الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش بعض الأحداث

احمد المغربي

2022 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لقد كانت الأيام السابقة حافلة بالأحداث المهمة وقد حاولت أن أكتب حول بعضها لكن الوقت لم يسعفني وما إن كنت أشرع بوضع المقدمة لمقال ما حتى أجد النفور قد استولى على روحي و جعلني عاجزا عن القيام بأي شيء لكن هناك حدثا أعتبر تجاهله من طرفي سيكون جريمة حقيقية ففي الاسبوع الماضي صممتُ على تأجيل إعداد و نشر مقالي عن الرسول محمد من أجل كتابة مقال عن الشاب المغربي ياسين شبلي الذي سقط ضحية لتعسف الشرطة في الذكرى الخامسة والخمسين لاستشهاد المناضل الأممي العظيم ارنستو تشي جيفارا لكنني لم أجد الوقت للقيام بذلك في يوم الاحد السابق وقد فكرت في الامس بإعداد المقال عن الرسول و الاكتفاء ببضع كلمات عن الشهيد طالما أنه قد مر أسبوع عن الحدث غير أنني لن أخفي عنكم أنني عجزت عن القيام بذلك و فضلا عن هذا فقد وجدت أن هناك الكثير ليُقال على هامش ذلك الحادث و في هذا الصدد يأتي هذا المقال
×××××××
لقد كان خبر استشهاد ياسين الشبلي ابن مدينة بن جرير في مخفر الشرطة مثل صاعقة أشعلت نار الغضب في نفسي و لا أدري إن كان سخطي نابعا من التعاطف المجرد مع الغير أو من الأنانية التي تجعلني أرى نفسي مكانه لكن كل ذلك لا يعني لي شيئا أنا الذي أُصِر دوما على أن فصل الانا عن الغير مجرد غباء و ضيق نظر في ظل وحدة المصالح أما ما كان يعني لي الكثير فهو تزامن ذلك الحادث مع الذكرى الخامسة و الخمسين لاستشهاد تشي جيفارا ففي خطابه في الجلسة العامة للأمم المتحدة قال جيفارا: "إذا تبيّن أن ذلك ضروري فانا مستعد للتضحية بحياتي في سبيل هذا البلد أو ذاك من بلدان أمريكا اللاتينية دون أطلب شيئا من أحد و دون أن أشترط شيئا" و الآن بعد أكثر من نصف قرن على استشهاده البطولي في بوليفيا قد نقول أن أحلامه بإلغاء استغلال الانسان لأخيه الانسان و توحيد بلدان أمريكا اللاتينية لم تتحقق لكن ما يحزنني أنا ابن هذه القارة و هذا الجزء من الأرض هو أنه في حين أن أمريكا اللاتينية لم تتخلص من الرأسمالية في الذكرى 55 لاستشهاد جيفارا فقد تخلصت من ديكتاتوريتها العسكرية و قطعت أشواطا في تحقيق الديموقراطية أما نحن في هذه القارة المنكوبة فبعد نصف قرن من نيلنا للاستقلال الشكلي لا زلنا نرزخ تحت حكم أنظمة قمعية لا تكتفي باستغلال الانسان بل تتلذذ بإهانته و الدوس على كرامته وبعد عقد على استشهاد البوعزيزي و خالد سعيد و انتفاض شعوبنا ضد هذه الانظمة القمعية لا زلنا نرى الاستبداد الوحشي يسلب حياة محسن فكري و ياسين شبلي و غيرهم و يسجن الآلاف من المعترضين على إجرامه
ما ذنب ذلك الشاب ليُقتل في مخفر الشرطة بدم بارد و لامبالاة إجرامية؟ هل كان ذلك الشاب هو من سرق الملايير ؟ هل كان من مغتصبي الاطفال الذين يكافؤون على جرائمهم بالعفو؟ ربما كان من أبناء الفشوش(البرجوازيين) الذين رأيناهم يسخرون من الشرطة و يتبجحون بنفوذ أسرهم التي تكفل لهم خرق القانون و حتى ارتكاب الجرائم دون حساب...
كلا كان ياسين شبلي ابن مدينة بن جرير شابا بسيطا لعل ذنبه الوحيد هو أنه رفض أن تتم اهانته في بلد لا تحتكر فيه الشرطة السلاح و حسب بل و أيضا إهانة المواطنين التي يعتبرها بعض رجاله حقا لا جدال في شرعيته فقد تم توقيف الشاب الذي كان يعمل حارس أمن لدى شركة خاصة بتهمة السكر العلني و قيادة دراجة نارية و في الحالات المشابهة لحالته يتم اطلاق سراح الموقوف بعد 48 ساعة من وضعه تحت الحراسة النظرية و تقديمه أمام وكيل الملك لكن يبدوا أنه بعد مشاحنات بينه و بين من اعتادوا على الاستعلاء على المواطنين تم تعنيفه بوحشية أدت لوفاته و يحكي بعض الشهود الذين كانوا موقوفين بالمخفر أنهم ظلوا يسمعون أنين الفقيد إلى حدود الرابعة صابحا و أنهم حينها سمعوا أحد رجال الشرطة يقول لزميله الذي سأله عن سبب توقف الشاب عن الصراخ و الأنين أنه "مات" ببرودة شديدة
إن ياسين شبلي ليس أول ضحية لهذا النوع من التعسف إذ حكى بعض أبناء مدينته أنه قد حدث شيء مشابه قبل هذه الحادثة و تم طمسه و التعتيم عليه كما أنه سبق أن خرجتْ للعلن فضية معاذ بن كيران الذي تم اغتياله في أحد مخافر مدينة القنيطرة بعد أن تم توقيفه من أجل تحقيق للهوية لكن اغتيال ياسين شبلي يأتي في سياق آخر إذ أن المغرب يشهد احتقانا يعترف به حتى المدافعون عن استمرار الوضع بشكل أو بآخر فالبطالة و غلاء الأسعار و السخط المتنامي في صفوف الفئات الشعبية لا يبشر بالخير بالنسبة للطبقة الحاكمة و أصدقائها الاصلاحيين وقد يتكفل أي حادث عرضي بقلب الأوضاع رأسا على عقب
و بالرغم من أنني لست ساذجا لاعتقد أن اغتيال الشبلي كان كفيلا بإشعال ثورة أو حراك مثلما حدث بعد اغتيال خالد سعيد في مصر أو سحق محسن فكري في المغرب نفسه غير أنني لا أخفي اندهاشي من عدم تناسب اللامبالاة التي تم التعامل بها مع وفاته مع الوضع الراهن الذي لا شك في أنه يرعب الطبقة الحاكمة التي رأت ما حدث في إيران و ما أثار انتباهي بشكل أكبر هو أنه بعد اسبوع على استشهاده بحثت عن تفاعل الأحزاب اليسارية مع الحادث لكن دون جدوى فلم يحرك أي منهم ساكنا ولم يُنشر حول القضية ولو حتى مقال على مواقعهم...
إن غياب التفاعل مع هذه الحادثة من طرف تنظيمات لها موارد تخول لها العمل بنشاط لوصمة عار علينا نحن اليساريون إن المرء لا يطلب من المناضلين الانتحار البطولي أو تحمل ما يتجاوز طاقتهم لكن الخمول جريمة حقيقية سندفع ثمنها باهضا في المستقبل و كيف يمكننا تجاوز أزمتنا و التحول لقوة فاعلة إن كانت أحزاب و تنظيمات تصدر جرائد أسبوعية لا تنشر شيئا عن هذا الحادث أو عن محاولة السلطة فرض الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال استراتيجية خلق المشكل و تقديم حل زائف و ديماغوجي له(قضية روتينهم اليومي و قنوات التفاهة) أ ليس واجبنا أن نوضح للجماهير أن النضال لكي لا يصبحوا مثل ياسين الشبلي هو ضرورة وجودية بالنسبة لهم؟ أليس من واجبنا فضح نفاق الاعلام الذي يسعى لتمهيد فرض الرقابة على ما تبقى من حرية التعبير بمبرر محاربة التفاهة التي كان النظام داعمها الرئيسي؟ و من سيفعل ذلك إن لم نفعل نحن؟ من الواضح أن شيخ الموسم الشيخ ياسين و أصدقائه ليسوا مهتمين بياسين الشبلي و أمثاله وأن محاربة الشيخات و الغناء و السعي لتأسيس فيزياء اسلامية هو أهم من قضايا الشعب بالنسبة لهم لكن هؤلاء الانتهازيين الحربائيين الذين يبدوا أنهم يرعبون بعض اليساريين سيجنون ثمار أي حركة تندلع بسبب خمول اليسار و لو كان هناك كيان يستحق هذا الاسم لتجاوزنا البكاء و العويل على ضعف اليسار و شرعنا في بناء شرعية و نفوذ حقيقي لأفكارنا و مشروعنا بين الجماهير لقد وضح لينين أن التفاعل الحيوي مع كل الاحداث هو ضرورة ملحة للحزب الثوري لكن يبدوا أن رفاقنا لم ينتبهوا مثلا لأن اغتيال الشابة الكوردية جينا مهسا أميني من طرف بوليس نظام الملالي هو فرصة مثالية للدعاية و لفضح المشروع الاسلاموي الرجعي و القمعي من خلال مثال ملموس
إن من لا يثير الظلم في مشاعره أي شيء ليس إنسانا و المناضل دون عواطف هو مجرد موظف أو سياسي محترف لا علاقة له بالنضال(او لنكون دقيقين فعلاقته به علاقة انتهازية) لكن المناضل الذي تسيره العواطف و الذي يفتقر للفهم السياسي سيدمر نفسه دون تقديم أي مساهمة فعالة لقضيته ولهذا فواجبنا كمناضلين هو أن نفهم لتكون أفعلنا نتيجة لمزيج بين البصيرة و الارادة لا مجرد الانفعال إذ أن الجماهير تنهض دوما للنضال و تُقدم في سبيله تضحيات عظيمة غير أن الافتقار للمنظور و التنظيم و الوحدة على أساسه يبدد كل تلك التضحيات الغالية و بالطبع فلا حاجة للتأكيد على أننا لا نقصد بالفهم حفظ شعارات أو اقتباسات من كتب مقدسة بل فهم التاريخ حتى لا نكرر أخطائه فبعد اغتيال خالد سعيد انتفضت الجماهير المصرية في يناير المجيد و اسقطت نظام حسني مبارك و أجبرت رجال القمع الذين تجبّروا لعقود على الهرب و الاختباء لكن ها نحن نرى الوضع المأساوي في مصر التي ترزخ تحت وطئة أسوء نظام مرّ في تاريخها الحديث و ها نحن نرى التسلط و الاجرام الحالي جعل الناس الذين ثاروا ضد مبارك يتحسرون على عهده إننا نحن الاشتراكيون لا نعتقد أن الوضع الكارثي الذي يقبع تحته الشعب المصري قد أتى من العدم ففي ظل سنتين بعد الثورة أجبرت الجماهير المصرية المجلس العسكري على التنحي و الاختباء في الكواليس و أسقطت حزبا له جذور جماهيرية جعلت الناس يفترضون أن اسقاطه لن يمكن أن يتم دون حرب أهلية لكن ماذا بعد؟ إننا نرى الضريبة التي تدفعها الجماهير المصرية و طلائعها المناضلة بسبب الأخطاء التي ارتكبتها القوى السياسية و بسبب غياب قيادة ثورية حقيقية إنني شخصيا لست متفائلا بخصوص القوى السياسية السائدة بالمغرب و لا أنا أعتقد أنها ستكون أفضل من المصرية بل على العكس أدرك أن الظروف الموضوعية بمصر سمحت ببناء تنظيمات و حركات لا نجدها في المغرب غير أنني لا أرى في هذا سببا للتشاؤم أو "التبشير" بحتمية الهزيمة إنني واثق في أن بين الشباب و الناس العاديين الذين لا نسمع صوتهم في المنابر الرسمية كوادر و قادة حركة المستقبل لكن الظروف لن تراعي ما يلائمنا و الجماهير التي ستجبرها الازمة على النضال لن تستشيرنا من أجل النهوض و لهذا فمن واجب جميع القوى المناضلة و المناهضة لنظام القمع و القهر الانخراط في نقاش جماعي جاد في سبيل التنظيم و الوحدة إذ لا سبيل غير هذا لتفادي الهزيمة
×××××××
بخلاف الأحزاب و التنظيمات اليسارية تفاعلت الأبواق المخزنية التفاعل مع القضية لتمرير سمومهم إذ أنهم بعد تصنعّ التضامن مع أسرة الشهيد و ادانة الجناة كأفراد حاولوا تبرئة الجهاز ككل و ادّعوا أن هؤلاء مجرد حالات معزولة لا تمثل مؤسسة الشرطة نحن كماركسيون لنا موقفنا الواضح من جهاز الدولة ككل غير أننا بعد حديثنا عن القمع البوليسي و ضحاياه قد نصادف أسئلة من قبيل:"هل كل رجال الشرطة أوغاد و مجرمين؟" إن الجواب هو "لا" ببساطة و بشكل عام فلا ينظر الماركسيون للأفراد الذين يعملون في الاجهزة القمعية من زاوية أخلاقية ولو كانت المسألة متعلقة بالأخلاق فيمكنني أن أُقرّ بأنني انطلاقا حتى من تجربتي الخاصة(كمواطن لا امتيازات أو وساطات له لا كناشط...) قد صادفتُ من ذلك الجهاز رجالا لعلهم يبزّون بأخلاقهم حتى بعض من يدّعون النضال غير أن المسألة تتجاوز الاشخاص و حتى بعيدا عن المنظور الماركسي للدولة(بشكل نسبي) فحين نحاول فهم سبب فساد جهاز الشرطة في بلداننا نجد أن المشكل يكمن في طبيعة النظام الرأسمالي المافيوزي(السائد في منطقتنا) الذي لا يمكنه أن يعاقب أسلحته إن ذبحت المواطنين حتى إن فعلت ذلك من تلقاء نفسها و دون أوامر منه فما الذي يمكن أن يفعله مئات الشرفاء من القضاة أو رجال الشرطة إن تعرض أي مواطن للتعسف؟ و ما الذي يمكن أن يفعله أي شريف إن تلقى أوامرا لقمع المحتجين هنا أو هناك؟ إن الأنظمة الرأسمالية المافيوزية تحتاج لأقذر ما في المجتمع لتكون قادرة على الحكم فمن الذي يمكنه حمايتها و تنفيذ أوامرها القذرة غير هؤلاء الذين قتلوا معاذ بن كيران و محسن فكري و ياسين شايب وغيرهم إن أقصى ما قد تقوم به الأقلية النزيهة في ظل نظام كهذا هو عدم التورط الشخصي في الفساد أما هذا النظام في حد ذاته فلا يمكنه أن يحيا إلا بِهؤلاء الذين لن يترددوا في طحن محسن فكري أو تعذيب الزفزافي أو تبرئة المجرمين و تلفيق التهم الزائفة للمناضلين
لقد حاولت الطبقة الحاكمة احتواء الازمة وعد المسؤولون كعادتهم بفتح تحقيق حول القضية لكن التحقيقات السابقة كفيلة بإخبارنا بنتائج هذا التحقيق نحن لا نثق في أي جهاز من أجهزة النظام السائد و لا نرى أي طريق غير طريق النضال الجماهيري لمحاسبة قتلة الشعب
إننا نحن الماركسيون لا نعد الشعب بإلغاء الدولة عشية الثورة الاشتراكية لكننا نناضل من أجل منح الشعب العامل سلطة حقيقية تسمح له بممارسة الرقابة حتى على دولته و توجد العديد من المقترحات التي لا ننفي أنها يمكن أن تبدوا طوباوية حتى بالنسبة للناس العاديين لكننا من جهتنا نعتقد أن شكل الدولة و أجهزتها لا يمكن أن يتم تحديدهما إلا بالنقاش الجماهيري من خلال اللجان شعبية و من خلال الممثلين المنتخبين في الجمعية التأسيسية و نثق بأن الناس لن يعملوا ضد مصالحهم آنذاك أما بالنسبة لمن يرون أن فكرة حماية الشعب لنفسه بنفسه طوباوية فسنكتفي بأن نشير لتجربة الشعبين التونسي و المصري اللذين دافعا عن أحيائهما بعد انهيار الأجهزة القمعية و محاولة النظام استغلال البلطجية لبث الرعب و الفوضى
إننا ندعوا الجماهير للنضال لكي لا يكون هناك محسن فكري و ياسين شبلي و ضحايا آخرون إننا ندعوكم للنضال حتى لا نكون مذنبين بإنجاب أطفال في عالم يجدون نفسهم فيه مثل البوعزيزي و خالد سعيد و محسن فكري و ياسين شبلي و غيرهم من ضحايا الظلم و النظام الرأسمالي إننا ندعوكم للنضال حتى لا تأتي أجيال نكون مذنبين تجاهها بعدم دفن هذه الانظمة الاجرامية إننا ندعوكم للنضال حتى لا تجدوا نفسكم مكان ياسين الشبلي يوما ما








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد النشيط يصرح عن ا?ول راتب حصل عليه ????


.. تطور لافت.. الجيش الأوكراني يعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسي




.. أهم ردود الفعل الدولية حول -الرد الإسرائيلي- على الهجوم الإي


.. -حسبنا الله في كل من خذلنا-.. نازح فلسطين يقول إن الاحتلال ت




.. بالخريطة التفاعلية.. كل ما تريد معرفته عن قصف أصفهان وما حدث