الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإضرابات الفرنسية ودلالاتها

رضي السماك

2022 / 10 / 19
الحركة العمالية والنقابية


منذ أكثر من ثلاثة أسابيع تستمر الإضرابات العمالية في فرنسا، خصوصاً في قطاع النفط؛ أحتجاجاً على غلاء المعيشة وتدني الاُجور، وقد بلغت ذروتها الثلاثاء الماضي تحت شعار "يوم التعبئة والإضراب" لتشمل عمال وموظفي قطاعات اخرى،كالنقل والتعليم والصحة غيرها، وهذه الإضرابات التي دعت إليها النقابات العمالية الرئيسية الكبرى في البلاد، تتم بدعم من القوى اليسارية المؤتلفة في" الأتحاد البيئي والاجتماعي الجديد" وفي مقدمة المضربين والمحتجين عمال شركة" توتال إينرجيز"، ما دفع الحكومة اليمينية ذات الأغلبية البرلمانية الهشة، بقيادة رئيستها اليزابيت بورن، إلى التهديد باللجوء إلى القوة لإرغام المضربين على العودة إلى أعمالهم، وهو ما فعلته في الثاني عشر من تشرين الجاري، الأمر الذي دفع قادة الإضراب إلى الطعن قضائيا في هذا الأجراء الذي وصفوه بالمتعسف تجاه حق مكتسب منذ عشرات العقود.
وإذ تمكن المضربون بفضل صمود إضرابهم الطويل من التوافق مع أصحاب العمل الرأسماليين على رفع اُجورهم بنسبة 7% من أصل نسبة 10% كانوا يطالبون بها، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هنا : ماذا سيفعل المضربون لو تحققت مطالبهم كاملة، أو شبه كاملة، ثم تبخرت الزيادة في غضون أشهر؟ وذلك إذا ما أستمرت الأسعار في الأرتفاع ؟ هنا نصل إلى بيت القصيد،ذلك بأن أزمة الوقود، ومعها الأزمة المعيشية والاقتصادية، التي تعصف بالشعب الفرنسي، وخاصة طبقاته الوسطى والدُنيا،إنما هي ناجمة عن تطبيق سياسة أكبر مفروضة عليه من قِبل قمة السلطة الرأسمالية اليمينية الحاكمة، و تٌعرف هذه السياسة ب"النيو ليبرالية"، ومن أبرز مساوئها تخفيض الضرائب لكبار الرأسماليين المستثمرين، وكذلك تخفيض الانفاق العام على التعليم والصحة وسائر الخدمات الاجتماعية العامة، والتوغل في الخصخصة بلا حدود في بعض مؤسسات الخدمات التي لا يجوز خصخصتها بأي حال من الأحوال .
وإلطامة الكبرى حينما يتم الإصرار على تطبيق مثل تلك السياسة، في ظل اصرار الطبقة الحاكمة، بقيادة الرئيس أيمانويل ماكرون، على دعم اوكرانيا بالمال والسلاح، والتي ما برحت تخوض حرباً طويلة منهكة مع روسيا،دون مبالاة بما لهذا الدعم السخي من أنعكاسات بالغة الخطورة على الداخل باتجاه مفاقمة الأزمة الاقتصادية والمعيشية!
ولعل المتمعن جيداً في أبعاد ودلالات الإضرابات الفرنسية سيخرج بدروس مستفادة، سياسية تاريخية ونقابية، سواء للطبقة العاملة الفرنسية أم للطبقة العاملة العالمية،لكننا سنكتفي هنا بدلاتين عريضتين:
الدلالة الأولى : إن الإضرابات العمالية الفرنسية والمكاسب التي حققها العمال، ما كانت لتتحقق لولا حركات ونضالات الطبقة العاملة التاريخية في البلدان الرأسمالية منذ أواسط القرن التاسع، والصراع الأيديولوجي الذي خاضه الأتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية السابقة دولياً و في المنظمات الدولية مع الدول الرأسمالية، فتحت تأثير هذين العاملين أضطرت الدول الرأسمالية الغربية إلى التسليم بهذا الحق النقابي لعمال بلدانها،ومثله نظم التأمينات والحماية الاجتماعية.
الدلالة الثانية: إن التجربة التاريخية المديدة لحق التنظيم النقابي وحق الإضرابات، أثبتت بما لايدع مجالاً للشك، بأن هذا الحق مهما تحقق بفضله من مكاسب يُنتزع من أصحاب المؤسسات الرأسمالية معرضاً للزوال، مالم يتسلح المضربون مسبقاً بالوعي السياسي الطبقي،ومن هنا تتأتى أهمية ربط النضال الطبقي المطلبي بالنضال السياسي ضد السياسات الرأسمالية اليمينية، على نحو ما أوضحنا آنفاً بأن ثمة مخاوف بأن تتبخر زيادة رفع الاُجور - أياً تكن نسبتها-التي يحققها المضربون الفرنسيون إذا ما أستمرت الأسعار في توالي الأرتفاع خلال فترة قصيرة مع تفاقم الأزمة الرأسمالية الفرنسية .
وهكذا، فما لم يتم ربط الوعي النقابي بالوعي السياسي الطبقي للتخلص من الحكومة الحالية اليمينية، والنضال الفوري من أجل توصيل حكومة اشتراكية إلى السلطة تسهم فيها كل القوى ذات المصلحة في التغيير ، وذلك من خلال تبني برنامج إصلاحات جذرية، فإن مكاسب المضربين لن تكون سوى مسكنات وقتية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكدونالدز في ورطة جديدة بسبب إصابة عامل باليومية.. والشركة


.. ترمب يكتسب خبرة التعامل بشكل رسمي مع قاعات المحاكم




.. فرصتك-.. منصة لتعليم الشباب وتأهيلهم لسوق العمل


.. طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا يعتصمون احتجاجا على الإبادة




.. ا?ضراب لعاملين بالقطاع الصحي في المستشفيات الحكومية المغربية