الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة الثامنة عشرة) ما هو الارهاب ؟!

ثامر عباس

2022 / 10 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(الحلقة الثامنة عشرة) ما هو الإرهاب ؟!


إذا كانت ظاهرة الحرب قد حظيت بتعريف يكاد أن يكون محل إجماع ذوي الاختصاص ، مثلما إن محاولات تصنيفها قد استقرت - ضمن الأعراف السياسية والعسكرية - على نمطين لا ثالث لهما ، فان مفهوم (الإرهاب) الذي يمتح من ذات النسغ الذي يغذي مفهوم (الحرب) شذ عن هذه القاعدة واستعصى على التقنين ، لتباين دوافعه وتنوع أنماطه وتعدد أهدافه . ولهذا فقد أحصى أحد الباحثين الهولنديين (( أكثر من مائة تعريف للإرهاب ، وضعها أصحابها منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الثمانينات ، أورد الباحث اثنين وعشرين عنصرا"غطتها تلك التعريفات ))(1) ، بحيث أفضى هذا الأمر إلى جعل هذا المفهوم يبدو إشكاليا"بامتياز .
بيد إن هذا الغموض في الدلالات والتشعب في الأغراض والتداخل في الأسباب ، لم يمنع الباحثين من محاولة اجتراح تصنيف يحظى بالإجماع أو الغالبية لمفهوم الإرهاب كما حصل لمفهوم الحرب ، الأمر الذي تمخض عنه إجراء تفرقة بين الإرهاب (الدولي) والإرهاب (عبر الدول) كما أورد ذلك احد الباحثين . فالنوع الأول (( يحدث عندما يقوم بالإرهاب فرد أو جماعات تتحكم فيهم دولة ذات سيادة ، أما الإرهاب عبر الدول فينسب إلى عناصر فاعلة ليست لها صفة الدول بالرغم من أنها قد تتمتع بدعم دولة من دولة متعاطفة معها . والفارق الحاسم بين هذين النمطين هو الفارق بين التحكم والدعم . ومن هنا يكون الإرهاب الدولي امتدادا"لآليات السياسة الخارجية لدولة ما ، ويكون الإرهاب عبر الدول – بمعنى ما – ذا طابع مستقل ))(2) .
وعلى أية حال فقد أوجز كل من (نانسي سينوريلي) و(جورج غيربنير) في كتابهما الموسوم ؛ العنف والإرهاب في وسائل الإعلام ، تعريف الفعل الإرهابي قائلين (( عادة ما يعرف الفعل الإرهابي باعتباره فعلا"ينطوي على العنف ، بواسطة الدول أو بينها ، أو ضدها ، أو ضد سلطات أخرى من أجل نشر الخوف والتعبير عن موقف ، وفي العادة يكون سياسيا"))(3) . والحال إن ظاهرة (الإرهاب) لم تعد مقصورة على الدول – وان كانت هي أحدى أطرافه – وإنما طالت الجماعات المتطرفة والمكونات المتعصبة ، التي استثمرت بوحشية هذا الفعل (الدموي) لتحقيق أهدافها ونيل مآربها ، سواء بمساعدة أطراف إقليمية أو دولية مستفيدة أو متورطة أو بدونها . هذا من جانب ، أما من جانب ثان ، فان عناصر ومصادر هذه الظاهرة (الإرهاب) باتت من التشابك والتلابس ، حدا"بحيث لم يعد منطقيا"ولا إجرائيا"نسبتها إلى عنصر واحد أو مصدر وحيد ، وانما أضحت بمثابة مركز تقاطع العديد من العناصر والمصادر ؛ سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية ، الخ .
والحقيقة أن دوافع العمل (الإرهابي) ، باعتباره شكلا"من أشكال العنف الاجتماعي العابر للحدود والمتخطي للأقاليم ، باتت من التنوع والاختلاف – بلّه التناقض – بحيث يصعب حصرها"أو تقنينها ضمن دوافع محددة أو أسباب مخصوصة يمكن تتبعها والاهتداء إليها . إذ لم تعد العوامل (الخارجية) وحدها مسئولة عن تحفيز هذا السلوك الدموي لدى الفاعلين وتأجيج نوازع الانتقام لديهم فحسب ، وإنما أضحت العوامل (الداخلية) طرفا"مباشرا"لا تقل مسئوليته ولا يتدنى دوره عن نظيره (الخارجي) في دعم وتشجيع مثل هذا الضرب من العنف التدميري . ونتيجة لذلك بات من الصعوبة بمكان اجتثاث هذه الآفة وتجفيف منابعها ، ليس من قبل المجتمعات المحلية المبتلاة بعواقبه الجسيمة وآثاره الفادحة فحسب ، بل وكذلك من قبل المجتمع الدولي الذي أثبت عجزه – لحد الآن - في التصدي لتحديات هذا الوباء الإنساني (المفتعل) ، على خلفية تقاطع المصالح والأهداف والاستراتيجيات .


الهوامش
1. الدكتور أسامة الغزالي حرب ؛ الإرهاب كأحد مظاهر استخدام العنف عربيا"ودوليا"، بحث منشور ضمن المؤلف الجماعي ؛ العنف والسياسات في الوطن العربي ، سلسلة الحوارات العربية ، ( عمان ، منتدى الفكر العربي ، 1987) ، ص24 .
2. المصدر ذاته ؛ ص28 .
3. آرثر أسابيرغر ؛ وسائل الإعلام والمجتمع : وجهة نظر نقدية ، ترجمة صالح خليل أبو إصبع ، سلسلة عالم المعرفة (386) ، ( الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 2012 ) ، ص170 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة