الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر ازمة.... ومخاطر حرب

قاسم علي فنجان

2022 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


((وهكذا فأن أزمة النظام الرأسمالي العامة لن ينتهي امرها الا الى الشدة والاتساع)) هنري كلود.

هذا هو عنوان كتاب الاقتصادي الفرنسي هنري كلود، الذي يتتبع فيه أثر الازمة الاقتصادية عام 1949 والتي انتهت بالحرب الكورية 1950-1953، مثلما فعل في كتابه السابق "من الازمة الاقتصادية الى الحرب العالمية" الذي بحث فيه ازمة ما أطلق عليها "الكساد العظيم" 1929، والتي توجت بالحرب العالمية الثانية 1939-1945.

يبدأ هنري كلود كتابه بهذه الجملة:
(ان حرب عام 1914 سبقتها ازمة عام 1913، وحرب 1939 تلت ازمة 1938، كما ان اندلاع الحرب الكورية، انما تلي حدوث انحطاط جدي في نشاط الولايات المتحدة الاقتصادي عام 1949) انه يريد ان يثبت في جميع مؤلفاته ان هناك "علاقة سببية بين الازمات والحروب"، فهو لا يقبل ابدا بالطرح الذي يقول ان هناك "مصادفة" من نوع ما، بل ان هناك تراكمات تؤدي الى نتائج معروفة، لهذا فهو يحمل النظام الاقتصادي والذي تنبعث منه الازمات الاقتصادية دوريا، أي النظام الرأسمالي مسؤولية كل الحروب الحديثة.

مخاطر الازمات الدورية والتي تأتي تباعا هي خصيصة يحملها نمط الإنتاج الرأسمالي معه، فمنذ انبثاق هذا النمط وهو يحمل بذرة الازمة في داخله، انه لا يستطيع العيش او التنفس خارج الازمة، فهي الوحيدة التي تبقيه، تعطيه ديمومة واستمرارية وبقاء، مع هذا فهو نمط قابل للتكيف مع ما ينتجه من تلك الازمات، فهو في حركة متجددة، حتى يحافظ على استمراريته، لكنها في ذات الوقت وفي لحظة تاريخية معينة-عندما تصبح تناقضاته مستعصية- قد تكون هي المدمرة له، هي الفانية والناهية له.

اليوم الجميع يقول ان الازمة الاقتصادية التي يمر بها العالم هي الأكثر قسوة وايلاما، بل ذهب البعض الى القول ان هذه الازمة هي اقوى حتى من ازمة ما قبل الحرب العالمية الثانية، انها ازمة مطولة كما يصفها مختصو علم الاقتصاد، فهي تثير ارتدادات ما بين الفينة والأخرى، منذ "الانفجار الكبير" لها 2008-2009، والذي تسبب بإفلاس وانهيار الكثير من الدول والشركات، الى تفشي الوباء "كورونا" وفرض سياسات الاغلاق التي أدت الى اتخاذ جملة من الإجراءات على صعيد السياسة المالية، منها حزم الإنقاذ المالي اذ بلغت تلك الحزم نحو 18 ترليون دولار مع خفض في أسعار الفائدة وتوسعة الديون.

لكن الحلول الاقتصادية التي يخرج بها اقتصاديو الرأسمالية لم تعد تجد نفعا، فها هو صندوق النقد الدولي، المؤسسة الأولى والاكبر المحافظة على هذا النمط، وفي احدث اصدار له يقول إن "الأسواق أصبحت شديدة التقلب"، "فيما تزداد المخاطر وسط أعلى معدل تضخم يشهده العالم منذ عقود وعدم اليقين غير العادي بشأن التوقعات"، وحيث تتابع القراءة في النشرات والدوريات الاقتصادية فأن كلمات "اعلى مستوى من الاسعار، ارتقع التضخم، قفز معدل الفقر، تدهور الاقتصاد، انهيار بورصة كذا، انخفاض التوقعات" الخ هي السائدة في تلك الدوريات والنشرات الإخبارية، وكل ذلك يؤشر الى عمق الازمة الاقتصادية التي تلتف حول عنق الرأسمالية.

في عام 2019 صرح رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "غوردن براون" (إننا نواجه خطر الانزلاق نحو أزمة مستقبلية، يجب أن ننتبه انتباهاً شديداً للمخاطر المتصاعدة، ولكننا نعيش في عالم بلا قيادة، التعاون الذي رأيناه في 2008 لن يكون ممكناً في أزمة ما بعد 2018 من حيث عمل البنوك المركزية والحكومات معاً، كل ما سنفعله هو إلقاء اللوم على بعضنا البعض بدلاً من حل المشكلة)، اذن هي ازمة مستفحلة، عميقة، وقد انزلقوا فيها، بل سقطوا في قرارتها، انهم يعيشون في تخبط وفوضى، فالقائد الملهم لهم "الدولار" بدأ شيئا فشيئا يفقد بريقه وجاذبيته، "في نهاية المطاف، سوف يكون لدينا عملات احتياطية أخرى غير الدولار الأمريكي" مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، في يناير 2019؛ لكن القيمين على الرأسمالية هل سيتركونها تنحدر الى أعماق الهاوية؟ يجب البحث عن "حل" ولو مؤقت لتلك الازمة، لحين "جذب الانفاس" كما يقال، انهم يحتاجون الى حرب، كصيغة نجاة، انها بالنسبة لهم ك "الادرنالين" الذي يعطى لقلب توقف عن النبض لإنعاشه فقط، لكنه لا يمكن ان يرجعه الى وضع صحيح ابدا، ستبقى علله تأكل جسمه.

هنري كلود في كتابه الانف الذكر يقول: (ان اندلاع الحرب الكورية في حزيران 1950، أنعش امال الأوساط الرأسمالية)، وهذا ما يجب فعله بالنسبة للأوساط الرأسمالية الحالية التي تمر بأزمة غير مسبوقة؛ إيجاد صراع عسكري، حتى تبدأ دورة انتاج جديدة، بشكلها العسكري "اقتصاد الحرب"، يذكر فؤاد مرسي في كتابه "الرأسمالية تجدد نفسها" ما نصه:
(تتجمع في القطاع العسكري من الاقتصاد الرأسمالي كل ظواهر الرأسمالية المعاصرة مجسمة. فهو مركز تطوير واستخدام آخر كلمة في التقدم العلمي والتكنولوجي. وهو تجسيد حي للتدويل المضطرد للإنتاج ورأس المال وهيمنة الرأسمالية المالية. وهو مثال نموذجي للقدرة على التكيف وتصحيح عمل قوى السوق. ومن هنا فهو مهيأ ليكون محركا للنمو الاقتصادي وخصوصا في أوقات الازمات). انها رؤية ثاقبة فالقطاع العسكري يحوي مجموعة قطاعات إنتاجية مهمة، يستطيع من خلالها اعادة انتاج الرأسمالية، لكن يبقى مهما جدا معرفة ان الاقتصاد القائم على الإنتاج الحربي يعزز من السيطرة الاحتكارية اقتصاديا وسياسيا، ويعيد انتاج اشكال حكم محددة، ان "الامر الرئيس في اقتصاد الحرب هو جوهره السياسي والاجتماعي. والقضية الموضوعة هي ان نعرف دائما اية مصلحة هو خادمها. فهل يخدم مصالح الشغيلة او المستثمرين؟ مصالح الوطن او الاستثمارات؟" هنري كلود.

اذن كان هناك سيناريو لضخ الدم من جديد في هذا النمط البائس، ويبدأ هكذا: بعد مشاكل وتعقيدات كثيرة بين الروس والاوكرانيين، اتخذت اشكالا وتمثلات عديدة، يتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرارا بشن الحرب على أوكرانيا، بدعوى انه يخشى من توسع الناتو على حدوده، او هذا ما يراه، في مقابل رؤية الغرب على ان الصراع الروسي-الاوكراني هو صراع بين الديموقراطية والدكتاتورية، او هذا ما عملت عليه آلتهم الإعلامية؛ على العموم فان الحرب قامت، و"الحرب هي الحرب"، انها في المحصلة النهائية "تصريف ازمة".

بدأت الدول تباعا تعلن عن مساعدات عسكرية مهولة لأوكرانيا الفقيرة، لإدامة الصراع واطالته، وبدأت دول أخرى تعلن عن الارتفاع الكبير في الانفاق العسكري، بيانات معهد "ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" أظهرت "أن الإنفاق العسكري في أوروبا وروسيا قفز في الفترة السابقة على الغزو الروسي لأوكرانيا، وتجاوز ترليوني دولار، على الرغم من تداعيات جائحة كورونا التي نالت من النمو الاقتصادي"، أي ان مستويات الانفاق تلك كانت قبل الاجتياح الروسي، لكن ماذا بعد الاجتياح؟ لقد اصيب العالم بهستيريا الانفاق العسكري، وقد تكون المانيا هي الدولة الأكثر هستيريا، فقد قفز انفاقها العسكري من 56 مليار دولار عام 2021 الى أكثر من 100 مليار للعام 2022. اذن فالقطاع العسكري هو "القوة القاطرة للصناعة والتكنولوجيا والبحث والعمالة، وهو بالتالي الأداة لإنعاش الاقتصاد بصورة دائمة وخصوصا عندما تلوح معالم الازمة. وبالطبع فأن القوة المحركة للقاطرة نفسها انما تتمثل في الانفاق العسكري للدولة" فؤاد مرسي.

السؤال الذي يطرحه الرأسماليون بعد مرور اقل من عام على الحرب هو هل انتهت او ستنتهي الازمة الاقتصادية بنهاية هذه الحرب؟ اكيد ان العالم اليوم ليس مثل ما كان عليه أيام الحرب الكورية او الفيتنامية او العالمية الأولى او الثانية، اليوم القوى الرأسمالية المتصارعة لديها القدرة على تحويل العالم الى ركام، هم اليوم يضعون أصابعهم على الزناد النووي، وفي استنتاج متواضع فأن المرء يستطيع القول ان العالم في ازمة خانقة ومصيرية، هو ذاهب الى حرب نووية، لكنها قد تكون محدودة، انه يسير اليها لكن ببطء شديد، فلا يوجد أي افق في تسوية ما بين الأطراف الرأسمالية المتصارعة، بالتالي ستبقى مخاطر الازمة تفتح الطريق الى مخاطر الحرب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا