقيدة الجديدة التي ينتمون لها، في القرنين الثالث والرابع الهجري ولدت عشرات الأفكار الدينية الغريبة عن روح الإسلام من باطنية وغنوصية وقدرية ودهرية وووو، الكثير مما أربك حركة الفكر الإسلامي الحق وأدخله مداخل لم يألف مثلها في بيئته الأولى، صحيح أن التزاوج والتلاقح الثقافي مفيد في تنمية قواعد اليقين الإيماني لكن بشرط أن من يتولاه عارفا بتلك العقائد من باب النقد والمعرفة الكلية، وليس من باب التقليد أو القبول بما يرد من أفكار على أنها نصر لفئة على فئة، في جو سياسي متصارع بين رايات ورؤى وأفكار تنبع كلها من معين واحد هو الغلبة السياسية وطمعا في الملك.
إن الروايات التي تفيد أن ما فوّض إلى النبي من أمر الدين قد فوّض إلى الأئمة من أهل البيت هي القاعدة التي يقوم عليها مفهوم الإمامة عند الشيعة، هذا ليس حكرا على فئة منهم دون الأخرى، الكل يؤمن أن التفويض حقيقي، وبالتالي ما يصدر من الأئمة هو بالحقيقة مثل ما يصدر من النبي لا فرق إلا بالزمن، وعلى الأقل تطرفا منهم من لا يقول بربط التشريع الإمامي في الوحي التشريعي بالمباشر صراحة، وإنما هم يشملوها بالموارد التي تتعلق بها إرادة النبي من قبل، والتي تتمّ تأييدها بواسطة الوحي التشريعي غي حياته، أو الموارد التي عبّر عنها بـ (فرض النبي). كما تشمل موارد أخرى، من قبيل: التفويض في كيفية بيان أحكام الشريعة للناس ولم ينزل بها نص تكيفي بل مص تكليفي فقط كالصلاة وطريقة قيامها وأدائها.
فقد وصلت تلك الأحكام إلى النبي شكلا ومضمونا عن طريق الوحي التي جسدها أمام النبي منا هي مطلوبة، وقام هو بإيصالها إلى الإمام المعصوم الذي يقوم بدوره ببيانها وفقاً للمصالح، وهذا النوع من التفويض الخاص والمخصوص بين النبي والإمام لا نجد من يقول بها إلا تأويلا من روايات ذكرت وأحاديث نقلت عن النبي أو عن الإمام علي بعد حين من الزمن، وعليه ليس هناك من داعٍ لتوهُّم أن هذا النوع من الروايات يحول دون تأثير الوحي النبوي على الإمام توجيها وإرشادا حتى بعد رحيل النبي لأن ما مطلوب بقائه كان أصلا مدونا في مصحف فاطمة وما هو مكنون في ذاكرة وعقل الأئمة تلقائيا بالتواصل الروحي مع جدهم النبي.
وليس من قبيل التوهم في القول بأن المتكلِّمين وفقهاء الإمامية في القرون التالية لولادة مفهوم الإمامية في عصر التنافس الكلامي والصراع المذهبي، الذي رعته وهيأت له السبل الدولة العباسية من خلال دعوتها القديمة بحق العلوين، وخذلانها اللاحق لهم، مما أوجد عليهم النقمة مرة أخرة من فئة كانت بصفهم ضد صراعهم مع الأمويين، ومحاولتهم التضييق والقتل والسجن لما كان يعرفون بأئمة أهل البيت، حتى غياب الإمام الحادي عشر وظهور مشكلة وإشكالية الإمام الثاني عشر، الذي لا دليل واقعي ولا من حجة ظاهرة على وجوده سوى روايات متضاربة متناقضة لا جامع بينها سوى حديث الولادة والغيبة والسفراء عن الإمام المغيب أو الغائب، هذه الروايات التي لا تقوى بنفسها لتكون دليل دامغ عضدوها بالقول طالما أنها مشهورة ومنتشرة بشكل يكاد يكون بديهي سببا للإيمان لوجود الإمام الغائب، هذا الدليل المساق يمثل تماما منطوق القاعدة التي تقول "لا يجوز أصطناع الدبيل من المدعي بصحة دعواه".
إن هؤلاء الدعاة من فقهاء ومتكلمي الشيعة قد ذهبوا إلى القول بانتقال جميع صلاحيات الإمام إلى الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة، بما فيه حق التشريع الخاص الذي يصفونه بالمستنبط من فقه الأئمة، لأنهم أثبتوا للفقيه ذلك النوع من اختيارات الإمام الذي لا دور فيه للعصمة وعلم الغيب، والحصيلة أن المتكلمين وفقهاء الشيعة لم يقولوا بتفويض جميع شؤون النبي إلى الإمام فحسب، ولم يقولوا بتفويض جميع شؤون الإمام إلى الفقيه لأن الإمام الغائب أصلا قائم وموجود وهو يتدخل بما يحفظ الدين في الضرورات، ولم يتجاهلوا دوره المباشر المعزز بالعصمة، وكما هو معزز أيضا بعلم الإمام بالأمور الخارقة والغيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران