الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الجماعات

مازن كم الماز

2022 / 10 / 19
السياسة والعلاقات الدولية


تصنع الجماعات كي تحكم ، تصنع الجماعات في سبيل إنتاج سلطة ما ، دولة … لم يعرف السوريون أنفسهم "كسوريين" حتى أواسط القرن التاسع عشر بل و حتى أواخره ، لم تظهر سوريا كفكرة كيان سياسي حتى هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، عندها فقط ظهر السوريون "كشعب" لأول مرة ، و هذا ينطبق أيضًا على العراق و فلسطين الخ … لم يظهر المغول كجماعة "قومية" إلا مع صعود جنكيز خان و إخضاعه كل القبائل المغولية ثم قيادتها في موجات غزو خارجية بعد آن كانوا عبارة عن قبائل متحاربة و ينطبق نفس الشيء على العرب ، اليونانيين أو الإغريق ، الفرنسيين ، الروس و الأميركان أيضًا الخ الخ… صناعة الجماعات ترتبط بصناعة الدول ، بخلق سلطة ما … و لإنتاج جماعة ما لا بد من اختراع سردية خاصة بهذه الجماعة ، لا بد من صياغة فكرة ذاتية خاصة عن هذه الجماعة في مقابل "الآخر" , و لا يمكن لهذا التصور المزعوم إلا أن يكون إيجابيًا بحق الذات و سلبيا" بحق الآخر ، بدون الإصرار على هذا التعارض بين الأنا الجمعية المتخيلة للجماعة و بين الأنا الجمعية المتخيلة لبقية الجماعات الموجودة خارجها لا يمكن شد أزر الجماعة في مواجهة "الآخر" و لا يمكن تبرير إقامة السلطة التي تحكمها أو تريد أن تحكمها أو أن تستخدمها كقاعدة لحكمها … يتحدث القوميون العرب عن العرب تحديدًا ليس فقط كأمة متمايزة ، بل كأمة ذات رسالة خالدة ، رسالة لا يمكن لغيرها من الأمم أن تضطلع بها ، و يتحدث الماركسيون عن البروليتاريا ، و أحيانًا عن الفلاحين أيضًا ، كطبقة ذات رسالة تاريخية و كقوة تغيير و أساس لمجتمع جديد لا استغلال فيه ، أما الإسلاميون فيقولون نفس الشيء لكن عن المسلمين فقط ، الدولة الإسلامية هي التي ستحل مشاكل المسلمين أولآ ثم مشاكل البشرية جمعاء عندما تسيطر عليها ، و هذا بالضبط ما يقوله الماركسيون عن ديكتاتورية البروليتاريا ، و ما سمعناه طويلًا عن الدولة العربية الواحدة الخ … لقد جرت صناعة العرب كجماعة عندما فرضت قريش لغة قرآن محمد و إلهه على كل القبائل العربية و قضت على لغاتها و آلهتها ثم استعملتها في شن حروب توسعية ضد جيرانها بعد أن أغرتها بالغنائم التي استحوذت هي على معظمها قبل أن تتجسد هذه "الجماعة" في "الدولة العربية الإسلامية" ، أي في سلطة أموية ثم عباسية ثم دول و إمارات و سلطنات متنازعة و متحاربة فيما بينها و ضد جيرانها … يريد الإسلاميون إعادة إنتاج هذه الدولة بإعادة إنتاج الجماعة الإسلامية بالتركيز على وعي ذاتي مفترض لهذه الجماعة يؤكد ليس فقط على وحدتها بل و يشدد على هذه الوحدة و على "هويتها" , أي على أوهام و هلاوس محمد بن عبد الله تحديدًا ، هذه الهوية ليس فقط المتمايزة بل و الاستثنائية : الدين الحق في مواجهة الكفار و المرتدين الخ الخ ، و في مواجهة محاولات نزع هذه الهوية و تهديدها بمؤامرة غربية و من عملاء الغرب لعلمنة الوعي العام و الدولة التي تتحكم بالمجتمعات التي تعتبرها إسلامية … لا يمكن قيام دولة إسلامية من دون مثل هذا التحشيد ضد كل ما هو غير إسلامي و تكفيره و شيطنته أما محاولة تصوير الإسلاميين لأنفسهم بأنهم يقبلون بالآخر و يقتصدون في تكفير كل من يخالفهم أو أنهم لا ينوون فرض فكرتهم و من بعدها سلطتهم على الآخرين و قبل كل شيءٍ على المسلمين أنفسهم ، فهو مجرد هراء ، لكن للحق يجب أن نؤكد أن هذا لا يصح فقط على الإسلاميين بل أيضًا على كل أصحاب الأفكار و الايديولوجيات الأخرى ، إن هؤلاء جميعًا لا يستطيعون إلا أن يكونوا كذلك و إلا لا معنى أبدًا لوجودهم … إن مشاريعهم السياسية و خطاباتهم الفكرية لا يمكن أن تقوم إلا على مثل هذا الفصل التعسفي المطلق بين دار الحرب و دار السلام ، بين الأبيض : الأنا ، و الأسود : الآخرين ، أو العكس أحيانًا عندما يستخدم اللون الأسود لتكريس مظلومية ما تشد عصب جماعة بعينها و تحاول جمع شتاتها وراء تلك المظلومية كأساس لسلطة قائمة أو قادمة … لا يمكن لأي من هذه التيارات السلطوية إلا أن تقوم على تكفير الآخر و شيطنته و قبولها بهذا الآخر أو بالأحرى القبول بالوقوف على قدم المساواة معه يعني نهايتها فقط … تصنع الجماعات لكي تحكم ، أو لتكون مطية لحكم ما ، و الجماعات القائمة اليوم هي بغض النظر عن محاولاتها المختلفة لتعريف نفسها ، ليست إلا جماعات سياسية باحثة عن السلطة ، تخترع سردياتها الخاصة ، المتوهمة غالبًا ، و التي لا قائمة لها بدون قمع الفرد ، أي فرد ، و في المقدمة أفراد الجماعة التي تريد أن تصنعها ، كل ذلك فقط لكي تنتج سلطة ما ، دولة ما ، مشروع إمبراطورية ، مهووس بهرمجدونه ، أي بانتصاره النهائي و الحاسم على كل خصومه المتوهمين ، أي على الجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال