الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظهرت لتنشر الغسيل قصة

كاظم حسن سعيد

2022 / 10 / 14
الادب والفن


بعد ان استقرت وسكنت عاصفة الخراب وتخبأت الغربان, نسيت او تناست وجوده .. وبدأت تنسى ملامحه حتى انها تساءلت يوما مخاطبة صغيرتها ياسمينة (هل كان لون عيني ابيك زرقاء ام سودا ..) .. فاجابتها وهي تعقد ضفيرة شقراء (انت تعلمين يا امي انني ما رايته وصوره بالاسود والابيض )..وحاولت ان تتذكر لون العينين فلم تستطع فقصدت الثلاجة وتناولت شيئا كطبعها كلما داهمها توتر او لحظة قلق وحيرة ..كانت ام نجوى تقول لها بعد ان شبت
ــ ستكونين كناقة شقراء بعيون زرقاء وشعر ذهبي غجري .. مثلي.
واحيانا تحدق امها متفحصة التخصر وثقل الارداف التي تتزايد تكورا وامتلاء كل يوم والصدر الواثب .. وتنظر لصقرية العيون فتقول لنفسها (قريبا سيكثر الطارقون والمتملقون لاجلك يا بنتي )
ولان اباها يعمل بحارا فهو نادرا ما يتوفر في المنزل يعود كشخص زائر ويمضي مصارعا جنون الامواج..كان بن خالتها يكبرها بسنوات.. يرقب تطورها الجسدي وينقب فيه.. في المنجم الاثمن عن بعد .. وكانت له موهبة بتمييز رائحة الاجساد .. لكنها كلما ركضت وعبث شعرها ذيل الحصان يشم رائحة منها لا يعرف تصنيفها تغور عميقا في روحه وتختفي ..وان صادف وجودها مع عودتها من المدرسة : قميص ابيض ناصع وحذاء نفطي ومرح وتورد خدين وحقيبة ترميها على سجادة فارسية وخصلات مذهبة لم يتمكن التقافز على الرحلات الخشبية والصراع الودي في المدرسة ان يعكر نظامها .. ورائحة جسد خفية يصعب عليه تمييزها.. يشعر بالارتياح ورغبة باحتضانها ويداهمه احساس غامض هو ليس رغبة ولا حماسا لمهرجان الطفولة.. ولا شهية لاشياء وسخة ..حتى عادت ظهيرة يوم ساخن يحرق الجدران .. كان البيت خاليا الا من صوت طير اخضر في قفص وعزف رتيب لمروحة هندية بريشاتها الصدئة الثقيلة , وقالت له مبتسمة (اتعلم مهند .. اليوم قرانا قصة بهذا كان يكنيه الناس .. وتخبرهم بانه تمكن من اقتناء كيس ذهب ايام الفرهود .. فقد مر باحد الازقة ورأى رجلين يقتتلان .. حتى ازهق احدهما الاخر .. الاول طعن خصمه بخنجر معقوف والاخر افرغ في صدره اطلاقات مسدس .. وتساقطا يئنان مضرجين فاقتنى كيس الذهب ومضى .. وتحدثهم عن امها مخزن الامثال ..كانت تستغرق ساعة في تمشيط الشعر ووضع الديرم حتى يبرق شهيا على رقة الشفتين وتتباهى بلا غرور بغمازة وشامة على الخد الرمان .. كانت تقول لها (نجوى الخيانة للمراة بيع للشرف بسعر التراب .. لا تدخلي البيوت ولا تفضحي سرا منك فيأسرك الاخرون به ويستعبدونك , هؤلاء الناس بريق معدنهم جذاب وحين يدلك تظهر حقيقته .. الدرهم الابيض لليوم الاسود ..نفذي رغبات الزوج الواضحة والخبيئة .. واهتمي بجمالك فالرجال سرعان ما يصيبهم الملل حتى من اجمل النساء فيجنحون .. الضغط المكبوس بقوة على الفتاة يدفعها لابتكار طرق للخراب .. تربية الانثى هي الاصعب ..).
احست بفاجعة الوحدة فقد زفت بنتها لضابط برتبة نقيب في الجيش ومضت لبيت بعيد عنها ..ولم تكن الحياكة والخياطة وعمل ليفات الحمام من الخيوط المغزولة تكفي لاشغالها وطالت عليها الليالي ..رآها جارها قبيل العصر بعد ان بدات الشمس تتحرك فيها شعرة من انسانية مختصرة وخيط من الرحمة ..وخف جمر مصهورها .. مرت على باب منزله وقد دب التقوس في ظهرها فخاطبها
ــ اين ؟ الجمر قائم في السماء ..
فاجابت مبتسمة على مرارة :( والله ولداي اغلقا بابي غرفتيهما .. كل مشغول بزوجته .. قلت ازور ام ابراهيم .. ماذا اعمل غير هذا .. اضوج وحدي .) .
في الليالي المطيرة تتذكر مهند .. لقد حاول وكرر وابتكر حتى قرات اللعبة .. واعجزته بالصد دون ان تجرحه .. كانت ودودة معه لكنها ابتكرت جدرانا حصينة حتى تزوج من امراة فارسية .
في الاربعين وقد استنفذت كل وسائلها لمقاومة الوحشة وفلت اخر خيط من المقاومة واختلطت في ذاكرتها الازمات وتشابهت مذاقات الزاد واصبحت الايام صورة مستنسخة ..فجاة بعد زرقة السماء الساكنة .. اغبرت الاشياء وهبت عواصف ترابية وامتلات الافاق بالدخان .. كان حريقا كونيا قد نشب فاحست برعدة ودلفت غرفتها .. ورات البروق تنسج لوحات خاطفة في الافق كانت ترقبها خلل الزجاج .. وهبت موجة من البرد ارعشت اطرافها والاصابع ودوى رعب فاتك في كيانها ,, احست بانها ارملة منسية خائفة معزولة ... وسمعت ضحكات تتدفق من غرفتي ولديها وحياة ممتعة تجري هناك ... فتعمق فيها الاحساس بالغربة .. وظهرت لتلم ملابس الغسيل وتغطي بعض الاشياء ونظرت لتتأكد بان المزاريب تصب .. وعادت لتطمئن على غلق عتلة قنينة الغاز..كان شعرها يقطر فقابلت المرآة واخذت تجففه بمنشفة مخططة بلون الفستق وافزعها ذبول في الزرقة وبكت لبيض الخصلات .. لقد تخلى الذهب عن سحره وخان .. وشغلت التلفاز الصغير وجلست متربعة تتابع فلما عربيا .. ثم نهضت وصاحت بابنها (موسى ابني هل تحتاجون شيء ) فاجاب , فيما علقت زوجته (كم تحب الفضول ) فاطرق .. لقد نادت من خوفها وطردا لوحدة سفاكة مريرة او ربما لتشعر بانها حية ..فجأة تذكرت مهند واشفقت عليه وتذكرت كيف كانت تشعله وهي تصده بمودة ... لقد تعودت ان تحكي لاول شخص تقابله : طفلا , مراهقة , شابا , عجوزا , امراة , او كلبا . او قطة سائبة ..
في العطلة وكانت في الصف الاول المتوسط .. ظهرت انوثتها بوضوح وبرز الورد من كل مكان .. وسمعت امها تقول ( خالة مهند .. قد اتاخر.. درسّها فهي ضعيفة بالرياضيات .. ساعود بعد ساعة )..وغادرت .. كان ذلك في التاسعة من ضحى يوم السبت ..كانت تمسك بالكتاب وهي مرحة .. تتعثر بفهم المعادلات وتضحك كلما ذكر <سين تربيع > وتعلق (اربعة ربعوني في البحر انزلوني ) .. تهزج وسماء عينيها تبرق في مرح طفولي ..وكان صدرها يسبق عمرها ..وحاول .. لكنها الان تنظر بصفاء للامر .. فتركت الكتاب واخبرته بان صداعا فاجأها وستمضي للنوم ..
<ليس هو > .. قالت نجوى وقد اجتمع جمع غفير ..وكررت لنسوة نادبات صارخات <ليس هو > وقد احمرت عيناها من الدمع ..وكان اخوته واقرباؤه قد فتشوا جميع المستشفيات حتى تعرفوا عليه وقد اخترقت رصاصة قناص موضع القلب ..
وحين دفنوه وعادوا من النجف سالتهم: كم شامة على صدره ؟ فاجابوها لم نر واحدة .. فقالت وهي تمزق الخدود <ليس هو >..< ان ثلاثة شامات على صدره جهة القلب واضحة .>.لم تزر قبره يوما وبعدما يئست من عودته حيا بعد سنوات .. ترسخت في ذهنها اسطورة انه ربما قتل واكلته الذئاب .. لكن من في قبره ليس هو ..
قالت لابنها سليم (سابات في بيت مهند ..ابنته مريضة .. ولا واحدة من خالاتها تراعيها )
مضى عامان على وفاة زوجته بحادث دهس .. كانت تسمع بمعاناته وتحس بوحدته .. كان قلبها ينزف له ..وتلاطمت ذكرياتها عنه وارسلت اليه ذات يوم قميصين فاخرين .. وفي مرة سمكتين بنيتين.. واثناء تطوافها بالاسواق رات محبسا بفص عقيق فاشترته لاجله ..
وطرقت الباب وهرعت فتاة بعد ان قبلتها صائحة (اتت خالة نجوى >..
لم يكن مرض الفتاة الا ذريعة خلقتها ..كان مهند في الغرفة الاخرى يحشد الذكريات ويقشر منه السنين ويرش العطر على الفراش .. وعاوده الحماس الاولي يوم كانت نجوى تسخر من المعادلات .. وتذكر يوم نزلت هاربة من انتفاضة السمكة وامسكت الحبل.. ازاح من ذاكرته الاشرطة الفائضة ..وقبيل منتصف الليل خطا للغرفة الاخرى وسعل فانتبهت فاشار اليها فقالت متبسمة .. مشيرة لاخر اليقظين (يحتاج ربع ساعة ليغزوه النوم )..
وتورد خداها..ومدت يديها كجناحين وفي عينيها رغبة متفجرة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في