الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقاشات فلسفية

علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)

2022 / 10 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


استرعاني التوقف عند مقولات فلسفية وجدتها خاطئة بتقديري جرت على لسان احد فلاسفة القرون الوسطى الاوربية دي لوساكا وغيره ساتناولها بالتعليق النقدي التالي عليها تباعا.
1. "الوعي هو نوع من التحرر من الواقع".
الوعي ليس نتاج الواقع في تفسيره المجرد المباشر وبخلافه هذا يعني لا يمكننا تمييز احساسات الحواس التي هي نتاج الواقع وبين الوعي الذي هو فهم وتوصيف مقولات العقل عن موضوعات الواقع في التعبير عن كينونته..
فالوعي لا يدخل في تموضع معرفي مع مدركات العقل لموضوعاته. كما والوعي لا يدخل بعلاقة جدلية مع المدركات العقلية بصيغة ديالكتيك التضاد. الوعي لا يسبق الموجود ولا يحاول المداخلة معه خارج سلسلة المنظومة العقلية الادراكية التي تبدأ بالحواس في تسليم شبكة الاعصاب الاحساسات الواردة اليها من مدركاتها الحسية الانطباعية عن الواقع. الوعي فهم عقلي ثانوي على اسبقية الوجود.
الوعي لا يماثل الانطباعات الحسية الصادرة عن الواقع التي تتحسسها الحواس وتتولى نقلها لشبكة اعصاب الذهن. الوعي ليس نتاج الواقع ولا حبيسه كي يتحرر منه. الواقع هو مركزية مصدر الادراكات العقلية بينما الوعي هو الفهم المعرفي الوارد من الدماغ في تعريفه لموضوعات ادراكاته.
الوعي هو تجريد اجرائي لفهم ومعالجة المدركات بخلعه توصيفات العقل لها. الوعي ليس مهمته ادراك موضوعات تفكير العقل بل هو واسطة نقل الوعي القصدي العقلي من مرحلة عملية ادراك الاشياء الى معرفة العقل لها.
الوعي لا يدركه العقل كموضوع بل هو وسيلة ادراك معرفي تعبّر عنه اللغة يكافيء الفكر بعلاقته اللغوية في التعبير عن المدركات. وحين نربط كما في الخطأ الوارد بالعبارة ان وعي الواقع ومحاولة الانفلات والتحرر منه متساويان انما تصبح النتيجة ليس هناك من موضوع يتوّسل العقل الوعي به.
وفي حال تعاملنا مع الوعي على انه موضوع عقلي يلازم الواقع ويكافؤه انما بذلك نجعل من العقل لا يمتلك موضوع تفكيره في هيمنته المعرفية لموضوعات مدركاته. بمعنى وعي العقل لمدركاته يختلف تماما عن وعي الوعي لتلك المدركات. ليس في اختلاف مضموني الادراك التعبيري رغم تعالقهما الترابطي بينهما بما لا انفكاك عنه.
الواقع لا يحتوي الوعي بنوع من العلاقة التموضعية لذا من الغريب القول ان الوعي هو نوع من التحرر الواقعي وغياب الوعي في ملازمته الواقع معناه انعدام معرفة مدركات العقل. كون الوعي ليس حبيس الواقع بل يلازمه ملازمة حيادية في تكامل معرفي معه هو توصيف تفكير العقل له..
ثم ليس من علاقة تضاد تنافري نوعي تحكم الوعي بالخلاص التحرري من الواقع. الوعي توسيط عقلي للتعبير عن المدركات العقلية لغويا. الوعي فهم العقل المعرفي المجرد في تعبير اللغة عن موضوعه. الواقع بموضوعاته موجودات مستقلة لا تحتاج الوعي بها قدر حاجة الانسان التعبير عنها.
2.العقل والخيال
كنت دائما اعتبر الخيال راس مال المفلسين بالحياة مع الاعتذار للمواهب الادبية والفنية والجمالية التي مصدر الهامها الخيال وليس الذاكرة والواقع فقط. وحين وجدت ديفيد هيوم يشن هجوما لاذعا على خاصية الخيال عند الانسان باعتباره الخيال هو التفكير المترهل غير التحفيزي المتكاسل الذي لاقيمة له وانكر هيوم ان يكون للذاكرة علاقة بالخيال.فالذاكرة مخزون معرفي خبراتي متراكم. والخيال هو ابتداع تفكيري لمواضيع تفكيرية يحكمها توقيت التفكير والوعي القصدي بها. بهذا المعنى الخيال لازمني وإن كان شعوريا. وهذا لا يناقض ولا يلغي مقولة فرويد اللاشعور لا يحتاج الزمن.
هيوم زاد قناعتي التسليم بالخطأ الذي قال به أن لا قيمة للخيال. واصبح هذه الاعتقاد عندي ملازما لي الى أن بدده انشتاين قوله اعلى مراتب مايمتلكه الانسان هو خاصية الخيال وليس خاصية العقل. وليس تفسير هذا ان الخيال ينتج العقل بل العكس وهنا المقايسة المقارنة المعيارية ليست على مستوى بيولوجيا العقل. بتفسير اوضح أنه لا مجال نكران تفكير العقل بمواضيع غير مدركة ماديا هي ليست خيالا مصدره عقلي. هنا اهمية العقل واهمية الخيال لا يتحدد دورهما في التراتيبية العضوية الادراكية للعقل في الاقرار الخيال ناتج عقلي لا ينوب عن تفكير العقل ولا يتقدمه. انت مثلا لا تستطيع القول ان تعبير الوعي عن الاشياء هو لغة تجريد وشكل تعبيري بلا مضمون او محتوى. او التعبير عن التفكير هو مضمون لا ياخذ شكل اللغة الابجدية الصوتية.
ومن الجدير ذكره ان فوكو وهيدجر وسارتر ونيتشة وغيرهم يعتبرون هذاءات الجنون غير المفهومة هي نوع من خيال لا يقل خصوبة ابداعية في التعبير عن واقع وجودي نجهله لا ندركه نحن مثلما لا يدرك المجنون عالمنا. وربطوا لغة غطرفة المجانين بلغة تطرف التعبير الشعري الذي لا يوازي الواقع بل يقاطعه عند الشاعر او الفنان التشكيلي. هنا تفكيك نحو وبلاغة اللغة المعتادة واصوات الدلالة عن الاشياء في تعبير الشاعرالذي يتم في بعضه بهيمنة اللاشعور الخيالي على منتجه الشعري لكن كل هذا لا يلتقي ولا يشبه تعابير هلوسات الجنون عن عالم لا ندركه بلغة الجنون. لغة الخيال هي قسمة مشتركة بين الفلسفة والشعر, باختلاف ان لغة الفلسفة تخضع لسطوة العقل ,بينما الشعر يعيش لغة وخيال اللاشعور. الزمن والعقل جوهران يحكمان الانسان ان يكون اللاشعور مدركا عقليا. مصداقا لمقولة فرويد اللاشعور اي اللاوعي لا يحتاج الزمن. بينما العقل لا يدرك المكان من غير ملازمة الزمن وهي مقولة افتراضية غير متحقق برهانها. ربما تثبت الفيزياء مستقبلا ان الزمن وجود احتوائي لا يدركه العقل لذا تصبح عملية التشكيك بالزمن كوجود دلالة عن المكان مسالة تحتاج برهانها وليس التنظير.
3.معيارية الاخفاق
يقول احد اقطاب الفلسفة الوجودية كارل ياسبرز(حقيقة الاخفاق هي التي تؤسس حقيقة الانسان). اجد في العبارة دينامية الاخفاق في بعض شؤون الحياة هي التي تنمّي عند الانسان ملكة تصنيع ماهيته القائمة على تجاوز الاخفاقات الخاطئة.
النجاح يأتي مرة واحدة في الحياة وما ينبني عليه ليس اضافات من النجاحات النوعية الفرعية غير المتناغمة مع الاصل بل هي تراكمات كمية على اصل النجاح. النجاح التراكمي خطأ يلازم (زمنا) يجعل منه نجاحا نسبيا. تاريخ الانسان منذ بدء الخليقة على الارض هو تاريخ تصحيح اخطائه في حياته وفي حياة الاخرين اذا استطاع ذلك تصحيحا نوعيا. الانسان حياته قائمة على معالجة اخطائه وليس معالجة كيفية نجاحاته. الاخفاق وثبة تحفيز عبور نحو ارادة الوصول عتبة النجاح وليس مرحلة استهلاك الانسان نجاحه بالحياة. نظرية العقل والتحول اللغوي وفلسفة اللغة وفلسفات اللسانيات كلها تعتاش على مقولة وجوب تصحيح اخطاء اللغة عبر العصور التي اوقعتنا في تضليل معرفي لا براء منه.
4. الزمن يسبق الوعي الحقيقي, والزمن بعد سببي للزمكان.
لا يوجد تراتيبية معيارية تجعل من الوعي ثانويا على اولوية الزمان. الزمان افتراض وهمي جوهري ميتافيزيقي الدلالة بالاسبقية الكونية تحكم الطبيعة والوجود الانساني. والقول(الوعي هو نوع من التحرر من الواقع) عبارة ليست صحيحة في عدم امتلاكها تحققها البرهاني. الوعي ذاتي النشأة والوجود بمعنى الوعي لا يزامن الواقع كما في ملازمة الزمن له. الذي هو اي الزمن يسبق الوعي الحقيقي كما هو يسبق الواقع ايضا. علاقة الوعي بموجودات العالم من حولنا تعطيه السمات التالية :
- الوعي تجريد فهمي معرفي حيادي لاجدلي في علاقته التعبير عن الاشياء.
- الوعي لا يرتبط بعلاقة سببية مع الواقع ولا بعلاقة جدلية معه كي يتحرر منه.
- الوعي لغة تعبيرتجريدي عن الواقع لا يمتلك فعل تغييرموضوعاته الا باسترشاد عقلي .
- الزمن هو بعد لا سببي قبلي في وعي الزمكان معا بخلاف الوعي الذي هو بعدي على ادراكه الواقع في توصيفه العقلي. علاقة الوعي بالواقع هي علاقة معرفية تكاملية مع الواقع بينما الزمن هو علاقة حياد ادراكي للواقع.
- الوعي بخلاف ادراك الحواس هو مرتبة ثانوية بعد الادراك الحسي.
- الوعي هو تلك المعرفة الواقعية للاشياء التي يبت بها الدماغ.
5.الزمن يسبق الوعي ويزامن المكان
الزمن يسبق الوعي وهما الاثنان الزمن والوعي تجريدان غير متجانسين, فالزمن في اسبقيته على الوعي بديهة معرفية منطقية في حال البرهنة عن وجود زمني يلازم الوعي الادراكي والواقع معا.
مطلق الزمن الافتراضي غير المدرك عقليا سوى بدلالة حركة الاجسام داخله التي استرشد بها علم الفيزياء وغالبية الفلاسفة معا. في حين الوعي يمتلك خاصية تعالقه وتداخله مع كل من العقل من جهة وموضوعات ادراكاته من جهة اخرى.
الزمن وعي دلالة مطلقة غير مدرك عقليا, والوعي دلالة معرفية ندركها بدلالة مزامنته تعبير اللغة عن الاشياء. واما عبارة (ان يكون الزمن بعد سببي للزمكان) فهي عبارة لا تستحق مناقشة خطئها. فالزمن مفهوم وجوهر افتراضي خاصيته الاحتواء الشامل لجميع الموجودات كمعطى سببه ميتافيزيقي غير معلوم. الزمن لا يتخلق عنه وجودا مكانيا مدركا.
فنحن مثلا نردد الزمن يحتوي كل شيء ولا يحتويه شيئا هي عبارة لا تمتلك برهان تحققها الفيزيائي لكنها مقبولة منطقيا. الزمن الافتراضي الوجود خاصيته الاحتوائية لجميع الاشياء لكن ليس بالضرورة يكون سببا في وجودها. كما الزمن ملازمة افتراضية ايضا ندركها بحركة الاجسام داخلها في قياس مقدار المسافة التي يقطعها ذلك الجسم المتحرك.
الزمن لا يمكن ان يكون سببا للزمكان حسب العبارة الفلسفية الخاطئة التي مررنا بها. هل من المنطقي المقبول ان نقول الزمن سببا لزمن آخر؟ وكذلك ان نقول الزمن سبب لمكان ايضا؟
نختم بعبارة ميتافيزيقية لافلاطون لا يمكن دحضها كما لا يمكن اثباتها ما معناه المكان معطى وجودي مكتسب ترجيحا ان له سبق الاولوية الوجودية على الزمن وتنظيم الزمن يتم بدلالة تنظيم المكان.وليس بمقدور الزمن تنظيمه عشوائية المكان فالزمن ادراك محايد لا يتموضع تكوينيا بالواقع ولا يكون سببا في خلقه الاشياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مساعدات بملياري دولار للسودان خلال مؤتمر باريس.. ودعوات لوقف


.. العثور على حقيبة أحد التلاميذ الذين حاصرتهم السيول الجارفة ب




.. كيربي: إيران هُزمت ولم تحقق أهدافها وإسرائيل والتحالف دمروا


.. الاحتلال يستهدف 3 بينهم طفلان بمُسيرة بالنصيرات في غزة




.. تفاصيل محاولة اغتيال سلمان رشدي