الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شجرة السنديان: هؤلاء هم العلويون الأطهار

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2022 / 10 / 16
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير



هذه الصورة لسنديانة معمرة عند مقام الشيخ علي بن سلمان آل ماخوس، مؤسس العشيرة العلوية الحيدرية الكبيرة المتجذّرة في الساحل السوري، وهي واحدة من أكبر العشائر العلوية في الساحل السوري وتمتد في العمق التركي ولواء إسكندرون الخاضع لسيطرة تركيا اليوم....وأثارت هذه السنديانة فيّ لواعج وذكريات وحنيناً لزمن طفولي نقي بريء وغابر، كنت أقف فيه مدهوشا بخوف غامض مجهول وبرهبة وخشية عامرة مشغوفاً بوله حائر أمام هذا الضريح ورهبة هذا المكان، وأنا أجول بنظري بين تلكم القبور والأضرحة والشجر الباسق وظله الغامر البارد في عز الصيف اللاهب، فلا احد يعلم ، حقيقة، ما هو عمر هذه الشجرة ذات الأخاديد المتخشبة العميقة، كما لا يـُعلم عدد القبور التي محيت وسوّيت بالأرض وضاعت واندثرت ملامحها من مئات السنين، فهنا المقبرة الرئيسية لسكان القرية، وهناك الكثير من هذه الشجرة بالجوار، الأطول عمرا منها، مع العلم أن عمر هذا الضريح يتجاوز الـ ٣٠٠ عام ونيف، فطبعا لا أحد تجرأ ولم يتجرأ على مد يده وقطع حتى "شخدية" أو غصين صغير منها، وربما هذا هو أحد أهم أسباب خلودها وبقائها المديد، بسبب ارتباطها بقدسية المكان عند الطائفة ككل، أي من المحرّم، والمحظور قطع غصن من " الزيارة" أو جوارها، واستخدام ذلك لأي سبب، وكانت الآداب العامة، وانغلاق المكان المحفوف بمخاطر "خارجية" ومحدودية الديمغرافيا تجعل الخروج عن تعاليمها وأخلاقها مغامرة كبرى أمراً خطيراً فكان الالتزام العامة هو السمة العامة لهؤلاء السكان...
واذكر، لليوم، ومنذ، كنت صغيرا ونأتي لنلعب، ونمرح، ونلهو، " عند الزيارة"، حيث كانت الفسحة والوجهة السياحية اليتيمة لنا في تلكم الجبال النائية والمعزولة والفقيرة المعدمة، اذكر وجود بعض جذوع الشجرات واغصان متناثرة، ملقاة بشكل فوضوي وعشوائي هنا وهناك، في فناء "الزيارة" والتي بقيت هناك لعقود طويلة دون أن تمسسها يد بشري، ففي العرف العلوي المقدس، هناك تحريم تام للمال الحرام، أو "مد اليد" على شيء ليس لك او من حقك، او الاستحواذ على ما ليس لك، بطرق ملتوية وغير شريفة، فما بالك لو كان هذا الشي تابعا "للزيارة"(الضريح والمقام المقدس للرجل الصالح "صاحب السر" عندهم)، رغم الضرورة القصوى والحاجة الماسة لذلك وإمكانية استخدام تلك الجذوع كحطب للنار في ايام الشتاء الباردة جدا في تلك القرى التي ترتفع حوالي 1000 م عن سطح البحر، ، وكانت تمضي السنون، والعقود، وتطوى الأيام، وتلك الجذوع والاغصان جاثمة ومركونة في مكانها، فالعلوي الطاهر الشريف لا "يمد يده" على حرام ولا يمكن له ان يتنعم ويعيش ويأكل مالا حراما لأنه سيدفعه من صحته وعمره وسينزل عليه غضب الآلهة، حسب معتقدهم، بشكل فجيعة ما مهما طال الزمان (ترجمة وتجسيد لفلسفة الكارما وعقائد شرقية أخرى قديمة قبل ظهور فلسفة قريش او ما يعرف بالإسلام)، وكان المرحوم والدي، المتمسك بعلويته وقيمها الطاهرة، يوصيني ويحذرني من أخطر أمرين في الحياة وهما : "أذى الناس والإضرار بهم، وأكل المال الحرام".
ولليوم، وبأي وقت، يمكنك الذهاب لمقامات العلويين المقدسة، ورجالهم الصالحين، لترى شجر السنديان والبلوط، وغيره، المعمّر طويلا، وبالتأكيد سترى وتلاحظ الجذوع التي تكسرت، والأغصان التي تساقطت بفعل الرياح والأنواء والأحوال الجوية والاهتراء والتآكل وقد بقيت هناك لسنوات وعقود طويلة دون أن تمسسها يد، لأنه في العرف العلوي السائد، الرجل العلوي، وقد ربّى ذريته على ذلك، فهو لا يأكل، ولا يمد يده، على مال حرام، فما بالكم بأموال "المقامات"، وقبور الأولياء، رغم الحاجة الماسة للحطب مع وجود هذه الأزمة الحادة والخانقة على الطاقة، ومشتقاتها كالحطب، وحالة الجوع والقلة والعدم التي تعيشها الشعوب والأمم وكافة الأديان والطوائف والمذاهب السورية، ولا زال، لليوم، هناك علويون، وكهذه الجذوع المقدسة، يحافظون على عقائدهم العلوية وطقوسهم وممارساتهم القديمة التي تمنعهم وتحرّم عليهم، كحُرْمةِ يَومِكم هذا، في بَلدِكم هذا، في شَهرِكم هذا، في بلدكم هذا، مد اليد واكل المال الحرام، ولا يقطعون، ولا يمدون أياديهم على شجر السنديان، وأموال الناس....
هؤلاء هم العلويون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك