الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه الجوانب الخطيرة في الانتفاضة الإيرانية

راتب شعبو

2022 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الاحتجاجات المستمرة في إيران منذ حوالي الشهر، على خلاف الاحتجاجات الكثيرة التي شهدها هذا البلد من قبل، تحرج الإسلاميين (أتباع الشريعة) العرب وغير العرب، وليس فقط النظام الإسلامي في إيران. لأن هذه الاحتجاجات تخرج بوضوح ضد "إسلامية" الدولة، وتحرق صور مرشدها، وتحرق الحجاب، ويعبر المحتجون فيها صراحة عن رفضهم دولة إسلامية. انطلاق الاحتجاجات من حادثة تتعلق بالحجاب (الرمز الذي يستخدمه الإسلاميون على أنه شارة لسيطرتهم على المجتمع) قاد المحتجين إلى التصادم مع "إسلامية" الدولة، وليس مع مظاهر لا تتصل مباشرة بإسلامية الدولة، مثل التزوير في الانتخابات (كما كان الحال في احتجاجات العام 2009) أو الفساد وسوء في الإدارة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتدني مستوى المعيشة (احتجاجات 2017 و2019). هذا ما جعل الإسلاميين عموماً يتلكؤون في مساندة الاحتجاجات، ويرونها، وهم على حق، أنها ضدهم، كما هي ضد النظام الإيراني.
نظرياً، يمكن للنظام الإسلامي في إيران أن يعيد النظر في نتائج انتخابات معينة (من الطبيعي أن تكون الانتخابات في إيران قليلة القيمة بوجود سلطة عليا غير منتخبة هي سلطة المرشد واسع الصلاحيات)، ويمكنه أن ينسب الفساد وسوء الإدارة وكل صنوف المظالم إلى مسؤولين وكوادر في الدولة، بل يمكنه، إذا اضطره الأمر، حتى أن يحاكم المسؤولين عن هذه الممارسات التي يحتج عليها الجمهور، بتهمه مخالفة القيم الإسلامية. ولكن كيف يمكن لنظام إسلامي أن يتصرف حيال احتجاجات تطالب بالحرية الشخصية في اللباس، وترفض ما يراه النظام "فرضاً إسلامياً" لا بد من احترامه إلى الحد الذي يجعل رئيس الدولة في هذا النظام، يمتنع عن مقابلة صحفية أمريكية لأنها رفضت أن تخفي شعرها أمامه، حتى لو كانت هذه المقابلة تجري خارج الأراضي الإيرانية؟
لا تكتفي الدولة الإسلامية بأن تكون ديكتاتورية (سيطرة طغمة على الحكم وتهميش إرادة المحكومين)، بل تضيف إلى ذلك، التدخل في نمط حياة الناس، أي تضيف إلى الشرطة السياسية شرطة أخلاقية، وهذه تستمد شرعيتها في الدولة من ادعاء "حق" وصاية على الناس يقوم على اعتبار الإنسان بطبعه كائن غير أخلاقي ولا بد من وجود شرطة تجبره على التزام الأخلاق. وكأن هؤلاء الأوصياء من طينة مغايرة للناس، ما لا يستقيم مع المبادئ الأساسية للدين الذي يحكمون باسمه. هذا فضلاً عن أن هناك الكثير مما يشير إلى أن ممارسات هذه الشرطة الأخلاقية أبعد ما يكون عن الأخلاق.
كل الاحتجاجات التي شهدتها إيران، منذ سقوط الشاه واستقرار الحكم لرجال الدين، كانت أقل أثراً على النظام من الاحتجاجات الحالية، حتى لو كانت أعداد المحتجين من قبل أكبر، وحتى لو شكلت الاحتجاجات من قبل انقساماً ضمن الطغمة الحاكمة، كما شهدنا في 2009 انشقاق مير حسين موسوي ومهدي كروبي الممنوعان إلى اليوم من حرية التنقل.
الجانب الخطير الأول في الانتفاضة الإيرانية الحالية أنها تستهدف ركيزة أساسية فيه، هي الحجاب. وهذه ركيزة أساسية للنظام الإيراني ليس بوصفه نظاماً ديكتاتورياً، وهو كذلك، بل بوصفه نظاماً إسلامياً يعتبر أن فرض الحجاب ركيزة إسلامية. على هذا، فإن هذه الانتفاضة نجحت في أنها رفعت الصوت ليس ضد ممارسات وسياسات معينة، بل ضد "إسلامية" الدولة، حين تفهم الإسلامية على أنها فرض "الشريعة" بالقوة وبالاستناد إلى الدولة. لأول مرة يشهد نظام "الولي الفقيه" انتفاضة بهذه الجذرية، نقصد التعارض التام بين مطالب الحراك وطبيعة النظام القائم. هي إذن انتفاضة كسر عظم بين الإرادة الشعبية والنظام الإسلامي.
في هذه الحالة، يشكل رفض الرمز (الحجاب) قيمة جذرية، وقيمته الجذرية هذه مستمدة من الارتباط الضروري أو الحيوي الذي يؤسسه الإسلاميون (أو معظمهم) بين سيطرتهم السياسية وبين سيطرة هذا الرمز. التراجع عن فرض الحجاب غير ممكن في مثل هذه الدول، لأنه يعادل فقدان السيطرة. الواقع السياسي في الدولة الإيرانية اليوم يعرض تلازماً نادراً بين السيطرة الأيديولوجية لطغمة الحكم الديني، وبين رموز مادية أبرزها حجاب المرأة، فيبدو أن التخلي عن الحجاب ينقض النظام بنقض استناده الأيديولوجي. هذا يبين إلى أي حد تشغل الرموز في مثل هذه الدول مكانة حساسة بل حاسمة. يميز هذا الرمز عن غيره (كالعلم مثلاً أو صور الزعيم ... ) أنه ليس رمزاً رسمياً توزعه وتصونه الدولة، بل شأناً شخصياً يتعلق بالحياة اليومية المباشرة للناس. الحفاظ على هذا الرمز يقتضي مصادرة إرادة حامليه.
من اللافت أن أحد تنويعات الإسلاميين (التيار الصدري)، في محاولة منه لتجاوز الحرج إزاء انتفاضة الحجاب، وقف ضد النظام الإيراني ولكن مع فرض الحجاب. يشير هذا التركيب الطريف للموقف، إلى المأزق الذي يجد الإسلاميون نفسهم أمامه في كل مكان، فهم، من جهة، لا يستطيعون إدانة حركة شعبية عفوية لا تنجح معها التهم الحزبية الجاهزية، ومن جهة أخرى، لا يمكنهم قبول مطالبها التحررية.
الجانب الآخر من خطورة هذه الانتفاضة على نظام ولاية الفقيه، هو جرأتها في كسر هيبة أو قل "قداسة" المرشد، ليس فقط من خلال حرق صوره، بل أيضاً من خلال السخرية والاستخفاف اللفظي والحركي به. يشكل هذا تجاوزاً لخطوط اعتبارية لها أهمية كبيرة في تكوين دولة الملالي، وكل دولة ذات مرجعية مشابهة. الواقع أن قيمة الخطوط الاعتبارية للشخصية المركزية للنظام (المرشد الأعلى)، في ثبات واستقرار الدولة الايرانية، لا تقل عن قيمة الحجاب بوصفه شارة سيطرة. على هذا فإن الانتفاضة الحالية عملت على تحطيم القيمتين في نظر قطاع واسع من الإيرانيين، الشيء الذي لم تفعله الانتفاضات السابقة. هذا بحد ذاته مكسب ورصيد مضمون للانتفاضات القادمة، فيما لو نجح النظام في إخماد هذه الانتفاضة.
الجانب الثالث الخطير هو غياب القيادة عن الانتفاضة. غياب القيادة ملمح شائع في الاحتجاجات التي تشهدها المنطقة. وينطوي هذا الملمح على قيمة مهمة فحواها أن الإرادة التي تتحرك في الشارع تعبر عن مطالب شعبية نابعة من وعي شعبي مدرك لما يريد، وليست استجابة شعبية لدعوة من جهة محددة، سياسية أو دينية. هذا النوع من الإرادة يصعب الالتفاف عليه ويضع النظام أمام خيار الاستجابة أو البطش، وفي الحالتين تضعف النظام. وإذا كان لهذا الجانب سلبية تتعلق بالعجز عن تثمير منظم لإرادة الشارع، فإن بروز تمثيل لهذه الإرادة، على شكل لجنة تفاوض مثلاً، يمكن أن يحد من هذه السلبية.
الاحتجاج المباشر ضد إسلامية الدولة، والجرأة الصريحة على "المرشد الأعلى"، وغياب القيادة الحزبية للانتفاضة، ثلاثة جوانب تشكل خطورة جذرية على النظام الإيراني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو