الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم العنف الاجتماعي : دلالاته وأشكال تجليه (الحلقة العشرون) ما هي المقاومة ؟!

ثامر عباس

2022 / 10 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


(الحلقة العشرون) ما هي المقاومة ؟!


إذا كانت السلطة – أية سلطة – تمتلك مقومات القمع للمنافسين والردع للمعارضين ، فان ذلك لا يعني أن تكون الأطراف / الجهات التي تتعرض لأضرار ذلك القمع أو الردع ، مجردة من أية وسيلة من وسائل الردّ العنيف أو التصدي السلمي – حسب الظروف والإمكانيات - لمثل تلك الإجراءات المتسلحة بالقوة والمدججة بالعنف . بحيث لا تستطيع الدفاع عن نفسها ، ولا تتجرأ على المطالبة بحقوقها ، ولا تتمكن من فرض الاعتراف بخياراتها ، إذ إن من خصائص الجماعات (المقاومة) امتلاكها القدرة على مقارعة مصادر القوة والعنف بمثلها ، وهو الأمر الذي سوغ لعلماء السياسة والاجتماع إدخال ظاهرة المقاومة ضمن مصفوفة تجليات مفهوم العنف الاجتماعي الذي هو قيد الدراسة .

وعليه يمكننا الاستنتاج إن المقاومة هي شكل من أشكال العنف الذي يستهدف الردّ على الحيف أو الظلم الواقع على فرد أو جماعة ، أو هي نمط من أنماط الكفاح لاسترجاع كيان مستلب أو حق مغتصب ، سواء بالمقاومة الصريحة والمباشرة أو المقاومة بالخداع والحيلة من خلف الجماعة المسيطرة أو / والسلطة الحاكمة كما أشار الباحث (جيمس سكوت) . حيث (( إن كل جماعة محكومة تخلق من محنتها (موروثا"مخفيا") يمثل نقدا"للسلطة يقال وراء ظهر صاحب السيطرة . كذلك إن صاحب السلطة يطور بدوره موروثا"مخفيا"يمثل ممارسات ومزاعم بالنسبة لحكمه مما لا يمكن إظهاره علنا". ومقارنة المورث المخفي لدى الضعفاء بالموروث لدى للأقوياء . ثم مقارنة الموروثين معا"بالتراث العلني لعلاقات السلطة يقدم لنا طريقة جديدة حقا"لفهم المقاومة للسيطرة ))(1) .

والجدير بالملاحظة إن هناك بعض الإشكاليات التي تحيط بمفهوم (المقاومة) ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، قيام البعض بمماهاة مفهوم (المقاومة) مع مفهوم (المعارضة) ، دون أخذ الفوارق النوعية القائمة بين كلا المفهومين بعين الاعتبار . ففي الوقت الذي يوحي المفهوم الأول اقترانه بكل أنماط العنف التي تم وصفها سابقا"، نجد إن المفهوم الثاني لا يقترن – بالضرورة – بأي شكل من أشكال العنف ، بقدر ما يشي بالإيحاءات الدالة على التنافس السياسي والتصارع الإيديولوجي ، حيث المساومات بين الأطراف مقبولة والتنازلات بين الجماعات مشروعة . وذلك للحيلولة تطور المواقف السياسية والإيديولوجية إلى ممارسات تتسم بالتعصب والتطرف ، بحيث تستحيل الاختلافات البسيطة إلى اختلافات مستعصية تستوجب العنف .
هذا من جانب ، أما من جانب ثان ، فان تصنيف (المقاومة) ضد الأنظمة الحاكمة باعتبارها نوع من أنواع (التمرد) ضد القانون أو شكل من أشكال (العصيان) ضد الدولة ، وتصنيف ا(لمقاومة) ضد الاحتلال الأجنبي باعتبارها نمط من أنماط (العدوان) أو ممارسة من ممارسات (الإرهاب) ضد الأمن والسلم الدوليين ، للحدّ الذي يتم تجريده (أي المفهوم) من أية صفة شرعية سياسية أو مشروعية قانونية . نقول إن هذا التصنيف ، لا يستتبع بالمطلق تحميل مفهوم (المعارضة) ذات الأوصاف المشحونة بالسلبية وإسقاطه في دائرة المحظور والممنوع ، سواء من قبل السلطة المحلية أو من قبل السلطة الأجنبية ، باعتباره يرمز إلى كونه آلية (مشروعة) من آليات العمل السياسي في الدول المعاصرة . ولهذا فقد اعتقد العالم النفسي الشهير (سيغموند فرويد) إن (( المعارضة ليست عداوة ، وإنما يساء استعمالها وتجعل فرصة للعداوة ))(2) . هذا في حين اعتبر عالم الاجتماع الألماني (جورج زيمل) إن (( أية معارضة من الممكن أن تكون الوسيلة الوحيدة لتجعل التعايش ممكنا"مع أناس لا يمكن تحملهم ، فهي تشبه صمامات الأمان ))(3) .

الهوامش
1. جيمس سكوت ؛ المقاومة بالحيلة : كيف يهمس المحكوم من وراء ظهر الحاكم ، ترجمة إبراهيم العريس وميخائيل خوري ، ( بيروت ، دار الساقي ، د . ت ) ، ص10 وص11.
2. باربرا ويتمر ؛ الأنماط الثقافية للعنف ، ترجمة الدكتور ممدوح يوسف عمران مصدر سابق ، سلسلة عالم المعرفة (337) ، ( الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، 2007 ) ، ص127 .
3. الدكتور إبراهيم الحيدري ؛ سوسيولوجيا العنف والإرهاب ، ( بيروت ، دار الساقي ، 2015 ) ، ص68 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيول دبي.. هل يقف الاحتباس الحراري وراءها؟| المسائية


.. ماذا لو استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟




.. إسرائيل- حماس: الدوحة تعيد تقييم وساطتها وتندد بإساءة واستغل


.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع العقوبات على إيران بما يشمل الم




.. حماس تعتزم إغلاق جناحها العسكري في حال أُقيمت دولة فلسطينية